هل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬هويته

الاثنين 2016/08/01
لوحة: سمعان خوام

محاوله‭ ‬لقراءة‭ ‬مغامرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬العربي،‭ ‬وفي‭ ‬رحلة‭ ‬تقصّي‭ ‬الأحوال‭ ‬الراهنة‭ ‬للظواهر‭ ‬والأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬نبدأ‭ ‬بالتوقف‭ ‬عند‭ ‬السبعة‭ ‬عشر‭ ‬نصا‭ ‬مسرحيا‭ ‬التي‭ ‬يضمها‭ ‬العدد‭ ‬‭(‬17‭)‬‭ ‬من‭ ‬مجله‭ ‬‮«‬الجديد”‭ ‬يونيه‭ ‬2016‭ ‬وهي‭ ‬بالترتيب‭ ‬‮«‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الربيع‮»‬‭ ‬لأحمد‭ ‬إسماعيل‭ ‬إسماعيل‭ ‬‭-‬السوري‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭-‬‭ ‬بطلاها‭ ‬شخصيتان‭ ‬زوج‭ ‬وزوجة،‭ ‬وحالة‭ ‬الرعب‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬الزوج‭ ‬ظنا‭ ‬منأ‭ ‬انه‭ ‬يهاجم‭ ‬النظام‭ ‬الفاسد‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬أحلامه‭! ‬وتقوم‭ ‬الزوجة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬فهي‭ ‬الزوجة‭ ‬الثرثارة‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تضخم‭ ‬الدور‭ ‬أو‭ ‬‭(‬تدّعي‭)‬‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬زوجها‭ ‬أمام‭ ‬المحقق‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يطارد‭ ‬المعارضين‭ ‬‮ ‬تباهيا‭ ‬أمام‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والجيران،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بمحاكمة‭ ‬زوجها‭ ‬وكأنها‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬المحقق،‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬التي‭ ‬تعترف‭ ‬بأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز،‭ ‬وإنها‭ ‬وشت‭ ‬به‭ ‬لديهم‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬‭-‬كي‭ ‬تعيش‭ ‬حياه‭ ‬الرفاهية‭-‬‭ ‬بينما‭ ‬الزوج‭ ‬كان‭ ‬غافلا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حوله،‭ ‬وعندها‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬عن‭ ‬قتلها‭ ‬خنقا،‭ ‬ويبقي‭ ‬منتظرا‭ ‬رجال‭ ‬الجهاز‭ ‬القمعي‭ ‬دون‭ ‬جدوي‭ ‬كي‭ ‬يقبضوا‭ ‬عليه‭ ‬،‭ ‬وتمر‭ ‬الساعات‭ ‬ولا‭ ‬يحضرون،‭ ‬فهم‭ ‬يعرفون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭. ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬محكم‭ ‬الصنع‭ ‬وظف‭ ‬فيه‭ ‬الكاتب‭ ‬اللعب‭ ‬بالشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬‭(‬الزوجة‭)‬‭ ‬لتلعب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دور،‭ ‬وبلمسة‭ ‬ملهاوية‭ ‬ساخرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النهاية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التمهيد‭ ‬لها‭ ‬لتبرّر‭ ‬إقدام‭ ‬الزّوج‭ ‬الجبان‭ ‬والسلبي‭ ‬على‭ ‬فعلته‭ ‬الجريئة‭ ‬فجأة‭! ‬وعلى‭ ‬قتل‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬تدبر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وقد‭ ‬صيغ‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬إخبارية‭ ‬واضحة‭ ‬وبها‭ ‬أصداء‭ ‬التأثر‭ ‬بالكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬فردريش‭ ‬دورينمات‭ ‬وغيره،‭ ‬وكذا‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬يتناوله‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الموضوعات‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬الغربية‭. ‬وفي‭ ‬نص‭ ‬‮«‬ذئب‭ ‬البوادي”‭ ‬النسخة‭ ‬السورية‭ ‬لحازم‭ ‬كمال‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والمقيم‭ ‬في‭ ‬بلجيكا،‭ ‬يقدم‭ ‬الكاتب‭ ‬شكلا‭ ‬عربيا‭ ‬تجريبيا‭ ‬صميما‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا،‭ ‬ومستلهما‭ ‬أقاصيص‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليله‭ ‬وليلة،‭ ‬وقيروشاه،‭ ‬والهلالية‭ ‬”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الملاحم،‭ ‬والتي‭ ‬تتناول‭ ‬علاقات‭ ‬البشر‭ ‬بعالم‭ ‬الجان،‭ ‬يربط‭ ‬بينهما‭ ‬خيال‭ ‬مشتط‭ ‬عن‭ ‬علاقه‭ ‬الأسياد‭ ‬والعبيد،‭ ‬واستبداد‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تجند‭ ‬حتي‭ ‬عالم‭ ‬الجان‭ ‬لأهداف‭ ‬التسلط‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬اختط‭ ‬الكاتب‭ ‬بناء‭ ‬مختلفا‭ ‬في‭ ‬تنميه‭ ‬الأحداث‭ ‬وتطورها‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬البنيات‭ ‬المسرحية‭ ‬الغربية‭ ‬التقليدية،‭ ‬واقترب‭ ‬من‭ ‬صيغ‭ ‬السرد‭ ‬والتعبير‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي،‭ ‬فالنص‭ ‬يسعي‭ ‬‮ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التأصيل‭ ‬والتحذير‭ ‬لهويتنا‭ ‬المسرحيه‭.‬

في نص‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬النوافير”‭ ‬‭-‬مقطع‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭-‬‭ ‬للحسن‭ ‬المؤذن‭ ‬من‭ ‬تونسي،‭ ‬وهو‭ ‬شذرة‭ ‬قصيرة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬صيغ‭ ‬صياغة‭ ‬شاعريه‭ ‬صوفيه‭ ‬تحمل‭ ‬رؤى‭ ‬مطلقة‭.‬

