مولانا‭ ‬أبو‭ ‬خروف

الجمعة 2016/07/01
لوحة: فادي يازجي

مشهد‭ ‬لا‭ ‬يفارقني

كنتُ‭ ‬صغيرًا‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬والدي‭ ‬‭-‬رحمه‭ ‬الله‭-‬‭ ‬حين‭ ‬زرتُ‭ ‬شارع‭ ‬النبي‭ ‬دانيال،‭ ‬وأذكر‭ ‬أني‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مرات‭ ‬وفي‭ ‬مقالات،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬كلما‭ ‬تكافئني‭ ‬الكتابة‭ ‬أتذكر‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد،‭ ‬حين‭ ‬يستحثني‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬المشاهدات‭ ‬وتخزينها‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الروح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬‮«‬الذاكرة‭ ‬الديجيتال‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬الوالد‭ ‬الطيب‭ ‬الجميل؛‭ ‬لتنطبع‭ ‬أكشاك‭ ‬باعة‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬تاريخي‭ ‬وعلاقاتي‭ ‬المتأرجحة‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬شديدة‭ ‬البعد،‭ ‬واللصيقة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬ولتتحوّل‭ ‬علاقاتي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬الدائم،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬ولّد‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬كتابيًا‭ ‬وفنيًا‭ ‬فيها‭ ‬ولأجلها‭.‬

ربما‭ ‬كانت‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬للإسكندرية‮»‬‭ ‬محاولة‭ ‬للانتصار‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬سيطر‭ ‬مشهد‭ ‬شارعها‭ ‬‭-‬النبي‭ ‬دانيال،‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬عمل‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬فؤاد‭-‬‭ ‬وصار‭ ‬نقطة‭ ‬أعود‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬طاوعها‭ ‬بحرها‭ ‬على‭ ‬هزيمتي‭ ‬أو‭ ‬انتكاساتي،‭ ‬وأنا‭ ‬رجل‭ ‬بطبعي‭ ‬قلوق‭ ‬جدًا،‭ ‬أشبه‭ ‬بحرها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬خاصة‭ ‬لمن‭ ‬يعرفه‭ ‬ويعرفها‭ ‬جيدًا‭.‬

‮ ‬عكس‭ ‬الاتجاه

أعجب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬انتقالي‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬كان‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬تتجه‭ ‬عادة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حيث‭ ‬المدن‭ ‬الكبيرة‭ ‬والمركزية،‭ ‬إذ‭ ‬ولمّا‭ ‬كانت‭ ‬نشأتي‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬للصيادين‭ ‬تمخّضت‭ ‬عنها‭ ‬هجرة‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬والتي‭ ‬ابتلعتني‭ ‬وملكت‭ ‬شغافي،‭ ‬إلا‭ ‬ولأنّه‭ ‬كما‭ ‬قلت،‭ ‬ولأنّي‭ ‬قلوق‭ ‬بطبعي،‭ ‬قررت‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬القلق‭ ‬تلك‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مسقط‭ ‬رأسي،‭ ‬والبعيدة‭ ‬نوعًا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬توجّهاتي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬علاقاتي‭ ‬الإنسانية‭ ‬والنفسية‭ ‬بها‭ ‬ليست‭ ‬بذات‭ ‬حظوة‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬فكما‭ ‬تركت‭ ‬في‭ ‬روحي‭ ‬مشهد‭ ‬أكشاش‭ ‬بيع‭ ‬الكتب‭ ‬وفرح‭ ‬لم‭ ‬أره‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬يومها،‭ ‬تركت‭ ‬كذلك‭ ‬مشهد‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬الرجل‭ ‬‭-‬والدي‭-‬‭ ‬المسجّى‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬أبيض،‭ ‬عرفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنه‭ ‬كفن‭ ‬الموتى‭.‬

