نزار‭ ‬قباني‭ ‬لي‭ ‬وللإيرانيين

الثلاثاء 2018/05/01

كانت التسعينيات،‭ ‬ربما‭ ‬نهايات‭ ‬1997،‭ ‬كنتُ‭ ‬بدأت‭ ‬قراءة‭ ‬النصوص‭ ‬والكتب‭ ‬بالعربية،‭ ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬أحفظ‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭ ‬جديدة،‭ ‬أتعلم‭ ‬استخدامها‭ ‬وأفكر‭ ‬أنني‭ ‬سوف‭ ‬أكتب‭ ‬الشعر‭ ‬والنثر‭ ‬بالعربية،‭ ‬وقد‭ ‬تفيدني‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭.‬

كان‭ ‬أخي‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬دور‭ ‬العراب‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬ويهتم‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بي،‭ ‬ويشجعني‭. ‬يكتب‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬بالعربية،‭ ‬ومكتبته‭ ‬الصغيرة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬العربية،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬بمثابة‭ ‬كنز‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الأهواز‭ ‬البعيدة‭ ‬التي‭ ‬تشحّ‭ ‬فيها‭ ‬الكتب‭ ‬العربية‭. ‬تعرفتُ‭ ‬عبر‭ ‬أخي‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬قرأته،‭ ‬ولسهولة‭ ‬نصوصه‭ ‬واصلت‭ ‬قراءته‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬وشعراء‭ ‬عرب‭ ‬آخرين،‭ ‬كانت‭ ‬غالبيتهم‭ ‬شعراء‭ ‬فلسطينيين‭. ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬أخي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حب،‭ ‬وأنا‭ ‬أتعاطف‭ ‬معه‭ ‬بكل‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬وجودي‭. ‬أقرأ‭ ‬شعره،‭ ‬وحين‭ ‬أقرأ‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬أضع‭ ‬نفسي‭ ‬محلّه،‭ ‬وأشعر‭ ‬بحبّه‭.‬

بعد‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬عامين‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬الشعر‭ ‬بالعربية،‭ ‬أشارك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الندوات‭ ‬والأمسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأهواز،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬إثر‭ ‬بعض‭ ‬الحريات‭ ‬التي‭ ‬أتيحت‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسة‭ ‬‮«‬خاتمي‮»‬‭. ‬بدأت‭ ‬حتى‭ ‬أترجم‭ ‬بعض‭ ‬نصوصه‭ ‬إلى‭ ‬الفارسية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنشرها‭. ‬أخي‭ ‬يشتري‭ ‬لي‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬له،‭ ‬الحب،‭ ‬وتشجيعه‭ ‬لي‭ ‬يعزّز‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬كنت‭ ‬أقرأها‭. ‬يسخر‭ ‬بلطف‭ ‬من‭ ‬متابعتي‭ ‬للأدب‭ ‬والموسيقى‭ ‬الفارسيين،‭ ‬وحبّي‭ ‬له‭ ‬يزرع‭ ‬فيّ‭ ‬الأدب‭ ‬والموسيقى‭ ‬العربيين‭. ‬يسمعني‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬غنّيت‭ ‬لنزار‭ ‬قباني،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يكتب‭ ‬لي‭ ‬نصوصها‭. ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬وحدي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الأهواز؛‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المولعين‭ ‬والمتعطشين‭ ‬للعربية‭ ‬كانوا‭ ‬يقرأون‭ ‬ويحفظون‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬وتراهم‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬الضئيلة‭ ‬يتبادلون‭ ‬كتبه،‭ ‬لاسيما‭ ‬العشاق‭ ‬منهم‭.‬

هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬وللأهواز،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬شاعر‭ ‬عربي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يذكره‭ ‬الإيرانيون‭ ‬حال‭ ‬ما‭ ‬يذكَر‭ ‬اسم‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬‮«‬نزار‭ ‬قباني‮»‬؛‭ ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬قصائده‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬ويتداول‭ ‬شعره‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الأدبية‭ ‬منها‭ ‬والرومنسية‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بكتابة‭ ‬المذكرات‭ ‬والهموم‭ ‬اليومية،‭ ‬وإلخ‭.‬

