مختصرات الكتب
وجوه الجهاد في أوروبا
“مناضلو الجهاد” بحث ميداني دقيق تتبع فيه حكيم القروي وبنجامان هودايي مسار أكثر من 1400 شخص في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا، وهي البلدان التي تحوي أكبر عدد من الجاليات العربية والمسلمة. والشريحة المدروسة تمثل أولئك الذي اعتنقوا الفكر الداعشي وانضموا إلى جبهات القتال، أو شاركوا في عمليات إرهابية في البلدان الأوروبية. وقد درس المؤلفان مسار الجهاديين والجهاديات حسب ثلاثة محاور: اجتماعيًّا، لأن انتماء أغلب أولئك الأفراد يتحدرون من نفس الأوساط الاجتماعية المتواضعة ما يجعلهم عرضة سهلة للخطب الراديكالية؛ ودينيّا أيديولوجيّا، لرصد السبل الروحانية التي يمكن أن تقود إلى الجهادية، وخاصة السلفية؛ ونضاليًّا، بإعادة تشكيل الشبكات على الصعيد المحلي، لمعرفة الآلية الحقيقية للتجنيد. وبربط خيوط تلك المسارات، يتبين أن الجهادية لم تُهزم، لأن جذورها لا تزال باقية، تنذر بشرور قادمة.
الصين الماوية بين المُثل والواقع
المؤرخة أنّيت فيفيوركا تحمّست كما تحمّس غيرها من النخبة المثقفة الفرنسية أمثال بارط وفيليب سولرز وجوليا كريستيفا للثورة الثقافية الصينية، وعادوا بانطباعات أيديولوجية غلب عليها الانبهار بالتجربة الصينية، ولم يغوصوا في الواقع كي يعرفوا خباياه، وبلغ بالكاتبة ولعها بالصين الشيوعية حدّ الاستقرار فيها صحبة زوجها وابنها منذ مطلع السبعينات لتدريس الفرنسية في مدينة غوانزو. وكانت تتوقّع أن تشهد نهضة الجماهير الشعبية والنموذج الديمقراطي الصيني، فإذا هي تكتشف مع خضرة مزارع الأرز فقر الصينيين المدقع، والمراقبة المستمرة، والعزلة داخل مجتمع تعاضدي، وتوقن أن الصين الماوية لا تختلف كثيرا عن الاتحاد السوفييتي الستاليني. في كتابها “سنواتي الصينية” تروي تلك التجربة في مرحلة حملت مُثلا عليا، لم تعثر عليها في الواقع، ولم يبق منها غير الشعارات.
الإنسان مُنطِق الآلهة
في الأزمنة البدائية، كانت الديانة صنوا للشعائر والتضحية. ولكن منذ العصر القديم، وبداية تدوين التاريخ، يلاحظ أن النصوص الأدبية، الشعرية في الغالب، هي التي تنقل أعمال الآلهة وأفكارها وأقوالها. فلماذا أنطق الإنسان الآلهة؟ يتساءل الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك في كتاب جديد بعنوان “إنطاق الآلهة”. ومن أين جاءت حاجتنا إلى النصوص الدينية؟ وكيف نستبطن الذات العليا؟ ويخلص إلى أن الديانة طريقة تأمل شعري لفهم علاقتنا بالعالم، بل هي إبداع شعري. فمن سرديات هوميروس إلى قانون الألواح الاثني عشر، مرورا بالآلهة الفرعونية، ما انفكت الآلهة تتكلم. هذه الآلهة المتكلّمة لا تكتفي بتقديم تأويلات عن العالم والظواهر الطبيعية، بل تبسط سلطة، أي شكلا من المراقبة. ما يعني أن السماء ليست خالية، فهي تتكلم، وتُصدر خطابًا، ما يجعل منها غطاء حمايةٍ ومبدأ تنظيمٍ في رمزية تمام كوني وأخلاقي.
