ما يهواه الرجال وتغار منه النساء

أغاني تاساوت لمريريدة‭ ‬نايت‭ ‬عتيق
الأربعاء 2019/05/01
لوحة فاطمة حسن فروج

لا الريح ولا الغمام

يذرو الريح الأوراق الميتة لشجر الجوز،

والتبن الأبيض الذي فضل في باحة الدرس،

والثياب المنشورة والمنسية في السطح العالي.

الغمام الأبيض يسير في السماء،

يتتبع بعضه فوق ذرى آيت بوللي¹

ويرحل إلى الأبد، محملا بالمطر.

المياه المزمجرة والسريعة في تاساوت

جارة معها، ليل نهار، وبصخب كبير، ودون هوادة، الأغصان المكسورة

والحصى الأملس.

أيام البرد الأولى للخريف تطرد اليمام

الذي يطير من الحور الأجرد

وينزل في صمت الوادي الذي يتساقط فيه الثلج.

لكن لا الريح، ولا الغمام، يا قلبي

لا السيل، ولا اليمام، يا قلبي

سيحملون حزني الأسود معهم.

الشاعرة الأمازيغية مريريدة‭ ‬نايت‭ ‬عتيق
الشاعرة الأمازيغية مريريدة‭ ‬نايت‭ ‬عتيق

مريريدة

 لقبوني بمريريدة، مريريدة،

مريريدة، ضفدعة البراري الخضراء الرشيقة

وليس لي،

 ليس لي عيناها الذهبيتان

ليس لي،

ليس لي عنقها الأبيض

ليس لي،

ليس لي رداؤها الأخضر

لي فقط مثلها، مريريدة،

لي زغاريدي، زغاريدي

التي تصل حتى المراعي،

لي زغاريدي، زغاريدي

التي يتحدث عنها في كل الوادي

وفي الجهة الأخرى من الجبال

زغاريدي التي تثير الإعجاب والحسد.

فأنا ومنذ خطواتي الأولى في الحقول،

أمسكت برفق بضفدعتي الخضراء الرشيقة،

وهي خائفة ومرتعشة بين يدي

وضعت طويلا عنقها الأبيض

فوق شفتي وأنا صبية وأنا شابة.

وهكذا نقلوا إليّ المزية العجيبة

لتلك البركة التي تهبهم غناء

غناء أكثر صفاء، وأكثر ارتجاجا وأكثر نقاء

في الليالي المستحمة في نور القمر،

غناء شبيه بالبرد

شبيه برنين المطرقة على السندان

في الجو الأكثر صخبا الذي يسبق المطر.

وبفضل هبة مريريدة

صرت أدعى: مريريدة، مريريدة.

ومن سيأخذني سيحس

في يده، في يده، خفقان قلبي

كما أحسست بخفقان القلب

المرعوب للضفادع الخضراء بين أصابعي.

في الليالي المستحمة بنور القمر،

سيدعوني مريريدة، مريريدة،

اللقب الرقيق المحبب لي.

وله سأطلق زغاريدي الحادة،

زغاريدي التي لا تنتهي،

زغاريدي التي يهواها الرجال وتغار منها النساء،

زغاريدي التي لم يعرف لها الوادي شبيها أبدا.

 

نار شبابي

اعتقدت أنني سأموت، أموت من الحزن

وأنني لن أنساه أبدا، أبدا،

وأنني لن أعوضه بآخر أبدا، أبدا،

لا في قلبي، ولا على حصيري.

كنت أقول لأمي، باكية:

لا أحد سيشعل قلبي

 ولا أحد سيطمس ذكراه.

وأمي، ببسمة على الشفتين والعينين:

نار شبابك -أتعرفين أين تضطرم-

نار شبابك ستلتهم أساك.

هذا وأولئك الذين سيقتسمون حصيرك

سيطمرون ويمحون ذكراك.

كان لأمي حكمة الأمهات

فحزني راح، راح

كما يتبدد حزام قديم من صوف.

منحت نفسي لأول قادم، كما تكونين قد فعلت،

ثم للثاني، ولآخرين أيضا

في حلكة الليل، في واضحة النهار،

في الفجر، في المغيب، ستفعلين مثلي

فدون توقف تضطرم بداخلي نار الشباب.

وكم صار نسيانه بالنسبة إليّ سهلا!

في مجرى السيل، وسط أعواد الذرة،

حيث الجبهة مرمية على الأرض مثل جذع شجرة

أيتها النساء اللواتي تفتك بكنّ نار الشباب

لا تقلن، أيتها المنافقات بأنكن لم تقمن بنفس الشيء

حين تدفع حمى الحب كل إحساس بالخجل!

هذه الليلة صدر فسيح سينيخ عليّ

وسيطرد بلا رجعة الحزن، والأسف والذكرى.

أنا التي اعتقدت أنني سأموت، ـ أتساءل من الآن أي حزن سيسبب لي ذلك؟

أنا التي اعتقدت أنني لن أنساه أبدا، ـ وأتساءل من الآن من هو؟

كم هو سهل بالنسبة إليّ أن أعوضه

في قلبي وفي حصيري!

 

عائشة عائشة!

عائشة، عائشة! مطر خير،

أنت وحدك بإمكانك أن تريحيني،

ببركة الله.

ذهب البرق يمزق السماء،

الرعد يزمجر وسط السحاب

والصدى يجيبه.

باسنة الصاعقة تسقط وتنفجر¹!

وحده مطر الخير بإمكانه أن يريح

البرق، الرعد والصاعقة،

ببركة الله الرحمان الرحيم

ومباركة أولياء الجبل الصالحين.

الحب يشع من عين لعين

يزمجر في القلب الولهان

وقلب ولهان آخر يجيبه.

