ندم أبيض
مُصَالَحَةٌ
أُأُفَكِّرُ أَيُهَا الحُبُّ أَنْ أُصَالِحَكَ عَلَى نَفْسِك؛
أَنْ أَشْتَرِي لَكَ دَرَّاجَةً هَوَائِيَّة
وَأَدْعُوكَ إِلَى البَحْرِ
حَيْثُ يُمْكِنُنَا الجُلُوسُ مَعاً عَلَى مَقْعَدٍ مَهْجُور
وَتَأَمَّل المَوْجَ البَسِيط
يَغْسِلُ بِعَيْنَيْهِ أَقْدَامَ العَابِرِين
فِي غُرُوبِهِ السِرِّي،
وَعِنْدَئِذٍ لَنْ تَحْتَاجَ إَلَى أَكْثَرَ مِنْ تَنْهِيدَة
لِتَغْفِرَ زَلاَّت رُوحِك
وَلاَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ نَظْرَة
لِتَمْلَأَ بِالنُّجُومِ
جُيُوبَ أَطْفَالِكَ المُسْتَوْحِشِين.
النِّهَايَاتُ السَّعِيدَة
فِي مَكَانٍ مَا، فِي صَحْرَاءَ مَا، لاَ تَصِلُ الحَافِلَة.
المُنْتَصِرُونَ يُعَانُونَ مِنْ نِهَايَةِ الحِكَايَة،
بَيْنَمَا يَذْهَبُ المَهْزُومُونَ إِلَى حِكَايَةٍ أُخْرَى
يَهْزِمُونَ فِيهَا مُنْتَصِرِينَ آخَرِين.
فِي مَكَانٍ مَا، فِي مَقْهًى مَا، تَهْطُلُ الشَّمْسُ قَاسِيَةً عَبْرَ الوَاجِهَة.
لَيْسَ أَمَامَنَا سِوَى كُوبِ المَاءِ البَارِد.
وَفِكْرَةً نَرْسُمُهَا دَوَائِرَ عَلَى الطَّاوِلَة.
الدَّوَائِرُ تَسْتَمِرُّ بَعْدَنَا
فِي أَصَابِعَ أُخْرَى.
فِي مَكَانٍ مَا، فِي صَحْرَاءَ مَا،
"وَيْلِي"/ فُوكْنِرْ يَكُفُّ عَنِ الكُحُولِ وَالإِبَر
يُحَطِّمُ طَائِرَتَهُ فِي السَّمَاء
تَارِكًا فِي عُيُونِ الرُّعَاةِ وَالقِدِّيسِين
ضَحْكَةً أَخِيرَةً سَاخِرَة.
عَلَى جَزِيرَةٍ مَا، فِي حُلْمٍ مَا،
"مَاكس"/ بٍرٍغْمَان يَعُدُّ دَقِيقَةً وَاحِدَة.
يَقُولُ لِأَلْمَا: ".. أَتَعْرِفِينَ أَنَّ الدَّقِيقَةَ زَمَنٌ كَثِير؟
عَشْرُ ثَوَانٍ.. عِشْرُونَ ثَانِيَة..
أف... أَخِيراً انْتَهَتْ...".
أَخِيراً، أَتْرُكُ وُحُوشِي فِي الصَّالُون
أَنْسَلُّ إِلَى السَّرِير
وَأُحِيطُكِ بِذِرَاعَيَّ،
تَسْأَلِينَنِي إِذَا كَانَ شَعْرُكِ يُزْعِجُنِي...
وَأَبْتَسِم.
مِنْ أَعْمَالِ هُوبَر
عِنَاقُنَا فِي وَسَطِ المَطْبَخ
يُشَارِكُنَا بِهِ لَمَعَانُ السِّيرَامِيك
الأَشَدَّ حَنَاناً مِنَ الزُّجَاج
مَا تَهْمِسُهُ الشَّمْسُ
لِأَخْضَرِ النَّافِذَةِ المُبْتَذَل
وَأَرُسْتُقْرَاطِيَّةُ البَيَاض
فِي زَاوِيَةِ الثَّلاَجَةِ المُخْلِصَة
ثَرْثَرَةُ الأَطْبَاقِ التِي تَرْشَحُ مَاءً
كَقُبُلاَتٍ بَطِيئَةٍ فِي المَطَر
وَنَظَرَاتُ ابْنَتِنَا
الأَوْسَعُ مِنْ صَالُونٍ
بَيْنَ أَقْدَامِنَا.
