هذيان نابليون

الأربعاء 2020/04/15
نابليون في مصر

في المشفى الذي أدخلَني الحوذيون فيه فقدتُ كلماتي وكنتُ كلما أحاول أن أصرخَ يخرجُ من لساني صوتُ آكل النمل كان المكان سجناً صغيراً لكن بممرات هائلة هذه هي المتاهة بين الأرض والسماء عندها أبدأ التفكير بالخروج من النافذة كأن حياتي كلها بدأت في مقبرة ليس عودة واستسلاما لكي أضمن السلام العقلُ مشدودٌ إلى لا أحد لكن لماذا أرى في هذا الليل التلالَ البعيدة تحت نجومٍ بالكاد تُشعلُ قنديلاً واحداً لماذا لا أسمع سوى صوتِ الصم يرشحُ من أنفاسي الثقيلة هل أنا نائم في بئرٍ تُغطيني الطحالبُ هل أمشي في الممرات مأخوذاً بأرضٍ لم تكن أرضي غريبٌ في أروقة الزمان لستُ قلقاً على حياتي أقلقُ عندما لا أجد الطريقَ المسعى الذي يدبّر لي إطلالةً على هتافات الأبطال اليونانيين كنتُ أقول أنا نابليون إمبراطور النحو والمعارك الكبرى لكن جوزفين [2] أضاعت العقدَ الذي ورثتهُ عن عشتار كيف لا أبكي وآلهتي تبكي بدموعٍ كثيرةٍ تصب في الأنهار الثلوج الثلوج [3] في ذلك البلد البعيد حوّلت حصاني إلى جحش والموسيقى التي ارتعشتْ عظامي أمام جبروتها الأعظم حذفَ ذلك الموسيقي الأصمُ [4] وهو يقودُ الأوركسترا حذف إهداءه لي بإصبع واحدة أيتها الراعية يا راعية الأكباش في موسمٍ لا يتحدثُ فيه أحد المصيرُ لا يُشبه جداراً من الفولاذ ترفّقي بالعظام التي كُنتُها الطريق طويلةٌ وأنا أقرعُ الأبواب التي لا تنفتح كأن شخصاً مثلي أُصيبَ بالجذام بينما الكتب الكثيرةُ تتحدثُ عن انتصاراتي الأثيرة على القلوب ما هذه المزبلة ومَنْ يحكمُ الكون الله أم أنا لأنني رأيته رأيته قابعاً هناك في الخلف ينتظر هفوةً منّي وربما أغنية صغيرة اذهبوا إليه وقولوا له متى رأيتَ نابليون يغني مَنْ أدخل في رأسك هذا الساحل قبل غروب الشمس كنتُ أبحث عن أرضٍ عن لغةٍ عن بلد الأعماق وعندما يكون مزاجيّ مُضبباً أبحث عن الأحجار في طرق ضيقةٍ شبيهةٍ بعمري كنتُ أجهل نفسي في ضياء العتبة حيث تشربُ عين ميدوزا من السراب لوكريثيا [5] لوكريثيا أين أنت أنت أين يا لوكريثيا يا ممرضتي المشتهاة في السرير أين الحصان يا لوكريثيا ولماذا كتبَ ذلك العربي قبل ألف عام عن حصانه الذي يسبقُ الريحَ بينما أنا قابعٌ في هذا الماخور هذا المارستان الهابط من السماء ثم لا أجد طبيباً واحداً فوق الكراسي الفارغة لقد كنتُ وسيماً يفلق الحجر في طفولتي وكنتُ كلما ركضتُ تجتمع النسور في الطريق كما لو أنها في مهمةٍ سريةٍ حتى أبلغَ الغابة ومنْ قال إنني كنتُ أخاف منها لم تكن جوزفين سوى علقةٍ تشرب من دمي في أيام البرد كانت تنتفضُ حتى يطير الريشُ من جسمها تلك اللعينة كانت أجملَ من الموت لوكريثيا أيتها البقرة الوحشية لماذا أنا وحدي في هذا الليل البارد أين النار في الموقد لوكريثيا لما لا تجيبين هل أنت صماء أيضاً تعالي أرقصي