آنذاك يضرب الحب ويشعل الفكر

الحب هو في، الآن نفسه، البرق اللامع،

والرعد والصاعقة التي لا ترحم

عائشة! مثل الصدى في الوادي،

نظرتك الحارقة أجابت نظرتي

وهاهي تحرقني كلية.

عائشة، عائشة!مطر خير،

أنت وحدك بإمكانك أن تريحيني، ببركة الله.

• ¹ يسمي الأمازيغ الصاعقة «تامكراز نيگونوان « باسنة السماء.

قلب أكثر برودة

باحة أعلى قمة تازارزمت باردة.

وصلب هو الحجر الأسود لإيغيل تازولت

عين آيت حمزة باردة

صلب هو خشب سنديان مسغونان

ثلج آيت عبدي بارد.

صلب هو حديد شفرة خنجري.

لكن كل هذا ليس باردا جدا،

لكن كل هذا ليس صلبا جدا

مثل قلب تلك التي أحب، أحبها بشدة،

تلك التي تستثيرني وتهزأ مني.

احذري! أيتها الشريرة الصماء وبلا رحمة!

ستلتقين ربما في يوم قريب

قلبا أكثر برودة وأكثر صلابة من قلبك.

تصوير فاطمة حسن الفروج
لوحة فاطمة حسن الفروج

ضع حجراً

يا ابن آدم، إن أردت الحفاظ على سمعتك،

زوجتك، وممتلكاتك وأصدقائك،

الراحة والفرح والعيش في سلام،

ضع حجرا، ضع حجرا على لسانك!

وبالنسبة إلى الباقي، فالله سيدبره.

لحسن من آيت أكديم، رافقه الخير والبركة

لحسن تكلم كثيرا، تكلم كثيرا.

أي جنون أن تتفاخر، وتتباهى،

في الذهاب لسوق إمليل أو سوق توندونت،

تحدث أهل البلد أو الغرباء

والجمعة، بعد أداء صلاة «تاكوسين»

وإن كان لسان لحسن طويلا طويلا

فأطول منه لسان حاسديه.

تباهى، الأهبل، تباهى، لحسن

بامتلاكه لزوجة شابة، جميلة وخلابة.

تباهى، الأهبل، تباهى، لحسن

بامتلاكه لبغل قوي على السير،

خمس بقرات بعجولها، وفرس ممهرة

والحبوب والصوف والسمن والعسل،

وأيضا «بتغرمته¹» المبنية بحجارة حمراء

بعتبته السعيدة المحملة بالبركة

(ليجعلها الله دوما مباركة!)

وما إن علم الشيخ بذلك،

(لإلحاق الأذى بالناس يصير للحسد أجنحة ورشان)

حتى دعا لحسن، دعوة لا ترد،

للشيخ طرقا لا يمكن مقاومتها

هيا! لحسن! ستكون صديق القايد.

بطبيعة الحال، سترافقك زوجتك الجميلة،

مستحمة، وعطرة ولابسة ثياب الأيام الكبيرة.

فهي تعرف جيدا ماذا ينتظر منها.

ولا تنسى «العكر»، و»تزولت»، والحناء!

وبما أنه ينبغي المرور من هنا،

(من هنا، وهل بهذا ستروقه؟)

ويمكنها أن تكون مغناجة جدا، وماجنة جدا.

ستضع عقدها المشكل من حبات العنبر الكبيرة،

ودمالجها الكبيرة، «توينساتها» الفضية

وتاجها المزخرف بالعقيق الأحمر.

هي تعرف بأن عليه أن يغض الطرف، زوجها.

وباتفاق مضمر، لن يتحدثا أبدا.

بالنسبة إليهما ومن الآن فصاعدا، لا ندم، ولا غضب، ولا خجل

وبماذا سينفعهما ذلك؟ بما أنه توجب المرور من هنا

وكثر هم من مروا وسيمرون من هناك.

ليرجع، لحسن، العين ضاحكة والسحنة مبتهجة.

ينبغي معرفة كيفية ضبط النفس في هذه اللعبة،

القلب ممزق، والروح باكية، والقبضتان مشدودتان.

لقد مر لحسن، مردفا زوجته.

ثلاثة قوالب سكر، ديكان، وتيس صغير

(هذه أبسط هدية) سبقوهما

بسرعة، ليأتي، لحسن، فوق بغله الجميل،

بغله الصالح لسخرة الحقول،

وزوجته مزينة للسخرة الليلية

بهذا الثمن، يمكن، للحسن، أن يحافظ على

الحبوب، الصوف، السمن والعسل

البقرات الحلوب والفرس الممهرة،

فصداقة القايد التي نسجت بدعم من الشيخ،

السلام، السلام على عتبته السعيدة

هذا ما كلفه الإفراط في الكلام، للحسن.

ولكن، للحفاظ على كل هذا، أليس الثمن باهظا جدا؟

يا ابن آدم، ضع حجرا،

 ضع حجرا على لسانك.

وبالنسبة إلى الباقي، فالله سيدبره.

¹- داره وهي على شكل مخزن.

 

قوس قزح

منبع قوى الخصوبة والانبعاث،

خطيب المطر، وحزام رخاء الأرض،

هو من أخذ من الحبوب أخضرها وهي في طور العشب،

والأزرق من المياه العميقة لتامدا،

والأصفر من النحاس الذهبي للحصاد،

والأحمر من نيران يناير وأم عاشور،

إننا نتضرع لك ونطلب منك بركاتك

ونحن نصلي لله صلاة الاستسقاء.

