كيف يفكر ترامب

السبت 2017/04/01
لوحة: فرناندو ليرا

إن أيّ محاولة لفهم التأثيرات السياسية لانتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وما قام به منذ تنصيبه في العشرين من يناير الماضي تستوجب إلقاء نظرة على التوازنات التي كانت قائمة قبل بدء الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، التي أوصلت في النهاية ترامب إلى البيت الابيض.

لقد شهد توازن القوى على الصعيد العالمي تحولا تمثل في ارتفاع حصة بلدان مجموعة البريكس، في العشرين سنة الأخيرة إلى 31.9 من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، أي أن حصة هذه البلدان تضاعفت. وعلى أساس معدلات القوة الشرائية، وحسب معطيات صندوق النقد الدولي، فإن الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية، ويتوقع الصندوق أن الهند ستدفع بالولايات المتحدة، في عام 2050 إلى المرتبة الثالثة، تأتي بعدها إندونيسيا ثم البرازيل والمكسيك. وعلى الرغم من ضرورة توخي الحذر مع التوقعات المستقبلية، إلا أنه من الواضح أن بلدان الجنوب في طريقها لتجاوز بلدان الشمال التي تصدرت المشهد الاقتصادي منذ انطلاق الثورة الصناعية.

ومن البديهي أن هذه البلدان لا تنوي مغادرة مواقعها، وتستخدم كل الوسائل للدفاع عنها، وفي المقدمة تأتي قوة الردع العسكرية، التي تحتل، وفي زمن التحولات التي نشهدها، موقعا مركزيا في خطط سياسيي الغرب المتنفذين، كما أنها لم تكن غائبة عن أذهانهم. فمن «عقيدة بوش الابن» في عام 2002 إلى خطاب أوباما أمام خريجي أكاديمية ويست بوينت في عام 2014 والتي اعتبر فيها القوى التي تهدد المصالح الحيوية لبلاده، والتي لا يستبعد مواجهتها عسكريا هي الإرهابيون، روسيا، والصين على التوالي. وقد سارع حلفاء الولايات المتحدة في الغرب إلى التأكيد على صحة ما ذهب إليه حليفهم الكبير.

أميركا أولا

لقد استمر تزايد وزن بلدان الجنوب، إلا أن هناك متغيرات يمكن رصدها وتتمثل بالتوجهات الجديدة التي أعلنها ترامب منذ توليه السلطة الفعلية والمنطلقة من شعار «أميركا أولا»، الذي يؤدي عمليا، حسب ترامب إلى إخضاع كل الصراعات العالمية لمعيار وحيد هو مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. وهو في الواقع ليس بالأمر الجديد، ولكنه كان يمرر تحت غطاء دعائي هو الدفاع عن القيم لتغطية سياسة المصالح النافذة. وقد تحول الآن إلى خطاب رسمي مباشر. وحقيقة ما تقصده حكومة المليارديرات والجنرالات بزعامة ترامب هو مصالح الطبقة المتربعة في قمة النظام السياسي. ولعل الجديد هو إعلان ترامب أن حلف الناتو عفا عليه الزمن ولم يعد ضروريا، وأن الاتحاد الأوروبي ميدان لممارسة الاستغلال من قبل رأس المال الألماني.

وتجسد ذلك عمليا بوصف ترامب الصين بالعدو الرئيس، وكانت إدارة أوباما قد طرحت الاهتمام بمنطقة الباسيفك باعتبارها ورقة رابحة. وترامب يدفع بهذا التوجه إلى المقدمة، ولكن مع تغيير مهمّ هو الموقف من روسيا. وهنا يعيد ترامب إلى الواجهة إحدى استراتيجيات الحرب الباردة، باعتماد عرقلة التعاون الوثيق بين الصين وروسيا، التي كانت دوما إحدى ركائز الاستراتيجية الأميركية في إدارة الصراع على المصالح منذ اندلاع الحرب الباردة في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، بما في ذلك توظيف التقاطعات الفكرية بين الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني حينها. واستمر هذا النهج أيضا حتى في عهد إدارة أوباما.