أما‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬أناشيد‭ ‬الربيع‮ ‬‭ ‬والخريف”‭ ‬فهي‭ ‬مسرحية‭ ‬مونودرامية‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬مؤلفها‭ ‬الحسن‭ ‬بنمونة‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬مليئة‭ ‬بالثرثرة‭ ‬والكلمات‭ ‬المكرورة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬الدهشة‭ ‬أو‭ ‬تحرك‭ ‬الركود،‭ ‬فتطور‭ ‬الحدث‭ ‬اصطناعي‭ ‬ولا‭ ‬دلاله‭ ‬له‭ . ‬فالحدث‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬حدث‭ ‬ليس‭ ‬سوي‭ ‬نفاق‭ ‬الزعيم‭ ‬ونفاق‭ ‬السيدات‭ ‬مُسقطا‭ ‬به‭ ‬أحوال‭ ‬سياسية‭.‬

وعن‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬حاله‭ ‬حصار”‭ ‬فهي‭ ‬مشهد‭ ‬من‭ ‬مسرحية‭ ‬لحمادي‭ ‬المزي‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬يتناول‭ ‬نهاية‭ ‬مثقف‭ ‬مناضل‭ ‬تطارده‭ ‬كل‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬والقمع‭ ‬الخارجي‭ ‬والداخلي،‭ ‬وبنهاية‭ ‬رومانسية‭ ‬رقيقة‭.‬

وفي‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬أكاذيب‭ ‬صغيرة”‭ ‬‭-‬مسرحية‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬واحد‭ ‬لدرويش‭ ‬الأسيوطي‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والتي‭ ‬يسخر‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مجسدا‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬أحد‭ ‬العلماء،‭ ‬وإلى‭ ‬جواره‭ ‬الشيخ‭ ‬المتدين‭ ‬فيحولان‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الدمي‭ ‬باسم‭ ‬المدنية،‭ ‬وتبدأ‭ ‬أحداثها‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬ثم‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬فانتازيا‭ ‬تثير‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النمطية‭ ‬والتشابهات‭.‬

وفي‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الأولي”‭ ‬‭-‬السيرة‭ ‬والذات‭-‬‭ ‬في‮ ‬لوحتين‭ ‬لزبير‭ ‬بن‭ ‬بوشتة‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬وفيها‭ ‬تجريب‭ ‬متميز‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‭. ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬لوحتين،‭ ‬اللوحة‭ ‬الأولي‭ ‬تجد‭ ‬شخصية‭ ‬الروائي‭ ‬المغربي‭ ‬المتمرد‭ ‬محمد‭ ‬شكري‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬الخبز‭ ‬الحافي”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬عند‭ ‬رحيله‭ ‬إلى‭ ‬المقبرة‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬فيها‭ ‬مريودة‭ ‬حارسة‭ ‬القبور،‭ ‬وكذا‭ ‬شخصيه‭ ‬اليوناني‭ ‬القديم‭ ‬أنطيوس‭ ‬وحبيبته‭ ‬طنجيس‭. ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬الثانية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الثالثة”‭ ‬أي‭ ‬الوردة‭ ‬وأريجها‭ ‬وتدور‭ ‬حول‭ ‬اليوناني‭ ‬أنطيوس‭ ‬المحبوس‭ ‬في‭ ‬مغارة‭ ‬كي‭ ‬يكتشف‭ ‬‭-‬لهرقل‭-‬‭ ‬كيف‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬وعلى‭ ‬مقربة‭ ‬منه‭ ‬حبيبته‭ ‬التي‭ ‬يكتشف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الكون‭.‬

وفي‭ ‬مسرحيه‭ ‬”‭ ‬دوله‭ ‬السيد‭ ‬وحيد‭ ‬الاذن‭ ‬”‭ ‬‭(‬مسرحية‭ ‬صامتة‭)‬‭ ‬تأليف‭ ‬صباح‭ ‬الاأباري‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬وهي‭ ‬سيناريو‭ ‬‭-‬في‭ ‬تصوري‭-‬‭ ‬لفيلم‭ ‬صامت‭ ‬يعتمد‭ ‬علي‭ ‬السرد‭ ‬والحكي،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الدراما‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬غرائبية‭ ‬الحدوتة‭ ‬تقترب‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال‭ ‬والتخييلات‭ ‬الطفولية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬‭(‬التحريك‭)‬‭ ‬الكارتون‭ ‬أو‭ ‬العرائس‭.‬

ويعالج‭ ‬نص‭ ‬‮«‬كونتينر”‭ ‬لعباس‭ ‬الحايك‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬نفس‭ ‬قضايا‭ ‬القهر‭ ‬وقمع‭ ‬السلطة‭ ‬للمواطن‭ ‬وعذابات‭ ‬الإنسان‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سلطه‭ ‬متوحشة،‭ ‬وبالنص‭ ‬لمسات‭ ‬ميلودرامية‭ ‬تتكرر،‭ ‬وأحداث‭ ‬تتحرك‭ ‬ببطء‭ ‬كيفما‭ ‬اتفق،‭ ‬ومشاهد‭ ‬معادة‭.‬

