ما بعد الجائحة أو لعبة المستقبل
بالتأكيد أن ظاهرة كورونا لم يتوقعها أحد وهي شكلت وما تزال صدمة لكل سكان الكوكب، يموت البشر والإصابات تزداد وهناك حديث عن الموجة الثانية التي قد تكون أقسى، وأمام هول هذه الأحداث يمكن للمرء أن يفكر ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ماذا بعد كورونا؟
أحبّ أن أذكر هنا أن الإنسان يميل إلى النسيان فكثير من الأحداث ستُنسى على مدى أجيال لكن في ذات الوقت سيتغير العالم كثيراً أو قليلاً وهناك أطفال سيولدون وسيقال عنهم أطفال ما بعد كورونا أو ما بعد الجائحة. أريد هنا أن أستشهد بجان جاك روسو الذي عاش في القرن الثامن عشر فقد سافر من فرنسا إلى البندقية في فترة استشراء داء الطاعون وعندما كان في السفينة كان الطاعون قد انتشر فيها فخُيّرَ أن يبقى في السفينة أو ينزل منها في البندقية ولأنه لم يصب بالمرض بعد فقد فضّل النزول، هذه الحركة تشبه حركة انتقال الأفكار، فروسو كان متردداً في النزول ولكنه عندما نزل سكن في بيت كبير لا أثاث فيه وفي الليل كان يلتحف بمعطفه ويتوسّد ببعض الكتب التي حملها معه وهناك فكر ببعض مما كان يشغل تفكيره وكتاباته. الآن بعد هذه الجائحة يفكر الإنسان أيضاً بهواجس حياته وحياة الآخرين في هذا المأزق المرعب. يبدو لي أن قطاع الصحة، المستشفيات والمختبرات ستأخذ النصيب الأكبر في التفكير ومحاولة تفعيل هذا الجانب وكل ما يتعلق بهذه الصناعة خصوصاً في الغرب ولكن سوف يكون هذا بثمن كبير لأن النيوليبرالية في الغرب لن تساوم على مكتسباتها بل ستطلب المزيد ولن يكون هناك ما يمكن تسميته بالرحمة، لأن الكوكب ليس هذا مجاله أولاً وثانياً سيكون المال دوماً في أيدي الأقوياء. الرأسمالية المتوحشة والشركات العابرة للقارات والحياة الاستهلاكية التي ستبلغ الذروة، وهكذا سنرى أن قطاع الصحة نفسه يتحول إلى أخطبوط آخر يضاف إلى هذا العالم إلى حدود الاغتراب والتشيؤ وفق كارل ماركس. وهكذا أخشى أن يخرج الناس من عزلاتهم ليصطدموا بواقع آخر أكثر مرارة وقسوة، وهذا الأمر يشبه أهل الكهف عندما كانوا يرون الظلال على الجدار وفق نظرية أفلاطون المثالية. أما على صعيد علاقتنا بالآخرين فستكون أقل حميمية من ذي قبل طالما هذا الوباء الخارق يقض مضاجع الناس حينها سيكون التفكير عن أوبئة أخرى في المستقبل والتي قد تكون أكثر فتكاً.
تحدث بعض المفكرين، إدغار موران وريجيس دوبريه، مثلاً عن النزعة ما بعد الإنسانية (Transhuminism) القادمة من تطور التكنولوجيا الحيوية من أجل إرجاء الموت. لكن في الحقيقة ما نراه في هذه البرهة ليس هو الإرجاء بل على العكس أي تسريع وتيرة الموت إلى أقصى حد. ولا أرى أن التضامن الإنساني تجاه هذه الجائحة سيكون مؤثراً وحاسماً على ما ذهب سلافوي جيجك فالمرء يميل إلى الأنانية وحب الذات ليس إلاّ. العلاقة الغيرية ستظل محل تساؤل ولكن لن تحدث انعطافات خارقة بهذا المجال. مجتمعات اللاعدالة ستفاقم الجائحة وحتى ما بعد الجائحة لأن الدكتاتوريات لا تعرف سوى أمر واحد وهو امتثال الشعوب إلى الأنظمة الفاسدة أصلاً وهي لا تسمع سوى نفسها، حتى الحب في أنظمة كهذه يصبح تمريناً على الكراهية.
شاعر من عمان