هذا أوان الرّواية العربية

قد يبدو السؤال على هذه الصيغة – ظاهريًا – مقحمًا على عوالم الرّوائيّ وزمنه وبوصلته الفنية؛ لكن في العمق أجد أنه سؤال المرحلة بلا أدنى منازع، فإذا كان كاتب الرّواية هو ذلك الكاتب الذي يسعى لإنجاز عمل روائي بطرائق فنية وتقنية مبتكرة تراعي الجدة والاختلاف وتحقق له لعبة التفوق الرّوائيّ في كيفية بناء عالم سردي متشابك ومعقد وشائق، وإذا كانت الموضوعات التي يفترض أن يستند عليها هذا الكاتب لا بد وأن تأتي منبثقة عن ومن واقعه – مجتمعه – تاريخه – ذاكرته – زمنه، حتى يتسنى له تحقيق المعادلة الجمالية المنشودة توفيقًا بين معادلة التحقق التقني – الفني والتوق الحكائي المسلّي والناقد؛ فإن اللحظة الراهنة بكل تداعياتها الدّموية وما تطرحه من بؤس يظلل “الوطن العربي” من أقصاه إلى أقصاه تجعل من هذا التفكك والانحدار والدّم المراق موضوعًا (نصًا) كبيرًا يجرّ كل من يحاول الكتابة للالتفات إليه والتدقيق في وقائعه ومسروداته قبل أن يشرع في إنجاز أيّ عمل إبداعي جديد، لا سيما إن كان هذا العمل رواية ترصد ناقدة واقع الناس هذا.

ما يشهده العالم العربي – الحاضر العربي، يأخذ سطوعه في لحظة الدّم والاحتراب هذه، الاضمحلال الذي يجتاح البلدان العربية، وحالة التوهان القيمي والمعرفي التي تغزو الشعوب العربية وتدفعها للانخراط في تشكيلات الهوس الدّيني ودوائر التمزق الهويوي وما بينهما من انسحاق لا يستثني أحدًا. هذه الأزمة يلخصها غياب العقل العربي النقدي، فالجهالة السائدة الآن وما يشد إلى الوراء ويجرّ صوب الهاوية، ما كان يمكن أن يتحقق لولا صعود قيم الإلغاء والاتباع والمحاكاة وغياب صوت العقل والنقد والمفاكرة. الرّوائيّ – الرّواية أحد الأصوات الناقدة المطلوبة الآن بشدة لتشريح هذا الواقع المزري ووضع هذه الشعوب التائهة أمام أسئلة وجودها الحقيقية ومواجهتها بكل الأوهام التي تسيطر الآن وتقود حالة الفوضى الحادثة. ما نحتاجه في هذه الوقت روايات تستقرئ هذا الواقع وتفكّكه لا تسرده محكيًا فقط دون أيّ إطار من الأسئلة الموجعة والحارقة. ما نحتاجه كتابة تبدّد هذا الظلام المستشري، وتواجه الأكاذيب التي يبني عليها القتلة والسفاكون مجدهم الدّموي ويجرّون من ورائهم الأبرياء المغيبين والضائعين. هذا هو أوان الرّواية العربية الجديدة، ذات الإمكانات الرؤيوية والقدرات التبصيرية بعيدًا عن الاستعادات المملة التي تسود مترافقة مع مأزق النقل – للمفارقة – من أشكال روائية أخرى أنتجتها أسئلة تخص آخرين ولسنا نحن.