منامات نيوجرسي

الخميس 2021/04/01

مع أن الماضي حيّز لا يمكن العودة إليه، أجد نفسي دائماً في مواجهة يومية صامتة مع المكان الذي أعيش فيه. مواجهة تفسيره وشرحه. استعنت بالكتب على ما تضفيه من ميزة حيوية، حتى واجهتني مشكلة الاختلافات: الحساسية، اللغة، واختلاف ضربات القلب. لا يمكنك بأيّ حال استبدال الحقيقة الوحيدة التي يتناساها المهاجرون عادة، وهي أن الجغرافيا لا يمكن شحنها مع الأمتعة، فقط روائح تعلق باللحم والثياب وألبومات الصور.

تغيرت ملامحي، مع أنني قرأتُ كثيراً، وصار لدي أصدقاء.

كنتٌ أقطع دمشق مشياً على قدميّ كل يوم، ونادراً ما ألجأ إلى ركوب وسيلة نقل. حُرمت هنا في نيوجرسي من هذه المتعة، المسافات الشاسعة لا تطويها سوى سيارة تويوتا صغيرة.

**

2020-10-04

يصعب في أكثر الأحيان تصنيف تلك المشاعر المبهمة التي تدور حول أمكنة بعينها. لم أستطع أن أشفى من دمشق، مع كل الآلام والعطب الذي أحدثته فيّ. لبرهة ألوذ بالصمت، أو أذهب على غير هدى، كي أنسى كل شيء، الأيام التي عشتها هناك كانت كلها مسروقة من فم الوحش، ولا أعرف إن كنت غادرتُها أصلاً: الخوف من الكلام، والخوف من الأبواب حينما تطرَق منتصف الليل، والخوف من النوافذ التي بلا ستائر. وفي النهاية سأتصبّب عرقاً، وربما أشعر بالبرد، ذلك الذي يهبُّ نهاية الصيف عادة.

غواية اللحظات والصور الهاربة تصنع حنيناً عصياً على التصنيف. الزمن هناك مصنوع بحبات الساعة الرملية، بينما هنا في نيوجرسي فهو يمشي أمامك، تلحقه ولن تدركه إلا على حافة مقبرة صغيرة.

**

2020-10-05

مرة ثانية أجد نفسي مشدوداً إلى هذه التفاصيل، مع صعوبة الكتابة عن ذلك الحيز، الذي يكتنفه سوء فهم كبير: لخصوصيته أولاً، وللشعرية الهائلة التي لا طائل منها، فهي قادرة على الخداع وتمويه كل شيء يأتي في طريقها.

أعثر على صورة في الألبوم لمجموعة من أولاد الحارة أول أيام عيد الفطر، صورة قديمة ملوّنة بقيت معي. ضحكاتهم ستخترق كل الأزمنة الأرضية والسماوية. تنتصب أرجوحة الخشب في الخلفية، أعلاها حمام يطير وسماء بعيدة. بدت لي الحياة فيها تطلّ على حافة جرف. ترتعش لكمّ الأسى الذي يدارونه باللهو، والأيدي الممدودة على أكتاف الصداقة العمياء. صورة لزمن يقف على رؤوس الأشجار، كنا نصطاده مع العصافير.

لن ننجو من تلك المشاعر أبداً، ولا نعرف إلى أين نذهب بهذه النار الصغيرة، التي ترتفع قليلاً في ممرات الروح الخربة. تسأل عن أسمائهم فتعرف أنهم غادروا الإطار، وتركوا أرجوحة الخشب لوحدها جامدة، تحركها ريح خفيفة ناصية الشارع.

***

2020-10-11

أظن أن طريقة تفسير الحنين إلى الأمكنة التي نفقدها، ستختصر شكل الكسور، التي تبقى إلى الأبد، مع الظلال التي تمشي معنا. كلمة “المنفى” فضفاضة جداً، وشرحها سيمنح المكان الخاطئ على نحوٍ ما صورة الوطن الحقيقي. ذهبت اليوم إلى مكتبة الحي. الكراسي مركونة فوق الطاولات. تجولت بين الرفوف، كي يذهب الكمد الذي في قلبي. قلّبت صفحات الجرائد أيضاً، وترددتُ بشراء كتاب “1 سبتمبر 1939″، تدور فكرته حول قصيدة هي إحدى أشهر قصائد الشاعر دبليو. إتش. أودن، الذي حاول أن يتبرأ منها فيما بعد. يتضمن تاريخُها المضطرب، فترة الحرب العالمية الثانية. كُتبت عن مدينة نيويورك أيضاً.

