مشروع فكري بأدوات فنية

الجمعة 2016/04/01

إنّ الكتابة ليست منفصلة عن واقع يسيّج فاعلها ويتحكّم في قوانين إنتاجها بأقساط تتفاوت من كاتب إلى آخر، ولئن كانت كينونتها البنائيّة مقصد صاحبها وغايته الأجلّ، فإنّه منخرط لا محالة في الرّاهن بكلّ سياقاته لا سيما منها السّياسي، وبما أنّ الرّواية جمّاعة في رحابها لكلّ ما يحيطنا من مفارقات مجسّدة بشخصيّاتها وبأحداثها لنماذج تختزل الواقع وتفنّنه، فإنّ الرّوائيّ العربيّ خاصّة محمول على تفكيك الأشياء وإعادة تركيبها، وفي راهننا المستراب، حيث القتل والفتن والالتباسات تحيطنا من كلّ صوب، أجدني فيما أكتب ساخرًا من كلّ ما يجري، تلك السّخرية التي تنبئ عن موقف أرجو له أن يكون مختلفًا وحداثيًّا، لا شرقيًّا ولا غربيًّا، إنّني أكتب دمويّة الواقع الجريح في عالمنا العربيّ بأناقة الوجوديّ غير منساق إلى جهة على حساب أخرى، لا أتحرّك من تموقع أيديولوجيّ أو مذهبيّ، ما يعنيني شيء، إنّه الإنسان أحاول وأنا أجري أدواتي السّرديّة أن أنبش عن مكوّناته، في التّفاصيل، وأسعى جاهدًا أن أجمّع أعضاءه بعد انتشالها من الحطام، ما يحدث سيرياليّ ووجبت مواجهته بمحاكمة الأطراف كلّها، انتصارًا للجميل وإعلاء من مراتب العقل الذي تاه في صراعات اختلط فيها الحقّ بالباطل.

الرّواية مشروع فكريّ إنسانيّ بأدوات فنّيّة أتوق من خلالها إلى تجذير الأشياء في منابتها الأولى، الكلّ شريك في الجريمة الإسلاميّون واليساريّون والقوميّون، لا أنتصر لأحد في القضيّة السّوريّة، يعنيني منها أن تعود دمشق إلى دمشق، وحلب إلى حلب، يعنيني منها أن يعود الأطفال إلى مدارسهم وإلى ألعابهم ودماهم، رسالتي فيما أكتب إلى الكبار، تدعوهم أن يتأمّلوا وجوههم في المرايا ليعلموا حجم بشاعتها، أن يخجلوا من أياديهم وما جنته مثلما يليق ببشريّ أن يخجل.

لقد اتّسع الجرح هنا في تونس اتّساعه في مصر وليبيا واليمن وسوريا، وحتّى يلتئم لا بدّ من مواجهة حقيقيّة نقيمها مع أنفسنا، بعيدًا عن الخلف وعن التّجاذبات السّياسية وعن فتنة المذاهب. ومهمّة الرّوائيّ فيما أرى أن يعرّي الأشياء وأن يسمّيها بمسمّياتها، أن ينتصر للحياة وأن ينبّه ما أمكنه إلى ما غشيت عنه الأبصار. مهمّته أن يخرّب وأن يبتني وعيًا جديدًا يقارب الأشياء جماليًّا، على المثقّف، السّاسة والرّجعيّون مدعاة للسّخرية ويظلّ الأمل في الشّعوب إنّها وحدها القادرة على التّغيير، ودور الرّوائيّ والمثقّف إجمالًا أن يأخذ بيدها وأن ينير لها الدّرب.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.