مختصر الكتب
زوكربيرغ والرأسمالية المراقِبة
فيسبوك أضخم شبكة تواصل اجتماعي في العالم، يتجاور فيها نحو مليارين ونصف من المنخرطين، وهي مجموعة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا، حيث تتعدد فيها اللغات والثقافات وتختلط مجالاتها المطروقة اختلاطا عجيبا. ولكن ما لا يعرفه المتهافتون عليه أن هذه الشبكة التي يديرها أكثر من ثلاثين ألف موظف موزّعين عبر العالم، منجم من المعطيات لا يقدّر عمقه ومحتواه، ما انفك يكدّس معاملات مالية قاربت رسملتها في السوق نصف بليار دولار العام الماضي. عن هذا النموذج الاقتصادي الذي يقوم ببساطة على بيع معطيات المستخدمين لشركات الإشهار والمؤسسات التجارية، يتحدث جولين لوبو في كتاب “في رأس مارك زوكربيرغ”، ويحلل المخاطر التي قد تنجرّ عن تبرّع المستخدمين بمعطياتهم الشخصية، مخاطر ليس أقلها استعمالها لتوجيه رغبات الناخبين. ويمضي في رصد شخصية زوكربيرغ، أصغر ملياردير في العالم، ومحاولة تحليل ما أسماه “الرأسمالية المراقِبة”، معربا عن خشيته بأن يكون ذلك الشاب الأميركي قد ابتدع وحشا يعسر التحكم فيه.
ليفيناس المجدّد
بعد “فلسفة السلك السياسي” و”إيثيقا الاعتبار”، صدر كتاب جديد لكورين بيلّوشون، أستاذة الفلسفة بجامعة غوستاف إيفل عنوانه “لكي نفهم ليفيناس”. ما من شك أن إمانويل ليفيناس جدد الفلسفة في العمق، سواء من جهة تحديده الذاتية من خلال المسؤولية، والضلوع السياسي لذلك المفهوم، أو من جهة تركيزه على الجسدية بوصفها هشة أو متصلة بفينومينولوجيا العيش على الأغذية. وقد تولّد الكتاب عقب ملتقى ساهمت فيه بيلّوشون، والتقت بطلبة الفلسفة وبأطباء وممرضين، قدّمت لهم مفاتيح لفهم أعمال ليفيناس، وتجربته الفكرية، وبيّنت كيف استوحت منه أعمالها، التي تواصل فرضياته وتناقشها أحيانا، مؤكدة على راهنية هذا الفيلسوف، حتى عندما نتحدث عن مواضيع لم يخض فيها كثيرا كالطب والإيكولوجيا والعلاقة بالحيوان.
الفردوس الأرضي والملكوت
منذ أكثر من ألفي عام، شكل الفردوس الأرضي، أي الجنّات التي غرسها الله في عدن، براديغم العالم الغربي لكل سعادة ممكنة على سطح الأرض، رغم أن هذا المكان كان أيضا في البداية هو الذي طردت إليه الطبيعة الإنسانية إلى الأبد، بعد اقترافها المحظور. فمن ناحية، كل أحلام البشر الثورية يمكن أن ينظر إليها كمحاولة دؤوب للعودة إلى عدن، في تحدّ للحرّاس الذين يمنعون الدخول إليها، ومن ناحية أخرى تظلّ الحديقة نوعا من الصدمة الأولية التي تحكم على كل بحث عن السعادة الأرضية بالفشل. من خلال نقد صارم للمذهب الأوغستيني حول خطيئة البدء وإعادة قراءة لفردوس دانتي، لا ينظر الفيلسوف الإيطالي جورجو أغامبين في كتاب “المملكة والحديقة” كماض مفقود أو مستقبل قادم، بل كصورة لا تزال حاضرة عن الطبيعة البشرية والموطن المناسب للبشر على الأرض. ويرى أن ثمة براديغما سياسيا ميزّ المملكة الألفية هو الذي قدم نموذجا لشتى الطوباويات. إن كانت المملكة وحدها هي التي تفضي إلى الحديقة، فإن الحديقة هي وحدها التي تجعل المملكة موضعا للتفكير.
