نَدَمُ سُقْراط

أنشودات ومرثيات
الاثنين 2021/03/01
تخطيطات: أنس سلامة

فتيانٌ دمشقيون في نزهة

 

شَجَرَةٌ تلك، أَمْ سَرابٌ يتمرأَى في شَجَرَةٍ،

بَلغنا الحافَّةَ ورَأَينا لِسَانَ الهَاويةَ

فلنعط أَيدينا، لعلَّنا نعودُ بقربة الماءِ، أو بفاكهةِ صَيْفٍ في صِحافٍ.

 

هضبةٌ وراءَ هضبةٍ

وأَقْدامُنا الغائِصةُ في لاهِبِ الرَّملِ سَرابٌ يَلْهو بسَرابٍ.

 

ارتوينا من عطشٍ، ووتَّرْنا الأقواس..

وها سَهْمُ الفِكْرَةِ يَلْهَثُ

ويسبقُ

ويَطْلُبُ الأَسْوار.

 

هلْ نَحْنُ جنودٌ في نُزْهَةٍ،

أَمْ منشدونَ عميٌ في جوقةٍ تائهةٍ بَعْدَ مقتلةٍ في خلاءٍ؟

 

فُتِحَت البواباتُ وهُرِعَ شُبَّانُ، في إثرهم صَبايا مكحَّلاتِ العُيُونِ طائشاتٍ كالمَناديلِ

السَّنابِلُ تَتَطاوَلُ والشَّمْسُ تَلْمَعُ على أَسِنَّةِ الحِرابِ.

اليومَ نذهبُ إلى الحَقْلِ، ولنْ نَجِدَ أَرْضَ المَعْرَكَةِ،

لا نِبالَ، ولا أَقْوَاسَ،

لا حِرابَ،

ولا طَعَنَاتْ.

تَرَكْنا السِّيوفَ في الخَزَائِن،

والدُّرُوع التي كَتَبَتِ القَصَصَ تَرَكْنَاها في الظِّلالِ..

 

الترابُ غَيّبَ الحِرابَ المَكْسُورَةَ في الأَعْنَاقِ،

والجريحُ الذي تَقَلّبَ قُرْبَ مَصْرَعِهِ، مَرّ على جَبْهَتِهِ هَواءُ الأَصِيْلِ، ولَمْ يَكُنْ في صَدْرِهِ أَثَرٌ مِنْ طَعْنَةٍ.

 

أَحُلُمٌ ما أَرَاهُ؟ قالَ المُسَافِرُ للطَّريقِ، وقَدْ طَالَتْ وقَصُرَت.

وطالَتْ

وقَصُرَت،

قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ السَّرابُ ويَفْتَحَ لهُ الأَبْوابَ.

***

البَنَاتُ الَّلواتي تَشَبَّثْنَ بدُرُوعِنا وأَجْهَشْنَ عِنْدَ البواباتِ،

ومَيَّزْنَ مِنْ وراء الأَسوارِ صُراخَ الهالكينَ مِنْ صَيْحَاتِ النَّاجِينَ،

وصَلْنَ إِلى الحَقْلِ بخُوانِ الخُبْزِ وجِرارِ المَاءِ،

ووجَدْنَ المِعْوَلَ في جِوارِ الشَّجَرَةِ..

والهواءَ مسترخياً في الظلِّ.

 

كيفَ أُفَسِّرُ، إِذَنْ، ذلكَ الجُرْحَ الذي يَنْزِفُ في قَصِيدَتي؟

***

أَخْطو وأَخَالُ أَنَّنا لَمْ نَكُنْ هُنا يَوْماً

وهذهِ الكُسُورُ في الأضْلاعِ،

والشَّمْسُ التي اْسّوَدَّتْ في دَمِنَا، ويَبِسَتْ على أَرْضِ المَقْتَلَةِ،

لَمْ تَكُنْ سِوى سَطْرٍ في حِكايةٍ رُويتْ على فِتْيَةٍ اضطجعوا في ظلالِ شَجَرَةٍ على الطَّرِيق..

سَطْرٌ هارِبٌ مِنْ صَيْفٍ مُفْعَمٍ بهَوَاءِ سَمَرٍ في صَيْف.

 

مَشَيْنا النَّهاراتِ، وخَطَونا الَّلياليَ طالبينَ دِمَشْقَ التي تَرَكْنا في الأَصْيافِ.