بجانبه يميل كتاب صناعة الشعر لآدم نيكولسون. قلبتُ صفحاته على عجل، بشيء من التردد، أشتريه أم لا؟ عدتُ إلى البيت بدون الكتابين.

***

2020-10-16

----

حتى الأمكنة في الحلم، ولا شيء آخر، لم تتغير. عادة لا أجد الوقت لتفسيرها، أمكنة أولى، وبيتنا القديم وبعض الوجوه التي تصغي بانتباه. سلالم حجرية، وأحياناً كثيرة أجد نفسي دون أجنحة أسبح في ظلام دامس. ربما الطيران ناجم عن الألم. في أميركا لم أحلم حلماً واحداً طيلة هذه السنين. منذ سنة أو أكثر قليلاً سأرى، كما لو أنني أعود إلى الحياة مرة ثانية. أشبه بكوابيس، رطوبة وضربة شمس. وامرأة عارية تأخذني بيدي في ملعب لكرة القدم، وكل أثر للحياة سيتلاشى فيما بعد. مرة ثانية لن أستطيع الرجوع إلى البيت. أتمسك بحياة صغيرة، كي أحيل الحنين إلى مجازات ورسوم هندسية. في اللحظة الفاصلة بين الوجود والعدم، سأتذكر تلك الشجرة الوحيدة في البرية، مثل رائحة الشواء العالقة بالثياب. إنه الماضي الذي يزحف على السطوح الملساء.

***

2020-10-17

في العام 2008 كانت آخر زيارة لي إلى سوريا. عدتُ أدراجي إلى شمال نيوجرسي بمزاج سيء للغاية، مدركاً وبشيء من اليقين أنها ستكون آخر مرة لي في تلك الأقاليم. خلّصتني من نصف المسافة التي أرمي عليها كل أيامي. بقي فقط هسيس غامض، وشعلة نار على حافة جبل في الصحراء. وسرعان ما تنبعث رائحة بطاطا مشوية. فقط أغمض عينيّ وأتذكر كل الصور التي لها ثقل المعدن. شريط ممدود، وشوارع لم يكن الزمن فيها مهماً، فقط الضحك العالي الذي كان يقصمُ ليل دمشق، ومراتٍ عديدة تهتُ عن البيت، لم أفكر في ذلك. يسألني سائق السرفيس تمام الساعة الثالثة صباحاً في منطقة البرامكة: إلى أين؟ أجيبه عن شيء آخر، عن اسم مدينة ليست على الخريطة. لم أنتبه أن الميكرو يشتغل على خط “المعضمية “. في الطريق سينزل جميع الركاب وأبقى أنا لوحدي إلى آخر موقف. يسألني مرة ثانية: وين رايح الأخ؟ هادا آخر موقف. الآن لا أدري ما الذي حدث هناك، وليست لديّ أيّ فكرة عن أحواله. عرفتُ فقط أن المنطقة تعرضت للقصف، وثمة نزلاء، مهجّرون من جهات الله، يبحثون عن حائط يفصلهم عن فكرة الموت التافه. غيمة أو قطعة قماش يرمونها على شباك السجن العالي. كلمة “الأمل” لا معنى لها، ولا يُعول عليها أصلاً. وليس بالإمكان تدبّر أمر النجاة.

***

2020-10-26

ما الذي جرى، لا أدري. بغاية البساطة والوضوح تلك الصورة التي في التلفزيون. أرض منبسطة خضراء، يخترقها رتل هائل يصل السماء، إنه الزحف القادم من الجبال والوديان والحروب، مغبة العثور على ملاذ في الفردوس الذي يقيم وراء المرتفعات والضباب. يمكن إلى حدّ بعيد تخيّل أُسرة صغيرة مشغولة، تمشي وراء فكرة الظلال هناك ولا تطولها الأيدي. حمّى وأخيلة. الطنين الحاد الذي لا يتوقف، والبيت الذي سيعثرون عليه في المياه الصافية، أو في دموع شخص لا يعرفونه ينتظرهم على شواطئ لامبيدوسا.

