مختصرات الكتب

الأحد 2020/11/01
لوحة: فؤاد حمدي

الديمقراطية بين الشكّ والقلق

الدّيمقراطية نظام سياسي، أي نمط تنظيم للحياة العامة يقوم على مؤسسات، وشكل من المجتمع مؤلف من ركيزتين، الحرية والمساواة. كل تجربة ديمقراطية غير محدّدة بزمن، وهو ما يشكل قوتها وضعفها في الوقت نفسه. لئن كان المستقبل مفتوحا على الدوام، فإن ذلك الانفتاح مشفوع بارتياب قد يتحول إلى قلق، وحتى تحدٍّ متبادل بين الحاكم والمحكوم.

هذا المنحى حاضر اليوم في عدة بلدان. صحيح أن التطلعات الديمقراطية عبر العالم أكثر قوة من قبل، ولكن غالبا ما تقمعها السلطات الحاكمة، وتتعايش مع صعود متسلط كشفت عنه نجاحات الأحزاب الشعبوية.

ذلك ما يطرحه جان فانسان هولاندر في كتاب بعنوان “الديمقراطية” يؤكد فيه أن التاريخ يعلمنا نسبية تلك التهديدات، فالديمقراطية قد لا تتمكن من إزالتها فهي تظل عنصرا لا يني يتجلى في هذه المرحلة أو تلك.

نقد العلوم التقنية

التكنولوجيات تَعِدُ البشر بالخير والسعادة، وتحدّد الوضع الإنساني اليوم، فلمَ نقدها إذن؟ ألا تخفي خطابات نقاد التكنولوجيا مخاوف لاعقلانية، وموقفا رجعيا؟ ورغم ذلك فمنذ أن دخلت المجتمعات البشرية في دوامة التصنيع، نهض الناس أفرادا وجماعات للتنديد بتقنيات عصرهم، وسعوا إلى تدميرها وعرقلة آثارها. فالآلات التي يفترض فيها تخفيف العمل، والتقنيات الدقيقة التي قيل إنها ستزيل إكراهات الطبيعة، ومواد التقنية العلمية التي أوهمت بتوفير الرفاه والعيش الكريم للجميع، كلها قوبلت بنقد يشكك في جدواها، وينبه من خطرها على الإنسان وبيئته. في كتاب “النقاد التكنو” يتناول فرنسوا جارّيج الخطابات النقدية الصادرة عن حرفيين وعمال ومفكرين وفلاسفة منذ الثورة الصناعية كشفوا مخاطر التكنولوجيا في بلدان كثيرة من العالم، ويحلل الصراع الدائر بين المتمردين باسم حماية البيئة، والحكومات المنساقة إلى التنمية بأي ثمن استجابة لخبراء الرأسمالية.

المجتمع المراقَب

كتاب يكشف التحول المخيف للرأسمالية
كتاب يكشف التحول المخيف للرأسمالية

في كتاب “عصر رأسمالية المراقبة” تبين الباحثة الأميركية شوشانة زوبوف كيف أن عمالقة الإنترنت (غوغل، أمازون، أبل، فيسبوك، ومايكروسوفت) لا يسعون فقط إلى الحصول على معطياتنا، وإنما أيضا إلى توجيه وتغيير حياتنا الاجتماعية ومشاعرنا وأهوائنا وأفكارنا الأكثر خصوصية وحتى أصواتنا عند الاقتراع. أي أنها في النهاية تقرر بدلا عنّا، لغايات ربحية صرفة. من خطوات غوغل الأولى إلى فضيحة كامبريدج أناليتيكا، تحلل الباحثة ذلك التحول المخيف للرأسمالية، حيث انتقلت سيادة الشعب إلى أيدي أرباب صناعة جديدة غامضة، جشعة، جبارة، تهدد الديمقراطية وحرية الاختيار. والكاتبة تقرع ناقوس الخطر، وتلح على ضرورة تطوير وسائل ناجعة للتصدي لهذا الوضع الذي لم يسبق له مثيل، وتوعية الناس عبر العالم بأنهم صاروا تحت المراقبة المستمرة حتى في بيوتهم. كتاب مرجعي يحلل بعمق مجتمع المراقبة في عصر الإنترنت.