 

القصيدة والشاعر

لوحة لأنس سلامة
لوحة لأنس سلامة

هَلْ كُنْتُ طوالَ الوقت أَتَلَصَّصُ على حياتي

أَمْ كُنْتُ أَخرجُ إلى خلاءٍ لأصطادَ الحكاياتِ،

ولِأَرْوي

لِقُرَّاءٍ يافِعينَ ما كنتُ أخافُ أن أَرْوِي لنفسي في عتمةِ البيتِ؟

ومن ثم، بَعْدَ عَطَشِ الهاجِرَةِ وشَرْبَةِ الماءِ

بَعْدَ خُطْوَةٍ في الرَّمْلِ وأُخرَى في المدينةِ المتلألئةِ عن بُعْد

 أَعْثُرُ على المِرْآة

وأتوارى في غَيَابِةِ البِئْر

في انتظارِ أن أَروي لِمَنْ سوفَ يرميه في جِواري سيَّارةٌ ماكِرون.

 

كُلُّ ما في جُعْبَتي، أَنا المُسافرُ في لَهَبِ الصَّحْراء

حِكاياتٌ عن وقائعَ ما كانَ لها أَنْ تَحْدُثَ

لولا أَنَّ في جِواريَ، الآنَ، فَتى خَرَجَ بِهِ إخْوَتُهُ في نُزْهَةٍ

وَرَمَوْهُ

في

جِواري..

أقاصيصُ عن حصونٍ وقلاعٍ وأسوارٍ تراءتْ لعيني المشتعلتين

وتوارت خَطفاً وراء سَرابٍ ضاحِك.

 

رؤىٌ مجنونةٌ، وشريطٌ هاربٌ عن وقائعَ هاربةٍ،

ولا أحدَ في جِواري..

لا أحدَ في هذا القاعِ سوى صدىً يتردَّدُ أصواتاً مبهمة.

 

والآنَ،

أَيُّها الفَتى الجَميلُ الجالسُ في جَواري كَيف مَكَّنْتَني من أنْ أسوقكَ إلى هذا المصير

لأكونَ الصَائِغَ النَّائمَ

وتكونَ أَنْتَ الشَّاعر الذي كَتَبَ القَصيدة.

 

نَدَمُ سُقْراط

لوحة لأنس سلامة
لوحة لأنس سلامة

وماذا لو ارتَجَّتْ خَمْرةٌ،

ولمْ يَكُنْ هُناكَ سُمٌّ

في كأْسٍ..

هَلْ كانَ الفلاسفةُ سيُبْدِلونَ بكلماتي كلماتٍ أُخرى،

هَلْ كُنْتُ لأكونَ شَخصاً آخرَ؟

***

كلُّ مَنْ كان في القاعةِ كان يُريدني أَنْ أَرْفَعَ الكَأْسَ وأُدنيها مِنْ شَفتيَّ

وماذا عني؟ عن زوجي؟ عن ابْنتي؟ عن الهواءِ اللاعبِ بأُصُصِ الزَّرْعِ في شُرْفَتي الشّرقيّة،

وعَنْ عبدي اللطيفِ الذي اقتنيتُه مُؤخراً ليُفْلِحَ معي البُستانِ؟

 

أَمَا كانَ خَيراً ليَ أَنْ أُبعدَ عنّي تلكَ الكأْسَ؟

أَنْ لا أَتَجَرَّعَ، أَبَداً، ذلكَ البَريق

لأَتَحَوَّلَ إِلى أُمْثُولةٍ يتبادلُها سِكِّيرانِ في حانةٍ

على مَسامعَ بنتِ ليلٍ انطفأَتْ في جوارِ جُندي أَغْمَضَ على ثُمالةٍ في كأْس.

***

هل كان الأمر يستحق كل هذه الدراما؟

أَنْ أَقِفَ في القاعَةِ بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الوجَهاءُ

وأَتَأَمَّلَ جُثَّةَ الفيلسوفِ الذي تَجَرَّع الشوكَران،

وقَدْ أَسْلَمَ الرُّوُحَ على رُكْبَةِ مُهَرِّجٍ فَقَدَ مَرَحَهُ، وحانُوْتيٍّ يُثَرْثِرُ.

***

المنافِقونَ الَّذِينَ رَفَعوا كأْسيَ شَعَروا بالفَخْر وهُمُ يَرَوْنَني أَتَلَوّى كالأفعى وأَهوي كحمارِ الوَحش.

لمْ يَكُن في كأْسِ أَيٍّ منهمُ شَيءٌ ممّا لَمَعَ في كأْسِيَ،

وهُمُ على الأَرْجَحِ

لمْ يؤْتَوا مِنَ النَّباهَةِ

ولا حَتَّى قَطْرَةٍ

ولكنهم دَوّنوا في صَحَائِفِهِمُ من شَطَحاتِيَ ما دَوَّنوا

وردَّدوا كلماتيَ بفصاحةِ العارف!