إِخْلاَصًا لِسُتْرَةٍ
أَقِفُ جَمِيلاً فِي البَيْت
أُجَمِّدُ الوَقْتَ لِثَوَانٍ فِي وَجْهِ الحَائِط،
أُجَمّدُ ظِلاً عَالقاً
فِي ابْتِسَامَةِ حَبِيبَتِي؛
أَحْسِبُ السَّقْفَ صَدِيقِي فَأَرْفَعُ نَخْبَه
بِجَفْنَيْن خَالِصَيْن.
لاَ أَنْتَظِر.ِ
لاَ أَنْتَظِرْ بَعْد.
الخَلاَصُ فِي زِرِّ الغَفْلَةِ التِي
بَعْدَ الظُّهْرِ، فِي قَلْبِ الخِزَانَة،
فِي فِكْرَةِ الشِّتَاء.
وَحْدَهَا رُوحُ السَّتَائِر
تَغْسِلُ رُوحِي.
هَوَاءٌ
هَذَا الهَوَاءُ هُوَ يَدَا أَبِي
تُمَسِّدَانِ شَعْرِي
هَذَا الضَّبَابُ
هُوَ نَظْرَتُه
عَلى لَيْلِ حَيَاتِي
هَذِهِ السَّحَابَةُ
فِكْرَتُهُ عَنِ النَّهَارِ
البَاقِي
فِي ظِلِّ العَتَبَة.
المَلاَئِكَةُ المُحْتَشِدُونَ
عَشْرُونَ مَلاَكاً عَلَى الأَقَلّ
يَحْتَشِدُونَ، بِبِزَّاتِهِمْ الوَاقِيَةِ، حَوْلَ رَأْسِي
أَحَدُهُمْ يُمْسِكُ الشَّفْرَةَ
بِيَدٍ تَرْتَجِفُ
وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَرِّرَ الآنَ
مَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ
الشَّرِيطَ الأَحْمَرَ أَمْ الأَزْرَقَ
البَقِيَّةُ يَتَعَرَّقُونَ
وَعُيُونُهُمْ تُلاَحِقُ عَقْرَبَ الثّوَانِي فِي سَاعَاتِهِمْ:
4... 3... 2...
هَلْ نَرَى أَحْلاَمًا سَعِيدَةً؟
كُنْتُ أَتَسَلَّقُ الجَبَلَ
وَفِي لَحْظَةٍ مَا أَوْقَفَهُ أَحَدُهُمْ مُسْتَقِيمًا كَسُلَّمٍ فَوَقَعَت،
وَهَدَرَ شَيْءٌ فِي قَلْبِي،
وَأَدْرَكْتُ أَنْ القَذِيفَةَ وَقَعَتْ عَلَى بَيْتِ أَهْلِي؛
وَأَنَّنِي أَخْرَجْتُهُمْ جَمِيعاً مِنْ الرُّكَامِ، وَكَانُوا جَمِيعاً – بِمَنْ فِيهُمْ أمِّي وَأَبِي- أَطْفَالاً،
وَكَانُوا أَحْيَاءَ جِدّاً لَكِنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى إِيقَاظِي لَهُمْ بِهَذِه الطَّرِيقَة؛ وَذَهَبْنَا يَوْمَهَا أَوْ فِي لَحْظَتِهَا لِلمُشَارَكَة فِي مُسَابِقَة أَجْمَلِ هِرٍّ، وَفَازَ هِرٌّ ابْنَتِي، وَمَعَ ذَلِكَ بَكَتْ لِأَنَّهَا ظَنَّت ْأَنَّهَا خَسِرَتْ، وَمَعَ ذَلِكَ تَمَنَّيْتُ لَوْ كَانَ هِرًّاً آخَرَ لَكُنَّا فُزْنَا حَقًّا فِي المُسَابَقَةِ التِي
فُزْنَا بِهَا حَقًّا، وَلَوَفَّرْنَا دُمُوعَ الفَتَاةِ، وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ رَأَيْتُ نَفْسِي وَجَمِيعَ الذِينَ أَعْرِفُهُمْ فِي الجَنَّةِ التِي هِيَ مَدِينَةٌ بَاطُونِيَّةٌ بِلَوْنِ الرَّصَاصِ وَكُنَّا جَمِيعًا نَمْشِي كَالزُّومْبِي مَادِّينَ أَيْدِينَا إِلَى الأَمَامِ احْتِفَاءً بِمُجَرَّدِ المَشْيِ.