الأزمات تصنع التاريخ

“انقلابات” لعالم البيولوجيا والجغرافيا الأميركي يارد دياموند دراسة مقارنة، سردية استكشافية لأزمات وتحولات حدثت خلال عشريات في سبع بلدان عصرية هي فنلندا واليابان وشيلي وإندونيسيا وألمانيا وأستراليا والولايات المتحدة، فالمقارنات التاريخية ترغم على طرح أسئلة لا تظهر حتما عند تناول حالة واحدة مثل: لماذا تترك بعض الحوادث أثرا محدّدا في هذا البلد وآثارا مختلفة في بلد آخر؟ من خلال مقارنة بين أزمات عاشتها في مراحل مختلفة (اليابان في 1850 وفنلندا في 1940، إندونيسيا عام 1965 وشيلي عام 1973، ألمانيا في 1945 وأستراليا في 1970) يستخلص الكاتب عوامل وفرضيات متغيرة يعمل على اختبارها لاحقا بدراسات كمية. والسؤال الذي يطرحه: هل تحتاج الأمم إلى أزمات كي تشرع في تحولات كبرى، وهل يترك الحكام آثارا حاسمة في مسيرة التاريخ؟

الإنصات إلى  الآخر لكسر العزلة

في عصر الاتصال والمعلومات المستمرة والاستهلاك الجماهيري، اختفت صورة الآخر، فقد انصهر الآخر (أي الصديق أو الشخص المحبوب أو المكروه) داخل سيلان رغبتنا النرجسية في إزالة كل الحواجز، والاستحواذ على العالم. وحيواتنا، إذ غدت محكومة بـ”رعب المثيل” أقلعت عن البحث عن المعرفة، وسبر الذات، والتجربة باختصار، لتصبح غرف صدى لشبكات اجتماعية حيث اللقاءات وهمية. ما يقود الأفراد التائهين الباحثين عن معنى إلى أعمال متطرفة تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين. في كتاب “إقصاء الآخر” يؤكد المفكر الألماني من أصول كورية وأستاذ الفلسفة بجامعة الفنون ببرلين بيونغ شول هان أن الخطر الذي يواجهنا اليوم ليس القمع بل الإحباط الداخلي، وأن تجديد مجتمع الإنصات إلى الآخر ومعرفته هو الطريق الوحيد لمقاومة العزلة والألم اللذين ولّدهما مسعى استيعاب أعمى.

التضامن لمواجهة الكوارث

نظريات الانهيار من وجهة نظر علمية وإيثيقية
نظريات الانهيار من وجهة نظر علمية وإيثيقية

جديد كاترين لارير أستاذة الفلسفة الأخلاقية والسياسة في السوربون، وزوجها رافائيل عالم الاجتماع كتاب عنوانه “الأسوأ ليس مؤكَّدًا”، ينطلقان فيه من أدبيات المنذرين بالكارثة المحتومة، والقائلين بأن العالم يسير إلى الفناء لسوء تصرف الإنسان في أديمه، ليبيّنا حدود نظريات الانهيار من وجهة نظر علمية وإيثيقية، ويؤكدا على وجود حلول بديلة، تتمثل فيما نلاحظه من هبّة سياسية وإيكولوجية للتصدي معا لجائحة كورونا، وابتكار منظومات تضامن وتكافل جديدة، وأنماط إنتاج خلنا أننا نسيناها. وفي رأيهما أن “الكارثية” هذه البنية التي تمس مختلف الطبقات المتوسطة في الغرب، هي “سردية كلّ”، سردية تشجّع على اعتماد الإنسان في محيطه على التضامن والتعاون، ولكن بحضور الدولة، لأن تجنب الكارثة لا يكون في رأيهما إلا بتسييس الإيكولوجيا، والقطع مع الخطاب التعميمي.

