لينين الرملي الكوميديا الجماهيرية
بدأ لينين الرملي الكتابة للمسرح، خلال حقبة السبعينات، والتي شهدت تراجعًا في الكتابات المسرحية، بسبب المصادرات من جهة والاعتماد على جهود وأعمال السابقين من جهة أخرى، لتبدأ مرحلة جديدة صنعها الرملي على ساحة المسرح المصري بحرفيّة وعمق، فكانت أول أعماله المسرحية إنهم يقتلون الحمير التي أخرجها جلال الشرقاوي، ثم انتهى الدرس يا غبي التي أخرجها السيد راضي، وعلي بيه مظهر التي قام بأداء دور البطولة فيها الفنان محمد صبحي، ثم مبروك للمخرج شاكر عبداللطيف، وحاول تفهم يا ذكي للمخرج نبيل منيب، ونقطة الضعف التي أخرجها شاكر خضير، وòسك على بناتك التي قام ببطولتها الفنان المصري فؤاد المهندس.
في الثمانينات، أخدت تجربة لينين الرملي في الكتابة المسرحية تتسع بشكل مطّرد على مزيد من الموضوعات الجدلية والصراعات المجتمعية والسياسية، وقام بتأسيس فرقة أستوديو 80 مع الفنان محمد صبحي، فكتب مسرحية المهزوز التي أخرجها محمد صبحي، ثم أنت حر لمحمد صبحي، والفضيحة للمخرج شاكر عبداللطيف، والهمجي للفنان محمد صبحي، و تخاريف، وأهلا يا بكوات، وبالعربي الفصيح، ووجهة نظر، وغيرها.
تحمل الكثير من أعمال الرملي أبعادًا فلسفية واضحة تظهر من خلال الأسئلة الوجودية التي يطرحها أبطال بعض الأعمال المسرحية؛ ففي مسرحية أنت حر يتناول الرملي قضية الحرية منذ الميلاد وحتى الوفاة، وفي الهمجي يطرح الرملي تساؤلا عن ماهية الإنسان وأبعاد الهمجية والبدائية في شخصيته وهل تخلّص منها أم لا زال حبيسًا فيها، وفي وجهة نظر يهاجم المؤلف فساد المجتمع من خلال مجموعة من المكفوفين، وذلك كله في إطار كوميدي ساخر يميل إلى البساطة دون الوقوع في فخ المباشرة والتلقين.
بعد انتهاء شراكته مع الفنان محمد صبحي، بدأ الرملي مرحلة جديدة من الكتابة المسرحية، كانت البداية مع مسرحية عفريت لكل مواطن والتي تناول من خلالها الشعوذة وتغلغل الفكر المتخلف المرتبط بالدجل في المجتمع، وفي مسرحية أهلا يا بكوات التي حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، عاد المؤلف إلى عصر المماليك ليحطم قدسية الماضي بكل ما فيه من أفكار متخلفة ورجعية، لتتوالى أعماله المسرحية الهامة على مسارح الدولة وغيرها.
ولد لينين الرملي في القاهرة عام 1945، وكان والداه يعملان بالصحافة والعمل الوطني، وهو ما كان له التأثير القوي على فكره ومستقبله. نشر أول قصة قصيرة بمجلة åصباح الخيرò عام 1956، وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم النقد وأدب المسرح عام 1970، لتبدأ مسيرته المسرحية الممتدة حتى الوقت الراهن.
بدأ الرملي الكتابة للتلفزيون في وقت مبكر، فكتب عددًا من المسلسلات التي حققت نجاحًا واسعًا، مثل فرصة العمر، حكاية ميزو، شرارة وغيرها، وفي عام 1972، كتب أول أعماله السينمائية مع المخرج المصري صلاح أبو سيف، وهو فيلم النعامة والطاووس الذي ظل مرفوضًا من الرقابة لمدة 25 عامًا، لتتوالى أعماله السينمائية الهامة، وأيضًا أعماله المسرحية البارزة التي ساهمت في تتويج اسمه كواحد من أشهر كتّاب المسرح المصري.