يداك الاثنتان تغوصان في الشرق،

الواحدة في المنابع العليا لما بين جبلين

والأخرى في بحيرات المراعي الصافية،

ويداك تتصلان ببعضهما فوق الوادي،

جامعتين بهذا السماء والأرض، الأرض والسماء

لمكافأة الإيمان بحصاد وافر

لأولئك الذين لا ينسون صلاة الاستسقاء.

هذا الليل، يبني القمر مسكنه

وهذا الصباح زخة الصافية الكريمة

نشرت في الأزرق الشفاف والمشمس

خمار سيدة السماء ذا الألوان الأربعة

للاحتفال بفرح، بعرس الدّيب.

ليتمكن الجدول الأبيض

الأخت الليلية لأم الخصوبة، في الليلة القادمة،

من إعداد مطر جديد فوق البلد

وهي تنادي ريح الغرب المحمل بالبركة.

يا رسول ربنا! من أجلك أنت

خلق الله الأراضي السبع والسموات السبع!

وقال الله لك يا رسول «لو لم تكن أنت،

لماذا، لماذا؟ كان عليّ أن أخلق السماوات؟»

يا رب، إننا نطلب عونك

لكي تسوق إلينا الخير العميمم

لحزام السماء وساقية السماء،

القوة الأبدية للخصوبة في النور،

القوة الأبدية للخصوبة في الظل

لتمنحنا الخير والسلام

لننجز أعمالنا حتى الحصاد!

 

العتبة المنحوسة

هذه الدار، ولا أحد يمكنه أن يقول لماذا

يشار إليها باسم «تاموجود»،

وهذا الاسم يحمل في نفسه، قبل كل شيء ما يشبه النحس

يصر الناس على سكنها،

غرباء، بطبيعة الحال، لا يعلمون.

أكثر من عشرين حازوا مفتاحها بست مشابك

ولا أحد منهم أفلت من الأسى

الذي ينيخ على ضيوف العتبة المنحوسة.

ليشملهم الله برحمته!

هل دنّست، قلة اليوم الأول؟

وهل بقي ثمن قلة الزيت دون أداء؟

وهل الطلبة ارتكبوا معصية؟

أم أن عينا زرقاء، وساحرا مكروها

ضربا إلى الأبد هذه الدار التعيسة.

غير طاهرة، لا يمكن إلا أن تكون هذه الدار غير طاهرة

بسوء الحظ والجن السيئ،

الدار المنذورة، بالانتقام والحسد،

إلى بؤس بلا علاج ومآتم قاسية.

أم أن هناك سبابا للأولياء الصالحين الحماة

أو معصية لله لا تغتفر

يكون ارتكبها باني العتبة المنحوسة؟

لست أنا،علي، باب أومارگ من إيباقلوين،

لست أنا من يمكنه أن يجيبكم.

ليحفظ الله الرحمن الرحيم

دورنا من السحر الضار!

فاطمة حسن فروج
لوحة فاطمة حسن فروج

طائر الموت

من هو هذا الطائر الكبير الذي يلوث سماءنا،

سماء الرجال الأحرار، آيت عبدي؟

جاء مع الفجر، وحلق فوق نومنا الهادئ،

طاف طويلا بدون رفيف أجنحة

كما يحلق اللقلاق، وجناحاه ممدودان.

لكنه كان بالأحرى طيران العقاب البطيء

المتحفز للانقضاض على الزريبة القلقة.

لم نتأخر في الفهم، يا للحسرة!

بأنه كان طائر اللعنة الكبير.

وفجأة، تكالب الجميع، الرعد، والبرق والصواعق

كما لو أن السماء والأرض تمزقتا

أيضا وأيضا رعد وبرق وصواعق.

لم تعد هناك لا سماء ولا أرض. لا شيء سوى الخوف.

انهارت الدور الكبيرة والصغيرة

في الجلبة، والنار، والدخان والغبار

وفي ولولة النساء والأطفال

الذين كانوا يحتضرون

بالقرب من أبقارنا وخرافنا المبقورة.

فقدنا رصاصنا ونحن نصوّب نحو الطائر الملعون.

الذي عاد إلى عشه، طائر الشيطان.

يا رحمن ويا رحيم، نسألك لماذا،

لماذا اختار طائر الموت قريتنا

ليدمر الدور ويقتل الأطفال

الآن، ينبغي دفن أولادنا

لم تعد لنا سوى الدموع.

فطائر الموت، ربما، سيعود غدا؟

يبدو أن الرومي يتعامل هكذا مع

أبناء الجبل الأحرار إلى الأبد،

الرجال الأحرار الذين يرفضون « التعرگيبة¹»…

ما العمل؟ في الرخاء، وفي الشدة، الحمد لله!

¹- تقديم ثور للمستعمر دلالة الاستسلام والخضوع.

 

لماذا؟

أيتها الجارات، لماذا عليّ أن أخجل من نفسي؟

أيتها الجارات، لماذا تنظرن إليّ بنظرات شزراء

حيث تغلب الغيرة على الازدراء،

ألأنّ ثقبي هي مورد عيشي

لا يمكنكن أن تفعلن مثلي، أيتها الجارات!

فالرجال برؤيتكنّ يصابون بالغثيان

وأزواجكنّ، كلما باعوا ثورا

جاؤوا يطرقون بابي ليلا.

الفلاح يعيش من أرضه وبهائمه،

والحداد من الحديد الذي يصنعه،

والعطار من المواد الغذائية التي يبيعها

وكلهم يتعرضون لمؤاخذات زبائنهم

وأنا التي لم ألحق أذى بأحد أبدا

(أيمكنكن أن تقلن مثل هذا، أيتها الجارات الطيبات؟)

أنا أؤجر شيئا قليلا من جسدي الذي هو ملكي

دون أن أتعرض لأدنى مؤاخذة،

كما تكترين أيديكن في أشغال الحقول.