هكذا‭ ‬عوّدتني‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وشكّلت‭ ‬روحي‭ ‬نحوها،‭ ‬واستمرت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الحال‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬إقامتي‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬وسنوات‭. ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬صديقًا‭ ‬إلا‭ ‬وأخذت‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬أصدقاء‭ ‬آخرين‭ ‬كنتُ‭ ‬أظنني‭ ‬أدّخرهم‭ ‬للزمن‭ ‬والغربة‭. ‬نعم،‭ ‬الغربة‭. ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كنت‭ ‬فيها‭ ‬بروح‭ ‬الغريب‭ ‬الفزِع‭.‬

هكذا‭ ‬صار‭ ‬حالي‭ ‬بين‭ ‬العطاء‭ ‬ثم‭ ‬الأخذ،‭ ‬ورحت‭ ‬أتربّص‭ ‬بها‭ ‬بعدما‭ ‬باتت‭ ‬تترصّدني‭ ‬قبلاً‭. ‬فلماذا‭ ‬ترصّدتني‭ ‬الإسكندرية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬أن‭ ‬تمحو‭ ‬المشاهد‭ ‬المترادفة‭ ‬للفقد‭ ‬التي‭ ‬توالت‭ ‬عبر‭ ‬رحلتي‭ ‬فيها‭ ‬‭-‬وإلى‭ ‬الآن‭-‬‭ ‬طوال‭ ‬سنواتي‭ ‬التي‭ ‬تخطت‭ ‬الأربعين‭ ‬بقليل؟‭!‬

‮ ‬مشّاء‭ ‬الإسكندرية

سأعترف‭ ‬هنا‭ ‬اعترافا،‭ ‬ربما‭ ‬يندهش‭ ‬له‭ ‬البعض،‭ ‬حين‭ ‬أقول‭ ‬بأنني‭ ‬بعد‭ ‬معرفتي‭ ‬بتجربته‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالإسكندرية؛‭ ‬سعيت‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬الشاعر‭ ‬علاء‭ ‬خالد‮»‬‭ ‬‭-‬البديع‭-‬‭ ‬ذلك‭ ‬المشّاء‭ ‬الذي‭ ‬يستثمر‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬قدر‭ ‬جهده‭ ‬الإنساني‭ ‬والأدبي‭ ‬والفني،‭ ‬لتتلبّسه‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬وتتصالح‭ ‬معه،‭ ‬أعترف‭ ‬أنني‭ ‬حاولت‭ ‬التقرب‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬معرفتي‭ ‬به‭ ‬إذ‭ ‬ربما‭ ‬أجد‭ ‬عند‭ ‬الرجل‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬لي‭ ‬صلحًا‭ ‬نهائيًا‭ ‬مع‭ ‬مدينته؛‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تهدأ‭ ‬في‭ ‬شدها‭ ‬وجذبها‭ ‬معي‭ ‬طوال‭ ‬سنواتي‭.‬‭ ‬قابلت‭ ‬الرجل،‭ ‬وتابعت‭ ‬كتاباته،‭ ‬ومقالاته‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬وببعض‭ ‬المواربة،‭ ‬فتسللت‭ ‬مدينته‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬نحو‭ ‬روحي‭ ‬عبر‭ ‬سمت‭ ‬الرجل‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬ويقول،‭ ‬وأعادتني‭ ‬إلى‭ ‬أكشاش‭ ‬الكتب‭ ‬طفلا‭ ‬صغيرًا‭ ‬يعبر‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬فؤاد‭ ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬النبي‭ ‬دانيال،‭ ‬تزكم‭ ‬أنفه‭ ‬رائحة‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬خلعت‭ ‬عليّ‭ ‬روحي‭ ‬للأبد‭ ‬من‭ ‬سرّها‭ ‬يوم‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬والده‭ ‬أن‭ ‬يتأمل‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬نهر‭ ‬الشارع‭. ‬وعرفت‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستثمر‭ ‬لأجل‭ ‬المكان‭ ‬واكتشاف‭ ‬جماله‭ ‬الخاص‭ ‬‭-‬ولو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭-‬‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬نستثمر‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭ ‬لأجل‭ ‬ما‭ ‬نفعل‭.‬

