هامش النص بين التنقيب والمصداق
يعد الهامش من عوامل الثقة بما يحتويه النص الأدبي من امتيازات الإقناع والثقة، في ما تمت الاستعانة به في حيثيات الفكرة، مثلما يعد واحدًا من مكملّات ما يمكن أن يمنحه للاستدلال على ما يمكن أن يضيفه من معلوماتٍ، قد تنفع المتلقّي في تنويهه على نصٍّ آخر، قد يستكمل المعلومات المهمّة المرتبطة بما قرأه في النص الذي يتلقّاه، فيحصد كميّةً أخرى من الاستفادة، مثلما يعد حلقة وصلٍ بين الثقة بالتدوين والسرقة لأفكار الآخرين، لأن الهامش هو المرآة الأخرى للنصّ، حيث يتواجد كنصّ آخر لا يمكن أن يتواجد في المتن الأصلي للرسالة، وهو بهذا يأخذ دور المنقّب مثلما يأخذ دور الواجهة الأخرى لمعنى النصّ، بما لا يمكن أن يتوافر فيه من معلومات إلّا في الهامش.
ويمكن القول أيضا إن الهامش قد يكون مفيدًا لو كان يحمل فكرةً جديدةً، وليس معلومةً تأتي من خارج سياق النصّ، ليؤكّد على توضيح المرجعية لما تم اقتباسه، وبالتالي لا يحمل سوى توضيح مصداق التوضيح.
ولو تأمّلنا قول جميل صليبا عن الهامش بقوله بأنه “المستبعد عن المركز والمقصى عن الهيمنة سواء كان فكرا أم جسدا”، ولأنه مستبعد فإن ترتيبه ليكون مرقّمًا، ومن ثم البحث عنه أو ترك متابعة ما يحمله النصّ الأصلي للتدقيق في الهامش الذي لا ينفع المتلقّي، لأنه قد لا يكون قد اطّلع على جميع المصادر الذي يذكرها النصّ وخاصة في الكتب الأكاديمية أو الدراسات أو الكتب المختصة وحتى البحوث، فتضيع عليه لحظة التأمّل وبالتالي سيكون أمام حالة إعادة برمجة المتابعة.
ثم إن المتلقّي غير معنيٍّ بكلّ هذه المصادر في الهوامش خاصة وأن الهامش بالنسبة إلى المتلقّي يأخذ بعدًا تفسيريًّا آخر، لأنه بالنسبة إليه هو خارج المركز وإن كان ذا أهمية كما تقول ليندا دافيدوف.
أو كما تقول غزلان هاشمي في كتابها “تعالقات النص وانفراط الهوية” بأنه “كل متروك ومهمل ومسكوت عنه وقابع على حواف التحقير”، ورغم تأكيد الهامش في المنظور القرائي على أنه مؤثّرٌ، لكنه في المنظور الاطّلاعي والتلقّي العام لا يكون إلّا في الكشف عما هو مهمٌ ومترابطٌ في ماهية الهامش، وتلك الأرقام التي تحتشد فيها بهدف التعريف بالمصادر والهامش رسالة أخرى تسكن في آخر النص.
وقد يجعل المؤلّف هامشه أسفل الصفحة أو يجعله في آخر الفصل أو في آخر الكتاب، وقد لا يكون هناك هامش في النصّ الصحفي ولكنه موجود في نصّ الكتاب بغضّ النظر عن جنسه.
لكن من جهةٍ أخرى أصبح الهامش واحدًا من الآثار السلبية للمتلقّي الذي يريد أن يفهم النصّ بما يحتويه من مقاصد ومغزى، ولا يفهم المصادر بتلك الطريقة التي يتم فيها إغراق النصّ، وكأن على المنتج/المؤلّف مثلا أن يقنع الآخرين أنه قرأ كلّ هذه الكتب لتكون له هامشًا. وكان عليه ضمن تدوين النصّ خارج الدرس الأكاديمي أن يلجأ إلى اختصار واقتصاد الهوامش، لكي لا يؤثّر على منطقية التسلسل ولا يقطع متابعة الفكرة وملاحقة القصدية وبناء التأويل.
بل إن هناك معلوماتٍ ما يمكن وضعها مع المتن لضمان ملاحقة النصّ، وفي نفس الوقت معرفة من قال ما تم وضعه بين قوسين.
إن الهامش لا يكون مهما في كلّ الأحوال للمتلقّي كونه لا يخدم النصّ في استخلاص مقاصده ومعانيه وتأويلاته، خاصة وأن المتقّي يزرع الثقة بالمنتج، من أن ما كتبه في النصّ يحمل مصداق البحث، مثلما يحمل رؤيةً جديدةً يبحث عنها فضلا عن إمكانية أن الحاصد سيكون مهما، من خلال ما يحمله النصّ من أدوات ترابطية بين المحتوى والمغزى وبين الرؤية والاستخلاص وبين الهوية وتوابعها وبين المرامي والغايات، وكذلك بين صدق التعبير وما حمله من تناصّ مع نصوصٍ أخرى، أو أنه استل مقتبسات واعتمد على مقولات آخرين ذكر أسماءهم في النصّ أو جعل تلك الأقوال بين قوسين لأن الثقة أساس المقبولية في النصّ، وما عداها فإن الهامش لن يكون مفيدًا أو حاملًا لشفاعة المقبولية، إن كان حاملا لأكاذيب المنتج أو الغايات غير السوية أو الأساليب الملتوية أو حتى التزوير في المعلومات.
بمعنى أن الهامش قد لا يبدو مهمًا في حساباته لفهم النصّ، لأنه في الكثير من الأحيان ينتقد النصوص المتخمة بالمصادر في الهوامش، وإن الكثير من المقالات والدراسات تكون فيه المصادر أكثر من المتن وأكثر من المحتوى، بل إن الكثير من الكتب تبدو أقرب للتحقيق من خلال ذكر الكثير من الأقوال والأفكار التي ذكرها باحثون ومفكّرون وفلاسفة ونقّاد وأدباء، وكلّ هذه الأقوال تكون لها هوامش فيبدو النصّ متخمَا بها مؤثرًا على سياقها بالنسبة إلى المتلقّي الذي يبحث عن الجديد في النصّ، مثلما يبحث عن عملية الربط بين الاقتباس وبين الجديد في النصّ، دون أن يبحث عن أهمية الهامش لأنه لن يعود إلى المصادر ليتأكّد. بمعنى أن ذكر المصادر في الهامش لها أهميةٌ كبيرةٌ للمتلقّي المختصّ أو الناقد أو الأكاديمي، كونه يمهّد له طرق معرفة ما اعتمد عليه المنتج في تكوين نصّه، وربما حتى في تناصّه مع نصٍّ آخر أكثر من المتلقّي الذي يبقى مشغولًا ب