يحتاج ترامب روسيا كشريك لضمان مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويحتاجها في عملية مكافحة الإرهاب. وهناك في الواقع رغبة مشتركة بين البلدين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وينطبق الشيء ذاته ببناء «علاقات شراكة» في السياسات المتعلقة بالطاقة، وخصوصا النفط والغاز، ومن هنا جاء اختيار تيلرسون مدير شركة إكسون، اكبر شركات الطاقة في العالم لحقيبة الخارجية. وهذه الحاجة الأميركية تتقاطع مع توجهات ألمانيا ومن يدور في فلك سياستها من بلدان غرب أوروبا، وبهذا سنشهد موقفين تجاه روسيا: موقف الولايات المتحدة وهي تسير باتجاه التنسيق معها، وموقف ألمانيا الناتو الساعية لتوتير الأجواء وتصعيد سباق التسلح معها. ومن وجهة النظر الأميركية هناك إمكانية لإشغال روسيا والاتحاد الأوروبي ببعضهما البعض، عبر الدخول في سباق للتسلح وعسكرة العلاقات فيما بينها. ويمكن لذهنية ترامب أن ترى في ذلك صفقة جيدة.

التغيير الثاني في السياسية الخارجية الأميركية يتعلق بالشرق الأوسط. ويكرر الرئيس الأميركي الجديد باستمرار وبلا كلل، إنه يريد وبالتعاون مع روسيا الانتصار على ما يسمّيه العدوّ في المنطقة ويعني به داعش. ومن المتوقع أن تلتقي الولايات المتحدة وروسيا في هذا الموقف أيضا، وسنشهد تراجع إدانة النظام السوري في وسائل الإعلام، ولكن مع هذا هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بالتنسيق الموعود لم تحلّ بعد.

المشكلة التي ستزداد تفاقما بسبب سياسات ترامب هي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتحديدا دخول حلّ الدولتين نفقا مظلما. لقد أدان مجلس الأمن الدولي سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وبهذا أكد على حق الفلسطينيين في قيام دولتهم المستقلة. وقد وصف ترامب القرار الأممي بالمميت. والسفير الأميركي في إسرائيل يريد نقل سفارته إلى القدس، باعتبارها عاصمة «إسرائيل التاريخية»، وهذا الموقف يمثل عمق التقاطع بين طرفي النزاع، فالفلسطينيون متمسكون بالقدس عاصمة لدولتهم المستقلة المنشودة. ومن المفيد الإشارة إلى أن أحد كبار مستشاري ترامب وزوج ابنته كوشنر، هو أحد الممولين الرئيسيين للاستيطان غير الشرعي في المناطق الفلسطينية.

إن الصراعات في الشرق الأوسط تقرّب المسافات بين الولايات المتحدة وروسيا، بشكل يجعل خطر التفريغ العسكري للأزمات قريبا. ولا يمكن لحرب كهذه أن تبقى محلية، لأنها تتعلق بأهم منطقة تختزن المواد الخام، وخصوصا النفط والغاز، فضلا عن طرق النقل الحيوية، ومواقع الإنتاج. وهناك حقيقة قديمة لا بد من تأكيدها مجددا وهي أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع من أجل الهيمنة العالمية، وسوف لن ينحصر ببلدان المنطقة، بل سيتحول إلى صراع قاري، بين الناتو وروسيا في بلدان أوروبا الشرقية.

ينمو رفض العولمة الفعلية من قبل الخاسرين الحقيقيين والمزعومين من تطبيقاتها العملية، ويتصاعد الحقد ضد كل ما هو أجنبي، مصحوبا بالتحوّل نحو مشاريع اليمين الفاشية التي يطلق عليها للتخفيف تسمية اليمين الشعبوي.

