نارام سين في متحف المتروبوليتان
في العام2003 أقام متحف المتروبوليتان في نيويورك عرضًا آثاريًّا كبيرًا ومهمًّا؛ باسم «فنون المدن الأولى»، حيث جرى عرض بعض من آثار بلاد الرافدين (العراق الحالي)، تتوسطها بقايا أثر نادر من الحجر الجيري يعود للفترة الأكدية، يظهر فيه نارام سين؛ حفيد العاهل الأكدي سرجون. وهو جالس كملك وإله بجانب الإلهة عشتار؛ إلهة الحب والخصوبة والحرب عند سكان العراق القديم. أثر كهذا لم يسبق له أن ذُكر في الأوساط الآثارية العالمية قبل هذا المعرض، ويبدو وكأنه قد سقط من السماء وسط باحة المتحف النيويوركي العريق؛ حيث لا تاريخ أو سجلّ يوثق له فيما يخص تاريخ التنقيب والاكتشاف أو الجهة التي اكتشفته وبعثة التنقيب، ولم يوضع أي تحذير أمامه مثلاً ينبه الزائر «احذر من فضلك فهذه القطعة قد تكون مسروقة أو مهربة من وطنها الأم».
تُظهر الصور أعلاه معلومات تفصيلية عن الأثر موضوع المقال، ويبدو فيها العاهل نارام سين جالسا في أعلى زقورة بمرتبته الملوكية والإلهية، وتجلس قبالته الإلهة عشتار آلهة الحب والحرب بطاقية الألوهية وأبهة الأسلحة التي تخرج من كتفيها، وإلى الأسفل يقف جمع من آلهة وبشر يؤدون فروض الولاء والطاعة.
تم افتتاح هذا المعرض بمقتنيات بعضها مثير للجدل والريبة، وبتزامن غريب في أعقاب النكبة التي حلت بالأوساط الآثارية والعلمية جراء نهب المتحف العراقي في عام 2003، بعيد دخول القوات الأميركية الغازية لبغداد. وبالرغم من تعالي الأصوات بضرورة ممارسة الحزم في الاتِّجار غير المشروع بالآثار المنهوبة خصوصًا من العراق، فإن الوقائع على الأرض أثبتت العكس، إذ كان الاتجار على أشده، بل وبلغت الجرأة الوقحة للمقتنين للقطع المريبة إلى الاتفاق مع متاحف عريقة كالمتروبوليتان لعرضها في توقيت يتزامن مع كارثة نهب المتحف العراقي في بغداد جراء احتلالها من قبل أميركا نفسها.
في حالات كهذه، تبرز أسئلة أخلاقية لا بدّ من طرحها، على سبيل المثال: هل يجوز التعاون مع مقتني هذه القطع أيًّا من كان؟ وهل يجوز عرضها حتى لو كان ذلك لأغراض البحث العلمي؟ وهل يجوز البحث في قطعة مسروقة وغير قانونية وكأنها مولود غير شرعي؟
إنَّ القطعة العائدة للملك نارام سين هي واحدة من ثماني قطع تم عرضها وإدخالها في الكتالوج الرسمي، على الرغم من أنها تفتقر إلى السجل المتحفي والتنقيبي.
في هذا التقرير سنحاول استقصاء موضوع المشروعية في عرض لقى آثارية كهذه من دون توثيق تنقيبي أو اقتناء شرعي، حيث سيتم إجراء حوارات وطرح أسئلة مع القائمين على المتحف والعرض، وكذلك الاستعانة بآراء العديد من الخبراء المختصين من خارج المتحف.
