ما غاب عن الناقد

ردّا على مقال ممدوح فراج النابي عن ترجمة “الأرض اليباب“ المنشور في العدد 76 أيار/مايو 2021.
الثلاثاء 2021/06/01
لوحة: محمد الأمين عثمان

نشر الأستاذ الناقد ممدوح فراج النابي مقالاً مطولاً في مجلة “الجديد” الغراء، في عددها الـ76 لشهر مايو (أيار)، تناول فيه، فيما تناول، مشكوراً كتابي”الأرض اليباب وتناصها الإنساني – دراسة مقارنة لستّ ترجمات عربية”. وبودي أن أسجل هنا بعض الملاحظات:

أولاً، يذكر النابي ما يلي “لكن ما غاب عن السُّلطاني أنّه من الممكن أن نُضيف إلى هذه الترجمات ما قامت به الدكتورة نبيلة إبراهيم، حيث ترجمت مقتطفات كثيرة من القصيدة في سياق مقالتها “الأرض الخراب: رائعة الشاعر المعاصر ‘ت.س. إليوت’ تحليل وتعقيب” وقد نشرت في مجلة المجلة العدد 25، بتاريخ يناير 1959. فإلى جانب تحليل القصيدة أوردت الكثير من المقاطع الشعرية، وهي جميعها من ترجمتها. وإن كان العذر للسُّلطاني في أنها لم تُقدّم ترجمة كاملة للنص، لهذا أغفلها من قائمة مترجمي قصيدة إليوت، فأين العذر في إغفال ترجمة نبيل راغب الصّادرة عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة عام 2011، بعنوان “أرض الضياع: رائعة الشاعر ت. س.إليوت، دراسة وترجمة”؟

والواقع أنني لم أعد قائمة لمترجمي قصيدة إليوت. ولم يكن هذا غرضي، ولم أشر قط إلى أيّ مترجمين آخرين غير الذين تناولتهم في الكتاب. العنوان الفرعي المثبت على الغلاف واضح جداً “دراسة مقارنة لستّ ترجمات عربية”. ولم أقل “دراسة مقارنة لترجمات الأرض اليباب إلى العربية”، حتى يجدني الناقد “غافلا” عن ترجمة نبيلة إبراهيم ونبيل راغب. وبالمناسبة، هناك عدة ترجمات متفرقة لهذه القصيدة للعربية، غير ما ذكر. الكتاب، إذن، ليس دراسة عن كل ما ترجم للعربية. وإلا لكان كتاباً آخر. لقد اخترت الترجمات التي أجريت مقارنة بينها لأنّي أعتبرها ترجمات أساسية. وقد يأتي غيري فيختار ترجمات أخرى.

ثانياً، يقول النابي “كان من الضروري للسُّلطاني أن يشير إلى تواريخ ترجمة الأرض الخراب، وأن تكون تقييماته للترجمات الست، لا على مستوى الاختلافات في ترجمة الجُمل أو المفردات على نحو ما فعل، وإنما – أيضًا – على مستوى الترجمة الكليّة، وملاءمتها للمعنى الذي قصده إليوت”.

لا أعرف ما ذا يقصد النابي بالضبط بـ”تواريخ ترجمة الأرض الخراب”؟ هل يقصد كل الترجمات العربية لهذه القصيدة؟ لقد قلت قبل قليل إن هذا ليس غرض كتابي. أما إذا كان يقصد تواريخ الترجمات الست التي أجريت مقارنة بينها، فالتواريخ مثبتة في هوامش المقدمة، ولربما فاته الانتباه إلى ذلك.

أما قوله بأن تقييماتي للترجمات الست “كان ينبغي أن تكون، لا على مستوى الاختلافات في ترجمة الجُمل أو المفردات على نحو ما فعل، وإنما – أيضًا – على مستوى الترجمة الكليّة، وملاءمتها للمعنى الذي قصده إليوت”، فيأتي لينسف الكتاب كله. على ماذا يستند هنا ليطلق حكمه النهائي على الكتاب؟ لم يأت لنا بمستند أو شاهد (Evidence)، واحد ليدلل به على كلامه العام هذا، بل أطلقه على شكل نصيحة، واستراح. والنقد الموضوعي ليس هكذا.

ت

هل ركزنا فقط على ترجمة الجمل والمفردات وأهملنا المعنى؟ ثم ماذا تعني عبارة “مستوى الترجمة الكلية”؟ كان على السيد الناقد أن يقرأ فصل “دراسة مقارنة لستّ ترجمات عربية” جيداً ليرى كم تحدثنا عن المعنى، وكيف انحرف في مقاطع كثيرة في كل الترجمات الست، وعدنا إلى عشرات الشواهد والاستشهادات والشروحات والدراسات البريطانية عن القصيدة، وقد أشرنا إليها في النص والهوامش، للتوصل إلى ما يقصده إليوت بأكبر قدر، وما يقرّبنا من المعنى.

ولتحقيق ذلك، ثبتنا كل بيت من القصيدة بنصه الإنجليزي، وكيف ترجمه أدونيس ويوسف الخال وعبدالواحد لؤلؤة وماهر شفيق فريد ويوسف اليوسف وتوفيق صايغ إلى العربية. وقمنا بشرح أجزاء القصيدة كاملة فصلاً فصلاً، وتطرقنا إلى مضامين الفصول، ما يسهّل فهم القصيدة. وسجلنا الآراء المختلفة حول هذا البيت أو ذاك، وأرفقناها بهوامشنا الخاصة حول ما ورد في القصيدة من فلسفة ودين وتاريخ ودراسات توراتية وأساطير، وحوادث تاريخية وثقافية وشخصيات قد لا يعرفها القارئ العربي، ثم قدمنا نبذة تاريخية عن القصيدة مستندين إلى إحدى الدراسات الإليوتية الجديدة للناقدين كريستوفر ريكس وجيم ماكيو، إضافة إلى ترجمة صفحات طويلة لهذه الناقدين عن التأثيرات والتضمينات في القصيدة في فصل كامل على حدة، وكذلك ترجمة الهوامش الخمسين التي وضعها إليوت نفسه للقصيدة، والتي لا بد منها لقراءتها وفهمها.

بعد كل هذا، هل كانت تقييماتنا للترجمات الست على مستوى الاختلافات في ترجمة الجُمل أو المفردات فقط، كما يذهب النابي؟ ثم، مرة أخرى، ما الذي يقصده بـ”المستوى الكلي للترجمة”؟

لا أريد أن أدافع عن الكتاب، فالكتاب موجود. ومع ذلك سأترك هذا الدفاع عن الكتاب للنابي نفسه الذي يبدو أنه نسى ما كتبه قبل أسطر قليلة في مقاله في مدح الترجمة، وخاصة فيما يخص المعنى. يقول “فِعْلُ المقارنة والموازنة الذي قام به السُّلطاني لستة نماذج من الترجمة، خاصّة أنّه يضع الأصل الإنجليزي، وأحيانًا مصدره باللُّغات الأخرى كالألمانيّة واللاتينيّة، في حدّ ذاته عملٌ شاقٌ، وفي الوقت ذاته ثري؛ فهو لا يكتفي بتتبّع الخطأ، وإنما يشرح أسباب عدم دقة اللفظ، أو العبارة، سواء بالرجوع إلى معانيها ودلالتها في القواميس العربية، أو في استخدامها في السياق العام في اللغة الإنجليزيّة، وكأنه يسترشد بما قاله فالتر بنيامين من أن “المعنى في بُعده الشعري لا ينحصر بمعنى الكلمات، بل ينساب من مغزى اختيار كلمة محددة للتعبير عنه”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.