أبيقور المظلوم
في “الكوميديا الإلهية”، لا يوجد سوى فيلسوف واحد في الحلقة السادسة للجحيم، وسط الهراطقة، هو أبيقور. كيف يمكن أن يحكم كذلك على مفكّر عاش في القرن الرابع قبل الميلاد؟ في كتاب “أبيقور في الجحيم” يقترح الفرنسي أوريليان روبير، المتخصص في تاريخ العصر الوسيط والنهضة وفلسفتهما، أركيولوجيا تصوّرات الأبيقوري في ديانات التوحيد الثلاث، ليقتفي الآثار التي مهدت للجمع بين الأبيقورية والمُتعية والإلحاد والهرطقة، وتحوّلاتها في العصر الوسيط. ولكن هذه الحكاية تخفي حكاية أخرى ظلت على هامش المتن الديني الضخم. فمنذ القرن الثاني عشر ظهرت محاولات إعادة الاعتبار للفيلسوف اليوناني، إذ دلت شهادات الفقهاء والأطباء والفلاسفة الذين عايشوه أنه كان في الحقيقة رجل حكمة بل ونموذجًا للمسيحيين. مثلما دلت على أن تصوّره للمتعة أكسبه حضورا مميّزا في تلك الحقبة، فليس العصر الوسيط هو الذي أوجد صورة مشوهة عنه، بالعكس، هو الذي أنقذه وأنقذ فلسفته من الجحيم، حسب الكاتب.
كيف نوفّق بين العلمانية والمعتقدات
بعد مقتل المدرّس الفرنسي، نشر عالم الاجتماع والإثنوغرافيا والديمغرافيا فرنسوا هيران مقالة بعنوان “رسالة إلى الأساتذة” كان لها صدى واسعٌ في الأوساط التربوية والإعلامية والسياسية، فقد بيّن فيها أسس تعليم التربية المدنية، في بلد أقرّ العلمانية، وأقر أيضا احترام المعتقدات، أيّا ما تكن. تلك الرسالة أعاد نشرها في كتاب بالعنوان نفسه بعد أن توسّع فيها بمزيد الحجج التاريخية، منذ الثورة الفرنسية إلى الآن، محللا مفهوم حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية الضمير، متسائلا هل أن رسوم الكاريكاتير التي تزيل القداسة عن الديني مقدّسة؟ وهل تنشر تلك الرسوم بمعزل عن الدولة؟ وكيف تطورت حرية الضمير وحرية التعبير، هذان البرجان التوأمان منذ 1789؟ وهل يمكن الإساءة إلى الأديان دون الإساءة إلى من يؤمنون بها؟ في هذا الكتيّب، يقدم هيران حججا دامغة على وجود إسلاموفوبيا وعنصرية بنيوية وميز قار يخضع لمنظومة، ويدعو إلى رابط اجتماعي حول قاعدة الاحترام المتبادل.
الثورة الأونطولوجية
بعد روايات الخيال العلمي، ها هي ذي الفلسفة تهتم بمسألة الروبوتات، تلك “الآلات المتمرّدة” حسب دومنيك ليتل، أستاذ الفلسفة المعاصرة بدار المعلمين العليا، وهي عبارة عن ذكاء اصطناعي ذي جسد مخصوص، لا هو بالحيوان ولا بالنبات، يهزّ قانون التطور، ويربك البشر الذين يضطرون إلى التفاوض معه. في إطار الأعمال المؤسسة حول العلاقة بين الإنسان والحيوان، يخضع المؤلف تأمله حول معنى “كائن حيّ” بعيدا عن مبدأ النوع، ويدعو إلى الكف عن النظر إلى الروبوتية المستقلة في إطار آليّ محض، لأنها في رأيه تدخل في فضاء وجودي، كالذي نعيشه، إذ دخلنا مرحلة ثورة أونطولوجية سوف تتجاور فيها كل الكائنات الحية، إنسًا وحيوانا ونباتًا، وروبوتًا. فهل سيكتفي الإنسان الآلي بدور الآلة التي يستخدمها الإنسان في إنجاز مهامّه، أم سيكون له هو أيضا حياة مستقلة، قد تتحول إلى صراع وجودي بينه وبين بقية الكائنات؟