وجهة نظر مدير متحف المتروبوليتان
كانت البداية مع مدير متحف المتروبوليتان؛ فيليب دي مونتيبلو؛ وعند سؤاله عن موضوع السجلات التنقيبية والمتحفية للقطع المريبة صرَّح بقوله «القرار بضم هذه القطع الأثرية المريبة في عرض ‘فنون المدن الأولى’ ليس عاديا فحسب، بل مُرحَّبًا به أيضا». وقد أشار بكل ثقة إلى أن «عدم وجود مصدر معلومات يوثّق تاريخ القطعة التنقيبي لا يعني الجزم بأنها مسروقة، بل قد تكون جزءًا من مجاميع خاصة قديمة تظهر للسطح بين الحين والآخر»!. وأضاف دي مونتيبلو «إنه ينبغي اعتبارها فرصة ذهبية للجمهور والباحثين؛ نظرًا لظهورها من عالم العتمة إلى النور، ونحن نطبق قواعد صارمة تختص بالقطع الأثرية والفنية لتثبيت عائديتها ومنبعها.. إلخ. ولا نشجِّع الاتجار غير المشروع بالآثار والأعمال الفنية، ولكننا نحاول في الوقت نفسه أن نشجع أصحاب المجاميع الخاصة لعرض ما لديهم لغرض تعميم الفائدة للجمهور. نحن متحف فنون وفي موقع المسؤولية، فنحن نتعامل بأعمال ذات أبعاد إنسانية وثقافية ومعرفية ولا بد من الحرص على الالتزام الأخلاقي».
في النهاية يبدو دي مونتيبلو واثقا مما هو بصدده فيقول «لستُ نادما على إشراك قطعة نارام سين والقطع الأخرى مجهولة المصدر، بل على العكس؛ اسمح لي بأن أقول إنها جزء من التزامي أن أشرك قطعا كهذه في العرض».
قصة القطعة ومقتنيها
وجدت قطعة نارام سين طريقها لمعرض المدن الأولى في المتروبوليتان بجهود ثلاثة شركاء عالميين من مقتني التحف والأعمال الفنية، وهم جوناثن روزين أحد أكبر مقتنيي الأعمال الأثرية الرافدينية في العالم، ودونالد هانسن؛ آثاري من جامعة نيويورك، وجوانا آروز مسؤول تنظيم المعارض في المتروبوليتان.
روزين؛ مقتني الآثار؛ الذي هو في العقد السادس من عمره الآن ويترأس مؤسسة عقارية، كان يمارس هو وزوجته جينيت هواية اقتناء الأختام الأسطوانية والألواح الرافدينية منذ مدة طويلة، وقد تبرَّعا بالكثير من القطع الآثارية المقتناة للمتاحف ومراكز البحوث.
وقد رفض روزين المحاولات المستمرة لإجراء أيّ لقاء صحافي أو إصدار أيّ تصريح علني يخص مجموعة مقتنياته. وقد أكَّد محاميه هارولد كرنفيلد؛ أن روزين لم يصدر سابقا أيّ تصريح علني يتعلق بمجموعاته، لكنه أصدر بيانًا أوضح فيه أن قطعة نارام سين وقطعتين أخريين بلا وثائق تعزز أصلها أو تاريخ اكتشافها، تمّت إعارتها لمتحف المتروبوليتان، وأنه كمستشار قانوني لروزين راضٍ عن الوضع القانوني لهذه القطع فيما يخص أصل وقانونية عملية الاقتناء، لكنه لم يعقّب على موضوع تاريخ اقتناء هذه القطع.
ولكن لم يتم اتهام روزين من قبل بأيّ تهمة اقتناء غير مشروعة، بسبب غياب الأدلة على ذلك. وربما كانت قطعة نارام سين جزءًا من مجموعة قديمة ولم تظهر سابقا في المعارض. ومن الواضح أن روزين؛ كغيره من المقتنين؛ يأخذ في الحسبان الاعتبارات والمخاطر المترتّبة على اقتناء أيّ قطعة بلا ماضٍ صريح.
وجدت قطعة نارام سين طريقها لمعرض المدن الأولى في المتروبوليتان بجهود ثلاثة شركاء عالميين من مقتني التحف والأعمال الفنية، وهم جوناثن روزين أحد أكبر مقتنيي الأعمال الأثرية الرافدينية في العالم، ودونالد هانسن؛ آثاري من جامعة نيويورك، وجوانا آروز مسؤول تنظيم المعارض في المتروبوليتان
فالمقتنون يتفهّمون صعوبة المهمّة وشح المعروض؛ في بحثهم عن القطع ذات التأصيل التنقيبي وشهادات الميلاد الصريحة، وذلك بسبب القوانين والتشريعات الحكومية الكثيرة في بلدان التنقيب؛ إلا التي تم فرضها على البعثات التنقيبية. ولذا فإن المنفذ الوحيد المتبقي يكون عبر المزادات وتجار الأنتيكات والمعارض. وهذه عادةً تعرض قطعًا متبقية أو متداولة منذ زمن بعيد سابق للتشريعات المنظمة لأعمال البعثات في دول التنقيب. وهذه تشكل تحديات للمستثمرين والمقتنين المندفعين بشراهة في هذا السوق.