لي كما كانت ترقص إيزادورا دانكن [6] أمّا السفن لقد قاومتُ كثيراً مثل كلبٍ في المعارك يا للروح الحيّة أخبريني يا لوكريثيا هل النبيذ الجورجي أفضل حقاً من النبيذ الفرنسي ولماذا أسمع هذه الإشاعات الآن هل لأنها تُمطرُ في الخارج فأنا في غرفتي لا أرى غيوماً بل ضفادع تسقط من السماء ستهجمُ هاتان اليدان على حركات الظلال عندها سأرى صورتي في قاع البئرِ محبوسة بالماء لا يليق لي مقام الموت هكذا لقد جابهتُ العواصف وأمسكتُ بأعمدة الرخام كي لا تقعَ هنا حيثُ المطلق يبدو مكاناً مزروعاً بأشجار الفاكهة لكن كلما اقتربتَ منه تشعر بالخطر حبيبتي لوكريثيا انظري أنت وأنا وحيدَان في هذه المصحة لكن القناديلَ في الخارج تضيء الطرقات يُذكّرني هذا المشهد بكاهنٍ من الشمع يدورُ حول أسطوانةٍ إنه في النهاية حصان يدور في اصطبل ويقدم له رجل مُسنٌّ بيدهِ قطعة من السكّر وعندما التفت إلى الحقل الشاسع أكل الحصان يدَهُ المرافئ المرافئ استقبلتني بسعادةٍ غامرةٍ وكان عليّ في كل مرة أن أتكلم الكلامَ الغريبَ حياتي كُلها حضورٌ مستعادٌ من الصقيع أرى سانت هيلينا [7] كما لو كانت آخر الأرض لكن مهلاً ماكورسيكا هذه أنا المخلوقُ من الأرومةِ الإيطالية وقصفتُ أنف الأسد الحجري الرابض قرب الأهرامات آه أبو الهول لا تغضبْ أمامي مرة أخرى فنحن شقيقان أبعدَنا القدرُ عن بعضنا تُرى ألم يكن أوديب مُحقاً حين ضاجعَ أمه وكان يريد الانتقام منكَ لأنه عرفَ الأجوبة الثلاث حول الإنسان لماذا تنامين كثيراً يا لوكريثيا أمام المرآة الكبيرة ألا تعرفين أن كل حلمٍ حجرٌ من ذكرى وكل طريقٍ يشبه الخطوة والأيامُ تتعبُ في رفع الدخان إلى الأعلى الفجرُ يبطئ الساعات في معاصم العظام كأن الوقتَ ثقيلٌ مصنوعٌ من الرصاص نعم هذه هي الأسطورةُ التي يرعاها السمندلُ وتبتهجُ بها حيوانات الليل لوكريثيا ترفعين ذراعا صامتةً حين يصيبكِ اليأس لأنكِ قامةٌ طويلةٌ من الصيف لا يسعى أحدٌ أن يقفزَ من صمتكِ وحتى لو أرادتِ الخمرةُ أن تلعب في رأسي فأنا لا أقدرُ أن أركض في الرواق لأنني مربوطٌ بسلاسلَ خفيةٍ على الأرجح حتى مماتي لكنني مُصرٌّ على هذه الطرق التي تهرب قبل أن أصل إليها إنها تشعرني بالوداع الكبير كما لو كنتُ رجلاً مسموماً بطعنات الآلهة صغيراً كنتُ عندما بدأ الجنونُ يغزو حياتي حتى أنساني اللعب كالأطفال الآخرين الجنون يأتي بلا محفّة ولا استدعاء إنه نوعٌ من تلك الشجيرات المُعرّشة وهي تتسلقُ أكتافكَ فتبقى أنت الهيكل الثابتُ أمام السفن والمراكب بينما هو يُصوّط ظهركَ على الدوام حتى تضجرَ من العالم بطريقةٍ مُهينة اسأليني يا لوكريثيا أيتها الإسبانية الخجولة كيف دخلتُ إلى موسكو ولم أجد أحداً ولا حتى خبزةً لي ولجنودي يا لها من هجرةٍ وحصارٍ أضفيا على حملتي ندوباً تستعصي على النسيان كلما عانيتُ أكثر كلما هربتْ مني طرق الخيال