سبل تجاوز الأزمة الإيكولوجية
“الوفرة والحرية” للمفكر بيير شربونيي، بحث فلسفي وتاريخي يقترح التاريخ البيئي للأفكار السياسية المعاصرة، ولا يطمح عن أصل الفكر الإيكولوجي، وإنما يبين كيف أن تلك الأفكار تولدت عن تصور معين لعلاقة الأرض بالبيئة، سواء تبنت المعنى الأمثل للإيكولوجيا أم لا. بيد أن أهمّ الفئات السياسية للحداثة قامت على فكرة تحسين الطبيعة، والتغلب النهائي على شحّها وتحديد استغلال مواردها الجوفي، فبدا أن المجتمع السياسي للأفراد الأحرار المتساوين المزدهرين يرى نفسه حِلاّ من أثقال العالم، خاصة مع تطور الصناعة المقرونة بالتقدم. إلا أن هذا الميثاق بين الديمقراطية والتنمية يعاد النظر فيه اليوم على ضوء التغير المناخي وانخرام التوازنات الإيكولوجية، ما يستوجب إعطاء أفق جديد لتفتّح سياسي ما عاد يستطيع الاستناد إلى وعود توسّع لانهائي للرأسمالية الصناعية. ويوصي المؤلف بأن نهتدي باشتراكية القرن التاسع عشر حين واجهت الأزمة الجغرافية الإيكولوجية الناجمة عن التصنيع، مع حماية المجتمع حمايةً تراعي تضامن المجموعات الاجتماعية مع بيئاتها في عالم متحول بفعل التغير المناخي.
البطء كوسيلة لكسر النسق
تاريخ الحداثة هو بالأساس تاريخ تمييز، إذ جعل السرعة مثالا للفضيلة الاجتماعية، ودفع المجتمعات الحديثة إلى ابتكار رذيلة هي البطء، أي عدم القدرة على مجاراة النسق للعيش على إيقاع العصر. انطلاقا من عنف رمزي ومخيال مجهول يستعرض الباحث لوران فيدال سفر تكوين البشر البطيئين، أولئك الذين استثنتهم أيديولوجيا التطور، بدءا من هنديّ كسول ومستعمَر خامل زمن الاكتشافات الكبرى إلى العملة غير المنضبطين في القرن التاسع عشر أو العمال الذين يوضعون على هامش الجدوى. والكاتب يكشف لنا كيف تبنّى أولئك الأفراد البطء لتخريب الحداثة، في اتجاه معاكس للنسق الذي فرضته الساعات والمواقيت، إما بالكسل أو بالمخادعة لخلق إيقاعات جديدة تتبدى حتى في بعض ألوان الموسيقى كالجاز والسامبا، وفي استراتيجيات التخريب التي يتبعها العمل النقابي الثوري، وبذلك يقدمون أنماط عمل جديدة، ونظرة أخرى عن التفتح.
فوبيا التأخر
من أمراض هذا العصر أن الأفراد يعانون من فوبيا التأخر. فالخوف من الوصول بعد الموعد المحدد، سواء في العمل، أو في تربية الأطفال، وحتى لقضاء العطل، يجعل الناس يستبقون كل شيء حتى يستبدّ بهم شعور أنهم لا يعيشون لحظتهم، وأن الإحساس بالحياة يهجرهم، أي أنهم يفقدون الإحساس بالزمن، ومعه الإحساس بالوجود. ولكن هيلين لويّي أستاذة الفلسفة والتحليل النفسي بجامعة السوروبون، تبين في كتابها “مديح التأخر” أن استرجاع كل ذلك ممكن. فالوصول متأخرا معناه التغيب عن المدرسة، اتباع الطرق الفرعية، عدم التوجه إلى الهدف مباشرة، إدخال تعديلات طفيفة قد تؤدي إلى انحراف التروس المزيّتة بعناية وحيواتنا الآلية حد الشطط. وذلك كله يعني أن الفرد يعيش حياته بحق. وفي رأيها أن أمام القيم المهينة لمجتمعاتنا الحديثة كالمرونة والسيولة والعجلة والسرعة، والباثولوجيا التي تنتج عنها، يصبح التأخّر حينَا من الوقت يسمح للفرد بتدارك وضعيته الزمنية، وبذلك يغدو استراتيجية مقاومة.