الغرب والزمن

كتاب “كرونوس” للمؤرخ فرنسوا هارتوغ هو مقالة في نظام الأزمنة ومراحل الزمن عبر التاريخ، وكرونوس هو إله الزمن في الميثولوجيا الإغريقية، يعرَّف بأنه كلّي الوجود، حتمّي، ولكن يمكن تعريفه أيضا بما لا يمسَك، رغم أن الإنسان لم يتخلّ منذ القدم عن رغبة السيطرة عليه، فقد كانت له استراتيجيات عديدة لمحاولة الإمساك به، منها محاولة سانت أوغستين، الذي اعترف بأنه يعرف معنى الوقت ما لم يُسأل عنه، فإذا سئل زالت معرفته به. يتنقل بنا الكاتب من طرق مقاربة الإغريق لكرونوس إلى قضايا الشك الفلسفي في الأزمنة الحديثة، مرورا بمفهوم الزمن الذي أقرته الكنيسة منذ نشأتها كحاضر بين التقمص ويوم الحشر، وهو الذي سار عليه الزمن الغربي، ونشره وفرضه بالقوة، قبل العودة إلى الزمن الحديث، الذي جاء به التقدم والسير السريع نحو المستقبل.

نحو أفق إيكولوجي جديد

في شكل بحث فلسفي وتاريخي، يقترح بيير شاربونيي في كتاب “وفرة وحرية” تاريخا بيئيا للأفكار الفلسفية الحديثة، لا يبحث فيه عن بذور الفكر الإيكولوجي بل يبين كيف أنها تقوم على تصور معين للعلاقة بالأرض والبيئة. ويستخلص أن أهم الأصناف السياسية للحداثة تأسست على فكرة تحسين الطبيعة والانتصار الحاسم على شحّها، والوصول إلى مواردها الأرضية بشكل غير محدود. ولذلك تصوّر الحداثيون قيام مجتمع سياسي لأفراد أحرار، متساوين ومزدهرين، خاصة مع نهضة الصناعة رديفة التقدم. بيد أن الميثاق الذي عُقد بين الديمقراطية والتنمية يعاد النظر فيه بسبب التغير المناخي والتقلبات الإيكولوجية. ومن الواجب في رأي الكاتب أن نعطي أفقا جديدا لمثالية الانفتاح الديمقراطي، لأنه لا يمكن الارتياح لوعود توسُّع لانهائي للرأسمالية الصناعية، ولا بدّ للإيكولوجيا أن ترث عن اشتراكية القرن التاسع عشر قدرتها على التصدي لصدمة الجيوإيكولوجية مصدرها الصناعة.

حقّ الكائنات غير البشرية في كوكبنا

جديد عالم الأنثربولوجيا فيليب ديسكولا، الذي يعتبر الوريث الشرعي لكلود ليفي ستراوس كتاب عنوانه “تشكيل العوالم”، يستعرض فيه تجاربه الميدانية مع القبائل البدائية في أمازونيا وخاصة الهنود الجيفاروس، ويستحضر دروسه في الكوليج دو فرانس، والمناقشات التي دارت في الوسط الأنثروبولوجي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، ليقدم إضاءات حول المسألة البيئية وحقوق المجتمعات البدائية، التي تتعرض اليوم إلى التضييق وإلحاق الأضرار ببيئتها. في كتابه هذا، الذي جاء في شكل محاورات، يركز ديسكولا اهتمامه بشكل خاص على طرق الإقامة في كوكب ملآن بكائنات غير بشرية، كالنبات، والحيوان، وحتى الأرواح، وينتقد في غضون ذلك النموذج الغربي، ولكن بشكل بناء، يضع الإصبع على مكامن الداء، وسبل توقيّه قبل الاضطرار إلى علاجه.

