من لا يغنّي لا يقاتل

الجمعة 2016/04/01

لا أعرف بالضبط، الحقيقة لا أعرف، أعيش في القاهرة، في اللحظة التي كان فيها النظام السوري يقتلع أظافر أطفال درعا، اكتشفت أنني الوحيد الذي كتب مقالًا من القاهرة، لم تكن الصورة غائمة على الإطلاق، كان بشار قد قرّر العصف بالثورة ولم يفتح أحد فمه، كأن الناس تصالحوا مع الاستبداد، مع أن قمر الثورة كان في نفس اللحظة ينير سماء القاهرة ليلًا ونهارًا، كان المخدوعون مازالوا نائمين في حجر أو جحر حسن نصرالله، عفوًا “سماحة السيد نصرالله”، كانت مصر الدولة والناس مازالت تعيش على وقع أنغام أن الدولة مفيدة ولو أكلت كلّ سكانها، كان ابن تيمية مازال يردد “يمكن أن تقتل ثلثي الناس لكي يعيش الثلث الباقي في أمان”.

أيّ عقلية تلك، وأيّ قلوب!

تصور مع علمانية الدولة السورية، أو مع ما كنا نعتقده فيها أو نتمنّاه، يمكن استخدام ابن تيمية باعتباره ظهيرًا، ويستخدمه أصحاب الاستبداد الدّيني ووأد الأرواح باعتباره ظهرًا ومتكأ.

ماذا نكتب في هذه اللحظة؟ أكتب عن النداء الذي كان يهز شوارع سوريا “يا الله حلّك حلّك، حافظ يعد محلك”.

لماذا تفاجأنا بسؤال كهذا، هل نكتب عن الأفضلية بين قنابل بوتين أم براميل بشار؟ عن فتاوى السلفية أم إرهاب الإسلام السّياسي؟

فلنكتب إذن عن حنجرة القاشوش التي كان ومازال يغني بها للثورة؟ هل تعرف أنهم لم يقتلوا إبراهيم قاشوش بل اقتلعوا حنجرته التي غنينا بها نحن، اقتلعوها حية وهو حي، ثم وضعوها فوق جثمانه تشفيًا بنا جميعًا، كأن النظام العفن يعرف ما قاله والت ويتمان “من لا يغنّي لا يقاتل”.

هل نكتب عن الأنظمة التي جردنا صدورنا لأجلها وصرخنا بصرختها ثم حين استقرت حرمتنا من التظاهر والصراخ؟

لا بأس، أكتب عن الطفل السوري وأخته، أبوهما مريض وأمهما تصنع الحلوى، يمران بها على مقاهي القاهرة، لا يقبلان صدقة من أحد، فلتشتري أو يمنحك ابتسامته، ذلك الذي سرق الاستبداد ابتسامته، من أجل أن يظل نظام على كرسيه ولو انتحرت نصف الكرة الأرضية.

هل نكتب عن الذين يخوّفونك بالله، يريقون دمك باسمه ويروون أطماعهم باسمه.

هؤلاء وأولئك يروننا بيادق على رقعتهم، بل لا يروننا من الأساس.

لا بأس، نكتب عن مولانا الذي ما إن أمسكنا برقبة الجنرال حتى قفز على كرسيّ الجنرال، ونكتب عن الجنرال الذي سيأتي يوم لا يجد من يكاتبه.

في أعياد الثورة قديمًا في مصر كان المعتاد أن تقام الاحتفالات وتنظم الأغاني الوطنية،- لو كانت الأغاني الوطنية صالحة للتصدير لصرنا أغنى دول العالم- طلب الشرّير عبدالحليم حافظ من كمال الطويل أن يلحّن له أغنية العام، لكن الأخير الذي كان ضجرًا من الوطنية رفض وتعلل بالسفر، ما كان من عبد الحليم إلا أن أبلغ الأمر لشمس بدران وزير الحربية الفتاك آنذاك، الذي طلب الطويل فتعلّل له بأنه ليس في حالة مزاجية تسمح بالتلحين، وجاء رد شمس بدران قاطعًا، زاجرًا ومخوفًا “أنت فاكر نفسك بتلحّن بمزاجك”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.