هكذا يفكر الغرب
الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية حديثاً عن دار الفكر العربي في القاهرة يعد أحد أكثر مؤلفات برنارد لويس إثارة للجدل بسبب ما يتضمنه من آراء تخص مستقبل العلاقة بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وكذلك بسبب تأثير هذه الآراء على صناع القرار في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يعد لويس واحداً من بين أكثر المفكرين الغربيين الذين تناولوا الثقافة والتاريخ العربي والإسلامي وتلقى أفكاره قبولاً واسعاً لدى صناع القرار الغربيين. فقد عمل لويس لسنوات كأستاذ فخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون. وهو باحث ورائد في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق الأوسط. وعرف بصلاته القوية وتأثير أفكاره على صناع القرار الأميركي. وتذهب المقدمة التعريفية للكتاب ومؤلفه إلى أن قراءة مؤلفات برنارد لويس “أشبه بعملية استكشاف للطريقة التي تفكر بها النخبة السياسية في أميركا، والآلية التي تعمل بها الإدارات في واشنطن” وتذهب المقدمة إلى حد القول بأن ما يحدث في المنطقة اليوم هو نتيجة الأخذ بما جاء في هذا الكتاب. فما هي طبيعة تلك الأفكار التي يقدمها لويس في كتابه؟
في حقيقة الأمر لا يخفي لويس في مؤلفه أفكاره العنصرية المتعلقة بالإسلام تحديداً حيث يحيل في البداية هذا التباين بين الشرق والغرب في فهمهما للعلاقة بين الدين والدولة إلى طبيعة الخلاف بين الإسلام من ناحية وبقية الأديان السماوية وغير السماوية الأخرى، إذ يرى الكاتب أنه في الوقت الذي يترسخ فيه مفهوم التمايز بين الدين والدولة بين بقية الأديان لأسباب يرجعها إلى ملابسات نشأة كل دين على حدة، يتفرد الإسلام وحده بين هذه الديانات بنفي هذا التمايز، فدار العبادة والدولة كما يقول الكاتب هي شيء واحد ولا فرق بينهما، وليستا مؤسستين منفصلتين أو يمكن الفصل بينهما في الواقع. ومن هنا يذهب لويس إلى صعوبة تفهم الثقافة الإسلامية لهذا الفصل بين المؤسسة الدينية والدولة، وبالتالي إلى صعوبة تقبّل الشعوب العربية والإسلامية لفكرة المواطنة أو الحرية بمفهومهما الغربي. ولكن رغم هذه الصعوبة التي يفترضها لويس إلا أنه يعتبر فكرة نقل النموذج الغربي للمواطنة والحرية مسألة حياة أو موت للغرب إذ يقول “وأرى أن المحاولة صعبة، والنتيجة غير مؤكدة، لكني أعتقد أنه لا بد من المحاولة. فإما أن نأتي إليهم بالحرية أو أن يدمروننا”.
الإمبريالية هي الحل
يستعرض لويس في هذا الكتاب عدداً من الحلول المقترحة للتعامل مع العالم الإسلامي والشرق الأوسط على وجه التحديد باعتبارها منطقة عصيّة على تقبّل مفاهيم الحرية بمعناها الغربي، غير أن هناك حلّين يرى أنهما المسيطران تقريباً على صناع القرار في الغرب فيقول “إذا نظرت في الأدبيات الحالية ستجد وجهتي نظر شائعتين في الولايات المتحدة وأوروبا. وتؤكد أولاهما أن الشعوب الإسلامية عاجزة. وتحظى وجهة النظر هذه بتأييد كبير جداً في إدارات ووزارات الشؤون الخارجية، وتعرف عادة بوجهة النظر المؤيدة للعرب، وهذا ليس بالمستغرب. ومن المؤكد أنها ليست مؤيدة للعرب بأيّ حال. فهي تكشف عن جهل بماضي العرب وازدراء لحاضرهم وعدم اهتمام بمستقبلهم. وطبقاً لوجهة النظر الثانية الشائعة، فالطرائق العربية مختلفة عن طرائقنا. ولا بد من السماح لها بالتطور وفقاً لمبادئ العرب الثقافية، لكنه من الممكن لهم كما الحال بالنسبة إلى أيّ شخص آخر في أيّ مكان آخر من العالم، وبمساعدة حكيمة من الخارج، وبخاصة من الولايات المتحدة، إنشاء مؤسسات ديمقراطية من نوع ما. وتعرف وجهة النظر هذه بوجهة النظر الإمبريالية، وقد ظلت وجهة النظر الأخيرة موضع استهجان وإدانة شديدة”، ولا يخفي لويس تأيده لوجهة النظر الثانية في حقيقة الأمر فرغم إقراره في البداية بصعوبة “منح الحرية” ناهيك عن فرضها، إلا أنه يرى أن في استطاعة الغرب التدخل والمساعدة في إزالة العقبات، لا سيما مساعدة شعوب الشرق الأوسط في التخلص كما يقول من الأيديولوجية الفاشية الوافدة وأدوات الحكم الاستبدادي التي كبتت تقاليدهم الإسلامية الأقدم للحكم الشرعي المقيد والمسؤول.
أما أكثر الآراء لفتاً في هذا الكتاب فتتمثل في ذلك التحذير الذي يكرره برنارد لويس مراراً في أكثر من موضع من هذا الخطر المتمثل في وجود الإسلام في الغرب والتزايد في عدد المسلمين سواء من طريق الهجرة أو الزيادة الطبيعية. يقول لويس “وفي الوقت الحالي فالغالبية العظمى لهؤلاء المهاجرين أو العمالة الأجنبية المؤقتة وتأثيرهم السياسي محدود وإن كان في تزايد. لكنّ أبناءهم سيكونون مواطنين بالولادة، وسيكونون أوروبيين ويشعرون بذلك. وفي بريطانيا وفرنسا سيكونون مواطنين شرعيين؛ وحتى في ألمانيا حيث تختلف قوانين الجنسية نوعاً ما، لن يكون من الممكن على المدى الطويل إنكار حقهم في المواطنة التي سيرون أنها من حقهم. وسيكون لظهور شعب قوامه عدة ملايين من المسلمين الذين يولدون ويتلقون تعليمهم في أوروبا الغربية عواقب جسيمة لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة إلى أوروبا والإسلام والعلاقات بينهما”.