مناكفات الربع الأخير

السبت 2020/08/01
لوحة ابراهيم الحامد

في غياب الحبّ

في بيتي، صباحاً:

 أفرشُ، بتؤدة، قطعةَ قماشٍ، بحجم متوسط،، وبلون محايد، على منضدة خشبية، عتيقة. أضعُ، إلى جانب منها، ما يلزمني من عدة شغل احترافية، اشتريتها، مستعملة، من امرأة عجوز. أثبّت نظارتي على عينيّ جيداً، وأجلسُ، متهيئاً للعمل، على كرسي، من خشب مصقولٍ، بلا وسادة. أنهمكُ بشغف اكتسبته، مؤخراً، في تطريز سويعات النهارِ، بمهلٍ وصبر، على قطعة القماش، بما في خرزِ صمتي من ألوان.

أُضْفي على صحو سماء قريبة من طفولتي بعضاً من بهجة بياض. وربما أضيفُ، بشيء من تردّد، لمسةً حبٍ جدُّ خفيفة، أختلسها من غيمة عابرة في قلبي كفرحٍ نسيته. أطلقُ طيراً وحيداً، بجناحين من ريش، بألوانٍ مستفزّة، تعبيراً عن ضجري، وتلميحاً لبهجته. نكايةً في الملل، أطرّزُ عشبَ الأرضيةِ بأحمر الخرز. وأرصّعُ زهراتٍ متناثرةٍ بما في حسرتي من اصفرار، وما في زفرتي من جموح بأزرق مقيّد بأصفادِ الوقتِ.

لا مكانَ لرقرقةِ جدولِ ماء. لا فضاءَ لهسيسِ نخلٍ، أو لإيقاعٍ بهيجٍ، أو زاويةٍ في الحواشي، تكون ملجأ لفكرة قديمة – جديدة، تبللُ يباسَ أنفاسِ صمتي، وتستهوي شرود خيالي.

في بيتي، ظهراً:

أتابعُ في التلفاز، بمللٍ روتيني، أخبارَ ما استجدَّ، في الدنيا، من حروب في مختلف القارات. حين أضجرُ، أعد وجبة بلا مذاق، وأزدردها وحيداً. أدخن سجائر بلا عدد، وألهو بما توفره التقنية من ألعاب في هاتفي المحمول. وحين يداهمني الملل، ألوذُ، مستجيراً، بألوان خرزي، مواصلاً تطريز ما تبقى في قطعة القماش الباردة من فضاء يستوعب حرارة صراخ أدفنه في سريرتي غامقاً.

في بيتي، ليلاً:

في غيابِ الحبّ، أتبادلُ الأدوارَ مع صمتي.

ثم أتمددُ، على سريري، وحيداً.

 مدن غريبة.. تؤوينا

إلى مفتاح العماري

كأنكَ وأنتَ تغادرُ بيتكَ صباحاً، قاصداً، ككل يوم، عُبوراً – سهلاً كان أو وعراً – إلى أطرافِ نهارٍ آخرَ، متوهّماً وآملاً، في آن معاً، أن تجد علامةً تدلك على طريق، ربما تقودكَ إلى حيث يهجعُ، أخيراً، ما في قلبكَ من قلق نزق.

تسيرُ مرفوقاً بظلك في دروب ومسالك متعرجة، وأخرى منحدرة، أو صاعدة، بحثاً عن صبيّ، قِيل إنه شُوهد مرّات في حنيّة ما، في جهة ما، من حياة ما، يلهو لاعباً في شوارع وأزقة مدينةٍ معلقة في فضاء بين دكنة ظلال مريبة، وفسحة ضياء كابتهال.

كأنْ المرايا سَفرٌ في خيال أوطانْ.

وكأنْ الحكايا شجرٌ مورقٌ مصطفٌ على الجانبين، يظلل بفيئه عابرين أنهكم تعبُ، وأرهقهم سفرٌ طويل، قاصدين نهاراتٍ مختلفة وأوطاناً، قيل إنها كبحارٍ بلا مرافئ.

كأن النهار وسَمٌ آخرُ، يوسّم بناره على جسد زمن كهلٍ بلا حَيلٍ ولا أحلامْ.

 كأنكَ، مثله، بلا بوصلة تشير عليكَ في أي الجهات قد تسكنُ ريحُكَ، أو ما تبقى منها، ربما كامناً، أو سارحاً في أركان دنيا بنوافذ مشرعة على كونٍ، كفناء داخلي، في بيت ما، في بلد ما، في نهار ما، وبحدود لا مرئية، كالتي تُرسّم حدود قصائد شعراء منفيين، في مدنٍ لن تعرفهم، وتؤويهم جدرانُها.

 لعبةُ كل يوم

أحياناً، يَخطرُ للشمس أن تبتسمُ لي، من وراء حجاب، غامزةً بمكرٍ، وكنتُ، مخطئا،ً أظنّها لامبالية. أو تتخلفُ عن لقائي، وكنت،ُ سِرّاً، أُمنّي النفسَ بحضورها.

أحياناً، يحلو لها مخاتلتي: تتركني أخوضُ، وحيداً، بقدمين كهلتين، في أوحَال يومي، مستغرقاً، مستغربا،ً في اتساع رُقع غيم همومي، فتباغتني إشراقة ضحكتها. فأستعيدُ، نفسي، ومُغتبطاً بدفئها يَسري في يَباسِ عُروقي.

أحياناً، يعنّ لها، دون سبب واضح، مخاصمتي: تغيبُ لأيام طويلة، فاصطبرُ مكابداً كذئبٍ جريحٍ مختبئاً في أحراشِ ظُنوني.

زادي: ما تَبددَ سائلاً على رَملِ العُمر من أحلام طفولتي، وما تبقى يابساً في جرابِ حياتي من كِسراتِ أيامٍ أتبلغها مبللة بلعاب خيباتي.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.