دعوة إلى إيتيقا التواضع
بعد “نظام الرّداءة” للكندي ألان دونو، صدر للأميركي مايكل صاندل، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة هارفارد كتاب بعنوان “طغيان الجدارة”، بيّن فيه أننا نعيش اليوم مرحلة تتسع فيها الهوة بين الرابحين والخاسرين، والسبب أن مثالية الميريتوقراطيا، أي نظام الجدارة، التي ترتبط عموما بالعمل النظامي للمؤسسات الديمقراطية، والاستقلالية الذاتية وحرية المواطنين ونوع من العدالة الاجتماعية، تبدو في الواقع محرَّفة متحيّفة تقود المجتمعات الغربية إلى “طغيان الجدارة”. والعاقبة خليط من الغضب والإحباط يغذي الاحتجاجات الشعبوية والاستقطاب المتطرف، وما التصويت للبريكسيت وانتخاب ترامب إلا انعكاس لتلك المشاعر الغاضبة والمحبطة التي أوجدتها أعوام طويلة من تفاوت متزايد وعولمة لا يستفيد منها سوى النخبة، إذ يحس المواطنون العاديون بأنهم منزوعون من كل شيء. والكاتب يدعو إلى تغيير نظرتنا إلى النجاح والفشل، باحتساب أكبر لدور الحظ والصدفة في كل المسائل الإنسانية، مثلما يدعو إلى إيتيقا التواضع.
دعوة إلى أصول النقاش
“نختنق وسط أناس يعتقدون أنهم على صواب مطلق”، قال ألبير كامو. كثير منا يحس الشيء نفسه في ظرف صارت فيه المواقع الاجتماعية أشبه بمسرح ظل، حيث ناب السّباب عن النقاش، فكل واحد يخشى شخصا يعارضه، يفضل ملاحقة مئة عدوّ. ولا يخلو الوسطان السياسي والثقافي من مثل هذه الظاهرة، حيث الدّعاة يفضلون إذكاء الحقد على إنارة الأذهان. في كتاب “شجاعة الفروق”، يحاول جان بيرنبوم مواساة كل من يرفض العنف في الجدل العام، ويخيرون الحفاظ على فضاء للنقاش وتبادل الآراء ومقارعة الأفكار، فيستحضر عددا من الكتاب والمفكرين ممّن لم يكتفوا بوضع أيديولوجيا مقابل أخرى، وشعارا ضدّ آخر، بل طرحوا أفكارهم للنقاش ودافعوا عنها بقوة الحجة لا بحجة القوة والشتيمة، مثل كامو وأورويل وحنا أرندت وريمون آرون وجورج برنانوس وجيرمان تيليون ورولان بارط، وحافظوا على ما أسماه الكاتب بتلك الفروق الدقيقة التي يحتاج صاحبها إلى التدقيق، لمزيد الإيضاح، حتى تحصل الفكرة.
كبار الروائيين بين الأسطورة والواقع
في المحاورات الأدبية، عادة ما يبتدع الكتاب لأنفسهم هوية ومسارا، وفي رأي جوليا كيرنينون، المتخصصة في الأدب الأميركي، أنهم يحاولون كلّهم الاقتراب من صورة أسطورية سابقة عنهم، تثبّت شرعية وجودهم. في كتابها الجديد “الفوضى لا تخلق أعمالا رائعة”، درست مسار ثلاثة من عمالقة الرواية في أميركا هم جون شتاينبيك وإرنست همنغواي ووليم فوكنر، لتزيل الحجاب عن الأسطورة وتقدم وصفا ملموسا لحياة هؤلاء الكتاب المحترفين: البدايات، دخول معترك الحياة المهنية، النجاحات، الإخفاقات، المكافآت، الكتب المؤلفة تباعا، نظام الحياة الخاصة التي تسهل أم تعطل الموهبة. وتذكر الجهد المبذول، والاستراتيجيا، والعزلة، والكِبْر، كعناصر تؤلف واقع الكاتب المحترف. ولكن وراء الأسطورة الباهرة للكاتب كفنان فوضوي متمرّد توجد حقيقة كدّ متواصل، يلتزم به الكاتب بصرامة، دون اعتبار لتدخل خارجي أيّا ما يكن نوعه.