مولانا أبو‭ ‬خروف

في‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬ولظروف‭ ‬عملي‭ ‬الوظيفية‭ ‬كمدرس‭ ‬بالتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬أقابل‭ ‬‮«‬علاء‭ ‬خالد‮»‬،‭ ‬شاءت‭ ‬الإسكندرية‭ ‬أن‭ ‬تموضعني‭ ‬في‭ ‬عشوائية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المدينة‭ ‬بحي‭ ‬العصافرة،‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬خروف‮»‬‭. ‬وحين‭ ‬استقر‭ ‬عملي‭ ‬بها،‭ ‬وعبر‭ ‬ضيق‭ ‬شوارعها‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تخنق‭ ‬روحي،‭ ‬فتُأزّم‭ ‬علاقتي‭ ‬مع‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬الإسكندرية‭ ‬تنتصر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬قررت‭ ‬ألا‭ ‬أتصالح‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬وأن‭ ‬أعترض‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المدينة‭ ‬القبيح‭ ‬‭-‬حينها‭ ‬في‭ ‬ظني‭-‬‭ ‬وأن‭ ‬أظل‭ ‬على‭ ‬نديّتي‭ ‬معها،‭ ‬وراحت‭ ‬روح‭ ‬روحي‭ ‬تغلي‭ ‬وتغلي،‭ ‬حتى‭ ‬انفجرت‭ ‬بالكتابة؛‭ ‬فأنتج‭ ‬جُلّ‭ ‬منتوجي‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬هناك‭ ‬ومن‭ ‬وحي‭ ‬شخوص‭ ‬المكان‭ ‬وحكاياته،‭ ‬فكان‭ ‬سيناريو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الناحية‭ ‬التانية‮»‬‭ ‬2010‭ ‬‭-‬مهرجان‭ ‬الفيلم‭ ‬ببرلين‭ ‬للفيلم‭ ‬المستقل‭ ‬نوفمبر‭ ‬2010‭-‬‭ ‬ثم‭ ‬نصوص‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مكتنزة‮»‬‭ ‬2011،‭ ‬و‮»‬العاصمة‭ ‬السرية‮»‬‭ ‬2012،‭ ‬وسيناريو‭ ‬‮«‬النُص‭ ‬الحلو‮»‬‭ ‬2015،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬تغريبة‭ ‬بني‭ ‬صابر‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬وآخرها‭ ‬مشروعي‭ ‬الروائي‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬مولانا‭ ‬أبو‭ ‬خروف‮»‬،‭ ‬مُضافًا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬كتاباتي‭ ‬النقدية‭ ‬والبحثية‭ ‬التي‭ ‬حرّكها‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬المكان‭.‬

ببساطة‭ ‬تحوّل‭ ‬الوجه‭ ‬القبيح‭ ‬إلى‭ ‬أوسم‭ ‬الوجوه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬حروفي‭ ‬هناك،‭ ‬بل‭ ‬روحي،‭ ‬فصرت‭ ‬أكتب‭ ‬وأكتب‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بتلك‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬خروف‮»‬،‭ ‬ومحاولا‭ ‬ألا‭ ‬تتفلّت‭ ‬منّي‭ ‬محبّتها‭ ‬وما‭ ‬خلعته‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬وخيال‭ ‬وأفكار‭ ‬وكتابة،‭ ‬كأن‭ ‬زهرة‭ ‬روحي‭ ‬أبت‭ ‬ألا‭ ‬تتفتح‭ ‬إلا‭ ‬هناك‭.‬