أما‭ ‬نص‭ ‬‮«‬صاحب‭ ‬الأثر”‭ ‬لعقيل‭ ‬مهدي‭ ‬يوسف‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬فيتكون‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬مشهدا،‭ ‬وهو‭ ‬ديودراما‭ ‬من‭ ‬شخصيتين،‭ ‬بين‭ ‬هو‭ ‬وهي،‭ ‬وتكشف‭ ‬المسرحية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المرأة‭ ‬‭(‬هي‭)‬‭ ‬التي‭ ‬تزوجت‭ ‬‭(‬هو‭)‬‭ ‬ثم‭ ‬غدر‭ ‬بها‭ ‬وبأمها‭.. ‬يدور‭ ‬بينهما‭ ‬حوار‭ ‬شيق‭ ‬يسرد‭ ‬أحداثا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تجسيدها‭ ‬معتمدا‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬ثم‭ ‬السرد،‭ ‬وعلى‭ ‬النقلات‭ ‬السريعة‭ ‬‭(‬25‭ ‬مشهدا‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬قصير‭)‬‭ .. ‬مبرزا‭ ‬فيه‭ ‬حياه‭ ‬الطاغية‭ ‬الذي‭ ‬يبرر‭ ‬طغيانه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬تفاهات‭ ‬يدّعيها‭ ‬ثم‭ ‬نهايته‭ ..‬

وعن‭ ‬النص‭ ‬الأجنبي‭ ‬‮«‬النصب‭ ‬التذكاري‭ ‬لكولين‭ ‬واغنر‭ ‬يقدم‭ ‬عواد‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬نصه‭ ‬‮«‬أصوات‭ ‬الغابة”،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬محاكمه‭ ‬وممارسه‭ ‬التعذيب‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬‭(‬كريمة‭)‬‭ ‬‭(‬لزعور‭)‬‭ ‬الجندي‭ ‬القاتل‭ ‬والسفاح‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬ابنتها‭ ‬ونسوة‭ ‬أخريات،‭ ‬إلي‭ ‬أن‭ ‬تجبره‭ ‬المرأة‭ ‬بإذلاله‭ ‬حتى‭ ‬يستطيع‭ ‬العثور‭ ‬علي‭ ‬جثه‭ ‬ابنتها‭. ‬فتزهد‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬به،‭ ‬ويفترقان،‭ ‬وكأن‭ ‬الحساب‭ ‬بينهما‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬تصفيته‭ ‬لكي‭ ‬تظل‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬والحروب‭ ‬تهيمن‭ ‬على‭ ‬الأحوال‭.‬

وفي‭ ‬نص‭ ‬‮«‬كوكب‭ ‬الذكورة‭ ‬”‭ ‬لمختار‭ ‬شحاتة‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬هو‭ ‬نص‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬لوحات‭ ‬ولوحه‭ ‬أخيرة،‭ ‬والذي‭ ‬جاءت‭ ‬لوحاته‭ ‬ساخرة‭ ‬حول‭ ‬أساليب‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬‮«‬فيروس‭ ‬سي”‭ ‬‭(‬التهاب‭ ‬الكبد‭ ‬الوبائي‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يفتك‭ ‬بالآلاف‭ ‬من‭ ‬الضحايا،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬والمسؤولة‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العلاج‭ ‬الجديد،‭ ‬رغم‭ ‬تصريحات‭ ‬الوزير‭ ‬المسئول،‭ ‬ويتحول‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬مشاوير‭ ‬طويلة‭ ‬منهكة‭ ‬للمرضي‭ ‬دون‭ ‬الحصول‭ ‬علي‭ ‬أيّ‭ ‬علاج‭ ‬أمام‭ ‬لامبالاة‭ ‬الأطباء‭ ‬والموظفين،‭ ‬حتي‭ ‬ظن‭ ‬المرضي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العلاج‭ ‬مجرد‭ ‬وهم‭. ‬ويطرح‭ ‬الكاتب‭ ‬موضوعه‭ ‬ساخرا‭ ‬من‭ ‬الدعاية‭ ‬والإعلام‭ ‬الذين‭ ‬يهتفان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬بحب‭ ‬مصر،‭ ‬وتحيا‭ ‬مصر،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬والشعارات،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوظفها‭ ‬الكباريه‭ ‬السياسي‭ ‬والكاريكاتير‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستلزم‭ ‬‭(‬المباشرة‭)‬‭ ‬والخطابية،‭ ‬والخفة‭ ‬في‭ ‬التناول‭.‬

وفي‭ ‬مونودراما‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬القبو”‭ ‬لمصطفي‭ ‬تاج‭ ‬الدين‮ ‬‭ ‬الموسى‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والمقيم‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬،‭ ‬يقدم‭ ‬الكاتب‭ ‬نصه‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬مشاهد‭ ‬متتالية‭ ‬تحددها‭ ‬الإضاءات‭ ‬والإضاءات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬حيث‭ ‬يدور‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬قبو‭ ‬يختفي‭ ‬فيه‭ ‬هارب‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬فوق‭ ‬القبو‭. ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬أسرته‭ ‬‭(‬أخاه‭ ‬وأمه‭)‬‭ ‬لكنه‭ ‬يتشبث‭ ‬بالحياة،‭ ‬ولا‭ ‬يؤنسه‭ ‬في‭ ‬قبوه‭ ‬سوي‭ ‬قط‭ ‬حبسه‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬حديدي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬هذا‭ ‬القط‭ ‬الكائن‭ ‬الحي‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬القبو،‭ ‬فيبقي‭ ‬الجندي‭ ‬وحيدا‭ ‬بين‭ ‬صورة‭ ‬أو‭ ‬لوحة‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬وتمثال‭ ‬لأمرأة‭ ‬شوهاء‭.‬

في‭ ‬نص‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المطاعم”‭ ‬المتكون‭ ‬من‭ ‬فصلين‭ ‬لوجدي‭ ‬الأهدل‭ ‬من‭ ‬اليمن،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬الذكي‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الأخرى‭ ‬تأثرا‭ ‬في‭ ‬تصوري‭ ‬بالحوارات‭ ‬الذكية‭ ‬لتوفيق‭ ‬الحكيم