وأصبحتُ فزّاعةً في نظر الآخرين كيف أستردُّ شيئاً وأنا ما ملكتهُ حقاً بل هو الذي ملكني يتقدم العازف نحو جوزفين وهي تنجو من المقصلة وعندما تصبحُ زوجتي تصطفق الأبوابُ والنوافذُ من رائحة الشبق أيها الرسام أنظرْ إلى هذا الجسد العاري ارسمْ بالريشةِ الصرّة المخبوءة تحت الضياء وليكن النهدُ مكاناً أجملَ للعيش والفخذان المكتنزان علامة الصبر دون أن تنسى تلك الاستدارة الرخوة من الخلف حيث تُحبُ أن تضرب بسوطٍ من الريش الناعم أيها الرسام دعْ عينيكَ مفتوحتين فالصورةُ قد تخدع الضوءَ وعندما ترتبكُ اليدُ سيكون الموتُ حاضراً يصغي إلى أنفاسكَ يحدثُ لي أن أشمَّ رائحة الحروبِ كما يشمُّ شاعرٌ رائحة الليلك وقد لمستُ هذا بعد أن انفتحتْ أمامي السهولُ اللامرئيةُ وكاد حصاني يطيرَ فوق الحقولِ غائباً عن الوعي أنا السوط الذي صارَ لساناً في منقار النسر منحتني الغيوم في يوم ما سريراً ومنشفةً أما الخليلة فقد تركتُ لها الغبارَ على عتبة الباب من سيحميني من الليل عندما أضع رأسي فوق الوسادةِ يا لطيفة المستعمرات يا لوكريثيا ذلك اللحم البشري الذي لا يشبه الحياة ولا الموتَ ذلك القربان المسافر في نهرٍ أو بحرٍ وهو يتشكّلُ بأعوادٍ طويلةٍ أمام قبيلةٍ من الأعداء هل فكرتَ يوماً بأجدادك في السماء والأرض هل وصلتكَ رائحة النجوم ثم كيف ستعبر النهر والبحر أيها الغريق وكيف ستقول للعالم إن الدخان يرتفعُ من المياه مترنحاً أنظرُ إلى السرير أعوي وفي يدي ترنُّ ساعة الأبدية كيف أحلُّ الألغاز في المدن والقرى التي عبرتها وعين السكلوب تطاردني من غرفة إلى أخرى ولماذا أتذكر الآن حصار يافا من هذا السرداب الطاعون إنه الطاعون خريج الأردية العسكرية صوت الثالثة فجراً يتنزهُ تحت الأمطار وحول الحامية لوكريثيا بلّغي الطبيبَ الذي ليس هنا ولا هناك أن يأتي عظامي غادرتها نيران الحطب والعقل كان يكفي أن أنفخَ في الرمل لأجدَ لؤلؤة المدينة أيها الماضي اقتربْ قليلاً وخذْ مني هذا الوشاح لئلا أختنق به في هذا المساء آه يا وحدتي ذهب الأرنب يشم هزائمي آه يا كليبر ألم تجدْ سوى سليمان الحلبي كي يطعنكَ في الصميم، خذْ القنديل واذهب إلى الراين الأسفل لتدفنَ خارج الموت والولادة لوكريثيا أنت وأنا كآدم وحواء في هذا المعتقل لهذا لا أرى زهرتك الشقراء عند مغيب الشمس لكنني قادرٌ أن أشمَّ حلاوةً بين فخذيك الجميلين أجراس الكنائس توقظ حياتي بين الأنهار كما حضور شعلة في الليل كي أنام كما ينام الملوك أحقاً ما أراه الآن هل هذا هو حقل الذرة الذي لعبتُ فيه قبل أن أولد هل تقولين إنني نسّاء الخطيئة فوق جبل نوح سأسلك طريق البساتين كأنني كائن غير مرئي في هذا الليل الأبيض المغسول بالملح وليكن الطريق غمامة للقتلى وليذهب طائر التم عابراً غسق حياتي لينتحر في الماء ولماذا كنتُ أقبّلُ يدَ جوزفين لو لم أعرف أنها مستودع الغيوم