تَمْيِيزُ كَلِمَاتِ البَحْثِ
... وكنت أفكّر في قصيدة عن "الأمل". وكتبت في "غوغل": "قصيدة عن الأمل"، و"تمّ تمييز كلمات البحث": قصيدة + عن + الأمل= 172000 نتيجة:
"قصيدة عن تماسيح اليوم كككك"، "قصيدة عن العراق منتديات ماجدة"، "فضاءات الألم والغربة"، "قصيدة عن تعدّد الزوجات"، قصيدة "بين اليأس والأمل"، "ردّ على قصيدة بين اليأس والأمل"، "قصيدة الأسبوع"، وأشياء أخرى عن أشجار
أفريقية إكزوتية، وصبي شنق نفسه في الصين مقلداً إعدام صدام، وصلوات في أندونيسيا بحثاً عن طائرة مفقودة.. و"هذه ليست إلا غرفة"، رحت أقول في نفسي، ليست إلا غرفة أيها الأحمق.
إِلَهٌ صَغِيرٌ يَشْرَعُ بِالبُكَاءِ
هَذَا إِلَهٌ صَغِيرٌ آخَرُ
يَشْرَعُ بِالبُكَاءِ
عَلَى كَتِفِي
لِسَبَبٍ غَامِضٍ
أَوْ لِسَبَبٍ شَدِيدِ الوُضُوحِ
وَلِلسَّبَبِ نَفْسِهِ
أُسَمِّيهِ اللَّيْلَةَ التِي انْقَضَتْ الآنَ
اللَّيْلَةَ الفَائِتَة
أَوْ اللَّحْظَة التِي مَرَّتْ قَبْلَ لَحْظَةٍ
مِثْلَ بُقْعَةٍ تَمْسَحُهَا عَنِ الطَّاوِلَةِ
يَدُ نَادِلَةٍ عَمْيَاءَ.
بَعْدَ غِيَابٍ
يَدُكَ عَلَى شَجَرَةٍ قَدِيمَةٍ
تَجْهَلُ اسْمُهَا
قَدْ تُمَسِّدُ جِذْعَهَا
وَقَدْ تَطْبَعُ،
عَلَى مَا تَحْسَبُهُ مَكَانَ قَلْبِهَا،
قُبْلَةً مُبَلّلَةً.
رُبَّمَا تَأْتِي الغُيُومُ
مِنْ أَبْعَدِ نُقْطَةٍ فِي السَّمَاء
رُبَّمَا يَكُونُ مَطَرًا أَخِيراً
وَرُبَّمَا لاَ يَكُونُ شَيْئًا
فَقَطْ تَنْظُرُ إِلى السَّمَاءِ
وَتَبْكِي
لِأَنَّهَا السَّمَاءُ.
مُجَدَّداً.
نَدَمٌ أَبْيَضُ
رُبَّمَا تَحْتَاجُ هَذِهِ الحَيَاةُ
إِلَى وَرَقَةٍ تَافِهَةٍ
تَعْثُرُ عَلَيْهَا صُدْفَةً
وَتَدُسُّهَا فِي جَيْبِكَ
كَمَا لَوْ كَانَتْ خَرِيطَةَ كَنْزٍ أُسْطُورِيٌّ،
وَاعِداً نَفْسَكَ
بِأَنْ تَقْرَأَهَا بَعْدَ عَامٍ.
رُبَّمَا تَحْتَاجُ
إِلَى شَيْءٍ عَظِيمٍ وَغَامِضٍ
يَسْقُطُ فَجْأَةً مِنَ السَّمَاءِ
مِثلَمَا يَسْقُطُ نُبَاحُ كَلْبٍ شَارِدٍ
عَلَى النَّائِمِينَ،
تَحْتَاجُ رُبَّمَا إِلَى سِيجَارَةٍ أَخِيرَةٍ
حَيْثُ يُمْكِنُكَ، فِي لَحْظَةِ صَفَاءٍ تَامَّةٍ،
الذَّهَابُ إِلَى الحَانَةِ،
وَالإِصْغَاءِ إِلَى جُورْج
وَهْوَ يَعْزِفُ أَسْنَانَهُ البَيْضَاءَ
وَنَدَمَهُ النَّاصِعَ
عَلَى البِيَانُو العَجُوز.