إن المطّلع على حجم المتداول من المقتنيات الآثارية غير الشرعية سيصاب بالذهول. فالتقديرات الإيطالية تقدر حجم ما يتم سرقته كل سنة من المواقع الرومانية والتوسكانية بما يعادل متحفا آثاريا كاملا. وبعد حرب الخليج عام 1991؛ تحوَّلت الأنظار إلى مهد الحضارات في جنوب العراق وعانت أمهات المدن السومرية من عبث العصابات الدولية المدعومة بلوبيات المقتنين في الغرب الثري.
وباعتراف معظم الآثاريين والمتاجرين بالأثر الرافديني، فإن أغلب ما يظهر في السوق يفتقر؛ في كثير من الأحيان؛ إلى أيّ وثائق تنقيبية أو متحفية بسبب الانقطاع الذي حصل في مسيرة التنقيبات للبعثات الأجنبية في العراق منذ سبعينات القرن المنصرم وصولا إلى عام 1992 حين ظهرت القطع الجديدة فجأة.
وليس روزين بغريب على الأبواب الخلفية لأسواق الآثار، ففي أوائل تسعينات القرن المنصرم تقدمت الحكومة التركية بشكوى تخص عملية تداول قطعة أثرية معروضة في أحد المعارض في نيويورك بالتعاون بين روزين وزميله روبرت هيشت، وهو تاجر أنتيكات وتحف تحوم حوله الشكوك بخصوص بعض المبيعات لمتحف المتروبوليتان. وقد وافق روزين على إعادة القطعة لتركيا، وكلاهما نفى معرفته بعدم مشروعية تداول القطعة.
في العقد التسعيني، تبرع روزين بعدة قطع رافدينية الهوية مجهولة الأصل لمتحف المتروبوليتان، وقد اشتملت على أختام أسطوانية ورقيمات مسمارية، وتبرّع خلال هذا العقد بجزء كبير منها إلى جامعة كورنيل في نيويورك، بدواعي أنها قطع مشروعة التداول ولا غبار على تملّكها وتداولها بحسب تصريح البروفيسور ديفيد أوونال؛ المتخصص في دراسات الشرق الأدنى في كورنيل.
كان الباحث الآثاري دونالد هانسن؛ من جامعة نيويورك؛ قد زار روزين في منزله في نيويورك. وحين مرَّ على بعض المحتويات من مجموعته الآثارية الخاصة، وقعت عيناه بالصدفة على كسرة نارام سين المثلثة الشكل من الحجر الجيري؛ والتي يبلغ أقصى عرض لها حوالي 10 إنجات. وما أثار اهتمام الباحث حينئذٍ؛ بحسب مقالةٍ له؛ أن هذه القطعة النادرة تبيِّن الملك نارام سين وهو يعتمر التاج الملكي بالقرن الإلهي المقدس وجهًا لوجه مع الإلهة الرافدينية عشتار؛ وقد تكدَّس تحتهما أربعة أسرى في وضع يبرز عظمة وتجبر الملك وهو في أوج مجده. وتعتبر هذه من القطع الأكدية الملكية النادرة، إنها قطعة تاريخية عظيمة ومتميزة وأعتقد أنه لا بد من التعريف بها.
في صيف العام 2002 وضع هانسن مقالة تحليلية للقطعة؛ مكوّنة من خمس عشرة صفحة؛ بعنوان «في حب عشتار»، ونشرت في لندن، سيكون لها الأثر الأكبر في تقييم هذه القطعة على المستوى الآثاري والمالي، على الرغم من أنه أوضح بلا لبس أنها مجهولة المصدر.