كُتب عنه في موسوعة أكسفورد للمسرح والعروض تعبيرية الرملي المتشابكة بقوة، بميله للكوميديا الجماهيرية، ومن هنا جاذبيته الكبيرة لشباك التذاكر، يعمل طول الوَقت ليطرح أسئلة وموضوعات وجودية/اجتماعية سياسية. حصل الرملي في عام 2005 على جائزة الأمير الهولندي كلاوس ضمن عشرة فائزين على مستوى العالم، وحصل بعد ذلك على جائزة الدولة التقديرية في مصر، فضلًا عن عدد كبير من التكريمات له طوال مسيرته الفنية الممتدة حتى الآن.
"الجديد" التقت الكاتب المصري للوقوف عن حال الكتابة المسرحية في الوقت الراهن وأبرز المشاكل التي تعتريها، وسبل التغلب عليه للنهوض بالمسرح من حالة الركود والبحث عن آفاق أوسع له تليق بمكانته المفقودة.
قلم التحرير
كتبت عددًا من المسرحيات البارزة التي لا تزال حية حتى الآن، وتشاهدها أجيال مختلفة، هل تعكف على كتابة عمل مسرحي جديد؟ ما موضوعه؟ وما مدى اختلافه عن أعمالك السابقة؟
الرملي: أكتب مسرحية جديدة بعنوان «ميزو الرايق»، تقوم ببطولتها مجموعة من الشباب منهم أربعة مطربين يقومون بالغناء في بعض أجزاء المسرحية وليس كلها في شكل حواري فيما بينهم. تدور أحداث المسرحية خلال حقبتي الخمسينات والستينات، عن قصة حب بين شاب وفتاة، وهي أشبه بقصة «روميو وجولييت».
المسرحية مختلفة عن أعمالي المسرحية السابقة في اعتمادها بشكل كبير على الغناء والرقص، وموضوعها الرومانسي من حيث قصة الحب في تلك الفترة وتداعياتها في ظل عادات وتقاليد ذلك الوقت.
وكيف ترى راهن الكتابة للمسرح العربي.. ما الذي يميزها عن المراحل السابقة في العقود المنصرمة؟
الرملي: ليست لديّ خبرة كبيرة بما يقدم على خشبات المسرح العربي، فلقد قدمت عددًا من العروض المسرحية في دول عربية مثل الأردن ولبنان وغيرها، ولكنها مرات معدودة؛ ففي كثير من الأوقات كنت أجد أن موضوع المسرحية التي أقدمها غير مناسب للعرض في بعض الدول العربية لما تتناوله من قضايا حساسة مثل مسرحية «بالعربي الفصيح» التي تناولت قضايا الإرهاب، ولم تكن مناسبة للعرض في دولة مثل لبنان لتعدد الطوائف الدينية بها، ومن جهة الأعمال المقدمّة في الدول العربية فلا أزعم أنّني متابع جيد لكل ما يدور على المسرح العربي وبالتالي ليس لي حق الحكم عليه.
وفيما يتعلق بالكتابة للمسرح المصري، فأرى أن هناك ضعفا في التأليف المسرحي في مصر وهو جزء من منظومة شاملة يعاني فيها المسرح المصري من التدهور جراء إهمال الدولة للمسرحيين وعدم الاهتمام بالنصوص الجيدة لكبار الكتاب.
برأيك.. ما الذي ينقص المسرح المصري لينافس على مكانة عالمية؟
الرملي: الطموح ذاته غير موجود مع غياب وتدهور المسرح في مصر؛ فطوال السنوات الأربع الماضية لا يوجد مسرح متميز، ما يحدث الآن هو التركيز على مسرحيات للشباب ليدخلوا بها مسابقات وتُعرض مرات معدودة وينتهي الأمر، وهو أمر يشبه قيامنا بعمل دوري للأشبال في كرة القدم.
لدينا أزمة تبدأ من أن المسرح في مصر ليس مسؤولية الممثل أو المؤلف، وإنما مسؤولية الدولة التي لا تهتم بتطوير المسرح بشكل لائق يضمن نجاحه وتميزه.
موضوع المسرحية التي أقدمها غير مناسب للعرض في بعض الدول العربية لما تتناوله من قضايا حساسة مثل مسرحية «بالعربي الفصيح» التي تناولت قضايا الإرهاب، ولم تكن مناسبة للعرض في دولة مثل لبنان
وماذا عن الفرق المسرحية المستقلة والخاصة؟ ألا تقوم بدور إيجابي في النهوض بالمسرح؟
الرملي: هناك عدد من الفرق المستقلة التي تقدم بعض الأعمال، والمسرح الخاص يعرض بعض الأعمال لكتّاب غير معروفين، وتكون مدة العرض قصيرة، وبالتالي الأعمال غير مؤثرة أو متواجدة بالشكل الكافي، وليست على مستوى متميز؛ فالمسرح يحتاج لما هو أكثر من ذلك.