وفي‭ ‬نص‭ ‬‮«‬تغريبة‭ ‬ابن‭ ‬سيرين”‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬مفلح‭ ‬العدوان‭ ‬من‭ ‬الأردن‭ ‬كمونودراما‭ ‬يبدو‭ ‬فيه‭ ‬ذكاء‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬اختباره‭ ‬لشخصية‭ ‬ابن‭ ‬سيرين‭ ‬صاحب‭ ‬الكتاب‭ ‬التراثي‭ ‬‮«‬تفسير‭ ‬الأحلام”،‭ ‬إذ‭ ‬يعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬محنه‭ ‬ابن‭ ‬سيرين‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬فسر‭ ‬أحلام‭ ‬ومنامات‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬عداه‭! ‬ويكتشف‭ ‬ابن‭ ‬سيرين‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬أحدا‭ ‬يفسر‭ ‬له‭ ‬حلمه‭. ‬لكن‭ ‬تظل‭ ‬المونودراما‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تكتمل،‭ ‬واكتفى‭ ‬بعرض‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬ذكاء‭ ‬الاختيار‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬مونودراما‭ ‬‮«‬فكرة”‭ ‬لناهض‭ ‬الرمضاني‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬فتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬ذهنية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬الذهني‭ ‬حول‭ ‬ميلاد‭ ‬الفكرة‭ ‬والأفكار‭ ‬عموما،‭ ‬وقد‭ ‬أسرف‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬تداعياته‭ ‬الذهنية‭ ‬واختتمها‭ ‬بشكل‭ ‬درامي‭ ‬جيد‭.‬

وفي‭ ‬نص‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المطاعم”‭ ‬المتكون‭ ‬من‭ ‬فصلين‭ ‬لوجدي‭ ‬الأهدل‭ ‬من‭ ‬اليمن،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬الذكي‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الأخرى‭ ‬تأثرا‭ ‬في‭ ‬تصوري‭ ‬بالحوارات‭ ‬الذكية‭ ‬لتوفيق‭ ‬الحكيم‭. ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬شخصيه‭ ‬محوريه‭ ‬عبثية‭ ‬وشخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬عبثية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬مدير‭ ‬البنك”‭ ‬وهو‭ ‬مجرد‭ ‬صوت‭ ‬مؤذٍ‭ ‬للأذن،‭ ‬وتصرفات‭ ‬الجميع‭ ‬يحكمها‭ ‬منطق‭ ‬العبث،‭ ‬ويتجسد‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الصراع‭ ‬الشرس‭ ‬الدامي‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬الامتلاك‭ ‬والاستيلاء‭ ‬والسطو‭ ‬وحب‭ ‬السيطرة‭ ‬والمقاومة‭ ‬الضعيفة‭ ‬للإنسان‭ ‬الطيب‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬لتنتصر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬قوى‭ ‬الشر‭ ‬فيتحول‭ ‬إلي‭ ‬إرهابي‭ ‬قاتل‭..‬

وأخيرا‭ ‬نجد‭ ‬مونودراما‭ ‬‮«‬نوستالجيا”‭ ‬لصالح‭ ‬زمانان‭ ‬من‭ ‬السعودية،‭ ‬وهو‭ ‬رصد‭ ‬لإنسان‭ ‬عربي‭ ‬ممثل‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬المخرج‭ ‬عندما‭ ‬يربطه‭ ‬بحبل،‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬المنسحق‭ ‬تشتعل‭ ‬فيه‭ ‬نار‭ ‬الأخذ‭ ‬بالثأر،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إصابته‭ ‬بالعرج‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬أمه‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الموت‭ ‬الأخيرة‭ ‬فتعثرت‭ ‬قدمه‭ ‬وأصيب‭ ‬بالعرج‭. ‬وليكتشف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يطالبه‭ ‬بالثأر‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المسخ‭ ‬أي‭ ‬لوح‭ ‬ذو‭ ‬مسامير‭ ‬أصابه‭ ‬بكسر‭ ‬وجرح‭ ‬فأصيب‭ ‬بالعرج‭. ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬لم‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يجسد‭ ‬فكرته‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬عربي،‭ ‬ضالع‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬العربي،‭ ‬ومتورط‭ ‬وممسوس‭ ‬بفكرة‭ ‬الوجود‭ ‬والعدم،‭ ‬يحمل‭ ‬مرض‭ ‬النوستالجيا‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬في‭ ‬حاله‭ ‬حنين‭ ‬دائمة‭ ‬وعميقة‭ ‬لماضيه‭ ‬البعيد،‭ ‬الواقعي‭ ‬حيناً‭ ‬والافتراضي‭ ‬أو‭ ‬الخيالي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬آخر”،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أذكّره‭ ‬بمقوله‭ ‬الجاحظ‭ ‬‮«‬الأفكار‭ ‬ملقاة‭ ‬علي‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق”‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬فكرته‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬متنه‬‭.‬