في الفراش كقوة الصاعقة كان يقفز جسدي في أكثر المطارح نأياً وينحني عميانُ أوروبا تحت شراشف الليل بحثاً في الأزقة الخلفية عن النقود وعندما تجرعتُ السم لم أمتْ لأنني كنت أغني أغنية عن طفولتي أيتها الغمامة كوني قماشتي الحمراء الأحمر لوني المُفضل لأنني طيبٌ مثل الزهرة وصرختي تعودُ إليّ ليلاً لتذكرني بمصير الصخب في يوم ماطر كثيرون هم الموتى في البحر والأرض تحملهم سفن الأبدية على أنغام الموسيقى ما رأي الأطباء في حانات الطبيعة أمام الأنهار أنا نفسي بملابسي العسكرية كنتُ زبوناً ذات يوم ليس لأنني نائم وهبتُ الوسامَ في الحديقة المهجورة وليس لأنني صائم عندما تُشرق الشمس بل لأنني أجوفٌ وفارغٌ من الموت والآن من سيأتيني بالقنّب الهندي لنرقص أنا والكوبرى فالس الوداع لكن قبل ذلك خذي نفَسي إلى فمك الرطب واتركي النافذة مفتوحة حتى يمر الهواء إلى شعرك وإبطيك ليكون نومك هادئاً وصريحاً كنوم الآلهات لقد رتّب الموتُ طريقاً للأعالي حيث تنام الغزالةُ على نصل السيف فيجوز لنا أن نقود العربات إلى الحرب حتى يتلألأ النصرُ كقرش ذهبيّ ساقط من شجرة لوكريثيا أيتها الزانية في غابة الليل أرجوك لا تذرفي الدموع على كعب آخيل لقد كان مقاتلاً بوجهٍ بريء كان السهمُ معكوساً في عين القاتل عندما بكتْ طروادة لوكريثيا أبعدي عني هذه القطط فأنا أتطيّرُ منها لأن اللهبَ يتسلقُ مفاصلي وأنا أريدُ أن أفرش لكِ المائدة وأضعَ أباريق النبيذ أمام الشمعةِ لكي تهبطينَ من أعلى بثوبكِ الأحمر يا لوكريثيا سنأكلُ ونشربُ ثم نرقصُ بقناعينِ مذهّبين وعندما تدقُ ساعة الثالثةِ بعد منتصف الليل أحملكِ إلى السرير ليضاءَ وجهكِ بالشمعِ والجسدَ بنقرات الإصبع وفي الظهيرةِ نستفيقُ على مشهدِ سنابل القمح المائلة من النافذة كما أريدُ أن نتخيّلَ أننا نمشي فوق منحدرات البحر شابكينِ أصابعنا بأرض سانت هيلينا هذه ونحن نأكلُ الأرض شوكي بصلصلة الخردل لكن في نيسان سأجلبُ إليكِ البرقوقَ والكمثرى وطحالب البحر أنتِ الآن في هذه الجزيرة معجونةٌ بالأسرار وأينما ذهبتِ ستجدين طرق حياتي القديمة التي عبرتُها وأنا أدّخر الهواء للوصول إلى المعارك وأرغب أيضاً أن أصلي من أجلكِ صلاة الحياة ثم ألعقُ بلساني بظركِ الوردي ونحن بين إغماءةٍ وأخرى نصهلُ كالأحصنة في السهولِ أمام البحر سأدفع عنك أخطبوط الألم وأحميكِ برائحة السنديان وعندما تنقلبين على بطنكِ عارية سأتمكنُ من رؤية الأخدود السّري الذي يلتصق باللعاب بعد كل حركةٍ من حركات النجوم في الليل ما كان على مرمى الصاعقة يحّنُ إلى الأصوات ما كان يمضي إلى اللاشيء يفقد ظله ورويداً رويدا يزحف المغيبُ كحلزونٍ مُبللٍ بالندى كيف نُسمّي يوماً يضيعُ في الأدغال وأنا أمشي ما بين الألغاز جهدتُ أن أكونَ طيفَ الكون بعلامةٍ فارقةٍ لكن حواسي مشوشةٌ يا لوكريثيا تُذكّرُ الجزيرةَ بشعلةٍ أبديةٍ حيث تتحطم السفن وترفع الرايات السناجب تركض مذعورةً والطواويسُ تتلعثم في الدروب أصواتٌ تنطفئ حيث تُقام الممالكُ ويرتّدُ الهواءُ إلى الجحيم أليست حياتي معلقة بأطراف السهام وكلما اكتشفتُ أفقاً ينكسرُ تستعادُ أصوات اللصوصِ بين صخورٍ جبليةٍ كما أرواح الموتى كما لطخةِ عيد البرابرة ودوارق النبيذ مسفوحةٌ في الأرضِ وإذا لم يبقَ شيء إلا هذه النار هذه الصخرة في بستان الجزيرة فإنني سأكونُ يتيماً وأعمى في وجه الريح منْ ذا الذي يعجزُ عن رفعِ الكأس إلى فمه لأنه يثرثرُ طوال الوقت طوال الوقت يثرثرُ ويفكرُ بالصمتْ لكنه يفشلُ إن لم يكن أنا يتهيأ لي أيضاً أنك أنتِ القريبة إلى الشعرِ يا لوكريثيا تجعلك الأبياتُ ساهمة رشيقة دون أن تردّي على أحد معجزةٌ صغيرة كلسان الطير وهذا يكفي أن ترتاح النجوم على كفكِ منذ زمن بعيد تسقطُ يدٌ فوق يدٍ على التراب كانت تلك هي الحرب ما من دمٍ ما من صرخةٍ فقط رائحة العفونة الرطبة فقط هدوءٌ يتغلغل بين الأشجارِ بين المياه الحمراء كقرص الشمس عند المغيب تموتُ ثمرة الصبا مثلما يموتُ فهد الجبالِ بينما أنتَ جيئةً وذهاباً تُحدْثُ نفسكَ في الأروقةِ وتفكرُ في الحديقة الخلفية للمهاجرين والليل قادمٌ كرسولٍ محمولٍ على محفةِ أرضٌ بكرٌ تودعُ المنهزمينَ خلاءٌ يفتقدُ إلى الدفء ولتكن حياتنا أسلوب سماءٍ زرقاء فوق الغصون الخفيضة آه أيها الصديق البعيد يا أوريليو حلمتُ أنكَ ميتٌ بالكاد ترفع عينيكَ من القبرِ مع ذلك أنتَ لستَ جاهزاً للموت بل للصداقة عندما كنتَ تجلسُ في حاناتٍ فارغةٍ وموحشةٍ تستمعُ إلى الموسيقى وحدكَ وتنظرُ إلى المطر من خلف زجاج النافذة كان ذلك في زمن قديم عندما كانت الأزهار ترفعُ مياسمها بخفةٍ وترتفع القبعات من على الرؤوس تلقائياً لكنكَ أيضاً من أرومةٍ إيطاليةٍ تعود إلى نابولي يا أوريليو في قدميكَ حزنٌ وصخبٌ عندما ترقصُ كأنكَ دميةٌ يحركها راقصٌ مجهول والخوفُ كل الخوف عندما يخطئ الراقصُ فتنفلتُ الأفلاكُ عن دورانها قبل أن يصلَ المجدُ إلى عليائهِ زقوراتٌ تحبسُ الشمسَ في المدار الأعظم النشيدُ الأخير في جريمة الأعاصير ليوم القيامة الظلام يتسللُ مثلَ بزاقةٍ ميتةٍ إلى جيب القميص وأنتَ قابعٌ في مستوى الأرض تستمعُ إلى الموسيقى وزخات المطر تعال وانظرْ إليّ الآن بل أنظر إلى لوكريثيا التي لا تسمعُ أحداً ممرضةٌ وحيدةٌ لا تسمعُ نابليون يا أوريليو أكادُ أرى السحبَ تزحفُ كالجيوش كالجراد إلى الأراضي العالية المغمورةِ بالرمل لا تظهر الأشياءُ دفعةٌ واحدة إنها تطفو تطفو كقطعٍ صغيرةٍ من الخشب في القارات والمحيطات هذه هي البلدان وتوابعها من الجزر الصغيرة والكبيرة هذا هو الشرق الذي أحبّهُ غوته الليل الذي أعرفُ أنه ينصتُ إلى كلامي يرشُ الراقصاتِ بماء الورد والريحان لكن منْ أنا وكيفَ منْ كان جندياً يتحدثُ إلى شمس تبريزي يا أوريليو