تقلن بتقزز»إيطو تبيع نفسها للرجال!»

أيتها الجارات الطيبات، جربن أن تقمن بنفس الفعل

فأنا جميلة،وطيبة وأجذب الرجال

كما تجذب أزهار الربيع النحل

فلماذا أخجل من نفسي، أيتها الجارات الطيبات؟

 

تظلم

إن ظننت أنك ستفعلين ما يحلو لك،

ستذهبين لتنامي في «إتسوان» يا ميلودة!

اعتقدت أنك في المطحنة، وكنت في السطح

حين آتي في «الظهر»، يكون خبزنا غير ناضج.

وتتركين الأبقار تذهب إلى حقول جيراننا.

ويأتون ليؤاخذونني على الأقوال السامة

التي تحبين أن تسودي بها كل أناس البلد.

أنت مثل فلفل في إناء حليب!

إن اعتقدت أنك ستفعلين ما يحلو لك،

ستذهبين لتنامي في «أوفدجير» يا ميلودة!

أين هو الجلباب الذي عليك نسجه؟

والصوف ينتظر دوما، لم تغزليه.

بقيت ستة أيام في حفل زواج أختك.

والجارة الطيبة هي من قامت بعملك!

وسددت ديونك للعطار.

أنت مثل البرد في حقل فصّة.

إن اعتقدت أنك ستفعلين ما يحلو لك

ستذهبين لتنامي في «تيفريت» يا ميلودة!

فالكلب مزق الـ»إبوريكسين».

ولم تقولي شيئا، كما عن الصحن المكسور

ولا عن الغربال المعار، الذي لم يعد بعد

والقلة الفارغة دوما حين أعود في المساء

وصندوق السكر المقلوب في الرماد

أنت مثل عاصفة رعدية فوق رحى قمح!

إن اعتقدت أنك ستفعلين ما يحلو لك،

ستذهبين لتنامي مع الأبقار، يا ميلودة!

أين أضعت حزامك الصوفي الأحمر؟

استحملت طويلا تفاهاتك.

ومزاجك السيئ حين أرغب فيك؟

لن يصعب عليّ اتخاذ زوجة أخرى.

وأحس أن غضبي يتزايد مثل سيل في منحدر

أنت مثل غمام يظلم النهار منه!

ميلودة، لقد فعلت كثيرا ما يحلو لك!

ستذهبين لتنامي عند أمك، يا ميلودة!

 

الندم

روحي سوداء، وقلبي أسود.

وأنا مترعة بالحزن والحقد.

فمن أحب، أيتها السعادة المبتغاة

نسيني باكرا، يا للبؤس!

كما يرمى عظم دجاج

بعد التلذذ بلحمه.

على شفتي، ما زالت قبلاته،

والجاحد أشعل

نار شوق، لم يعد يأتي ليخمدها

لكن ما يسبب لي غيظا قاسيا،

هو أنني سلمت له نفسي، محبوبي!

والأشرار، بنظرات شزراء

وضحكات هازئة يلاحقونني.

فمن إذن يريد أن يتزوجني،

إن لم يكن تافهاً، أقرع بلا مال؟

وسيجعلني أتجرع عاري، بلا رحمة

ولن أتجرأ على الشكوى إن هو أساء معاملتي.

 

كيف سيكون لي الوقت

كيف سيكون لي الوقت للإصغاء لقلبي

ومن يريد أن يكلمني عن الذي أحب،

عن الذي لا يعرف أنني أحبه إلى درجة

لم يبلغ إيدر العشرين من العمر وأوشك أن أبلغها.

وليس لي مساء واحد لكي أفتح له قلبي.

العمل المتواصل يملأ كل أيامي.

فكيف سيكون لي الوقت للتفكير في الحب؟

وهناك الحبوب التي ينبغي طحنها والأبقار لحلبها،

والقلة إلى العين والنار للطبيخ.

والنهار أقصر بكثير من الأشغال التي يتوجب القيام بها.

وهناك العشب في الحقل والحطب في الغابة،

والخبز الذي يتوجب إنضاجه والغسيل في الجدول.

مهدودة من الإرهاق، أتهاوى في المساء.

يكون الفجر بعيدا جدا حين أصحو

والليل قد نزل منذ مدة طويلة حين أنام.

كيف يمكن أن يكون هناك وقت للتفكير في الحب؟

 

إينكر، إيدا، إيوفان لوكفان

نهض، وذهب والتقى مع الموت،

لأنهم زوجوني لأبيه…

… غير محظوظة أنا! غير محظوظة!

أحلم به طيلة الليل،

أفكر فيه طيلة النهار.

ولأبيه سيزوجونني.

كان يتدبر أمر اللقاء بي

ويضطرم حبا لي.

بكل كياني، كنت زوجته.

ولأبيه سيزوجونني.

والده ترمل، صديق دارنا.

قال أبي: نعم لأن للصديق ممتلكات

أريد أن أصرخ أنا أحب الابن.

ولأبيه سيزوجونني.

رأيت، المحبوب، للمرة الأخيرة.

هو أيضا لم يعد له ما يبوح به.

فضّل أن يذهب ويصير جنديا.

ولأبيه سيزوجونني.

قال لي «إن بقيت في الدار،

كيف يمكننا أن نعيش جنبا لجنب؟

يجب إذن أن نفترق إلى الأبد

ولأبي سيزوجونك…».

والده ووالدي قالا له «ابق!»

«ابق لتكون سعيدا معنا!»

وقلبه قال له «لن أكون سعيدا مع أحد

ولأبي سيزوجونها».

قال «ليحفظكم الله ويغفر لي!»