تلك‭ ‬هي‭ ‬النصوص‭ ‬السبعة‭ ‬عشر‭ ‬التي‭ ‬تنوعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مسرح‭ ‬الفصل‭ ‬الواحد‭ ‬ذي‭ ‬اللوحات‭ ‬المتعددة‭ ‬،‭ ‬والمونودراما‭ ‬التي‭ ‬تتدخل‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬السرد‭ ‬والشعر‭ ‬والوثيقة‭ ‬والتشكيل‭ ‬عبر‭ ‬المونولوجات‭ ‬غير‭ ‬الدرامية‭ ‬للشخصية،‭ ‬إذ‭ ‬يفتقد‭ ‬أغلبها‭ ‬إلى‭ ‬الحسّ‭ ‬الدرامي‭ ‬القوي،‭ ‬ولا‭ ‬تتوفر‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬مسرحية‭ ‬الشخصية‭ ‬الواحدة‭ ‬أي‭ ‬دراما‭ ‬الممثل‭ ‬الواحد،‭ ‬وهي‭ ‬المسرحية‭ ‬المتكاملة‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬والتي‭ ‬تتطلب‭ ‬ممثلا‭ ‬واحدا‭ ‬أو‭ ‬ممثلة‭ ‬كي‭ ‬يؤديها‭ ‬كلها‭ ‬فوق‭ ‬الخشبة‭ ‬أمام‭ ‬المتفرجين‭ ‬،‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬المونودراما‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬فيها‭ ‬معايشة‭ ‬الموقف‭ ‬الحيّ‭ ‬والآني‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬ومواجهته‭ ‬في‭ ‬التو‭ ‬واللحظة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬المونودراما‭ ‬القوه‭ ‬والفاعلية‭ ‬ويساهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الحدث‭ ‬وإبراز‭ ‬ملامح‭ ‬الشخصية،‭ ‬وأشير‭ ‬إلى‭ ‬المسرحية‭ ‬المأخوذة‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬الأوروبي‭ ‬الحديث‭ ‬مثل‮ ‬‭ ‬نص‮ ‬‭ ‬‮«‬أصوات‭ ‬الغابة”‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬له‭ ‬مؤلفه‭ ‬عواد‭ ‬على‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬تكييف”‭ ‬عن‭ ‬‮«‬النصب‭ ‬التذكاري”‭ ‬لكولين‭ ‬واغنر،‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المصطلحات‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬تعريب‭ ‬واقتباس‭ ‬وإعداد،‭ ‬وهي‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬الحذف‭ ‬والإضافة‭ ‬والتحويل‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬محلية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وفق‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬متميز‭ ‬عواد‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬نصه‭ ‬المكيّف‭.‬

وتتعدّد‭ ‬الأشكال‭ ‬الدرامية في‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬مثل‭ ‬الأشكال‭ ‬الدرامية‭ ‬الأوربية‭ ‬الحديثة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مسرح‭ ‬اللامعقول‭ ‬أو‭ ‬العبث،‭ ‬استلهمتها‭ ‬نصوص‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الربيع‮»‬،‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار”،‭ ‬‮«‬كونتينر”،‭ ‬‮«‬صاحب‭ ‬الأثر”‭ ‬،‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬القبو”،‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المطاعم”،‭ ‬وأشكال‭ ‬أخري‭ ‬تنحو‭ ‬نحو‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬الحداثة‭ ‬مثل‭ ‬نصوص‭ ‬‮«‬نوستالجيا”،‭ ‬‮«‬فكرة”،‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬القبو”،‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار”،‭ ‬‮«‬أناشيد‭ ‬الربيع‭ ‬والخريف”،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬نصوصهم‭ ‬سعوا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الحداثة‭ ‬وهم‭ ‬بذلك‭ ‬يستكملون‭ ‬تجارب‭ ‬مسرحية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬نضجا‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬المسرحيين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينات‭ ‬والتسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بدت‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬توفيق‭ ‬الجبالي‭ ‬وعز‭ ‬الدين‭ ‬قنون‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وعبدالله‭ ‬السعدواي‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬روح‭ ‬جرينمو‭ ‬ومسرحيات‭ ‬أخرى”‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والتي‭ ‬تتحرر‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية‮ ‬‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتحول‭ ‬المسرح‭ ‬أحيانا‭ ‬إلي‭ ‬دلالات‭ ‬إيحائية‮ ‬‭ ‬وإشارة‭ ‬وأيقونية‭ ‬دون‭ ‬التزام‭ ‬بالإشكال‭ ‬التقليدية‭ ‬والمسرحية‭ ‬جيدة‭ ‬الصنع‭.. ‬لكن‭ ‬أغلب‭ ‬كتابنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬يتمركزون‭ ‬تقريبا‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬القاهر‭ ‬والمقهور‭ ‬والسيد‭ ‬والعبد‭ ‬وتقزم‭ ‬الفرد‭ ‬أمام‭ ‬سلطة‭ ‬غاشمة‭.. ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬استعمارية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬‮«‬العبودية‭ ‬المختارة”‭ ‬التي‭ ‬اختارتها‭ ‬عن‭ ‬رضوخ‭ ‬أو‭ ‬رضا،‭ ‬وكذا‭ ‬تعكس‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬ما‭ ‬تضج‭ ‬به‭ ‬منطقتنا‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وتشرذم‭ ‬وانشقاق‭ ‬وطائفيه‭ ‬وداعشية‭ ‬تنشر‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وهجرات‭ ‬جماعية‮ ‬‭ ‬والآلاف‭ ‬من‭ ‬القتلى‭..‬


لوحة: وليد نظامي

أما‭ ‬نص‭ ‬‮«‬أكاذيب‭ ‬صغيرة”‭ ‬لدرويش‭ ‬الأسيوطي‭ ‬ونص‭ ‬‮«‬كوكب‭ ‬الذكورة”‭ ‬لمختار‭ ‬سعد‭ ‬شحاته‭ ‬فيعكسان‭ ‬واقعا‭ ‬مصريا‭ ‬غارقا‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬واللامبالاة،‭ ‬لكنهما‭ ‬اكتفيا‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬المعش‭ ‬واليومي،‭ ‬وإن‭ ‬خلطا‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭ ‬وتناقضاته‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬الصور‭ ‬والإعلانات‭ ‬في‭ ‬‮«‬كوكب‭ ‬الذكورة”،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اللجوء‭ ‬في‭ ‬النصين‭ ‬إلى‭ ‬اللهجة‭ ‬العامية‭ ‬اليومية‭ ‬كان‭ ‬لإثارة‭ ‬مرارة‭ ‬السخرية‭.‬