عندما عرضنا مسرحية «أهلا يا بكوات» على المسرح القومي في مصر حازت رضا جماهيريا كبيرا، وتكرر عرضها أكثر من مرة، أنا ككاتب أقوم بدوري في الكتابة وعلى المسؤولين أن يلتفتوا للكتابات الجيدة للاستفادة منها في النهوض بالمسرح.
إذن أنت غير راضٍ عن دور الدولة تجاه المسرح.
الرملي: المسرح يحتاج إلى دعم الدولة بشكل كبير، وهذا غير موجود، الكثير من الأموال تنفق على توافه الأمور دون الاهتمام بتطوير المسرح بشكل جاد وحقيقي، فضلًا عن أن ميزانية وزارة الثقافة على ما يبدو من أضعف الميزانيات في وزارات الدولة، بالإضافة إلى سوء توزيع للموارد بشكل يضرّ بوضع المسرح.
كتبت مسرحية «اضحك لمّا تموت» وسلّمتها لوزير الثقافة الحالي حلمي النمنم لكي يتم عرضها على المسرح القومي، ولكنّ شيئًا لم يحدث، ويتأجل العرض مرات عديدة وشهور طويلة، وهو ما يثبت عدم وجود اهتمام كاف بالكتابات المسرحية.
تواصلوا معي في وزارة الثقافة لإعداد كتاب وفيلم قصير عنّي، ولكن أنا لا تهمني مثل هذه الأمور، ما يهمني هو أن أقدم مسرحًا، هذا هو عملي وهوايتي.
يقول صلاح عبدالصبور «المسرح لا يكتب إلا شعرًا».. إلى أيّ مدى تتفق معه في هذا الطرح، وإلام تعزو تراجع النصوص المسرحية الشعرية في الوطن العربي؟ وهل يبدو لك ضرورياً التغلب على تلك المشكلة خاصة وأن العرب هم أمة شعر؟
الرملي: المخرج المصري جلال الشرقاوي تعاون مؤخرًا مع الشاعر فاروق جويدة في عمل مسرحية شعرية باسم «هولاكو» تعرض في المسرح القومي، وهذه المسرحية تمثل عودة للمسرح الشعري بعد غياب دام طويلًا.
المسرح الشعري، في رأيي، من أصعب الأمور، لأنه يعتمد على كتابة درامية مسرحية كاملة بالشعر، فإن كانت هناك صعوبة في كتابة الشعر وصعوبة أخرى في الكتابة المسرحية؛ فإن المسرح الشعري يجمع ما بين الصعوبتين، فضلًا عن ضرورة أن يجذب العمل المسرحي الشعري الجمهور لمشاهدته ولا يجعلهم يملّون منه بعد مشاهدة فصل أو اثنين.
ما تقييمك للأعمال المسرحية التي كتبت وقدمت عن الثورة خلال السنوات الخمس الماضية؟
الرملي: يبدو أنها كانت ثورة على المسرح، لم أتابع جميع الأعمال التي عرضت خلال تلك الفترة، لكن ما تابعته وقرأت عنه يثبت أن الأعمال المسرحية التي قدمت عن الثورة اتّسمت بالرداءة بشكل كبير والاعتماد على أغان مسجلة وبثها أثناء عرض المسرحية، وأثبت لي ذلك كتاب «الخروج بملابس المسرح» للناقد جرجس شكري الذي رصد فيه الأعمال المسرحية التي قدمت طوال الفترة التالية للثورة وما اتّسمت به من سطحية ورداءة على المستوى الفني.
ألم تفكر في كتابة عمل مسرحي يتناول الثورات العربية؟
الرملي: في عام 2012 كتبت مسرحية باسم «اضحك لمّا تموت»، وهذا العنوان له أكثر من معنى: الأول هو اضحك حتى تموت، والثاني اضحك عندما يأتيك الموت، وهذا اللبس في فهم اسم المسرحية كان مقصودًا من جانبي للتعبير عن أكثر من دلالة.