أطفال‭ ‬الخيال

لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬بخيلة‭ ‬على‭ ‬شخصي‭ ‬في‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬خروف‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬منّت‭ ‬عليّ‭ ‬بفكرة‭ ‬إقامة‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬ورشة‭ ‬كتابة‭ ‬إبداعية‭.. ‬أنا‭ ‬أكتب؛‭ ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬موجود‮»‬‭ ‬لتلاميذ‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬أعمل‭ ‬بها‭ ‬‭-‬مدرسة‭ ‬طارق‭ ‬بن‭ ‬زياد‭ ‬الإعدادية‭ ‬المسائية‭ ‬للبنين‭-‬‭ ‬ليتحمس‭ ‬لها‭ ‬تلاميذ‭ ‬كُثر‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وتنتهي‭ ‬الورشة‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬تلاميذ‭ ‬لا‭ ‬يتعدّى‭ ‬سنّ‭ ‬أكبرهم‭ ‬أربع‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬وينتظمون‭ ‬لشهور‭ ‬تخطت‭ ‬الخمسة‭ ‬في‭ ‬تمارين‭ ‬الورشة‭ ‬للكتابة‭ ‬الإبداعية‭. ‬طوال‭ ‬زمن‭ ‬الورشة،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬أكثره‭ ‬في‭ ‬شتاء‭ ‬الإسكندرية‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬تحمّل‭ ‬معي‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬عصبيتي‭ ‬في‭ ‬حين،‭ ‬وتشاركوا‭ ‬دهشتي‭ ‬حول‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬أنتجوها‭ ‬خلال‭ ‬الورشة،‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجعلني‭ ‬أقولها‭ ‬بضمير‭ ‬مستريح‭ ‬بأن‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬خياله‭ ‬فاق‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬كارنيهات‭ ‬الانتساب‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬‮«‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬مصر‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أبالغ‭ ‬أن‭ ‬خيالهم‭ ‬الخصب‭ ‬يفوق‭ ‬خيال‭ ‬حكومتنا‭ ‬منعدمة‭ ‬الخيال‭.‬

هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬كانوا‭ ‬عطاءً‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬من‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬خروف‮»‬،‭ ‬رحت‭ ‬أرى‭ ‬بعدها‭ ‬الإسكندرية‭ ‬تبتسم‭ ‬إليّ‭ ‬وتعيد‭ ‬مشهد‭ ‬أكشاش‭ ‬الكتب‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬روحي،‭ ‬فأعكف‭ ‬على‭ ‬مسودّات‭ ‬روايتي‭ ‬الجديدة‭ ‬‭-‬تحت‭ ‬الطبع‭-‬‭ ‬‮«‬مولانا‭ ‬أبو‭ ‬خروف‮»‬،‭ ‬لأعرف‭ ‬أن‭ ‬للكتابة‭ ‬جمالا‭ ‬لا‭ ‬نُدركه‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬نُخلص‭ ‬للكتابة‭ ‬كمنحة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬صاحبها‭ ‬إنسانًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بإخلاصه‭ ‬لخياله‭ ‬ولقلمه،‭ ‬واحترام‭ ‬ما‭ ‬يفعله،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬أنها‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬تمنح‭ ‬صاحبها‭ ‬حيوات‭ ‬وحيوات‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تُعاش‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬حياة‭ ‬موازية‭.‬

‮ ‬تحية‭ ‬أخيرة

الآن‭ ‬أعرف‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬الورشة‭ ‬مع‭ ‬تلاميذي‭ ‬الأعزاء‭ ‬‭(‬علاء‭ ‬السيد،‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬محمد‭ ‬على،‭ ‬وعمر‭ ‬أيمن،‭ ‬وأحمد‭ ‬جاد،‭ ‬وشادي‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وعلي‭ ‬محمد،‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬عادل،‭ ‬ومحمد‭ ‬مجدي‭)‬،‭ ‬بأن‭ ‬وجودي‭ ‬مرتهن‭ ‬بالكتابة،‭ ‬فنحن‭ ‬حين‭ ‬نكتب،‭ ‬نكتب‭ ‬لنحيا،‭ ‬وكلما‭ ‬كان‭ ‬الخيال‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬فرصة‭ ‬أفضل‭ ‬للحياة‭ ‬والأحلام،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كُنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬أبي‭ ‬خروف‮»‬‭ ‬المنسية‭ ‬والبعيدة‭ ‬عن‭ ‬بؤرة‭ ‬النُخب‭ ‬والمثقفين‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬المركزي‭ ‬الطبقي‭.‬

هذا‭ ‬المقال‭ ‬تحية‭ ‬ومحبة‭ ‬إليكم‭ ‬وإلى‭ ‬أبي‭ ‬خروف‭ ‬التي‭ ‬سكنت‭ ‬فيها‭ ‬روحي‭ ‬بالكتابة‭ ‬منها‭ ‬وعنها‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.