وفي‭ ‬مغامرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬الجديدة‭ ‬تثرى‭ ‬الحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬برؤي‭ ‬وأفكار‭ ‬ولغات‭ ‬فنيه‭ ‬تعكس‭ ‬التموجات‭ ‬الكبرى‭ ‬للمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والتحولات‭ ‬الجارية‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬عنيفا‭ ‬عنفا‭ ‬مذهلا،‭ ‬ويشكل‭ ‬بالتالي‭ ‬تحديا‭ ‬للنصوص‭ ‬والمخيلات‭ ‬معا‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تنتمي‭ ‬بوقائعه‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬التراجيديا‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرفنا‭ ‬المسرح‭ ‬بشكله‭ ‬الغربي‭ ‬منذ‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمع‭ ‬دخولنا‭ ‬في‭ ‬حركه‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬حلّ‭ ‬مشكلات‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬لأن‭ ‬الحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التبادل‭ ‬والعطاء‭ ‬والأخذ‭ ‬حتي‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬جانبنا‭ ‬فقط‭. ‬فيصبح‭ ‬المحك‭ ‬الأساسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬هو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تضعنا‭ ‬أمام‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه،‭ ‬وتضعنا‭ ‬أمام‭ ‬أفعالنا،‭ ‬وأن‭ ‬نستخدم‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬وظيفتها‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬وفي‭ ‬التفكير‭ ‬مسافة‭ ‬كافيه‭ ‬تتيح‭ ‬لنا‭ ‬القدرة‭ ‬علي‭ ‬تناول‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭. ‬فنصبح‭ ‬أسيادا‭ ‬له‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬حرية‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬ويتطلب‭ ‬تزاوجا‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬المسرحي‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬وتعقيدات‭ ‬التوازنات‭ ‬التي‭ ‬يقتضيها‭ ‬مشروع‭ ‬المزاوجة‭.. ‬بمعني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لأن‭ ‬نتوقف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬ذواتنا‭ ‬ومتأملين‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬نقدية‭.‬

ونحن‭ ‬في‭ ‬مغامرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬عربي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬الذي‭ ‬تضمنته‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الجديد”‭ ‬وفي‭ ‬رحله‭ ‬تقصّي‭ ‬الأحوال‭ ‬الراهنة‭ ‬لظاهره‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬أربعه‭ ‬نصوص‭ ‬جادة‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬والمغرب‭ ‬وتونس‭ ‬والأردن‭. ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬تقترب‭ ‬حداثياً‭ ‬من‭ ‬العورة‭ ‬وعالم‭ ‬الصور‭ ‬العربية‭ ‬الخاصة‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬وأنها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أنطولوجيا‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬وجود‭ ‬المسرح‭ ‬تنتمي‭ ‬جميعها‭ ‬لثقافة‭ ‬بعينها‭ ‬هي‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬وحاضر،‭ ‬ومن‭ ‬أعماق‭ ‬وظلال‭ ‬ورؤى‭ ‬وملامح،‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬واقعنا‭ ‬الذي‭ ‬علينا‭ ‬اكتشافه‭ ‬بمطلق‭ ‬الحرية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬جمود‭ ‬الرؤية‭ ‬واللامبالاة‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬‮«‬ذئب‭ ‬البوادي”‮ ‬للعراقي‭ ‬حازم‭ ‬كمال‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬بطلا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬العصور‭ ‬الغابرة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬في‭ ‬تراتب‭ ‬لا‭ ‬منطقي‭ ‬بين‭ ‬الصور‭ ‬الغابرة‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬وفي‭ ‬حوار‭ ‬نشط‭ ‬وسريع‭ ‬وسرد‭ ‬مليء‭ ‬بالصور‭ ‬المثير‭ ‬للخيال‭ ‬يلتقي‭ ‬ذئب‭ ‬البوادي‭ ‬بالمرأة‭ ‬‭(‬ابنه‭ ‬شيخ‭ ‬الجان‭)‬‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬وهي‭ ‬العائدة‭ ‬إلى‭ ‬مدينه‭ ‬تدمر،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تختفي‭ ‬فجأة‭ ‬فيسعي‭ ‬البطل‭ ‬لكي‭ ‬يسرق‭ ‬خاتمها‭ ‬الذهبي‭ ‬‭-‬الخاتم‭ ‬الدمشقي‭-‬‭ ‬كي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الهرب‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬لكنها‭ ‬تعود‭ ‬وتواقعه‭ ‬وتخفيه‭ ‬في‭ ‬جرة‭ ‬ويفشل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الخاتم،‭ ‬ويهرب‭ ‬ثانيه‭ ‬ليأتيه‭ ‬الراعي‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬له‭ ‬أوامر‭ ‬تنفيذ‭ ‬مهمة‭ ‬كلفته‭ ‬بها‭ ‬إدارة‭ ‬المخابرات‭ ‬العامة وهي‭ ‬أن‭ ‬يستنبت‭ ‬الصقور‭ ‬في‭ ‬بادية‭ ‬الشام،‭ ‬ويحاول‭ ‬ويفشل،‭ ‬لكن‭ ‬المرأة‭ ‬الجنية‭ ‬تنجب‭ ‬له‭ ‬صقرا‭ ‬بعد‭ ‬مواقعتهما،‭ ‬ويهرب‭ ‬إلى‭ ‬الأحراش‭ ‬فتطارده‭ ‬التعاليم‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الأمنية‭ ‬بأن‭ ‬ينفذ‭ ‬سرا‭ ‬خلق‭ ‬الرمال‭ ‬لكي‭ ‬تزحف‭ ‬على‭ ‬المدن،‭ ‬وأصبح‭ ‬واجبا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يخفي‭ ‬الأسرار‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬في‭ ‬مخابئ‭ ‬أخرى،‭ ‬ويأتيه‭ ‬الراعي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬فيقتله‭.. ‬فتكشف‭ ‬له‭ ‬المرأة‭ ‬الجنية‭ ‬أن‭ ‬الراعي‭ ‬كان‭ ‬يأتيه‭ ‬على‭ ‬هيئتها‭ ‬الإنسية‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬لذا‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬قتلها،‭ ‬وتهرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬من‭ ‬إصبعها‭ ‬الخاتم‭ ‬الدمشقي‭ ‬فيهرع‭ ‬لالتقاطه‭ ‬لكنه‭ ‬يتدحرج‭ ‬بعيدا‭ ‬عنه‭.. ‬إذ‭ ‬يمتزج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬عوالم‭ ‬البشر‭ ‬والجان،‭ ‬والماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬والواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬الممسوس‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬ذئب‭ ‬البوادي‭ ‬أي‭ ‬شيخ‭ ‬الجان‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬قلب‭ ‬الأرض‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬هو‭ ‬وصورتاه‭ ‬الجنية‭ ‬والبشرية‭ ‬وجيوشه‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والخاتم‭ ‬وقلب‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭.. ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬صياغة‭ ‬ونسيج‭ ‬عربي‭ ‬حداثي‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الغيبيات‭ ‬والسحر‭ ‬الشرقي‭.. ‬يقابله‭ ‬الوعي‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ .‬