حال الفرد بين الشك واليقين

كتاب يمتدح الحال التي يكون فيها المرء ممزقا بين موقفين
كتاب يمتدح الحال التي يكون فيها المرء ممزقا بين موقفين

ضدّ الآراء الواثقة والقناعات العمياء يمتدح المفكر الفرنسي دوريان أستور في كتاب جديد عنوانه “الشغف بالشك” الحال التي يكون فيها المرء ممزقا بين موقفين، موزعا بين العذاب والتألم وبين الخفة والاستهانة وعدم أخذ الأمور مأخذ الجدّ. ينطلق أستور من مقولة نيتشه “ليس الشك ما يدفع إلى الجنون، بل اليقين” للبحث عن شكوكية سعيدة على طريقة مونتاني، الذي كان يعرف أن الشكّ يظل قلقا متصلا بالحياة والعلامات الملتبسة في العالم، منسوجا من الخوف والشجاعة والفضول. بحث عنها الكاتب لدى الحيوانات والبشر، بعيدا عن طرق الإثبات الكلاسيكية، متقمصا في كل مرة شخصيات عالم النفس وعالم الأنثروبولوجيا والعالم بالأخلاق والروائي والشاعر ليشرّح الشغف بالشكّ، دون التأكد من المعنى المقصود بالشغف، هل هو عشق حدّ الوله، أم وجد حتى الذوبان.

حين يصل الفساد إلى أعلى هرم السلطة

عندما تختفي فتاة مراهقة من مركز لإعادة تأهيل مدمني المخدرات، لا يثير ذلك اهتمام أحد، فالجميع يعلمون أن المدمنين يكذبون ويسرقون ويختفون. لذلك عندما عثر على جثة الفتاة برونيا، سارع الطبيب الشرعي وضابط الشرطة الذي يقود التحقيق إلى اعتبار الوفاة حادثة طبيعية رغم شهادة نادية، صديقة الضحية التي فاجأت الجاني وهو يزوّر جريمته ويفسرها بجرعة زائدة تناولتها الميتة. غير أن الصحافي شليزنجر اشتمّ رائحة الفضيحة، وقرر إجراء تحقيقه الخاص. وسرعان ما اكتشف شبكة واسعة من الدعارة والفساد والابتزاز تشرف عليها مافيا كالابريا التي تنوي السيطرة على جميع عمليات التهريب إلى سلوفاكيا. وإذا رئيس الوزراء نفسه في موقع هام من هرم المافيا. فلا أحد محصَّن، حتى الصحافيين.. هل يكفي اغتيال أحدهم لإيقاظ رجال ونساء البلد الشرفاء؟ ذلك ما تطرحه رواية السلوفاكي أرباد سولتيز “مرقص الخنازير”، التي استوحى فيها سقوط رئيس وزراء بلاده، بعد تورطه في الجريمة والفساد.

تعبٌ كلّها الحياة

منذ نصف قرن تقريبا اتسع مجال الإرهاق، وراج استعمال عبارات مثل الضغط النفسي ومتلازمة التعب المهني والثقل الذهني من العمل إلى البيت، ومن أماكن الترفيه إلى القيادة المعتادة. ذلك ما يعالجه عالم الاجتماع جورج فيغاريلّو في كتاب بعنوان “تاريخ التعب – من العصر الوسيط إلى اليوم”، يستخلص فيه أن مكسب الاستقلال الذاتي الذي حصل عليه الفرد في المجتمعات الغربية، واكتشاف “أنا” أكثر استقلالية، والحلم المتزايد بالتحرر والتفتح والمغامرة، جعل الفرد يجد صعوبة في التأقلم مع كل ما يعرقل رغباته وأهواءه أو يضايق مسيرته. ويتعقب الكاتب أشكال التعب منذ العصر الوسط إلى اليوم ليبين اختلافها ويلاحظ تحولاتها عبر الأزمنة ومطالبها التي لا تنفك تتزايد.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.