نكتب بخيط الدّم

الجمعة 2016/04/01

في لحظات الظلام، يمتلك الكاتب عيني قط تتفرس الأمكنة بوضوح، فيرصد من بين مساحات العتمة كل طلقة تمرّ وكل قذيفة تتشظى، وكل روح في لحظة ارتقاء للسماء.

على حين بغتة، يتحوّل الكاتب إلى بحة ناي شجية تنعي الذين رحلوا، ويحاول بورق الكتابة أن يمسح عن جبين الحياة تعبها. هذا من الناحية الوجدانية، أما من الناحية الواقعية، ينقسم الكتّاب إلى صفّين، أحدهما يقف مع القاتل، والآخر مع الضحية. لذلك فالكاتب في “لحظات الدّم” التي وصفتها، إما أن يكون زنادًا وإما ضمادًا.

في السابق، كان أدب الحرب يظهر متأخرًا، بينما اليوم فالكاتب يواكب الحدث لحظة بلحظة، كنّا نرى أفلامًا ونقرأ أعمالًا أدبية عن الحربين العالميتين بعد سنوات مديدة، أما اليوم، فإنك ترى الأحداث على شاشات التلفزة وتقرؤها في الكتب ومواقع التواصل الاجتماعي وهي ما زالت تجري، فماذا يعني ذلك؟

يعني أن الكاتب لن يتمكّن من الكذب على الجمهور في حال أراد توثيق “لحظات الدّم”، لأنّ الشهود ما زالوا أحياء، لذلك فهو هنا لا يكتب فقط ضميره، بل يكتب تاريخه شخصيًا، لأن الجمهور سوف يحاكمه “ميدانيًا”، وليس غيابيًا كما في السابق.

كتبتُ عن “لحظات الدّم” روايتين خلال خمس سنوات من الأحداث في سوريا، هذا ليس كثيرًا، فمساحة الدّم أوسع بكثير من أن ترصدها بعملين، أصبحت المساحة شاسعة لا تسبرها عينا زرقاء اليمامة.

نحن نكتب بخيط الدّم. إنه حمل ثقيل لا نعرف نتيجته، لأنك لا تعرف من سوف ينتقم منك: الجلاد، الضحية، الأيادي الخفية. ولكنّك في النهاية لا بد أن تكتب، مطلوب منك بحكم تورّطك في الكتابة أن تكمل رسالتك حتى آخر سطر في حياتك، وإن لم تكن كذلك، فغير جدير بك أن تضغط على حروف الكتابة حتى وإن أردت أن تصف ضفيرة حبيبتك لاحقًا، فهذا لم يعد من حقك لأنك لم تكتب عن “لحظات الدّم”.

أنا ضد مقولة الاستبداد الدّيني، والمصطلح الأقرب للواقع هو استبداد متدينين مغالين ومتشدّدين، أعتقد أن الأنبياء كانوا أكثر انفتاحًا من بعض الذين اتبعوهم لاحقًا، هناك من يتشدّد في تعاليم متسامحة جاءت بها الأديان.

وكذلك مصطلح الاستبداد السّياسي، فهناك أنظمة ديمقراطية مع شعوبها وإن كان بشكل نسبي، ولكن تحكمها مؤسسات مجتمع مدني بالنهاية وانتخابات حرة وليست مستبدة بالمفهوم المطلق.

بكل الأحوال، فالكاتب في “لحظات الدّم” وفي ظل “الاستبداد”، يكتب نفسه هو، إما شاهدًا أمينًا وإما خائنًا.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.