وثاني‭ ‬النصوص‭ ‬نجد‭ ‬مقطعا‭ ‬قصيرا‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬النوافذ”‭ ‬لحسن‭ ‬المؤذن‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وهي‭ ‬تجرة‭ ‬يبدو‭ ‬فيها‭ ‬زخم‭ ‬الصورة‭ ‬الدرامية‭ ‬وجماليات‭ ‬اللغة،‭ ‬ويبدو‭ ‬المقطع‭ ‬تجربة‭ ‬كاشفة‭ ‬لواقع‭ ‬حي‭ ‬يتبدى‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬الشيخ‭ ‬والجوق،‭ ‬تتكشف‭ ‬فيه‭ ‬صوره‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬المختل‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬عشبة‭ ‬مسكرة‭ ‬تجعله‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬المسالك‭ ‬جمرا‭ ‬والمدى‭ ‬مقبرة‭!‬”‭.‬

وثالث‭ ‬النصوص‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الأولى‭-‬السيرة‭ ‬والذات”‭ ‬لزيبر‭ ‬بن‭ ‬بوشتة‭ ‬من‭ ‬المغرب‭. ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬لوحتين‭ ‬يربط‭ ‬بينهما‭ ‬حاضر‭ ‬وماض‭. ‬اللوحة‭ ‬الأولى‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مهجور‭ ‬يشبه‭ ‬خلاء‭ ‬أو‭ ‬مقبرة‭ ‬بلا‭ ‬أيّ‭ ‬انتماء‭ ‬ديني‭ ‬حيث‭ ‬تستقبل‭ ‬حارسة‭ ‬المقابر‭ ‬مريودة‭ ‬جثه‭ ‬الروائي‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬شكري‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الخبز‭ ‬الحافي”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬والذي‭ ‬استهان‭ ‬بمحرمات‭ ‬السياسة‭ ‬والجنس‭ ‬والدين‭ ‬فتعيد‭ ‬مريودة‭ ‬اكتشاف‭ ‬شخصيه‭ ‬المبدع‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬تمثال‭ ‬بملابسه‭ ‬الكاملة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقليب‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬معطفه،‭ ‬وتقترب‭ ‬منه‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬وتتأمله‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتبادل‭ ‬معها‭ ‬الحديث‭.. ‬وكأنه‭ ‬قد‭ ‬بعث‭ ‬حيا‭ ‬يجلس‭ ‬إلى‭ ‬المقهى‭ ‬ويتأبط‭ ‬صندوق‭ ‬ماسح‭ ‬الأحذية،‭ ‬تلك‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمتهنها‭ ‬في‭ ‬طفولته،‭ ‬وتنتهي‭ ‬اللوحة‭ ‬بلقطه‭ ‬ساكنة‭ ‬وساحرة‭ ‬توحي‭ ‬بخلود‭ ‬المبدع‭ ‬بينما‭ ‬تورد‭ ‬اللوحة‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقرر‭ ‬الكاتب‭ ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الثالثة‭.. ‬وردة‭ ‬أرناها‭ ‬أريجها”،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬مغارة‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬بحر‭ ‬متلاطم‭ ‬الأمواج‭ ‬حيث‭ ‬يحدّث‭ ‬أنطيوس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مونولوج‭ ‬طويل‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬أمه‭ ‬الأرض‭ ‬وأباه‭ ‬نبتون‭ ‬إله‭ ‬البحر،‭ ‬وقد‭ ‬حكم‭ ‬الإله‭ ‬هرقل‭ ‬على‭ ‬أنطيوس‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬له‭ ‬كيف‭ ‬يحكم‭ ‬العالم‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬الكون‭.. ‬فتظهر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬يأسه‭ ‬حبيبته‭ ‬طنجيس‭ ‬فيتعانقان‭ ‬عناق‭ ‬روح‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬كأنهما‭ ‬روحان‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬واحد،‭ ‬وتتردد‭ ‬قصيده‭ ‬أبو‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬من‭ ‬أهوى‭ ‬ومن‭ ‬أهوى‭ ‬أنا”،‭ ‬وكأن‭ ‬طنجيس‭ ‬قد‭ ‬أنقذ‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬عبودية‭ ‬هرقل‭ ‬بالفناء‭ ‬في‭ ‬الحب‭.. ‬وهي‭ ‬رؤية‭ ‬تتبدى‭ ‬فيها‭ ‬كونيه‭ ‬الرؤى‭ ‬ذات‭ ‬أصول‭ ‬إنسانيه‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬استطاع‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬لوحتين‭ ‬دالتين‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ترتبطان‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬لكنهما‭ ‬ترتبطان‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭ .‬