ويتعرض مفهوم «الدولة التكاملية»، أي النظام السياسي الذي يتشكل عبر الحدود القومية، ويحلّ التباين الدولي بشكل جماعي، إلى الضغط، أو يعاد النظر في الكثير من جوانبه. وتظهر إلى السطح النزعة الحمائية، ورفض الغرباء، وعودة وانتشار شعار «شعبنا أوّلا» في بلدان رأسمالية مهمة، بدءا من الولايات المتحدة الأميركية حيث ترامب يفوز بالانتخابات رافعا شعار «أميركا أولا»، معلنا التمييز الواضح ضد الأقليات العرقية والدينية والثقافية. وسبق هذا الحدث نتيجة الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان الدافع الرئيس وراء هذه النتيجة هو رفض حرية تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء في الاتحاد، والذي كان نصيب بريطانيا منه كبيرا نسبيا، وكذلك إمكانية توزيع اللاجئين على بلدان الاتحاد على أساس آلية تقرها مؤسساته. ومن المتوقع أن يشهد عام 2017 عام الانتخابات في بلدان أوروبية مهمة صعود اليمين المتطرف بزعامة العنصري فلدرز في هولندا، حتى وإن لم يتمكن من تشكيل الحكومة، ووصول اليمينية الشعبوية ماري لوبان إلى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، وفي ألمانيا يتوقع أن يدخل حزب اليمين الشعبوي المعادي للأجانب «البديل من اجل ألمانيا» البرلمان الاتحادي، وبنسبة تزيد على 10 بالمئة، فإن كل هذه التوقعات إن تحققت ستعزز دور الحركات العنصرية الشعبوية في البرلمانات والحياة السياسية الأوروبية.

إن الشعبوية اليمينية، وبقدر تعلقها بالدعم الجماهيري في البلدان الصناعية المتقدمة هي حركة الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى التي يتعمق في سياق العولمة انخفاض مستواها المعيشي، والتي لا ترى آفاقا لمستقبلها في هذا النظام

ما وراء الاتجاهات القومية؟

إن سياسة أميركا أولا لسيت حمائية فحسب، أي أنها تحاول تحقيق مصالح قومية على حساب الدول الأخرى، بل تحتوي ضمنا توظيف العدوان العسكري أيضا. إن أميركا ترامب تريد أن تصبح وبالعسكر أيضا الدولة الأولى ومن دون منازع، لكي تحسم النزاعات لصالحها. وهذا ينسحب أيضا إلى مجال السلاح النووي، الذي يريد ترامب التوسع فيه. يقول ترامب «نحن في الولايات المتحدة الخاسرون في العولمة الراهنة. ونريد الخروج من هذا الوضع. سوف نلغي اتفاقات التجارة الحالية مثل اتفاقية تافتا، ولا نوقع على اتفاقيات التجارة الحرة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، وكندا. وسوف نوظف كل وسائل الضغط التي نملكها، لتغيير العلاقات الدولية لصالحنا. ولا نستثني توظيف الجيش والحرب لهذا الغرض». إن عقيدة ترامب حمائية عدوانية على طول الخط. والقوة بالنسبة إليه تحدد قواعد اللعبة. إن ترامب واحد من صقور الإمبريالية الذين لا تردعهم كوابح الديمقراطية الأميركية. وفي برنامجه السطحي جدا وضع التسلح النووي والتقليدي في مركز اهتمامه. فهو يريد التوسع في بناء أنظمة الصواريخ الدفاعية وجعلها منيعة. ترامب شن الحرب علانية، ويهدد بعودتها كوسيلة طبيعية في فرض السياسات. وعلى هذا الأساس هناك مجموعة من الأسئلة من الضروري تفحصها منها:

1 ذ هل يعني شعار ترامب «أميركا أولا» إعطاء الأولوية لتفضيل رأس المال الأميركي في إطار الهيكلية المعولمة لرأس المال العابر للحدود؟ هل يريد ترامب من تصعيد الصراع التنافسي حول الاستثمارات والأسواق المعولمة التدخل الغاشم لصالح رأس المال الأميركي؟

2 ذ في الولايات المتحدة، كما هو الحال في غيرها من البلدان المتقدمة، تتفجر التناقضات بين رأس المال الذي يخدم بشكل رئيسي السوق المحلية، والشركات العابرة للحدود التي تملك ميدان الاستغلال العالمي. ولذلك من الضروري تفحص إلى أيّ مدى يمثل ترامب مصالح رأس المال الأميركي المعتمد على السوق المحلية بالضد من الشركات الفاعلة عالميا، وكيف يتم في المستقبل القريب موازنة هذا التناقض في المصالح. وعلى أساس هذه الموازنة تم تشكيل الكابينة الوزارية، حيث يجتمع ممثلو كلا الاتجاهين وفي المقدمة منهم مشاهير رأس المال العالمي ممثلا بشركة غولدنمان ساكس.