لوح أكادي قديم يمثل آرام سين المنتصر على أعدائه
مديرة العرض وأمينة المتحف
في النهاية كانت المسؤولية النهائية في القرار في المتروبوليتان تقع على عاتق جوانا آروز؛ أمينة متحف المتروبوليتان؛ فيما يخص عرض قطعة نارام سين في «المدن الأولى» من عدمها. وعند محاولة الاستفهام منها واللقاء بها؛ رفضت أمانة المتحف عرض اللقاء الصحافي، ولكنها وافقت على الرد على أسئلة مكتوبة. وقالت إنها علمت بأمر القطعة عبر مقالة هانسن، وإنها أعجبت بطريقة القراءة للقطعة والعرض الذي قدَّمه هانسن مؤكدا فيه وجهة النظر التاريخية الخاصة بسيادة الإمبراطورية الأكدية على الكثير من مناطق الشرق الأدنى القديم.
وكما هو الاختلاف الدائر بين الآثاريين؛ فإن المتاحف لها وجهات نظر متباينة فيما يخص التعامل بالقطع ذات المصادر المبهمة. والخط الفاصل بين كلا الفريقين هو حقيقة أن بعض المتاحف (كالمعهد الشرقي في بنسلفانيا ومتحف شيكاغو والمتحف البريطاني واللوفر)؛ لها فرق وبعثات تنقيبية مستمرة وتتعامل بحساسية مع القطع مجهولة المصدر، وتطالب بوثائق صريحة ومثبتة بالسجلات التنقيبية أو المتحفية وأنها لا تنتمي إلى ما بعد 1990. وذلك على العكس من متحف المتروبوليتان؛ الذي يحصل على قطعه عن طريق التبرع من المهتمين بالشراء من ذوي المجاميع الخاصة كروزين والعائلات الثرية المهتمة بالاقتناء كهواية.
يُطبِّق متحف المتروبوليتان؛ بحسب مسؤوليه؛ معايير جادة لتملك الآثار والأعمال الفنية .لكنهم ربما يكونون أقل تحسسا حينما يتعلق الأمر بالمعارض المؤقتة «كالمدن الأولى»، فهم في معرض كهذا يعتمدون؛ بحسب دي مونتيبلو؛ على ما يُوفِّره لهم المالكون أو على مقالات منشورة عن القطع.
وبسبب التقاطعات القانونية والاختلافات الكثيرة في وجهات النظر التي تحوم حول إثباتات العائدية ومصادر الاقتناء والإثباتات المتعلقة بالسرقة المحتملة من عدمها؛ فإن المتحف يوازن بالنظرة للأمر. وربما يختار ما يعتقد أن به فائدة متحققة أكثر بالسماح بعرض هذه القطع من عدمه، بالإضافة إلى فائدة أخرى لا بد من ذكرها، هي أنَّ فرصة العرض ستكون إشهارًا لظهور ووجود قطعة كهذه، وعلى من يدَّعي الأحقية بملكيتها أن يتعرّف عليها وعلى مالكها الحالي والمباشرة بإجراءات التحقق من الملكية قانونيا.
تستطرد روز بالقول «إننا لو منعنا القطع مجهولة المصدر من المعرض فإن هذا سيمنع الكثير من الدارسين والمهتمين من الاطلاع على قطعه ذات أهمية علمية وفنية، وقد تلقي الضوء مثلاً على حضارة بختاريا في أفغانستان من جديد؛ بعد أن توقفت البعثات التنقيبة هناك جراء الحروب المستمرة». وفيما يخص مساهمة روزين بإعارته قطعة نارام سين وقطعة أخرى لختم أسطواني عن مترجم أكدي عمل مع أبناء إقليم ملوخا، فإنها اعتمدت في هذا على تعريف وتقديم هانسن الذي تولى بنفسه أمر إصدار الكتالوج الخاص بهذا العرض.
يلخص بانيت برونسن (أمين القسم الآسيوي في المتحف) هذا الأمر بكل صراحة بقوله «المتبرّعون يودون أن يمنحوك أشياء، وبعض هذه الأشياء ستكتشف أنها مسروقة دون أدنى شك إذا ما طبقت عليها المعايير المعتمدة في المحافل الأكاديمية والمتحفية الرصينة».