كان الحنين بين المهاجرين الجدد إلى أميركا على سبيل المثال، يُنظر إليه على أنه يوحي بطبيعة حساسة أو فاضلة.

لم يتم استخدام الكلمة على نطاق واسع إلا حوالي العام 1750، قبل ذلك الحين كانت تصنَّف كواحدة من الحالات الطبية.

الجسد كتاب مذكّرات، حقبة تلاشت إلى الأبد. الكتب ربما تشعركَ بالقرب من منزلك السابق. أعظم نقاط قوتها، قدرتها على تقديم شخصيات يمكن الارتباط بها، وتذكيرك دائماً بأنكَ لست وحدك، أظنها أفضل بكثير من البكاء الصامت في الحمّام أو خزانة الملابس.

***

2020-10-28

كان لا بُد من هذه الصور الفوتوغرافية للطمأنينة التي تهدّئ قلب الخائف. أتذكر فيما مضى سطوح الإسمنت المكشوفة التي كنا ننام عليها في الصيف. المختصر الوهمي للسعادة. ولا ينتابك الذعر إلا حين تستيقظ منتصف الليل لترى أحد أبناء عمك يمشي على الحافة مغمض العينين، يكشّ الحمام الذي يطير في منامه. ثم في آخر لحظة سيقع فوق شجرة التفاح. ما من شك للفجر أهمية عاطفية، حتى حينما تُحاك الأساطير حوله. أحد أصدقاء الطفولة يسرد أشياء غريبة عن نوم الأشجار في الليل أيضاً، دفعتني للبقاء سهران حتى طلوع الضوء، لأرى كيف تستيقظ، لكنها بقيت على ناصية الرصيف واقفة كما هي، ولم يتغير فيها شيء. حزن غريب خيّم على قلبي منذ تلك اللحظة.

هذه الأيام لا أفعل شيئاً سوى البقاء لفترات طويلة في غرفتي، أتفرج على الأفلام، وأتابع أخبار البلاد هناك، وأخبار الانتخابات هنا. بجوار سريري كتاب “البحث عن الزمن المفقود” الجزء الأول: جانب منازل سوان.

أتذكر أبي وجهاز الترانزستور، الذي كان يصرعنا به قبل طلوع الشمس كل يوم، مع صوت مقدم النشرة: هنا لندن.

***

2020-11-07

هذا المساء الخريفي، أتسمر أمام التلفزيون، الذي أعلن فوز جون بايدن في الانتخابات الأميركية، وأشعر أنني لم أتعلم من المثل القديم الذي يشع بالحكم والوصايا النبيلة. أسمع صيحات الجيران: لا رجل برتقاليا بعد اليوم. شيء مريح جداً أن يخرج الرجل البرتقالي من الصورة. الرجل الذي تخاله من ذلك العالم الذي هربت منه. قبل كل شيء أحاول أن أتذكر تلك الأيام السحيقة، واللافتات التي كانت تغطي أبنية دمشق. أبكي بصوتٍ خفيض، وأتظاهر بالسعادة وأنا أقطع شارع محطة الحجاز القريب من مكتب البريد. أذهب إلى نادي الصحافيين في طلعة العفيف. أشرب ليتر نبيذ بصحبة صديقي الموريتاني بخاري، ثم أبدأ رحلة البحث عن بيتي. أخيراً أصل. غرفتي في باب توما صغيرة جداً، وحانة ميشيل صغيرة أيضاً. وهي قريبة من سكني أيضاً. نشرب نبيذاً مع صحبة قليلة. مطلع الفجر أمشي لوحدي تحت صورة الدكتاتور. كان الطفل يبكي في قلبي.