أَكْرَهُ الصَّعَالِيكَ
وَأُحِبُّ الرِّجَالَ الهَادِئِينَ.
السَّمَاءُ
لاَ تَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ جَدِيدٍ
وَلاَ الأَلَمِ أَيْضاً.
بَعْدَ زِيَاد الرَّحَبَانِي
وكذلك الدمعة الجافة أسفل العين تموت. وقطرة المطر العالقة أسفل النافذة. وكلب الجيران يموت. ودعسة الباب. وجرس الباب. وحتى الباب يموت. والسعادة العابرة في منام رجل يموت، هي الأخرى تموت. وصوت الرجل. وضحكة الرجل.
وقامته العالية. والحذاء الجديد، والطريق السريع، والطريق البطيء، وظل الشجرة النائمة، وظلّ البيت، وأشباح البيت، تموت. يموت سرير الجدة. كرسي الجدة. تينة الجدة. وحتى الجدة تموت. والأيدي التي تعشق، والتي تقتل، والتي تركض،
والتي تكدح، والتي تطحن الحجارة، والتي تعجن الأشجار، والتي تغني، والتي تحلم، والتي تأسف إذ تتذكر، والتي تأسف إذ تنسى، تموت. قط العتبة. ساعة الحائط. عبق الخزانة. عطلة الأحد. ثياب العيد. مشهد البحر. وحتى موج البحر يموت.
حرقة القلب. تأتأة الحنين. ثغاء الألم. نوبات الفرح. هي الأخرى تموت.
وذلك الصيف الطويل الذي كنا نحسبه ساطعاً في القلب، يحترق أولاً، ثم يموت.
مُجَرَّدُ مَطَر
في الجميزة، الثانية بعد منتصف الليل. مطر وبرد كثير. عثرتُ أخيراً على دكان يبيع السجائر. وكنت أعرف أنني وصلت إلى شارع آخر لا أعرفه. لكنني نظرت إلى أعلى ورأيت يد أحدهم تلوّح لي من وراء نافذة مقفلة ورأيت ظل اليد مضاعفاً
على جدار المبنى المقابل المبلل بالمطر. وشعرت أنني أعرف هذه اليد، وأعرف ظلها أيضاً، وافترضت أنها لصديقي الذي مات ذات يوم بطريقة غامضة لأن كل طريقة موت لا بدّ أن تكون غامضة.. وبطريقة غامضة افترضت أنه ينتظرني الآن
في بيته الذي في شارع آخر لكي ننهي "ماتش" بلياردو كنا قد بدأناه قبل عشر سنوات. فوقفت ولوّحت لليد ثم لوّحت لظل اليد، ثم ضحكت من كل قلبي.
ثُمَّ بَكَيْتُ
إِذْ أَدْرَكْتُ
أَنَّهُ صَدِيقِي
الذِي الآن،
فَجْأَةً،
صَارَ مَطَراً.
فِي المَطْعَمِ الصَّحْرَاوِيِّ
طَاوِلاَتٌ نَظِيفَة
صُحُونٌ نَظِيفَة
كُؤُوسٌ نَظٍيفَة
تَلْمَعُ
تَحْتَ ضَوْءٍ نَظِيف
وَبَعْدَ قَلِيلٍ نَأْكُلُ الصَّحْرَاءَ.
رَافِعَاتُ دُبَيْ الصَّفْرَاء
ثُمَّ سَنَصْحُو ذَاتَ يَوْمٍ شَاعِرِينَ بِحُزِنٍ شَدِيدٍ
وَلَنْ نَعْرِفَ السَّبَبَ
سَتَكُونُ المَدِينَةُ قَدْ أُنْجِزَتْ وَنُقِلَتْ الرَّافِعَاتُ الهَائِلَةُ
إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى قَيْدَ الإنْجَاز
وَلَنْ نَعْرِفَ السَّبَبَ لَكِنَّنَا سَنَشْعُرُ كَسُكَّانِ المُدُنِ المُثلجة
حِينَ فَجَأَة لاَ يَهْطُلُ الثَّلْجُ
سَنَفْرَحُ أيَّاماً قَلِيلَة
لَكِنَّنَا بَعْدَئِذٍ سَنَشْعُرُ بِصُدَاعٍ لَوْنِيٍّ حَادٍّ
بِأَنَّ ثَمَّةَ خَطَأ فَادِحاً فِي عُيُونِنَا
أَو رُبَّمَا فِي السَّمَاء
أو رُبَّمَا فِي عُيُونِنَا إِذْ تَنْظُرُ إِلَى السَّمَاء
وَلَنْ نَعْرِفَ السَّبَبَ
لَكِنَّهُ سَيَكُوُن كل هَذَا الأَصْفَر
الذِي اخْتَفى مِنْ حَيَاتِنا:
الزُّكَامُ الذِي انْقَرَضَ فَجْأَة
كَلْبُنَا الأَلِيفُ
الذِي دَهَسَتْهُ شَاحِنَةٌ بَعْدَ ظَهِيرَةٍ هَادِئَةٍ
سُلَحْفَاتُنَا المَائِيَّة
التِي فَجْأَة
وَجَدْنَاهَا تَطْفُو مَيْتَةً عَلَى سَطْحِ الأكواريوم.
