نزار قباني لي وللإيرانيين
كانت التسعينيات، ربما نهايات 1997، كنتُ بدأت قراءة النصوص والكتب بالعربية، وأحاول أن أحفظ أي كلمة جديدة، أتعلم استخدامها وأفكر أنني سوف أكتب الشعر والنثر بالعربية، وقد تفيدني في مكان ما.
كان أخي الأكبر الذي يمثل دور العراب لي في البيت، ويهتم بكل شيء يتعلق بي، ويشجعني. يكتب الشعر هو بالعربية، ومكتبته الصغيرة تحتوي على بعض الكتب العربية، وكان هذا بمثابة كنز لنا في الأهواز البعيدة التي تشحّ فيها الكتب العربية. تعرفتُ عبر أخي في البداية على نزار قباني، قرأته، ولسهولة نصوصه واصلت قراءته في السنوات المقبلة، إلى جانب محمود درويش، وشعراء عرب آخرين، كانت غالبيتهم شعراء فلسطينيين. أذكر أن كان أخي في حالة حب، وأنا أتعاطف معه بكل ذرة من وجودي. أقرأ شعره، وحين أقرأ نزار قباني، في كثير من الأحيان، أضع نفسي محلّه، وأشعر بحبّه.
بعد عام أو عامين كنت أكتب الشعر بالعربية، أشارك في بعض الندوات والأمسيات الشعرية العربية في الأهواز، والتي كان قد تم السماح لها إثر بعض الحريات التي أتيحت خلال فترة رئاسة «خاتمي». بدأت حتى أترجم بعض نصوصه إلى الفارسية دون أن أنشرها. أخي يشتري لي بعض الكتب المترجمة له، الحب، وتشجيعه لي يعزّز كل كلمة كنت أقرأها. يسخر بلطف من متابعتي للأدب والموسيقى الفارسيين، وحبّي له يزرع فيّ الأدب والموسيقى العربيين. يسمعني الأغاني التي غنّيت لنزار قباني، إلى جانب كثير من الأغاني العربية الأخرى، وفي بعض الأحيان يكتب لي نصوصها. ولم أكن وحدي على تلك الحال في الأهواز؛ فكثير من الشباب المولعين والمتعطشين للعربية كانوا يقرأون ويحفظون نزار قباني، وتراهم في كثير من الفعاليات الضئيلة يتبادلون كتبه، لاسيما العشاق منهم.
هذا بالنسبة لي وللأهواز، أما عن نزار قباني في إيران فهو أول شاعر عربي يمكن أن يذكره الإيرانيون حال ما يذكَر اسم الشعر العربي المعاصر هو «نزار قباني»؛ وقد انتشرت قصائده على نطاق واسع، ويتداول شعره اليوم في كثير من المواقع الإلكترونية الأدبية منها والرومنسية وما يتعلق منها بكتابة المذكرات والهموم اليومية، وإلخ.
قد يعود ذلك إلى كثير من الكتب التي صدرت مترجمة لشعره في إيران، ما لم يحدث لأي شاعر عربي آخر، حديثا أم قديما. ويمكن إرجاع الأمر هذا إلى وجدانية شعر نزار قباني العالية، مضامين الحب الحديثة، ولغته البسيطة التي قد لا تحتاج أحيانا إلى إلمام واسع باللغة العربية، ولابد من الذكر أن الترجمات التي نشرت لنزار قباني في الفارسية، لم تتم كلها عن العربية، بل هناك الكثير منها تم عن الإنكليزية. فعلى سبيل المثال، ما ترجمه «يغما كُلروئي»، أو ما تم بعناية المترجم والكاتب «أحمد بوري» لنزار قباني والذي لقي إقبالا كبيرا في إيران، لاسيما المختارات التي صدرت في التسعينيات تحت عنوان «در بندر آبي جشمانت» (في مرفأ عينيك الأزرق)، كان عن الإنكليزية، إلا أنه وفی الكتاب الذي ضم كثيرا من قصائد الحب لنزار قباني، وصدر عن دار نشر «نِكاه»، سنة 2014 تحت عنوان «الحب بصوت مرتفع» اعتمد المراجعة والتدقيق مع النص العربي، وقد قمتُ شخصيا بذلك، لتفادي الأخطاء التي كان يمكن أن تظهر في الترجمة عن لغة ثالثة هي الإنكليزية.
ولابد من الإشارة أيضا إلى أن القراء والنقاد والمترجمين في إيران، أخذوا في السنوات الأخيرة يتساءلون ما إذا كانت الترجمات التي تصدر أو حتى التي صدرت من قبل، هي ترجمات أمينة أو أقرب إلى النص الأصلي، أم لا؛ وهذا أمر لم يكن موضع اهتمام من قبل، سواء في الترجمات من العربية أم الإنكليزية والفرنسية ولغات الأخرى.
أضافة إلى الكتب المذكورة في المقال، صدرت لنزار عام 2015 مختارات من قصائد الحب تحت عنوان «حبنا يمشي على الماء» والترجمه عن الإنكليزية لـ»مجتبى بور محسن ومِهرناز زاوِيه» بعناية دار نشر «مُرواريد»؛ وصدر عام 2016 کتاب «مئة قصيدة حب» ترجمه «رضا عامري» وهذه المرة عن العربية وبعناية دار «جشمه» للنشر؛ ويصدر خلال الأيام القريبة المقبلة عن نفس الدار «الأوراق السرية لعاشق قرمطي» بترجمة «رضا أنصاري راد»، وقد ترجمه عن العربية أيضا. وقد يكون الكتاب الوحيد الذي ترجم وضم نخبة من الشعر السياسي لنزار قباني في إيران هو كتاب «چه کسی معلم تاریخ را کُشت؟» (من قتل مدرّس التاريخ؟) وقد ترجمه «مهدي سَرحَدّي» وصدر عام 2007، عن دار نشر «كِليدَر» بالنصين العربي والفارسي.