وقَبْلَ نُزُولِ الشَّمْسِ في جُرابِ المُتَسَوِّلِ

خَفّوا إِلى بيوتٍ ازْدَهَتْ بزوجاتٍ ماهراتٍ في رَوْزِ إِلْيَةِ الخَرُوفِ، وتَقْطِيعِ طِحالِ البَقَرَةِ.

***

وماذا لوْ أَنّني عَبَرْتُ القَنْطَرَةَ في يَومِ الشَّوكَران، ولم أَبْلُغِ المَوْعِدَ لأُجادِلَ هؤلاءِ الحَمْقَى،

على مَرْأَى مِنْ سَفْسَطائيين مَغْرُورِين،

أُقْسِم، يا أريستفانيس برأْسِكَ الكَرنفالي،

وبديوتِيما التي أَلهمتني كُلَّ ما عرفتُ عن الحُبِّ، وأُخْتِها آسبازيا التي علَّمَتْنيَ نهجَ البلاغة،

لَكَانَ أَوَّل شيءٍ أَفْعَله قبلَ أَنْ أَعُودَ حيّاً إِلى البَيْت،

أَنْ أُفاجِئكَ وأُعَرِّج على الحَمَّامِ، لأَغْتَسِلَ مِنْ قَذارَةِ المَدِينةِ، ومِنْ كُلِّ ما عَرَفْتُ،

وأَملأَ خياشمي برائِحَةِ الصَّابونِ وبخارِ الوُجُودِ.

***

هَلْ يُمْكن لشَخْصٍ مِثْلي ضَرَبَ فَأسْاً وأَنْطَقَ الصَّخْرَةَ كَلِمَاتِ القَدر أَنْ يَمُطَّ شَفَتَيهِ ويُجيب القُضاةَ: اتْركوني أُفكر؟

فقط لأَنَّ شاعِراً شاءَ أَنْ يَقلِبَ الفِكْرَةَ رأْساً على عَقب،

ليفوزَ بقصيدة؟

***

إنما الآنَ، أَعْني وأنا أَهوي مِنْ حَالقٍ، وأَرى الأَرْضَ تَكْبُرُ وهَلَعي يَبْلُغُ تُرقوتي،

بِمَ يُفيدني أَنْ أَعْرِفَ، اليومَ، أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وقتٍ مضى، أَنَّ كلَّ ما عَرَفْتُ أَنَّني لا أَعْرِفُ؟

***

أما كانَ يَجْدُرُ بي، يا بريكليس أَنْ أملأ أُذُنيّ بالشَّمْع ولا أَسْمَعَ الكَلِماتِ المَعْسولَةَ للهاويَةِ

فأُفتتنَ،

وأَمضي إلى المحكمة لأُبهج بمصيري هؤلاء الحمقى..!

أما كان أَجْدَرَ بي أَنْ أَتَلَفَّتَ وأَهْتُفَ: حقاً، إِنّ الحِكْمَةَ لا تُؤْخَذ إِلا مِنْ فَمِ المَجْنُون

لأَنَّ الحِمارَ الحَيَّ، كما تأكّد ليَ دائماً، وهذهِ المَرَّة أَيْضاً، خير من فيلسوفٍ مَيْت.

***

سيَشْهَقُ الفلاسفةُ من هول المفاجأة، ويَهُزُّونَ رؤوسَهُمُ بشيءٍ مِنَ القَلَق!

لكنَّ الحاكمَ سيمتدحُ فِطْنَتي الأَثينية،

والأَهَمُّ مِنْ هذا وذَاكَ

أنني..

بَعْدَ عَشْرِ دَقَائِقَ مِنْ فَرْقِ الرِّوايةِ،

سأُهْرَعُ إِلى بَيْتي في عَرَبَةٍ مَرِحَةٍ يَجُرُّها حِصانٌ جَذْلانُ،

 لأَجِدَ المَرْأَةَ راضِيَةً

والخَادمَ سعيداً.

***

أمَّا وقَد فَرَغَتِ الكأْسُ، وكَتَبَ الشَّاعِرُ قَصيدَتَهُ،

فلأَتَقَدَّمْ خُطْوَةً في الأَرْضِ العَذْرَاء،

ولأَصْعَدَنَّ، مَرَّةً أُخْرى، بقدمَينِ خَفِيفَتَيْنِ ومُنَمَّلَتَينِ إلى الأُوكْروبول

ومَعي المِطْرَقَةُ والِإزْميل

لأَنْحَتَ مِنْ غَيْرِ ما نَدَمٍ وجُوهَ رَبَّاتِ القَدَرْ.