وراح، ولا أحد سيشك أبدا

في حبنا وحزننا.

ولأبيه سيزوجونني.

 نهض، وذهب والتقى الموت.

لأنهم زوجوني لأبيه… «.

 

النحلة

أيتها النحلة، يا أمة الرسول،

أيتها النحلة المحملة بالبركة،

أنت التي تنتقلين من زهرة لزهرة،

طيري نحو قريتي

وسيري من بنت لبنت.

وحين تسيرين من بنت لبنت

قولي لكل واحدة منهن اسمي.

وستتعرفين على محبوبتي:

تلك التي ستجهش بالبكاء

حين تنطقين باسمي.

قولي لها بأنني أضطرم حبا

والفراق ينخر ذهني

كما ينخر جذع شجر الجوز،

والحزن يسحق قلبي

كما تسحق الرحى الحبة.

أيتها النحلة، يا أمة الرسول،

حطي برفق فوق أذنها،

وترجيها أن تنتظر عودتي

فقلبي مفعم بها.

وإن لم يكن بإمكاني رؤيتها قريبا،

فلن يتبقى لي إلا رجاء واحد:

أن يعجل لحاقي بعالم الأموات

فالقبر أرحم ألف مرة من المنفى

أيتها النحلة، يا أمة الرسول،

أيتها النحلة المحملة بالبركة،

طيري نحو قريتي.

 

الطيور الثلاثة

كنت في حقل الفصة الأخضر.

وفوق شجر الحور تغنّي ثلاثة طيور.

والراعية العجوز تسمعهم

قالت لي الراعية العجوز:

«إن أصغيت للعقعق الهذار،

الخصيم الذي لا يرتاح،

ستصيرين شريرة ومجنونة.

ومن آنذاك سيتخذك رفيقة له؟

 إن أصغيت السمع للنقار الأخضر الحزين،

في الظل الوارف للأوراق

النقار الذي يسائل وهو يضرب كل عود

أين راح حظه الضائع،

فلن تعيشي إلا أياما مريرة وقاتمة

وشغلك لن يعرف لا هدنة ولا راحة.

لكن اسمعي للترغلة الرقيقة

التي تهدل من الصبح حتى الليل.

كوني مثلها إذن بنتا رقيقة

تتحرق في صروف الهوى…»

بينما فوق شجر الجوز تغني ثلاثة طيور.

 

الزوجة الثانية

 لقد جاءت، الغريبة، ولها مكانتها في البيت،

جاءت بوشمها الذي ليس مثل وشمنا¹.

إنها صغيرة، إنها جميلة، كما اشتهاها زوجي.

حتى أن الليالي ليست بالطول الذي يسع شغبهما،

لكن سنرى هل هي مقدامة أيضا في الشغل.

إنها مزينة بالألبسة والمناديل

بألوان براقة مثل ألوان «باگزوا ²»،

لكن على بشرتها أن تتعود على الصوف الخشن

حين تذهب للاحتطاب، حلب الأبقار أو الطبخ.

من فم لأذن يلومون زوجي

لا لأنه تزوج امرأة ثانية،

ولكن لأنه جلب للبلد دخيلة،

غريبة، وما نعرفه عنها قليل.

يقال بأن والديها من آيت تاركبوت

أيمكن ألا تكون بنتا لآيت تاركبوت

وتدعي بأنها من آيت بوگماز؟

اعتقدت بالأحرى بأنها من آيت بودماز،

منذ أن جاءت، لم تعد الدار مثلما كانت

كما لو أن الجدران وعتبة الدار جفلت

ربما أنا الوحيدة التي تنبهت لذلك،

مثل البغل أمام مزودته الفارغة،

عليّ أن أقبل مصيري الجديد.

فزوجي سعيد مع زوجته الجديدة.

أنا أيضا كنت جميلة، لكن زمني مضى.

1- لكل قبيلة وشمها الذي يحميها ويميزها عن غيرها.

2- الزنبور الذي له ألوان مختلفة.

فاطمة حسن فروج
لوحة فاطمة حسن فروج

ابتهال للقمر

قمر، أيها القمر! يا شمس الليل،

يا من ينسج ويفك نسيج الفصول،

أنت يا من تمنح قوتك الهائلة للأرض

الليالي مهد الخصوبة

أنت الذي علمت لأناس الحقول

الأيام المواتية والأيام السيئة

لمختلف أشغال الحقول،

قمر، أنت الذي تقرر في أمر الولادات والتفقيس،

أنت الذي تجعل من البذار عقيما أو كريما،

أنت الذي تنفخ الرياح الليلية الحارقة

الرياح التي تجفف وتقتل قلب الشعير الغض،

أنت الذي تثقل برداء الجليد المميت،

نحن نطلب رحمتك، ضعافا كما نحن.

يا منجل اليد الكريمة،

يا منجل اليد السيئــة،

يا أيتها الرحى الذهبية التي تطحن حنطة النجوم،

يا باحة ذهبية لليالي الصيف والشتاء

وسط طريق التبن السماوي،

إننا نطلب عون الله وبركتك

حتى لا تمنحنا إلا الخير،

وحتى تعرف أشغالنا خاتمة طيبة

وحتى تكون السنة مواتية للناس!

 

تگات ¹

لعنة، لعنة قاسية

شاءت بأن أكون لكل الرجال.

ليحفظكم الله، أيتها الفتيات

لقد سحرت. وربما هو المكتوب

مذ كنت في بطن أمي

وطالما أنا صغيرة ومشتهاة

فقدري هو أن أذهب من الحصير إلى حوض الاغتسال

وأن أقضي وقتي ممدة أو مقرفصة.

يتظاهر الرجال بالطيبة لأستسلم لهم،

لكن لباقتهم تموت ما أن تنطفئ الرغبة.