صخبٌ على العتبات

الشعلةُ أقوى من الريح

الظلُ مكسورٌ على سلم

بعد أن مشى وتعبَ ها هو آدم يمزقُ قمصانهُ في الساحة العامة

الراقصة الشهيرة إيزادورا دانكن

 

تلينُ دربكِ وهي تنحني لي بينما الحجارة الملساء تصفقُ لكِ يا لوكريثيا فيأخذني نومي كرايةٍ ممزقة إليكِ أنتِ المسجونةُ في الأعلى مع الوصيفات وأنا وحيدٌ وأعزلْ في أسفل النار ليس الوصيفاتُ سوى ألسنةٍ حمراء واللعابُ يُرطّبُ أجسادهن المطروحة تحت الأسرّة بينما جسدكِ يعومُ في الظلام من كان في الأسفل نائمٌ على ثقبٍ يتخيّلُ نافذة صمتكِ وشاحٌ قاعدٌ على كرسي وشاحٌ تطيرُ من خزائنه الطيورُ والفراشاتُ وعطور الليل أيتها الشابة بالصرامةِ نفسها أمارسُ معكِ الدعابةَ السّرية لكي تكوني في حياتي شجرة أولى لا بد أن تأتيَ خادمةٌ تحملُ قنديلاً في الليل لأرى طرقاً كثيرة لا تصلُ إليها خطوتي الآن في هذا المنفى البائسِ كمن يجلسُ فوق صمغِ الكثيراء ثم كي لا يُقال إنني لا أمنحكِ شعوراً لذيذاً بالوحدة مع أن فمكِ جميلٌ في ليل المنافي كرقصة الرتيلاء فوق صفيح بارد هناك أشياءٌ كثيرة تطيرُ في الهواء لا أريد أن أسمّيها إلا لكِ حتى لو مسحتِ بلسانكِ اسمي من فوق السبورة يا حديقتي الصباحية يا لوكريثيا دعينا معاً نشربُ شراب القيقبِ للنزهة طالما أحبُّ صمتكِ في حجرةٍ مجهولةٍ فوق السلالم دعينا نستمتعُ بالأناشيد الغروغورية بينما أنتِ تتخففينَ من حمالة الصدر الطريق طويلة من هنا إلى الصحراء تحت أمجادِ بنات نعش لكن الشرقَ سجادةٌ مسحورةٌ في ذلك الزمان ومهما غضبتِ سيظهر نايٌ وطربوشٌ في المرآة وأنتِ الراقصةُ بالفستان الخفيف من صناعة الراهبات لم أسأل سؤالاً بعد دعيني أطفئ القنديل لأن الفجر يطرقُ البابَ للفطور الصباحي الطرقةُ نفسها تستنهضُ جيشاً طويلاً من النملِ في هذه الجزيرة ولا يمكن وصف الأعزل إلا بزهرة عباد الشمس في أنفاق القلب المعطوب يظهرُ بروموثيوس كما لو كان يحاربُ الصخرةَ إنه مُتعبٌ لكن الشمسَ تتبعُ ظلها وتختفي أحياناً بينما تطير العصافير عمياء بلا أجنحة وفي هذا الليل الأزرق لا أحد ينام فوق السطوح ولا في الشرفات