المسرحية كتبت بعد الثورة بعام، وليس وقت الأحداث، وفي تناولي للثورة من خلالها ابتعدت عن المباشرة والخطابة بشكل كبير؛ إذ تدور أحداث المسرحية في إطار اجتماعي طبيعي يمكن من خلاله التعرف على أبرز رياح التغيير التي حملتها الثورة المصرية على الشعب وغيرها من الموضوعات، وذلك دون أن تكون الثورة هي موضوع المسرحية الرئيسي.
هل تعتقد بضرورة أن يكون المسرح مرتبطًا بشكل وثيق بمتغيرات الحياة اليومية؟ وهل هذا النوع من المسرح يبقى في ذاكرة مشاهديه؟
الرملي: ليس المطلوب من المسرح أن يكون عاكسًا أو مرآة للواقع، مثل هذه الأعمال تتسم بالكثير من المباشرة والسطحية، الأحداث اليومية تعرضها وسائل الإعلام بكل اللغات واللهجات وبشكلها المباشر، وبالتالي فليس هذا هو دور المسرح.
المسرح يعكس شكل الشخصيات في الواقع كما هي، عندما تكون في المسرحية شخصية شيخ على سبيل المثال، لا بد أن يكون على خشبة المسرح شبيهًا بالواقع في الملابس واللغة وطريقة الحديث وغير ذلك، ولكن انعكاس الوقائع في المسرح ليست مهمته بأيّ حال، ولا يقدم أعمالًا خالدة بطبيعة الحال.
ينظر البعض إلى استخدام اللغة العامية في الكتابة المسرحية على أنه من المهددات للغة باعتبار أن من بين أدوار المسرح الحفاظ على الرابطة العربية واللغة العربية كأحد أهم مكوناتها، كيف تنظر إلى قضية الفصحى والعامية في المسرح؟
الرملي: كل بلد عربي له لهجة خاصة به، ولا أعتقد بوجود حكمة في أن تكون اللغة العربية الفصحى لغة المسارح العربية جمعاء، المصريون على سبيل المثال لا يتحدثون في كلامهم اليومي باللغة الفصحى ولكنهم يتحدثون بالعامية؛ ومن ثمّ فاعتماد المسرح على اللغة المستخدمة في الواقع أكثر منطقية من اللجوء لاستخدام لغة غير متداولة في الأحاديث اليومية.
وبالابتعاد عن المستوى اللغوي عند عامة الشعب، نجد أن الرؤساء والمسؤولين أنفسهم لا يتحدثوا باللغة الفصحى، وإن حدث فإما أن يكون في حديثهم الكثير من الأخطاء أو خلط كبير بين العامية والفصحى، فاستخدام العامية هو الأسهل ولا فائدة من تعقيد الأمور.
ولكن أليس من مهمة المسرح أن يرتقي بمستوى الجمهور لا أن يهبط إلى مستواه؟
الرملي: الارتقاء بمستوى الجمهور لا يكون بتعليمه لغة ما، تلك مهمة التعليم في المدارس والجامعات، ولكن المسرح يرتقى بالجمهور فكرًا وإحساسًا، يجعله ينبش في معتقداته الراسخة ويعيد التفكير في أمور كثيرة، وتعليم اللغة يكون من مهمة الجامعات والمدارس التي يتعين عليها أن تخرج أجيالًا متقنة للغة بشكل كبير ما يساعد في الاعتماد عليهم مستقبلًا.
برأيك.. ما هي نوعية المسرح التي نحتاجها في الفترة الراهنة بشكل أكبر.. هل هو ذلك المسرح الشعبوي أم المسرح الذهني؟
الرملي: نحتاج إلى الاثنين معًا، لا بد أن يساهم المسرح في تقديم الحقائق للجمهور، ليس عن طريق الأحكام بأن ذلك خير أو شر، ولكن من خلال حثهم على التساؤل والتفكير، وذلك لا يأتي من خلال لغة متعالية وفوقية بل بلغة قريبة منهم وتشبههم بشكل كبير، وتعمل على تقديم نماذج من البشر يعرفها الناس في حياتهم ويقابلونها كل يوم، لا بد أن يكون المسرح ذهنيًا؛ يجعل المشاهد يطرح الأسئلة وذلك بأبسط الأشياء.