هؤلاء العشاق العابرون، يستعملونني

كما تستعمل طيلة النهار «تاغشولت ²»

أو الحمار الذي يجر بلا توقف حبل البئر.

أكرههم، أكرههم ورغم ذلك أنا في حاجة إليهم

رغم القرف والتعب الذي تسببه لي

ميزاباتهم «زوند تارانيم ـ ن ـ أوفوس ³»… حاشاكم!

أكرههم، أكرههم والمتعة التي يدينون لي بها

لا أريد أن أقتسمها معهم.

أريد أن أحرق جسدي المباع، المدنس بسمّ الرجال

لفرط ما صرت أمجه.

والعين الشريرة لم تفتأ تتملكني

مثلما يمسك الطير الكاسر الحجل بين مخالبه.

إننا لا نهرب من حظ تعيس

كما لا تهرب حبة القمح من الرحى.

أنا بنت محبة للرجال وسأبقى كذلك

مثلما أن البغلة المقيّدة لا يمكنها أن تتحرر.

أنا أيضا، مثل النساء اللواتي أغبطهن،

كنت أريد زوجا، رجلا واحدا، واحدا.

رجلا كان سيؤمن لي الخبز واللباس

وكان سيكون لي أطفال، وضحكهم وبيت

بيتي أنا، إنها اللعنة.

الكلمتان في الشفاه الواحدة منهما قريبة من الأخرى!

هل عليّ أن أضحك أم عليّ أن أبكي، يا أخواتي؟

فأفراح الزواج والأمومة ليست لي

إلى أين ستقودني هذه اللعنة؟

درداء، والعيون ذابلة، والوجه بشع،

آنذاك سأحطم مرآتي وأنا مرتاعة

يا رب، يا عظيم! جنبني العيش

في الفقر، والألم والعار!

مثل العجوز إيزا التي تتسول من دار لدار

والتي تنام حيثما وجدت في أسمالها النتنة!

إيزا كانت جميلة وعشاقها لا يحصون.

والآن؟ هل سأصير مثلها؟

مريريدة! مريريدة! هل ستكونين مثل

التي ينظر لها الناس بتقزز وشفقة؟

ـ إذن، ودون انتظار أطول، مرحى لك أنت أيها الموت!

1- تگات: لعنة.

2- تاغشولت: شكوة من جلد الماعز المحتفظ بشعره وهي التي تصنع فيها الزبدة وذلك برجّها لمدة طويلة.

3- مثل سواعدهم، أستسمحكم.

 

النميمة

اللعنة على اللسان وسمّه!

لا أحد كان هناك، ورغم ذلك يقال

يقال بأن العجوز أمغار¹ تسبّب في حمل راعيته.

يقال بأن هذا كان يسرق في شبابه.

يقال بأن هذا سمّم صهره

وأن المقدّم خنق عشيقته.

يقال بأن با أسكوم يأكل لحم الخنزير

وأن اليهودي إيشو يزيف النقود.

يقال بأن القائد وزوجة الحاكم.

يقال بأن القائد، يوم عيد الرؤوس ²…

لا أحد كان هناك، ورغم ذلك يقال.

فالأذن ميالة للنميمة

اللعنة على اللسان وسمّه!

1- أمغار: شيخ القبيلة.

2- عيد الأضحى.

 

حصاة ملساء

لا شيء له أهمية كبيرة في الحياة،

يقول الحكماء، وسيّـئوا الحظ، والراضون بقدرهم.

ويؤكد آخرون بأن الحياة كذلك

في حوادثها الأكثر صغرا والأكثر كبرا.

وهذه الحكاية، يا جاري، -ليلهمك الله!ـ

ستقبلها كما سمعتها…

كانت هناك حصاة ملساء مسطحة وصقيلة، بجانب السيل.

وكانت هناك زوجة شابة جاءت لغسل رجليها.

أبصرت الحصاة الجميلة، وحكت بها عقبيها

وحملتها لاستعمالها كل يوم.

وحرصت على وسمها بعلامة.

وضعتها في نافذتها، أسقطتها دجاجة.

فأخذها حموها ليبعد بها الكلب.

ولكي يلعب، أخذها الكلب في شدقيه.

ثم انتهت بأن استعملها تاجر في وزن الصوف.

والتقطها راع ليسقط بها الجوز.

وهو يسقط ضربت الحصاة طفلا.

أخذ والد الطفل الراعي إلى القايد،

دون أن ينسى الحصاة، كان مزاج القايد سيئا،

لذا حكم بشهر سجنا على المشتكي المذهول.

وحتى يتذكر هذا الظلم، احتفظ الرجل بالحصاة،

وحين فك أسره أخيرا، رماها تجاه غربان

كانت تنهب حقل ذرة.

تدحرجت الحصاة حتى قدمي حارسة بقر

فصاحت: «آه» تمامات «الجميلة، وهي تشهره في يدها!»

غير أن العجوز كانت حماة الزوجة الشابة

التي اندهشت وهي تتعرف على حكاكتها.

وكانت ستندهش أكثر لو عرفت كيف عادت إليها!

… لا ينبغي للأشياء العجيبة في هذه الدنيا أن تدهشنا

فكل شيء في هذه الدنيا بمشيئة الله.

 

المسامير

… مسماران، مسماران فقط،

كل واحد تحت عقب نعل…

« أمي، أحرسي الكتاب،

وإن خرج زوجي «الطالب»،

دبري أمرك لكي تستبقيه

ولتأتي فاطمة لإخباري».

«أيتها القبّرة الخفيفة إنك تزعجينني بصياحك

ماذا تريدين؟»

ـ تيمغارين… تيمغضارين ¹…

زوجتك، أيها الطالب، ليست استثناء.