مواجهة الحجج الزائفة
الحجة الزائفة التي كانت تسمى سفسطة في الأدبيات الأرسطية هي حجة مزوّرة عن عمد لإيقاع المتلقي في الخطأ، تبدو في الظاهر صحيحة، وفيها جانب مبهر، ولكنه حجاج كاذب، أو محرّف أو مفخّخ، شأن الفيك نيوز والنيوزلانغ السياسية والإدارية التي تعود اليوم بقوة، بعد ظهور الإنترنت التي وجد فيها السفسطائيون “البلد الذي يحلمون به حيث صار بحوزتهم “سلاح دمار شامل”. وهو صراع قديم، بين العقل الحجاجي لسقراط والمنطق المدلّس للسفسطائيين الذين يستطيعون بمهارة أن يدافعوا عن الشيء ونقيضه، حسب الطلب. في كتاب “الفلسفة الصغرى للحجج الكاذبة” يحلل لوك برابندير ألغاز تلك الحجج الزائفة كي يبين للقارئ كيفية فضحها وعدم الوقوع في مطباتها، ويضع لمواجهتها الفكر النقدي الذي لا مناص منه حين نكون في مواجهة الخدع الحجاجية التي يمارسها محترفو الجدل والتفاوض، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
الكوسموس بين الأمس والنهاية المحتومة
في كتاب “حتى نهاية الأزمنة”، يتساءل الأميركي برايان غرين، أستاذ الرياضيات والفيزياء بجامعة كولومبيا، لماذا توجد هباءات ذرية وكواكب وبشر بدل لا شيء؟ وكيف نستطيع أن نحبّ ونبدع ونعتقد ونعمل ونفكّر… والحال أن عقلنا هو ثمرة قوانين فيزيائية جبرية؟ وهل ظهر الوعي نتيجة الصدفة وحدها؟ هب أن النجوم ستحترق يوما ما، والمجرات تتشتت والثقب السوداء تتبخر كما تنبّأ ستيفن هاوكينغ، فأيّ معنى نعطيه لوجودنا؟ يطرح الكاتب ذلك وأكثر وهو يسرد الكون عبر تاريخه الطويل، ويسرد أيضا مستقبله، منذ الانفجار العظيم إلى نهاية الأزمنة، مقترحا بحثا يقع على تخوم العلم، متسائلا عن جمال هذا العالم العارض. “بمرور الزمن، كل ما هو حيّ مآله الموت” بهذا يفتتح غرين كتابه، وينهيه بقوله “الكوسموس يتجه إلى البرد والجدب”.
هل توجد الألوان فعلا؟
قد يبدو موضوع اللون للوهلة الأولى ثانويًا وليس فلسفيًا للغاية، خاصا بعلوم كالفيزياء أو البصريات، ولكن كلود رومانو في كتابه الأخير “في اللون” يؤكد أن مسألة اللون تتقاطع مع تاريخ الفلسفة بأكمله: من أفلاطون ونظريته عن “الألوان النقية”، إلى فيتغنشتاين وما يسميه “قواعد الألوان”، مرورا بديكارت وجان لوك ونيوتن وغوته وشوبنهاور. في تقديمه ومناقشته بعض هذه المذاهب يحاول المؤلف شق طريق كي يبين أن مشكلة اللون ليست مجرد مسألة نظرية معرفية، ولكنها تُظهر علاقتنا الحية بالعالم ككل، وبالإدراك الحسي والعاطفي والجمالي في الوقت نفسه. وفقًا لهذا المشروع، يتساءل الكاتب: هل الألوان موضوعية أم أنها تعتمد على الذاتية؟ هل ظاهرة الألوان هي الوهم الأكثر انتشارًا عالميًا؟ وما الذي تجلبه نظرية الألوان لتحليل الأعمال الفنية؟