آراء علماء الآثار والمختصين
قد يختلف الكثير من الخبراء والباحثين مع وجهة النظر الرسمية لأمناء ومدراء متحف المتروبوليتان؛ بخصوص المطاطيَّة في قرار العرض من عدمه، لأن قرارًا كهذا سيشجع بشكل غير مباشر أعمال النبش والسرقة غير المشروعين للمواقع والمتاحف الآثارية في مناطق الأزمات والحروب، مما يعرض الإرث الثقافي لتلك البلدان لخطر كبير.
في تصريح لمدير متحف الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة بنسلفانيا؛ جيرميسا بلوف؛ يقول فيه «أنا على قناعة شخصية من أن هنالك مسألة أخلاقية ومهنية تتعلق بقبول المتحف عرض قطع كتلك المختصة بنارام سين في المتروبوليتان. وعلى ثقة أيضًا؛ ويشاركني بهذه القناعة زملائي الموظفون في المتحف؛ أنه يجب عدم المشاركة في أيّ نقاش أو كتابة عن أيّ قطع أثرية مشكوك في عائديتها أو أنها مُقدَّمة بلا وثائق رسمية تعزِّز مصدرها باعتبار أن ما يحصل؛ بالعكس من ذلك؛ سيخلق بيئة مواتية للنهب مستقبلاً، وبذا سنكون قد أسهمنا في كارثة القضاء على التراث الثقافي للشعوب؛ بانتقالها من رحمها المحلي العضوي إلى الصالات الخاصة للمقتنين ومخازن المتاحف وصالات المزادات كقطع يتيمة منقطعة عن سياقها التاريخي».
في مقابلة تلفزيونية مع بروفيسور الآثار اللورد كولن رينفيرو من جامعة كمبردج صرح بالقول «إن شراء مقتني الآثار للقطع المسروقة والمنهوبة يُعدّ بمثابة اشتراك في الجريمة مع السارق، لأنه الجهة التي تشجِّع على السرقة. بينما يرفض بعض المقتنين والباحثين تعميمًا كهذا بالحكم بالشراكة، ويعتبرونه اتهاما لا مسوغ له»
يعتقد الباحث الذي رصد قطعة نارام سين أنها قد تكون جزءًا من القالب المستخدم على زخرف الدروع التي يحملها محاربو الملك. لكن لا يُمكن لأحد الآن أن يكون متيقنًا من ذلك الأمر، بسبب عدم توفر تفاصيل عن موقع اللقية التي ربما كانت أجزاء أخرى منها لا تزال مدفونة تحت الأرض. وهذا ما نعنيه بالانقطاع عن السياق، فهو كمن يقوم بتصدير أحد حيوانات الباندا من حاضنتها الطبيعية في الصين إلى إحدى دول غرب أفريقيا ويطلب منها أن تتعايش وتنمو بشكل طبيعي.
لطالما رحَّب الباحثون والدارسون الآثاريون برغبة المقتنين المحمومة لامتلاك القطع الآثارية، على الرغم من أن البعض منهم كان يرفض رسميًّا ويدعو إلى تقنين الاقتناء غير المشروع للإرث الثقافي والحضاري للأمم الأخرى. ولكنهم في الوقت نفسه لا يطمئنون إلى تغلب الحس التجاري والمرابحة من جراء تداول هذه القطع وتشجيع النباشين والسُّرَّاق وعمليات التهديم في مواطن الحضارة.
في مقابلة تلفزيونية مع بروفيسور الآثار اللورد كولن رينفيرو من جامعة كمبردج صرح بالقول «إن شراء مقتني الآثار للقطع المسروقة والمنهوبة يُعدّ بمثابة اشتراك في الجريمة مع السارق، لأنه الجهة التي تشجِّع على السرقة. بينما يرفض بعض المقتنين والباحثين تعميمًا كهذا بالحكم بالشراكة، ويعتبرونه اتهاما لا مسوغ له».