« إذن انصحيني، أيتها القوبع،

تعرفين أن العجوز يقظة،

وزوجتي، تأخذ علما مسبقا،

ولها جواب جاهز دوما…»

ـ بمسمار حذاء جندي

تحت عقب النعل

ستكتشف، أيها الطالب!

دار عشيقها.

«أيتها المرأة غير الوفية، اسمعيني،

أنا، «كاراك-كاراك»، أبو زريق،

أقول لك اذهبي بقدم حافية، قدم حافية.

فالصاعقة لا تنذر الشجرة التي تختارها!»

«عمّاذا تبحث، أيها الطالب من قريتنا،

بعد زخة نيسان المباركة هذه»

ـ عن مسمار، أصدقائي، ربما عن مسمارين

بعد زخة «نيسان ²» المباركة هذه.

«لماذا تتقافزين أمامي

 أيتها القبّرة، الرسولة؟»

ـ لكي أريك، أيها الطالب، آثار

المسامير في الأرض البليلة

التي ستقودك إلى عتبة العشيق

أترى أثر مسمار اليمين؟

أترى أثر مسمار الشمال؟

ها أنت قد علمت؟ ادخل واصمت!

«أيتها الزوجة غير الوفية، أنا أبوزريق،

لقد نبهتك للخطر.

ولم تريدي أن تسيري بقدمين حافيتين!

اللعنة عليك «كاراك-كاراك» يقول لك وداعا…»

«جار كتابي، أرجوك،

احرس للحظة الأطفال.

 فألواحهم جاهزة.

وأنت، أيتها القبرة، ماذا تقولين لي؟

ـ أيها الطالب بسرعة إلى دار العشيق

من الجنان فالعجوز لا يمكنها أن تراك

ودون أن تضع الأذن على الباب

ستتعرف على صوت زينة،

وأيضا على صوت علي، الغاوي.

ادفع الباب، فهي ليست مسدودة.

وبعد أن ترى بعينيك،

لا يمكن للرجل إلا أن يستل خنجره!»

مع الأسف، أنا رجل ضائع.

لقد نحرت عليّا وبقرت بطن

زينة، زوجتي المذنبة

التي نحوها قادتني المسامير!

«أنا «واك-كواك»، البومة الأم.

اسمعوا! اسمعوا، ما أقول لكم

كيف أن الطالب فتح عنق عليّ

والبطن غير الطاهر والأبيض لزينة!»

… مسماران، مسماران فقط،

كل واحد تحت عقب نعل.

1- مثل أمازيغي: «نساء غدارات».

2- نيسان هي الفترة الممتدة من آخر أبريل إلى آخر ماي ومطرها مفيد جدا للمزروعات.

فاطمة حسن فروج
لوحة فاطمة حسن فروج

غاسلات الصوف

إن كانت أصابعنا المسكينة دامية،

اسألوا عن السبب الأشواك

التي جمعتها الشياه طيلة الصيف في العزيب.

هذا هو قدرنا نحن، غاسلات الصوف.

أين هي، تلك التي ستتجرأ على الشكوى؟

إن كانت أيدينا محمرة من البرد،

اسألوا عن السبب الماء الصاقع

الذي ينزل من العيون التي ما يزال فيها الثلج.

هذا هو قدرنا نحن، غاسلات الصوف.

أين هي، تلك التي ستتجرأ على الشكوى؟

إن كانت لنا أكتاف وظهور محطمة،

اسألوا عن السبب الجزات الثقيلة

التي تبقينا محنيات، والأرجل في الماء.

هذا هو قدرنا نحن، غاسلات الصوف.

أين هي، تلك التي ستتجرأ على الشكوى؟

أيها الصوف الذي يجمع بين القوة والرقة،

والذي يملك الحماية والرخاء،

تعبنا، نهديه لك بفرح.

فما قيمة تعبنا بإزاء خيراتك التي لا تقدر؟

أيها الصوف، لتحل بنا بركتك المليئة بالفضائل!

 

خاتم يا مولاي

كان هناك «طالب»، حكيم،

هجس خاطره بأن يختبر الناس

في سلامة فطرتهم وصفاء قلوبهم.

تجرّد من ثيابه كلها

وسار عند تاجر غني:

«ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!»

ذهب عند رجل يملك مائة شاة

ولم يعرف أبدا الجوع:

«ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!»

 وذهب لمقابلة القائد

الأعمى والأصم تجاه آلام الناس:

ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!

وذهب إلى مكتب «الحاكم».

وفي الباب، أوقفه الشاوش:

«ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!»

ذهب بالقرب من مسكين

معدم مثله:

ماذا ينقصك أخي العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!»

وذهب إلى العين التي تستسقي منها النساء

نكست البنات عيونهن:

«ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، أعانكن الله!»

وصل الحكيم عند راع

غني بالتأملات والعزلة:

«أيها الرجل، قال الراعي، هذه جلابتي لك

وتعالى اقتسم معي خبزي…»

آنذاك قال الحكيم للراعي:

«أتكون وحدك، أيها الراعي،

من يملك نور الفطرة

وفي قلبك نداء الشفقة؟

بماذا يمكنني أن أجيب أفضل

أيها الناس المجردون من الحكمة والشفقة:

«ماذا ينقصك أيها الرجل العاري؟

ـ خاتم، يا مولاي!»

 

تــــهــويدة

«… نم، نم، صغيري!

فبورحو¹، كسرت رجله.

والدجاجة فوق المجثم

ولم تعد تقوم أبدا بـ»كت! كت!»

دخلت الشاة

ولا تقوم أبدا بـ» برـ بر!»

