مصيدة‭ ‬الشاعر

الخميس 2015/10/01

على الشاعر الآن أن يعرّف ويعيد تعريف نفسه، ثقافته، انتمائه، وطنه، أسرته، عائلته، أصدقائه، وكل شيء‭.‬ عليه أن يعرّف، من جديد، الشعر‭.‬ عليه أن يكسر نمطيته التي ارتاح إليها طويلاً، أن يخرج من الثلاثية الصفيقة التي وضعته فيها ثقافة العرب "الخمر والنساء والتسكع"، عليه أن يرمي كل شيء إلى نهايات العالم: قصائده، أوراقه، أقلامه، كمبيوتره، عليه أن يخرج من تلك الصّدَفة الثقافية التي تقوقع فيها طويلاً: الشاعر الذي يعيش العالم من وراء زجاج‭.‬ عليه أن يخرج من وهمه الذي اعتبره جميلاً طيلة الوقت: العيش في أبراج، حيث أن تلك الأبراج لم تكن سوى مصيدة وضعته فيها ثقافة الاستبداد كي لا يرى سوى نفسه وأشباهه‭.‬ عليه أن يتخلى عن وهم أن الشاعر كائن نوراني وطهراني، وأن يكون حيث يكون الإنسان في أكثر حالاته ضعفاً وهشاشة وقوة وتردداً وحسماً‭..‬ عليه أن يكون حيث ينبغي للإنسان أن يكون، باختصار: على الشاعر أن ينتمي‭.‬

سقطت مبررات الشاعر الذي يدّعي الخوف من الخراب والدمار والدم والسلاح‭..‬ سقطت أولاً على رأسه‭.‬ فالدمار والخراب حلّا ببيته وبيت جاره وصديقه وحبيبته وتلاميذه وزملائه وأهل بلده، والدم فاض وفاض حتى غاصت الركب والأجساد والرؤوس والشوارع، والسلاح فتك بنا جميعاً، قتلنا وقتل أخوتنا وجيراننا وبائع اليانصيب والخضار، قصف الأطفال في مدارسهم وأسرّة نومهم وفي عرباتهم وأحضان أمهاتهم‭..‬ لم يبق مكان للشاعر سوى في الركام والدمار وفي منتصف الدم‭.‬

لو استطاع الشاعر ألا يكتب الآن، فليس عليه إثم، ولو استطاع أن يصرخ، فليس عليه إثم، ولو بكى ملء دموعه، فليس عليه إثم‭..‬ إثمه فقط في ألا ينتمي‭.‬ الصفة العريضة للشاعر الآن: الانتماء‭.‬

ولو أراد الكتابة فثمة دم متوفر غزيز، فالآن يعود الشاعر تماماً إلى بدائيته: عارياً، واضحاً، قاطعاً، لا لبس فيه ولا لبس عليه‭.‬

الآن، سقطت الأدوار جميعها‭.‬ ثمة ما جعل العالمين على قدر المساواة في الخراب، وأيضاً في التطلع إلى الأمام، حيث الأطفال يريدون أن يكبروا، والأشجار تريد أن تكبر، وسوريا تريد أن تكبر‭.‬ هنا، تكمن فرصة الشاعر التاريخية في أن يكون: المواطن الشاعر‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.