إن الشعبوية اليمينية، وبقدر تعلقها بالدعم الجماهيري في البلدان الصناعية المتقدمة هي حركة الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى التي يتعمق في سياق العولمة انخفاض مستواها المعيشي، والتي لا ترى آفاقا لمستقبلها في هذا النظام. والأساس الاقتصادي للتردي الاجتماعي لهذه الفئات يعود إلى نقل الشركات العابرة للحدود الوطنية، في سياق العولمة، مواقعها الإنتاجية إلى بلدان الأجور المتدنية. ومن هنا يجري الحديث عن»De-industrialization» في البلدان الصناعية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة. ولذلك فإن بلدانا مثل الصين والهند والمكسيك، لم تعد سوى ورشة عمل للاقتصاد العالمي، بل تأخذ دورا متزايد في الإنتاج الرقمي والعمليات الاقتصادية الأخرى. إن نظم التعليم في الصين والهند مهيأة لتلبية متطلبات الصناعة الحديثة بشكل أفضل من بلد صناعي متطور جدا كألمانيا. والخوف من المراوحة، ومن مستقبل مادي واجتماعي سيء ينتقل من الفئات الدنيا للطبقة الوسطى إلى فئات الطبقة العليا. وهذا يؤدي إلى استمرار تعزيز دور اليمين الشعبوي وبالتالي الميل إلى العقيدة الحمائية ويعمّق التناقضات باتجاه الحروب. والنخبة السياسية السائدة تقترب من هذا المسار اليميني. والأحزاب والمؤسسات السائدة تستمر في تحولها نحو اليمين، وهذا ما تشهده العديد من البلدان الرأسمالية المتقدمة في أوروبا. ومن وجهة نظر الرأسمال الكبير المعتمد في الداخل والخارج على التعامل العابر للحدود (فوق القومي)، تطرح المعضلة بالشكل التالي: إن وظيفة الدولة هي العمل كلجنة لمصالح رأسمالنا. من جانب آخر يدفع هذا الواقع المزيد من المتضررين إلى المطالبة بالتغيير. إن علاقة النخب السياسية بمصالح الرأسمال ذيلية، ولكنها مجبرة على مراعاة صناديق الاقتراع. ورأس المال العابر للحدود يفضل سياسة تبسيطية قائمة على التجارة الحرة للسلع ورأس المال. ولكن مع أخذ تحقيق الأكثرية في صناديق الاقتراع بنظر الاعتبار، سيثبط تأثير التدابير المتخذة لتعزيز الأرباح في السياسة المالية والتجارية لصالح تدابير الحماية القومية. ويستطيع رأس المال العابر للقارات العيش أيضا مع السياسات الحمائية. وعندما يبذل كل بلد قصارى جهده لتحقيق أفضل شروط الاستثمار، كما تحاول الولايات المتحدة الآن تحقيقه مع ترامب تبدأ المشكلة، وعندما تحاول الولايات المتحدة توظيف قدرتها الشرائية العالية لإغلاق أسواقها، أو تجعلها مكلفة، هنا سنشهد كفاح رأس المال العابر للحدود لإملاء السياسات، خصوصا في البلدان ذات القدرة الشرائية العالية. وستحدث توترات بين النخب السياسية ورأس المال العابر للحدود فأحدهما يريد حرية الوصول إلى السوق وتحقيق المبيعات، والآخر يحتاج الحصول على أكثرية الأصوات.

ما تقدم يثير المخاوف بشأن المرحلة المقبلة من السياسة العالمية. رأس المال العابر للحدود ووكلاؤه السياسيون سيجدون أنفسهم تحت ضغط كبير فيما يتعلق بتحقيق الهيمنة على الموارد العالمية، الأقاليم، وطرق النقل البحري، وفي الوقت نقسه يتفجر الصراع بين الوحدات السياسية، بشأن كيفية توزيع فائض القيمة المتحقق عالميا بين منتصري العولمة. إن العالم يسير في اتجاه أوقات عصيبة، ستشهد خطر صدامات سياسية صعبة، ونزاعات مسلحة.

مخاوف غير واقعية

إن دفع الخوف من المهاجرين إلى مستويات عالية، والنظر إليهم باعتبارهم أدوات الإرهاب، الذي يشكل، وفق استراتيجيات الغرب العسكرية الخطر الأكبر، إضافة إلى فوبيا معادة الإرهاب توفر غطاء شرعيا لتفكيك الحقوق الديمقراطية في الداخل، وأساسا أيديولوجيا لتسريع وتيرة التسلح وإشعال الحروب في الخارج.