وبوبا ² أمام التبن

لا تقوم بـ «هوم ـ هوم»

الآن وقت القطة

 التي ترى بوضوح في الظلام.

وبالنسبة إليك أنت الذي لست قطا،

بالنسبة إليك الوقت، وقت النوم

في رأسك، وفي يديك، الحناء³

وفي معصمك دملج الصوف4.

لكي تنام نوما هنيئا.

ولتحل بركة الأطفال الصغار

الذين لا يعرفون شيئا من هذه الدنيا

على هذه الدويرة وتمنحها

الصّحّة والوفاق والرخاء!

نم من أجل راحتك وسعادتي!

ـ يا رب! امنحه النوم والصحة

ببركة الأولياء الصالحين! «

1- بورحو: الغول الذي يخافه الصغار.

2- البقرة.

3- يعتقد الأمازيغ أن الحناء محملة بالبركة وتحمي من العين الشريرة.

4- يمتلك الصوف أيضا طاقة على الحماية وجلب الخير.

 

مليكـــة

في الجدول، ظهرت لي، عارية،

وضعت لحافها وحزامها الصوفي

ومثل حسون، وضعت شالها الأصفر والأحمر.

كانت تخال نفسها وحيدة تحت الصفصاف الأزرق،

مليكة عارية، مليكة، فرحة عيني.

مليكة التي بزت الشمس ببهائها.

وبهت القمر لإشراقها.

وكل حركة منها افتتان.

لقد رفعت رأسها وبسرعة، بسرعة، بسرعة شديدة،

تكومت على نفسها في الماء الشفاف،

اليدان متشابكتان على البطن في الماء الصافي،

والرأس وحده خارج الماء الصافي

وعيناها الحزينتان تلمعان من غضب

ومن خوف، حين اقتربت منها:

«اسمحي لي مليكة! ليس لي قصد سيء

ولم أتبعك لكي أباغتك…»

ولكن، وعن جسمها الأكثر بياضا من الماء الشفاف،

كيف بإمكاني أن أنزع نظراتي؟

مليكة التي بزت الشمس بروعتها.

ومحت القمر بإشراقها.

قالت «ليجعلك الله أعمى وأبكم!»

صمتّ ووضعت يدي اليمنى على عيني.

فلعناتها ودموعها اعتصرت قلبي..

لذا، ابتعدت، خجولا من خجلها.

ومنذ أن ظهرت لي عارية،

مليكة البيضاء تحت الصفصاف الأزرق،

صارت تفرّ ما أن تراني،

معتصرة بقوة لحافها ومخبئة وجهها.

ولا تريد أن تمنحني ولو نظرة واحدة

ولا ردا على سلامي الحار.

إنها تكرهني، مليكة، هذا مؤكد،

لأنني رأيتها عارية، مليكة

وحيدة وبيضاء في فيء تحت الصفصاف الأزرق.

ومنذ ذلك اليوم، لا أفكر إلا فيها،

كما رأيتها، عارية تماما، في فيء تحت الصفصاف.

مليكة، أما زلت بلا شفقة

لأنني فاجأتك، عارية تماما،

مليكة بيضاء تماما تحت الصفصاف الأزرق.

 

طريق النسيان

كم هو بعيد وخلفي يوم رحيلي،

الصباح المظلم الذي هجرت فيه الدار،

وهجرت أبي، أمي، إخواني، وأصدقائي

وهجرت تلك التي أحبها ولا تحبني.

تقول لي عيناي المهدودتان وتجاعيدي ولحيتي الدكناء

كم هو بعيد زمن شبابي

حين دفعني الغم والكبرياء للرحيل،

لأن التي أحبها، لا تحبني.

وهكذا سرت في الطريق، طريق الأسى،

طريق العمل الشاق، طريق الجوع،

طريق الغضب، والحقد، واللعنة،

وحب لقاءات لا تخلف إلا الإحباط.

خفت مرارتي فصلا بعد فصل

ومثلما يذوب الأفق في حلكة الليل.

حتى أنني لم أعد أذكر يوم رحيلي،

حين كنت مازلت أحب تلك التي لم تكن تحبني.

كل فصل يأتي لينضاف لآخرين

مثل الحجر الجديد الذي ينضاف «للكركور¹»

ويسحق الحجر الذي تحت.

السنون تطمر أفضل من الأحجار

وأنا أعرف الآن ما كانت عليه طريقي،

فالطريق التي سرت فيها سابقا، كانت دربا للنسيان.

ولم يكن بإمكاني السير فيها لو بقيت في القرية،

لكن التي كنت احب أنا، هي لم تكن تحبني

1- كومة من الحجارة فوق قبر ولي صالح أو فوق المكان الذي توقف فيه أو في قمة الجبل.

 

حبيبة

أعرف أن الجيران يتوشوشون:

«ما بها صغيرتنا حبيبة؟

عيناها المتعبتان يفضحان ألمها».

كيف لخدّيّ أن يكونا نضرين؟

والدموع المريرة شرابي

والحزن الأسود طعامي.

ميلود، أيها الصديق، صرت تهرب مني!

طرأ عليك هذا مع طلائع البرد.

قبل هذا، كنت تناديني كل ليلة

وتأخذني وراء الزرب.

ماذا يطلب الأعمى من ربه؟

عينان، وأنت الذي أرضته السماء،

تتظاهر بأنك لا ترى!

تلومني أمي على وقوفي بالعتبة،

ومشابكي الفضية، ومنديل رأسي

وحزامي الصوفي الأحمر الجديد

اللذين أتزين بهما لك، دون جدوى.

كيف لخدّيّ أن يكونا نضرين؟

فالدموع المريرة شرابي

والحزن الأسود طعامي…».

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.