البديل عن الشعبوية
ظاهرة الشعبوية لم تدرس جيّدا بعد إلا من حيث تصنيف اجتماعي للناخبين الشعبويين الذين تبنّوا كل الكتب التي تثير الموضوع، أو مناقشة أعراضها (الاستياء من الديمقراطية، التفاوت المتزايد، تكوين عالم من الخفايا…) أو إعلان النفير تنديدا بتهديد من يمثّلها. كتاب “قرن من الشعبوية” لبيير روزفالون يقترح فهمها كأيديولوجيا متناسقة تطرح رؤية جذابة عن الديمقراطية والمجتمع والاقتصاد. ولئن عبّرت عن غضب وحقد فإنها تستمد قوتها من كونها تقدم نفسها كحل لفوضى الحاضر. ولذلك فهي الأيديولوجيا الصاعدة في القرن الحادي والعشرين، في وقت تبدو فيه الكلمات الموروثة عن اليسار ترن وسط الفراغ. والكاتب يقدّم عنها نظرية موثّقة، ويرسم تاريخها داخل الحداثة الديمقراطية، مع نقد عميق مشفوع بالقرائن، ما يسمح بوضع حدّ للوصم العاجز ورسم الخطوط الكبرى لما يمكن أن يكون بديلا لهذه الشعبوية.
نهاية الطبقة المتوسطة في الغرب
في أكتوبر 1987 صرحت مارغريت ثاتشر قائلة “المجتمع، لا وجود له”، فسمعت قولها كل الطبقات الغربية المهيمنة وعملت به، وكان من نتيجة ذلك انفصال كبير للعالم الفوقي الذي أغرق البلدان الغربية في فوضى المجتمع النسبي، منذ أن تخلّى عن الصالح العام. فكان أن أدى قطع الصلة بين الطبقات العليا والطبقات الدنيا إلى الانحدار إلى اللامجتمع، ورغم ذلك لم تَزُلْ الطبقات الفقيرة رغم ذلك، وما الثورة التي تجتاح العالم الغربي اليوم، من صناديق الشارع للاقتراع، والقادة الشعبويين في مظاهرات السترات الصفراء إلا الجزء الظاهر من قوّتها الناعمة التي سوف ترغم العالم الفوقي على اتّباع الحركة الحقيقية للمجتمع أو الزوال. ذلك ما يطرحه عالم الجغرافيا الفرنسي كريستوف غويلّي في كتاب جديد عنوانه “نو سوسيتي: نهاية الطبقة المتوسطة الغربية”.
أنماط العلاقة بالعالم
يعتبر فيليب ديسكولا من كبار علماء الأنثروبولوجيا الفرنسيين في القرن العشرين. استهل اكتشافاته في أمازونيا، حيث عاش كعالم إثنوغرافيا سنوات مع قبيلة جيفاروس أشوار، ولاحظ علاقات أفرادها مع الكائنات الطبيعية. ثم بيّن كعالم إثنولوجيا أن التعارض التقليدي الذي يقام في الغرب بين الطبيعة والثقافة لا توجد عند الأشوار، الذين يضفون على الطبيعة خصائص بشرية. ثم حدّد كعالم أنثروبولوجيا أربعة أنماط من العلاقة بالعالم هي الطوطمية، والإحيائية، والطبيعانية والتماثلية (أي التشابه الجزئي بين عنصرين) تسمح بتبين علاقات الإنسان ببيئته. وهو ما يسرده ديسكولا في كتاب “أيكولوجيا العلاقات” الذي يرسم فيه المحطات الكبرى لمسيرته، ويقود القارئ بلغة واضحة وأسلوب سلس إلى ممارسة الأنثروبولوجيا.
