كراسة رسم

كنت أرسم شجرة

ظللت لأعوام طويلة أرسم في كراستي شجرة وأسقيها

أعاملها مرة على أنها أمي

وأحياناً حبيبتي

شجرةً طفلة

بضفائر

في طول قامتي

ثم أرسم ولداً هو أنا وأغار منه

وحين يرفع الهواء ذيل فستانها أسبقه

وأستر سيقانها.

***

وكنت أرسم أباً لا يموت

بقطعة من الفحم

أبدأ أولاً بحاجبيه

ليقطب بهما في وجه عزرائيل

ربما انصرف إلى حال سبيله

ثم أجدني أبكي، لأن أبي مات بالفعل

ولم يشيّع أحد حواجبه.

***

الفحم أكثر سخاءً في الجنازات

يعرف فيم تفكر أرملة عادت للتو من دفن زوجها

وفي رقبتها قفة عيال

يعرف كيف يجعل من حزنها شجرة

لكنني جربتُ غيره

لون واحد لا يكفي أحزان أمي

لا يكفى أن ترسم شجرة ذابلة

لتصبح أرملة

لا يكفي أن تقلد صوت عصفور، ليخفق ذراعاك

لا يمكنك أن تفهم العشب ولم تجرّب فظاظة القدمين.

***

الرسم ليس فرشاة على سطح

ليس تأريخًا لنهدين منتصبين ولا للوادي الذي بينهما فقط

الرسم قبلة حياة نمنحها للماضي، ليظل حاضراً دائماً

طريقة لأن نعيش بعد الموت.

***

وأنت طفل ترسم فتاة في مثل عمرك

وحين تصير عجوزاً ترسم أيضاً فتاة

التقدم في العمر لا يعنى سوى إتقان الظلال.

***

أبي نسي حياته في كراستي

في لوحة لم أكملها قطّ

لأنني انشغلتُ بأحزان أمي

بالسحب وهي تتحوّر في هيئات كثيرة

بعصى المدرس، مخافة أن تهوى على رأسي، لأنني سرحان

رسمتُ عدة أشكال للعصى

فكانت أصابعي ضحيتها الوحيدة

أصابعي التي تخلق لي رفقة من الرسومات

أعلّقها على جدران بيتنا الطيني وأنتظر

أن تصبح عائلة حقيقية

عزوة

***

رسمتُ الفقر نفسه

كما هو، دون تلوين

فقط كنت أنظر في عيون الفقراء

أو أركّز في أقدام أمي وهي تجترّ خطواتها الحافية.

***

رسمتُ الأمل

لكن الضوء استعصى عليّ

إذ كيف يمكن لطفل فقير أن يمسك الضوء

حاولتُ..

رسمتُ أكثر من شعاع لكنه كان ينكسر

آخر النهار

كان يغربُ حين أقْلبُ الصفحة.

***

المنظر الدائم

الطبيعة الصامتة التي ما زلت أرسمها

أمي وهي تعدّدُ على أبي، فقد مات دون أيّ مبرر يُذكر

وذلك الفرن الذي ” يأوي نهاراتها “

كانت ترمي في جوفه قطع العجين

كأنها تُلقمه أوجاعها

كنت أرى ألسنة اللهب تُنضج الخبز

تلفحني حرارتها وأنا أمدّ يدي

ألتقط أوجاع أمي، الأرغفة

وأرسمها ساخنة.