 

كريتو،

كريتو،

لا تَنْسْ أَنْ تُرْسِلَ الدِّيكَ لأَسكليبوس!

 

نشيد آموري

لوحة لأنس سلامة
لوحة لأنس سلامة

لو عرفتُ أنا آموري

أَنَّ مَصيري أَنْ أقِفَ على صَخْرَةٍ

وأَنْظُرَ الخليقَة التّائهةَ

هذه،

لربطتُ نوحًا إلى الصَّاري

وحَشَوْتُ أُذُنَيه بالخَشَبِ.

العاصفةُ تَأْكُلُ السَّفينَ، والبَحْرُ يَلْتَهِمُ السَّماءَ

ولو عَرَفْتُ، أَنَّني سأَقِفُ،

أنا الملَّاحُ العَرِيقُ

وأنظر ألسنةَ القاعِ تلتهم العُلَى

لَمَا رَجوتُ الله، أن يُرسِلَ ذلكَ الطَّائِرَ.

***

ولأنني أنا آموري نَزِيلُ قطعةِ ليلٍ، أسيرُ قلعةٍ في جزيرة

سأرمي بجسدي ورائي مثل ملابس خَلِقَةٍ

وأخرجُ،

أنا صُورَتُه الممزَّقَةُ،

وهو المندوبُ السامعُ، رجلُ ما قَبْلَ الطوفان

والقبضةُ التي وَجَّهتِ السفينَ إلى جبلِ قاسيونْ.

 

أنشودة قدموس

 

لوحة لأنس سلامة
لوحة لأنس سلامة

 

أَقِفُ في المِرآةِ وأُوَدِّعُ نَفْسي

وقَبْلَ أَنْ أَتَوارى،

قَبْلَ أَنْ أَرَى نَفْسي وهي تَتَلَفَّتُ وتَسْأَل:

هل أَنْتِ أَنا وأَنا لا أَحَد؟

مَنْ مِنَّا ذَهَبَ أَبْعَدَ، مَنْ مِنّا تَكَسَّرَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَب أَبْعَدَ؟

 

هَوَى

وتَكَسَّرَ

وصَارَ شُعَاعاً!

 

مَنْ مِنَّا رأَى صُورَتَهُ ومَرْقَدَهُ في جِنَانٍ مُعَلَّقَةٍ؟

***

قَطْرَةٌ نافِرَةٌ على سَطْحٍ زائِغٍ، كانَ قاربي،

لكنَّ الضَّوْءَ فَضَحَني

وها أَنا في عَيْنِ العاصِفَةِ.

ونَسْليَ الذي نَجَوْتُ بِهِ مِنْ إِرَم المُحْتَرِقَة،

نسليَ الذي ضَرَبْتُ به الآفاقَ،

حُطامُ

مَرَاكِبَ

في لُجَجٍ عَمْيَاء،

فتيانٌ طافوا على زَبَدٍ وفَتَيَاتٌ صِرْنَ عَرَائِسَ للأَمْواجِ.

 

نظرةٌ عن بُعْدٍ

لوحة لأنس سلامة
لوحة لأنس سلامة

يا دودةً، خضراءَ، ريانةً، وَجَسَدُكِ المُنْزَلِقُ على ترابٍ أَسْوَد

حلقاتٍ،

حلقاتٍ،

بينما الشَّمْسُ الخفيفةُ تُنَزِّهُ أقدامَنا في ممرَّاتٍ ظَلِيلَة،

والحُرُوفُ، في المَمَرّات، تُمَرِّنُ الصَّامتَ عَلَى الصَّمْت.

العَابرُ في الظِّلالِ يُطْرِقُ ويُعَايِنُ في قاعِ السَّكِينة صورةً ترتجّ

أهِي وجوهنا الغاربةُ أَمْ هي سيقانُنَا المقوَّسَةُ، تتخطَّفُ في أنحاء البيت،

وتتركُ الجِوَارَ يَشْهَق،

والظِّلالَ تتفرَّق؟

***

الفكرةُ تتمطَّى والكلماتُ تؤجِّلُ المعنى،

يَدُكَ المَشْلولُة تُشْرِعُ النَّافِذةَ،

يُطِلُّ وجهٌ بعصابة في الجبينِ، أَهِي أُمِّي أَمْ عَرَّافَةٌ تُشبهها؟

مَنْ ذا يَرجع بالصَّوْتِ في إناءٍ،

 والحَرَكَةِ في إناء،

والكَلِمَاتِ في إناء؟

أَيّ سقطةٍ في هاويةٍ تُعيدُ إلى المَلاكِ أَجنحتَهُ المكسورةَ

وإِلى المَحْجِرِ الفارغِ نظرتَهُ الهاربَة!.