قد‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬مترجمة‭ ‬لشعره‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬لأي‭ ‬شاعر‭ ‬عربي‭ ‬آخر،‭ ‬حديثا‭ ‬أم‭ ‬قديما‭. ‬ويمكن‭ ‬إرجاع‭ ‬الأمر‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬وجدانية‭ ‬شعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬العالية،‭ ‬مضامين‭ ‬الحب‭ ‬الحديثة،‭ ‬ولغته‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬إلمام‭ ‬واسع‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬الذكر‭ ‬أن‭ ‬الترجمات‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬لنزار‭ ‬قباني‭ ‬في‭ ‬الفارسية،‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬كلها‭ ‬عن‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬تم‭ ‬عن‭ ‬الإنكليزية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ما‭ ‬ترجمه‭ ‬‮«‬يغما‭ ‬كُلروئي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بعناية‭ ‬المترجم‭ ‬والكاتب‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬بوري‮»‬‭ ‬لنزار‭ ‬قباني‭ ‬والذي‭ ‬لقي‭ ‬إقبالا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬لاسيما‭ ‬المختارات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬در‭ ‬بندر‭ ‬آبي‭ ‬جشمانت‮»‬‭ (‬في‭ ‬مرفأ‭ ‬عينيك‭ ‬الأزرق‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬الإنكليزية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وفی‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الحب‭ ‬لنزار‭ ‬قباني،‭ ‬وصدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬نِكاه‮»‬،‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬بصوت‭ ‬مرتفع‮»‬‭ ‬اعتمد‭ ‬المراجعة‭ ‬والتدقيق‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬قمتُ‭ ‬شخصيا‭ ‬بذلك،‭ ‬لتفادي‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬ثالثة‭ ‬هي‭ ‬الإنكليزية‭.‬

ولابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القراء‭ ‬والنقاد‭ ‬والمترجمين‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬أخذوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬يتساءلون‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الترجمات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬هي‭ ‬ترجمات‭ ‬أمينة‭ ‬أو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬الأصلي،‭ ‬أم‭ ‬لا؛‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موضع‭ ‬اهتمام‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الترجمات‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬أم‭ ‬الإنكليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬ولغات‭ ‬الأخرى‭.‬

أضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬المقال،‭ ‬صدرت‭ ‬لنزار‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬مختارات‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الحب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬حبنا‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬الماء‮»‬‭ ‬والترجمه‭ ‬عن‭ ‬الإنكليزية‭ ‬لـ»مجتبى‭ ‬بور‭ ‬محسن‭ ‬ومِهرناز‭ ‬زاوِيه‮»‬‭ ‬بعناية‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬مُرواريد»؛‭ ‬وصدر‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬کتاب‭ ‬‮«‬مئة‭ ‬قصيدة‭ ‬حب‮»‬‭ ‬ترجمه‭ ‬‮«‬رضا‭ ‬عامري‮»‬‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬وبعناية‭ ‬دار‭ ‬‮«‬جشمه‮»‬‭ ‬للنشر؛‭ ‬ويصدر‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القريبة‭ ‬المقبلة‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬الدار‭ ‬‮«‬الأوراق‭ ‬السرية‭ ‬لعاشق‭ ‬قرمطي‮»‬‭ ‬بترجمة‭ ‬‮«‬رضا‭ ‬أنصاري‭ ‬راد‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬ترجمه‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬أيضا‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الكتاب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬ترجم‭ ‬وضم‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬السياسي‭ ‬لنزار‭ ‬قباني‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬چه‭ ‬کسی‭ ‬معلم‭ ‬تاریخ‭ ‬را‭ ‬کُشت؟‮»‬‭ (‬من‭ ‬قتل‭ ‬مدرّس‭ ‬التاريخ؟‭) ‬وقد‭ ‬ترجمه‭ ‬‮«‬مهدي‭ ‬سَرحَدّي‮»‬‭ ‬وصدر‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬كِليدَر‮»‬‭ ‬بالنصين‭ ‬العربي‭ ‬والفارسي‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.