لقد أوجدت سياسات الليبرالية الجديدة أرضا خصبة لازدهار اليمين الشعبوي. وحولت تلك السياسات مجاميع سكانية بعينها إلى شماعة لتعليق نتائج الأزمة المالية-الاقتصادية، وصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية الكامنة في جوهر النظام عن التردي الاجتماعي والاقتصادي المنظم الذي تعيشه البلدان الصناعية المتقدمة، والذي انعكس في تصاعد البطالة ومعدلات الفقر، وانعدام في قواعده للمستقبل. إن تصوير ثراء النخبة على أنه نتيجة طبيعية لحركة السوق، أو أنه إرادة إلهية لا يمكن المساس بها، دفع الأوساط الاجتماعية الأخرى إلى الصراع على الفتات. وبقيت الليبرالية الجديدة واليمين المتطرف ألوانا متناغمة يغذي بعضها البعض. ولهذا نشهد صعود الذين يوظفون غطرسة نخب السلطة التقليدية ليحلوا محلها. وقد جاء فوز ترامب ليعطي زخما جديدا لأحزاب اليمين الشعبوي في أوروبا، وهي تدخل عام 2017، عام الانتخابات العامة في كل من هولندا وفرنسا وألمانيا على التوالي. وشكل انتصار ترامب أيضا رافعة لصعود قيم التعصب والانغلاق، وتعزيز الخوف من الآخر. وبالتالي فمن الخطأ النظر إلى ترامب باعتباره عتلة ممكنة للتوازن الدولي. إنه يؤجج الصراع في آسيا والشرق الأوسط ويسعى لتعزيز سيطرته العسكرية هناك. ويدّعي توفير الحماية ولكنه في الواقع لا يطورها. ويوظف مخاوف التدني الاجتماعي، لخدمة وتصعيد الاستياء العنصري. ولا يهاجم مصالح الأثرياء، ولا يعمل على خلق شروط هيكلية لمزيد من العدالة الاجتماعية، وهو يلتقي مع أحزاب اليمين الصاعدة في أوروبا في تتبنى برامج الليبرالية الجديدة الاقتصادية.

إن أحزاب اليمين التقليدي الساعية إلى الحفاظ على مواقعها في السلطة استعارت خطاب اليمين المتطرف وشعاراته لتحقق مكاسب انتخابية في مواجهة منافسيها من قوى الوسط واليسار، هذا ما فعله ساركوزي في حملته الانتخابية عندما طالب بطرد الغرباء، وكذلك المحافظ ديفيد كاميرون الذي استعار خطاب اليمين المتطرف، وقاد بريطانيا بالنتيجة إلى الاستفتاء الذي أخرجها من الاتحاد الأوروبي، وأطاح بحكومته أيضا.

ومنذ الانتصار على الفاشية شهدنا محطات عدة لصعود اليمين المتطرف، أو ما يعرف بالنازية الجديدة، حدث هذا في أعوام 1946، 1949 في ألمانيا وإيطاليا. وشهد عقد الخمسينات من القرن العشرين صعودا لليمين المتطرف الفرنسي، وصعودا مماثلا لهذا اليمين في عام 1970 في البلدان الأسكندنافية. وفي السنوات الأخيرة تواصل مسلسل صعود اليمين المتطرف ليتحول إلى خطر حقيقي يفرض أخذه بجدية، ولكن من الضروري أن يواجه على أرضية مراجعة نقدية لأداء قوى المجتمع الحية، والتركيز على جوهر الصراع الاقتصادي الاجتماعي، وعدم الخضوع لهستيريا شعارات اليمين الشعبوي والمخاوف التي تثيرها، ففي نهاية المطاف ما صرح به ترامب وأقدم عليه ليس جديدا، ومراجعة للسياسات التي تبناها العديد من أسلافه في البيت الأبيض تؤكد هذا الاستنتاج. وكذلك اتساع حركة الرفض والاحتجاج ضده، وخسارته لمواجهات قضائية تؤشر على أن المؤسسات المدنية والتراكم الذي صنعه نضال أجيال من البشر قادر على ردع هوس الصقور.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.