لخبراء القانون المتخصصين في سوق الآثار والنوادر المتحفية رأيٌ؛ يلخصه جون هنري ميريمان من جامعة ستانفورد، بالقول «على الرغم من أن تشجيع الحفاظ على القطع الأثرية في موطنها الأصلي هو هدف نبيل يؤيده العقلاء والحكماء، فإن الدعوات الأخلاقية للعلماء والباحثين تبدو مثالية ربما أكثر مما يجب، لأن ما يقوم به هؤلاء المقتنون وهواة الآثار والمتاحف هو بحد ذاته عمل سامي الهدف، لأنهم ينقذون ما يمكن وضع اليد عليه، ويحتفظون به في مخازن أمينة لا تطاله يد العبث والتهديم ويتمكنون من إتاحة فرصة دراسته وتحليله وعرضه على الجمهور وبذا فهم يستثمرون في غاية نبيلة أيضا تنبغي الإشادة بها».
عند سؤال جين والديوم؛ رئيسة المعهد الأركيولوجي الأميركي وهو أكبر هيئة آثارية أميركية عن الموضوع؛ صرّحت بالقول «من المتعارف عليه في المحافل الآثارية أن أيّ تقييم أو رأي رصين يتقدم به آثاري معروف وذو مكانة مرموقة؛ بشكل مقالة أو دراسة عن قطعة معينة؛ يعتبر بمثابة شهادة أو وثيقة تسجيل لهذه القطعة رغم غموض مصدرها تنقيبيا أو متحفيا. لهذا السبب يتحاشى الآثاريون؛ وبحزم؛ إعطاء أيّ رأي بخصوص القطع غامضة النسب، ولكون هذا التوجه الأخلاقي يتفق مهنيًّا مع مقررات المعهد الأركيولوجي منذ العام 1970، إذ منع أعضاءه من نشر أو تداول أيّ معلومات بخصوص القطع غامضة النسب في دوريات ومجلات المعهد أو في جلسات مؤتمراته السنوية».
لمالكوم راسل؛ وهو آثاري بدرجة بروفيسور من كلية ماساتشوستس للفنون، رأي بموضوع «مصدر الملكية والعائدية القانونية» ربما لا يرضى به الجميع، يلخصه بالقول «معرض ‘فنون المدن الأولى’ كان حالة عادية لمعروضات بقطع منتقاة من مجاميع خاصة، فإلى جانب قطعة نارام سين العراقية هنا؛ كسِتِّ قطع أخرى جاءت من أفغانستان ويُشَكُّ بأمر عائديتها أيضًا، إذ أن إحداها؛ على سبيل المثال؛ أعارتها شيلبي وايت (إحدى أمينات متحف المتروبوليتان التي تدور حول مجموعتها الآثارية الخاصة الكثير من الشكوك) في 1999. وكانت قد أوضحت في مقالة لها أنها اقتنتها من تاجر أنتيكات عام 1990، وكانت في حالة مزرية؛ ربما بسبب كونها مُنقَّبًا عنها حديثا (بعد الاضطرابات في أفغانستان). وتستطرد في مقالتها لتقول «فقط تخيَّل لو أن هذه القطعة وقطعًا أخرى قد تم الإبقاء عليها في المتاحف المحلية في كابل مثلا!». فالكثير من القطع النفيسة في متحف كابل إما أنها قد دمّرت أو أصبحت ضحية من ضحايا الحرب المستعرة هناك. وقد تكون إحدى هذه القطع التي بحوزتنا قد سرقها أحد المقاتلين الأفغان؛ بحثا عن تمويل لحربه مع السوفييت.
• متحف الميتروبوليتان: تأسس في 1870، يقع في مدينة نيويورك يحوي أكثر من مليوني قطعة فنية وأثرية ويعتبر أكبر متاحف الولايات المتحدة الأميركية.
• الاسم «نارام سين» ويعني اسمه «محبوب الإله سين» وسين هو إله القمر، الذي حكم ما بين 2261- 2224 ق.م، ولقب بـ»ملك الجهات الأربع» حيث وصلت الإمبراطورية الأكدية في عهده أوج عظمتها وتوسعها.
• الاسم «سرجون» من الأصل الأكدي «شارّو- كينو»؛ وتعني: الملك الحقيقي أو الشرعي ؛ وهو مؤسس أول إمبراطورية في التاريخ وعاصمتها مدينة أكد وسط العراق الحالي، والذي حكم ما بين عامي 2334– 2279 ق.م.