 

أنشودةُ إخناتون

 

حفاؤكِ طَمْيٌ، وخَصْرُكِ المسافرُ في الضَّوْءِ

خَصْرُكِ في الصُّوَرِ

نِيْلٌ

يَفْلقُ الأُنْشُودَةَ

ويَنْزِلُ

مِنَ السَّماء.

 

وبَيْنَما الغُزاةُ يَصْعَدُونَ ليفوزوا بالبُحَيْرَةِ،

الأَبَدِيَّةُ طَمْيٌ..

وفي هُتَافِ النُّوتيِّ للنَّهرِ قَدَمُكِ الشَّمْسُ تَتَلأْلأُ في زَوْرَقٍ.

***

أَنامُ وأسْتَيْقِظُ في فُؤَادِكِ،

وأَنامُ لأَكُونَ فِكْرَةً

لَيْسَ

إِلَّا

ضَمِيراً مُمَزَّقاً، ويَدَاكِ تَجْمَعانِ.

 

الشَّلالُ الأَولُ والشَّلالُ السادسُ، المَعْرَكَةُ المُسْتَحِيلَة،

جَرَّةُ الماءِ المَسْفُوحَةُ عندَ يَدِ إسماعيلَ في الخَيْمَةِ المُشْتَعِلَةِ.،

الأختُ الهاربةُ من البيتِ المُحْتَرِق،

الأمُّ الدَّفِينةُ تحتَ العَتَبَة،

القَدمُ، مَرّةً أُخْرَى، في الزَّوْرَقِ،

المَاءُ المُسْرِعُ والمَاءُ السَّاكِّتُ، الشُّعَاعُ الهَارِبُ على المَاء.

***

أَعِرفُ أَيْنَ تَتَوارى التَّماسِيحُ الصغيرة في النَّهْر،

لكن كيفَ لي أَنْ أعْرِفَ أَيْنَ هي قَدَمُ الإِسْكَنْدَر؟

***

نِيْلٌ يَنْزِلُ إلى الأَرْضِ صُحْبَةَ السَّمَاءِ

والصِّبْيَةُ يُهْرَعُونَ بالأَجْرانِ ومَعهم الحِنّاءُ وأَلْواحُ الكِتابَةِ.

 

-مَنْ أَنْتَ، مَنْ أَنْتَ، مَنْ أَنْتَ؟

– نَوْمُ مَنْ نامَ، وكانَ حَبِيبي

قَمَرٌ لَهُ قامَةُ نَهرٍ شَقَّتْهُ في الضُّحَى يَدُ العَرُوسِ،

وفي المَسَاءِ صارَ سَريراً.

 

آيةُ الماءِ أَنا، ولي في كُلِّ ضَرْبَةِ مجذافٍ شَمْسٌ تَشْتَعِلُ، ومَرَاكِبُ في الشَّمْسِ.

 

تَعُودُ الزَّوارقُ مِنْ لُجَّةِ اليَمِّ عَطْشى

وفي العَصْرِ يبتهجُ الزَّبَد.

مَنْ أَنْتَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْكِباً للفِتْيَةِ الرّاجِعينَ من الألعابِ السَّنويةِ، مَحْفُوفِينَ بحُقُولِ القُطْنِ ومُسْتَنْقَعَاتِ القَصَبِ، صِبْيانُ الجُرْنِ والدَّواةِ في نُزْهَةِ المَلكِ، المُكَلَّليِنَ بغارٍ مَجْلُوبٍ مِنْ دِمَشْقَ، وفي عُهدتهم بُردياتٌ على مِحَفّاتٍ مِنْ خَشَبِ الأَرْزِ جَلَبَها في خِفّةٍ فلاحونَ طاروا في نِعالٍ خِيْطَتْ من جِلْدِ الجاموسِ، عَبْرَ حُقُولٍ فَلَحَتْها سِياطُ الشمس.

 

نِيْلٌ يَراني عابراً في غَيْمَةٍ

نِيْلٌ يَراكَ معي.

نِيْلٌ يُنَزِّهُ نَفْسَهُ في عَيْنِ مَنْ رأَتْ.

 

-من أَنْتِ؟ من أَنْتِ؟

قالَ الغصنُ الطّائِشُ للنسمةِ الهاربةِ

-أنا البنتُ المخطوفةُ من وراءِ شجرةٍ، البنتُ الدفينةُ في الصُّوَر.

لندن 2020-2021

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.