جميع أعمالي المسرحية تدعو الناس لمراجعة أفكارهم، دون الاعتماد على الخطابة أو الكثير من الأصوات العالية، لا بد أن يكون للمسرح دوره في حثّ الناس على التفكير، ليس من باب التعليم أو الخطابة، ولكن من خلال وصول الفكرة أو الإحساس بها، ربما من خلال الشخصيات الكوميدية أو الكلمات المضحكة تصل أعقد الأفكار وأكثرها ارتباطًا بالتفكير، بأبسط الأمور تصل الفكرة للمشاهد وعلى أسوأ الأمور إن لم تصل لذهنه فلا بد أن تصل لإحساسه، ولكن إن لم يكن المسرح ذهنيًا فلا معنى له.
انتشر في الفترة الأخيرة مسرح الفضائيات، هل أضاف إلى فن المسرح أم ساهم في تسطحيه باعتماده على اسكتشات لا على نصوص مسرحية؟
الرملي: مثل هذه الأنواع من العروض لا يطلق عليها مسمّى مسرح من الأساس حتى نتحدث عن إضرارها بالمسرح، فهي استعراضات خالية من المعنى، تهدف إلى الإضحاك دون وجود أيّ معنى لما يردّد على ألسنة الممثلين، وهو ما لا يجب أن يحدث في العروض المسرحية الحقيقية، التي تأتي النكتة فيها من خلال تتابع الأحداث وفي إطار موضوعات درامية محبكة.
الجمهور وانجذابه ليسا مؤشّرين على جودة الأعمال المقدمة بأيّ حال من الأحوال، هذا ليس فنًا على الإطلاق، لا يوجد مغزى لأيّ حديث يقال في مثل هذه العروض، بل على العكس قد تكون طريقة يتعلم منها الجمهور الابتذال في الحديث والموضوعات.
كتبت مسرحية «اضحك لمّا تموت» وسلّمتها لوزير الثقافة الحالي حلمي النمنم لكي يتم عرضها على المسرح القومي، ولكنّ شيئًا لم يحدث، ويتأجل العرض مرات عديدة وشهور طويلة
يرى الكثيرون أن المسرح التجاري يسد المنافذ أمام قيام مسرح عربي جاد في الوقت الذي تصنّف فيه أعمالك المسرحية بأنها تنتمي إلى نوعية المسرح التجاري.. هل تتفق مع هذا الطرح؟
الرملي: أنا لا أكتب مثل هذا النوع التجاري، ولكن السائد في الوقت الحالي أن الممثل بطل العمل المسرحي هو كل شيء، ومن ثمّ يخرج عن النص المكتوب ليقول أو يؤدي عملًا ينتزع المزيد من ضحكات الجمهور حتى لو كان مبتذلًا وبعيدًا عن السياق، وهذا خطأ يقع فيه الكثير من أبطال الأعمال المسرحية بعيدًا عن موافقتهم على نص يجب الالتزام به.
أما عن ثنائية الجاد والتجاري فأرى أنها غير واقعية بشكل كبير؛ فالكثير من الأعمال الجيدة من الممكن أن تنجح تجاريًا في جذب الجمهور، فالأعمال التجارية قد تكون مسلّية وفيها الكثير من الإتقان فيقبل عليها المشاهدون وتنجح جماهيريًا.
يردد البعض أحاديث عن أزمة النص في المسرح العربي وعدم قدرة المؤلفين على الاشتباك مع مجتمعهم وابتكار لغة مسرحية جديدة في الكتابة، هل تتفق مع هذا القول؟ أم ترى أن الإخراج هو الذي يسبب أزمة النص عندما يعجز المخرج عن إخراج النصوص بصورة جيدة؟
الرملي: لقد وصلنا إلى مرحلة متأخرة في المسرح تجعله يعيش أزمة في جميع جوانبه سواء من حيث الكتابة أو التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج وغيرها من المسائل، ولكنّي أرى أن النص أصعب شيء في المسرح والتمثيل هو الأسهل، الإخراج من العوامل المهمة التي قد تساهم في نجاح العمل ككل أو تفسده.
شارلي شابلن كان يقدم أعمالًا كوميدية رائعة تضحك الناس ولكن بدون خدش حياء أو ابتذال، الأزمة أكبر في الكتابة خصوصا في الكتابة الكوميدية، الأعمال الفنية التي لا تنجح يكون السبب هو خلل في الإخراج أو الكتابة أو التمثيل أو الإنتاج؛ ففشل عنصر من العناصر يساهم في خروج العمل بشكل ضعيف.