***

2020-11-09

----

لم يحدث شيء البتة، فقط تزداد حدة الكوابيس والمنامات، صور متلاحقة وأغلبها يميل إلى عتمة خفيفة، مع ألم أسنان. كنتُ أريد فقط أن أرى ضوء الشمس يسقط من النافذة، حتى أهرع إلى الشارع دون أن ألتفت ورائي. للحظات كثيرة أهربُ إلى صورة ما من الشريط الذي لم أستطع حرقه أو رميه في سلة المهملات: هلعي من الدواء، والإبر الطبية، والمشافي، ورائحة البنسلين، أكياس الدم، غرفة العمليات، غرفة الطوارئ، نبرة وزراء من القرون الوسطى، الآلام الغامضة أمام التلفزيون، الطرق على الباب، والسيارات التي تتحرك منتصف الليل. المحادثات خفيضة الصوت، ورائحة الخبز الآتية من الفرن التي ستكسر جناح الخوف. نهاية المطاف تريدُ ضماداً للجروح الغائرة، أن تغسلها بالوحل، وستكون محظوظاً إن استطعت مشاهدة فيلم لنجلاء فتحي. تلفزيون بالأبيض والأسود تتحلق حوله العائلة كلها. أتذكر دخان السجائر الذي كان يملأ الغرفة بينما طفل ينام على حافة المجرة. بطانية رمادية، وشبابيك بلا ستائر. بيت على العظم، تتكوم على عتبته أحذية مغطاة بالطين.

***

2020-11-14

ما آلت إليه الأمور بسبب كورونا، دفعتني إلى عزلة اضطرارية، لا عمل ولا أصدقاء ألتقي بهم، فقط أقرأ الجرائد وبعض المجلات التي تصلني بواسطة البريد، وأحياناً أحاول أن أجرّب مهاراتي في الطبخ، وأفشل كالعادة. أذهب في السيارة على غير هدى، ودون وجهة محددة على الطريق السريعة، لاسيما أن الطقس لا يزال معقولاً، قياساً لهذا الوقت من السنة. إنه نوفمبر، والشجر يميل على الأبواب وأعمدة الكهرباء. أجرجر قدميّ بين غرفة النوم والمطبخ، وكأنني أقطع أميالاً ومسافات شاسعة في الصحراء. سنتدبر أمرنا بأيّ شكل من الأشكال، لأن الحياة هنا ليست سهلة. سوف أندهش من كمّ الأسى الذي على وجوه الشغيلة في البار أو المقهى، الذعر صار شريكاً يومياً، مركوناً في خزائن غير مرئية، مع أنه صديق قديم برائحة نفاذة تطلع من خيوط الثياب المعلقة على حبال الغسيل.

***

2020-11-16

أستعين كثيراً بالمخيلة، ولحظات كثيرة أسرح في وديان غامضة مع قطعان الصور التي تتوهج وتنبعث منها رائحة خشب يحترق، وهذا يحدث مراراً. لم أفكر فعلياً بكل ذلك. إنه الشوق المغروس في اللحم، أريد أن أخنقه، رائحتهُ تزكم أنفي وحياتي. أخرج إلى الشارع كي أرى الخريف ينزل عن الأشجار، أراه على سطح المياه، وأتذكر ماري أوليفر الشاعرة الأميركية التي لم تغادر الغابة إلا لماماً، عاشت هناك بذاكرة ثابتة، وكانت تتدبر أمرها في الطرقات الترابية دون الحاجة إلى شقة منزلية فخمة. كوخ خشبي وقصائد كثيرة لوالت ويتمان وجلال الدين الرومي. هذا السلوك الجريء سرعان ما أجده مفهوماً الآن، وهو بمثابة جواب لكل عذابات العصر الذي نعيشه. وبعيداً عن وسائل الراحة الأساسية، سيكون رائعاً أن تقضي بقية حياتك على ضفاف الأنهار، وترى الأسماك الصغيرة تنجو.

تمّ هدم منازل كثيرة هناك، بينما منزلي أبحثُ عنه بين رفوف الكتب.

***

2020-11-21

بطريقة غريبة، ستكون رسائلي على هذا الشكل، لأنني مازلتُ أحلم بالسير في شارع السوق العتيق.