المُتَأَخِّرُ
وَاقِفاً هُنَاكَ،
فِي الهايبرماركت،
تُفَكِّرُ فِي شِرَاء سَاعَة جَدِيدَة،
وَلِمَاذا مُنْذ سَنَوَات لَمْ تَشْتر سَاعَةً جَدِيدة،
وَفِي الحظِّ، تُفَكِّر في الحظِّ أيضاً،
وفِي شِرَاء حَظٍّ جَدِيد،
وفِي ثَلاَثِ سَاعَاتٍ تَحْتَسِي بِهَا فِنْجَانَ قَهْوة
عَلَى رَصِيفٍ بَارِد تَقْريباً،
وَفِي العتَمة التِي تَهْبِط الآن بالتَّحْديد،
كَعَمليِّةٍ جِرَاحِيّة،
وَكَم كَئِيبَةٌ هي الثَّوانِي القَلِيلَة
التِي بَيْنَ النَّهَار والعَتْمة،
وفي الحَيَاة السريِّة لعَامِلة الصُّندُوق
التِي إذْ تَنْظُرُ فَجْأة في عَيْنَيْها الذَّابلتين
تَرَى عَقْرَبَيْن مَكْسُورين
والمَرْأة تَبْتسِم وتَقُولُ لك: "أهلاً وسهلاً"،
كأنَّها تَقُول:
"أيُّها الرَّجُل
الذِي يَحْسب نفسهُ طيباً
تأخَّرْت كثيراً في إنقاذِي".
التَّوَارِيخُ البَعِيدَةُ
أشْلاءُ عِباراتٍ لُفُظتْ على بابِ البحرِ،
حَمَلتها الرِّياحُ إلى قاراتٍ بعيدةٍ،
المطرودُون من القُرَى
علّمُوا الدُّروبَ بالحَصَى،
بهَمْس الأشْجارِ اللَّيْليَّة
وذاكرةِ الأقْدَام،
منفيُّون بلا مَنْفى،
كلَّما رأَوْا نبتةً
تذكَّرُوا حقْلاً،
كلَّما رأَوْا نافِذةً
لمَعتْ في عُيُونِهم
نافذةٌ أُخْرى.
الغُرَبَاءُ
"يقفونَ أمامي فجأةً
حتى أحْسبهُمْ
قفزُوا مِنْ عينيَّ
يختفونَ فجأةً
حتى أحْسبهُمْ
ذَابُوا في قَلْبِي"،
هَذَا مَا يَرَوِيهِ الغُبَارُ للأَرْصِفَة.
الدُّمُوعُ
في السَّمَاءِ التِي نَلْفُظُ اسمهَا
فِي تَقْرِيظِ شجرةٍ سامقةٍ كالجريمةِ
في عناقِ الأيْدِي وشجارِ الألْسِنةِ
في الشَّوكَةِ التِي نسْتَعملُها بَدل المِلْعَقة لتحْرِيكِ الشَّاي
في السِّتارةِ التِي نحمِي بها الهواءَ من عُيُوننَا
في لفظِ العَتبةِ
في القميصِ الذي نعلِّقُه كسمكةٍ على المِشْجَبِ
في الجرْوِ المَنْقُوش على الحَصيرَةِ
في القَلْبِ المَنْقُوشِ على الكُوبِ
غَيْمَةٌ عِمْلاَقَةٌ تستَوْطِنُ السَّقْفَ
ولَنْ تُمْطِرَ عَمَّا قَرِيبٍ.