الزجاجية هنا فقط أسّرة ناعمة بينما خطوتي تزور الممرات وتصطدمُ بالسلالم تخيّلي الآن يا لوكريثيا تخيّلي أنني أمشي بساقٍ خشبية كقرصان تائه في المحيطات ما الذي كنتُ سأتمنى بينما المغيبُ يرحلُ إلى المُنقلب الآخر هناك حيثُ تجلسين أنتِ على الصخرةِ أمام صفحة الماء وأحلامي تُحوّمُ حولك بلا صوت هناك متسعٌ للأيائلِ في الغابات فلماذا لم يعد يُسمح لي اللعب في الساحات الطرف الأغر مثلاً كنتُ فتى عابثاً ومشاكساً وكان هذا ما يحتاجه العالم آنذاك ستقولين لي إنها مغامرة أجل إنها مغامرات يصعبُ لدهشة الأوائل أن يُصدقوا أن سفينةً تُبحرُ أو فرساناً يصلون إلى المجهول أنتِ التي فوق كيدٍ مرفوعةٍ إلى الصمت ارفعي تنورتكِ الزرقاء قليلاً حتى أرى البحر هل أنت سيدةٌ حيّة حقاً قبل أن أولدَ في مستنقع الظلام هل كان الظلام هناك وأنا هنا تحت ركبة الشمس هل هذا ما قاله الراهبُ وهو يجركِ بثوبه المُجرذن بآفة الدنيا إذا كنتِ ميتة ارفعي لي إصبعاً واحدةً لكي أحزن لا أريدُ كلمة واحدة منكِ أريدُ إشارة حتى يأتي الضيوف بعرباتهم ثم يغادرون مع كلابهم لكي يناموا من النادرِ أن أتحدثَ عن الموت الموتُ نفسهُ إشارةٌ قبل أن تستيقظ الأحلام لم أجد أحداً يموتُ بلا حلم تحت الأدراج فوق السلالم في الشرفات في غابات بعيدة بين ضفاف الأنهار فوق الجبال وفي المرآة المُعلّقة في البيت يأتي الموتُ إليّ ضاحكاً بأسنان سوداء لكي يقيمَ في هذا المنفى لم أقل إن أبي كارلو التوسكاني كان يجهلني في طفولتي لكنه ربما لم يكن يعي أنني سأكونُ أكثر خفة من بين الأخوات والأخوة لكي أترحّلَ وأقبضَ المشعل.

[1]  هذيان نابليون مقطع من نص طويل كُتبَ بلا نقاط ولا فواصل عن قصد.

[2]  زوجة نابليون.

[3]  إشارة إلى غزو موسكو.

 [4] إشارة إلى بتهوفن الذي أهدى السيمفونية الثالثة إلى نابليون ثم بعد ذلك سحب الإهداء.

[5]  ممرضة إسبانية مُتخيلة وهي ليست لوكريثيا دي ليون.

[6]  الراقصة الأمريكية الشهيرة 1877-1927.

 [7] الجزيرة التي نفي إليها نابليون.

نابليون في جزيرة هيلانة

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.