ما تفسيرك للاعتماد المطّرد على النصوص المسرحية الغربية حتى الوقت الراهن بشكل أكبر من إنتاج نصوص جديدة؟ وما السبيل للتخلص من ذلك؟
الرملي: بالطبع هو نوع من أنواع الاستسهال، ونضوب الفكر الجديد لكتابات متميزة ومختلفة، بسبب عدم الاهتمام بالكتابة الجادة للمسرح، لكنّي لا أرى ضيرًا في تلك المسألة حال نجاح صناع العمل المسرحي في إخراجه بشكل صحيح وملائم، وهو ما لا يحدث في كثير من الأحيان؛ فيتم اقتباس العمل وكتابته بشكل غير حِرفيّ وإخراجه في صورة سيئة.
إلى أيّ مدى تمكن الاستفادة من التراث في تطوير النصوص والعروض المسرحية نحو نماذج مسرحية وثيقة الصلة بالثقافة الوطنية؟
الرملي: لا بد أن يكون الموضوع أو الفكرة المقتبسة من التراث صالحة من البداية للتنفيذ بشكل جيد وملائم ومعالجتها إن كانت فيها مقومات صحيحة صالحة للعرض على المسرح ونيل انتباه واهتمام المشاهدين، بعيدًا عن التعالي غير المطلوب وغير المبرر على الجمهور.
بم تفسر ابتعاد الجمهور عن المسرح في الوقت الراهن؟ وما السبيل لإعادة المفهوم الثقافي للمسرح إلى المتلقي؟
الرملي: الجمهور ابتعد عن المسرح لأنّه لم يجد أعمالًا جيدة تجذبه لمشاهدتها، فلا توجد عروض مسرحية تقدّم للجمهور وتنجح في جذب اهتمامه، خاصة مع اعتماد المسرح على الأعمال الشبابية التي تعرض مرات معدودة ولا يشاهدها سوى القليل من المشاهدين، وبالتالي فإن إعادة الجمهور إلى المسرح مرة أخرى يقتضي إعادة الاهتمام بالمسرح والكتابات المسرحية القادرة على نيل إعجاب الجماهير.
الفنان المسرحي بيتر بروك يقول إن أهم ما يجعله يعتقد أنه نجح هو اهتمام وسائل الإعلام بما يقدّمه سلباً أم إيجاباً لأنها في كلا الحالين ستجعل المشاهد يقبل على متابعة المسرح وفي رأسه أسئلة كبيرة.. ما تقييمك لطبيعة ومستوى اهتمام وسائل الإعلام بالمسرح؟
الرملي: الاهتمام بالمسرح في وسائل الإعلام سطحي للغاية عندما يكون موجودًا في الأساس، فلا نجد سوى حوارات سطحية مع أبطال الأعمال المسرحية بعيدًا عن مضمونها ونقاط تميزها وما إلى ذلك، ولكن الاهتمام الإعلامي الجاد بالمسرح لا أعتقد أنه موجود.
وهل نملك نقدًا متخصصًا مؤثرًا في صيرورة المسرح العربي؟
الرملي: هذا يعيدنا مرة أخرى إلى الحديث عن حالة المسرح في الأساس والتي تعاني من التدهور والإهمال، وقلة عدد العروض المسرحية، وعدم أهميتها بشكل كبير، ومن ثمّ فلا يوجد نقد طالما لا يوجد مسرح.
أخيرًا.. كيف تنظر إلى فكرة الكتابة المشتركة للمسرح؟
الرملي: لا أفضلها، ولن أخوض تلك التجربة، بالنسبة إليّ لا أستطيع أن أفعل ذلك؛ فأنا لا أتصور ممثلًا بفمّين يتحدثان في نفس الوقت، ففي أميركا قام اثنان بتأليف مسرحية عن قصص لشكسبير اسمها «كاردينيو»، هما ستيفن بلات وريتشارد مسي، ودعا الكاتبان لتكرار التجربة في دول أخرى، في ضوء ثقافات أخرى، وبالفعل قمت بكتابة هذه المسرحية باسم «وهم الحب» وكانت مختلفة تمامًا عمّا تم تقديمه.
وجهات نظري أقدمها من خلال أعمالي ولا أحب أن يشاركني أحد في ذلك، أرى الكتابة المشتركة نوعًا من التسلية ولا أعرف تجارب ناجحة في هذا الصدد.