السبيل إلى نمو أفريقي حقّ
الأرقام التي توحي بنمو أفريقي لافت بعيدة كل البعد عن الواقع، فالثابت كما يؤكد عالم الاقتصاد والمدير الأسبق للفرنكوفونية الاقتصادية والرقمية كاكو نوبوكبو أن البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى لا تزال هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تعاني من الفقر المدقع. في كتابه “حالة الاستعجال الأفريقي. لنغير نمط النموّ” يبين المؤلف أن النمو الذي شهدته القارة السمراء في الأعوام الأخيرة لا يعود بالنفع على شعوبها، وأن الأرقام المتداولة إنما هي دليل على استعمال أفريقيا كمختبر للليبرالية الجديدة بالتواطؤ مع نخبها، ولذلك يحذّر من خطورة الوضع الذي تعيشه قارة باتت فريسة لنهب ثرواتها المنجمية والعقارية، وتهريب أموالها إلى الخارج، فضلا عن منافسة زائدات الإنتاج الفلاحي الأوروبي لإنتاجها المحلي. والحل في نظره يتمثل في استرجاع السيادة كاملة، خاصة السيادة النقدية، والاعتماد على المجتمع المدني، حتى يتسنى تحقيق النمو الحقيقي باستثمار الموارد الأفريقية والاعتماد على حرفية الأفارقة. وهو في رأيه أمر عاجل لا يحتمل التأخير للقضاء على الفقر، وإلا فسوف تكون القارة قنبلة موقوتة قد تنفجر على الجميع.
يهودي ينتقد إسرائيل ويهود فرنسا
يحتل الكاتب والناشر وعالم التحليل النفسي جيرار حداد موقعا متميزا في الحقل الثقافي لليهودية الفرنسية. تونسي الأصل، درس الفلاحة، ثم انتقل إلى التحليل النفسي بعد تعرفه على جاك لاكان، وهو ما سجله في كتابه “يومَ تبنّاني لاكان”. تأثر تأثرا عميقا بفكر يشعياهو ليبوفيتش، محرر الموسوعة العبرية الذي اشتهر بنقده اللاذع للسياسة الإسرائيلية، فكان مثله شديد الانتقاد للسياسة الأمنية التي توخاها الكيان الصهيوني، وكذلك للتحول الهووي الذي شهدته اليهودية الفرنسية. في كتابه الجديد “صمت الأنبياء” يسرد حداد مسعاه الفكري والروحي بحثا عن الحقيقة، ويبسط نظرته إلى ديانات التوحيد، ويتحدث عن عودته إلى قراءة اليهودية قراءة مركزة على النص الديني بعيدا عن أيّ أصولية. ويدين ما أسماه “صمت الأصوات اليهودية” إزاء ما يجري، وكذلك تدهور التقاليد التوراتية.
انتكاسة أميركا اللاتينية
شهدت عدة بلدان أميركية لاتينية منذ انتخاب هوغو شافيز “منعرجا نحو اليسار”، وولّد صعوده أملا في تحول اجتماعي وتجارب مناهضة للإمبريالية، تمثل في “الثورة البوليفارية” في فنزويلا، و”الثورة المواطنية” في الإكوادور، و”الدولة متعددة القوميات” في بوليفيا. تميّزت تلك الفترة بالتغيير وبدا أن ليل النيوليبرالية الطويل بصدد الانجلاء، فقد تراجع الفقر والتفاوت، وانحسر نفوذ واشنطن في المنطقة. ولكن بعد عشرين عاما، عادت المنطقة إلى تقلباتها السابقة، حيث اعتماد الأنماط الاقتصادية على تبديد الثروات، وعودة الاستبداد والفساد، والقطيعة مع الحركات الاجتماعية. في موازاة ذلك، شهدت المنطقة إعادة تنظيم قوى اليمين الاجتماعية والسياسية والدينية، وصعود اليمين المتطرف، والهزائم الانتخابية، والانقلابات البرلمانية. في كتاب “نهاية المقابلة؟ أميركا اللاتينية: التجارب التقدمية في طريق مسدود (1998-2018)”، يعتقد فرانك غوديشو أن استخلاص هذه الحصيلة ضروري لفهم راهن تلك القارة خلال الأعوام التي بدأت بالأمل وانتهت إلى العنف.