مقطع من سيناريو فيلم. أريد فقط سرد الوقائع التي تصف الأشياء كما هي، مع أن هناك شيئا آخر يحدثُ، وأثر قديم مازال محفوظاً في صندوق خشبي أزرق يشبه النعش. أعيشُ هنا في نيوجرسي مغمض العينين، مثل هارب في رواية عن الحرب. أمضي الوقت هكذا، أتأمل السفن تأتي عبر المحيط لإنقاذ حياتي من الغرق. الكتابة تقهر الزمن، الكتب أيضاً والأفلام والصداقات الساحرة. الانتقال إلى بلد جديد ليس بالأمر السهل، وادعاء سهولة ذلك سيكون مكشوفاً، مع كل الابتسامات الفاقعة على فيسبوك والتي تشبه أقراص كعك العيد. ولاستعادة المفاتيح التي تركتها فوق ساعة الكهرباء ألتقط أنفاسي، لأن الذين نجوا، تركوا ولاعات السجائر على حافة النوافذ مثل علامات في الليل، وحتى إن عادوا لا يسرح خيالهم بعيداً. تذكرتُ كم مرّ من الوقت ببساطة شديدة، دون أن أصدق ما أراه في نشرة الأخبار، فالمدن التي أحبها انمحت بلمح البصر، ولها رائحة دم لم يجفّ.

***

2020-11-27

----

مضت مثل ساعة، كل تلك الأيام والشهور والسنين. إنها وليمة الزمن في نهاياته القصوى، ممراته المقفرة التي لن ينجو منها أحد. لستُ قادراً على الرؤية، ودون جدوى سأقع بقرب ذلك اللهب الذي يجعلني ألتفت ورائي، فتلفحني الحرائق التي لم أنتبه لها إلا حين صرتُ بعيداً. ورويداً سأسمعُ صوت ارتطام في ردهات مبنى أليف، وصدى أحاديث يأتي من وراء أبواب الغرف. كنتُ أطير، كي أعبر بوابات الجحيم، حتى أتى من أطلق النار على العصفور الذي يختبئ في قميصي، ومن يومها أنامُ ساعاتٍ قليلة فقط. الحزن عصيّ على التفسير. حوّلتُ الكسور إلى شاشة سينما، أتفرج على الاستعارات والألوان والوجوه كسرب الحمام الذي يحوم فوق السطوح. ظلال كثيرة عبرت وذهبت إلى حال سبيلها، وما بقي منها، وضعته على رفّ المكتبة مع التحف والهدايا والأيقونات الصغيرة التي حملتها معي من بلدان كثيرة. نهاية الأمر إنها اللهفة التي لا طائل لها.

***

2020-12-06

كل شيء يبدو فارغاً وغير ضروري، ونزعة الكمال لا تجدها إلا في لحظة النوم والمنزل مضاء. أريد أن أجلس في المقهى الذي أحب، لأنه يبقى مفتوحاً طيلة الليل والنهار. ذات مرة شربت البيرة في الصباح الباكر، لم يكن بوسعي الرؤية بوضوح، بسبب عدد الزجاجات التي شربتها. كان انتقاماً قاسياً من الروتين، أقفلتُ الموبايل، وقررتُ أن آخذ إجازة من نفسي أولاً، ثم من الشغل، والأسرة أيضاً. قلتُ: وليكن، ولأكثر من ساعتين، تناولتُ فطوري فيما بعد. كان بمقدوري أن أمشي نحو البيت، ثم وجدتني أقود السيارة نحو مكتبة الحي. مكتبة صغيرة توزعت على رفوفها مئات أقراص الأفلام، والكتب على نحو محدود بعض الشيء. سألمح كتاباً لشاعر اسمه جون بيريمان، الذي انتحر بالقفز من جسر واشنطن أفينيو، بين سانت بول ومينابوليس في الـ7 من كانون الثاني عام 1972، تاركاً ورقة مكتوبة لزوجته “أنا مصدر إزعاج”. والده كان شخصية غامضة، يعمل في وقت مبكر كحارس أو مصرفي، انتحر بقتل نفسه. كتب جون بيريمان بعد سنوات من الألم الشخصي “لقد بصقتُ على قبر هذا المصرفي المروّع، الذي أطلق النار على قلبه في فجر فلوريدا”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.