ورابع‭ ‬النصوص‭ ‬هو‭ ‬‮«‬تغريبة‭ ‬ابن‭ ‬سيرين”‭ ‬مونودراما‭ ‬لمفلح‭ ‬العدوان‭ ‬من‭ ‬الأردن،‭ ‬وهي‭ ‬نموذج‭ ‬جيد‭ ‬للمونودراما‭.. ‬تتوفر‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬النص‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬ينبض‭ ‬بالتحول‭ ‬والتغير،‭ ‬وبدت‭ ‬في‭ ‬ذكاء‭ ‬اختياره‭ ‬لشخصيه‭ ‬ابن‭ ‬سيرين‭ ‬صاحب‭ ‬الكتاب‭ ‬التراثي‭ ‬‮«‬تفسير‭ ‬الأحلام”‭ ‬الذي‭ ‬نهض‭ ‬حيا‭ ‬أمامنا‭ ‬ليعيد‭ ‬حساباته‭ ‬مع‭ ‬ماضيه‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬محنة‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬فسر‭ ‬أحلام‭ ‬كل‭ ‬الناس،‭ ‬وفجأة‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬أحدا‭ ‬ليفسر‭ ‬له‭ ‬حلمه‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬حياته،‭ ‬مصدّرا‭ ‬لنا‭ ‬حيرته‭ ‬وأزمته‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬إلينا‭ ‬لكي‭ ‬نشاركه‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬لها‭. ‬فالنص‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬المتلقي،‭ ‬ويستحثه‭ ‬على‭ ‬بذل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬العلامات‭ ‬الدالة‭ ‬وشبكه‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تتخلل‭ ‬نسيج‭ ‬النص‭.‬

أتصور‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬الأسئلة‭ ‬والإشكاليات‭ ‬حول‭: ‬هل‭ ‬صار‭ ‬لدينا‭ ‬مسرح‭ ‬عربي؟‭ ‬وهل‭ ‬تمكنت‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬التأسيس‭ ‬لمسرح‭ ‬عربي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضاهي‭ ‬بجمالياته‭ ‬وخصوصياته‭ ‬التجارب‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬عربي‭ ‬معاصر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعالج‭ ‬ويعرض‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهل‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬بأن‭ ‬نعترف‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الجديد”‭ ‬التي‭ ‬حاولنا‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أنها‭ ‬أمثلة‭ ‬وليست‭ ‬ظاهرة‭ ‬بل‭ ‬مجرد‭ ‬أمثله‭ ‬قد‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ظواهر‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬وتنفتح‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬تثري‭ ‬الحركة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬برؤى‭ ‬وأفكار‭ ‬ولغات‭ ‬فنية‭ ‬تعكس‭ ‬التموجات‭ ‬الكبرى‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الكبرى‭ ‬والتحولات‭ ‬الجارية،‭ ‬وبعضها‭ ‬عنيف‭ ‬عنفا‭ ‬مذهلا،‭ ‬ويشكل‭ ‬بالتالي‭ ‬تحديا‭ ‬للنصوص‭ ‬والمخيلات‭ ‬معا،‭ ‬وهو‭ ‬ينتمي‭ ‬بوقائعه‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬التراجيديا‭ ‬الإنسانية؟

وفي‭ ‬تصوري‭ ‬أن‭ ‬الأسئلة‭ ‬والإشكاليات‭ ‬هذه‭ ‬مازالت‭ ‬تطرح‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المسرحية‭ ‬والثقافية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬،‭ ‬وستظل‭ ‬تطرح‭ ‬دائما‭ ‬لأن‭ ‬هويتنا‭ ‬المسرحية‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬ماض‭ ‬نتصوره‭ ‬مثاليا،‭ ‬أو‭ ‬نوغل‭ ‬فيه‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬جذورنا‭ ‬المفقودة‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬تكون‭ ‬توكيدا‭ ‬ملحّا‭ ‬وجارفا‭ ‬لقيم‭ ‬أفكار‭ ‬شخصياتها‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬والشعور‭ ‬بالدونية،‭ ‬وتؤكد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الموضوعي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬حيويا‭ ‬ومتحركا‭ ‬ومتعدد‭ ‬الأوجه،‭ ‬ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬التوكيد‭ ‬للذات‭ ‬تحررا‭ ‬ثوريا،‭ ‬وصنع‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬متحررا‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الثقافي‭ ‬والتبعية‭ ‬المسرحية،‭ ‬والمطلوب‭ ‬الآن‭ ‬تمثيل‭ ‬واع‭ ‬وناقد‭ ‬لخطابنا‭ ‬الثقافي‭ ‬المسرحي،‭ ‬ولهذا‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬الدعوات‭ ‬المتأنية‭ ‬برفض‭ ‬المؤثرات‭ ‬الخارجية‭ ‬تمثل‭ ‬قصورا‭ ‬زائفا‭ ‬لدى‭ ‬النقاد‭ ‬والمسرحيين‭ ‬والذي‭ ‬تمتد‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬الاتجاه‭ ‬المتزمت‭ ‬والمحافظ،‭ ‬وترجع‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الخوف‭ ‬وعدم‭ ‬الثقة،‭ ‬فيكون‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬الاختلاف‭ ‬والمعايرة‭ ‬السطحية‭.. ‬إذ‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬تأتينا‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.. ‬فمشكلات‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حلها‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬منعزلة‭.. ‬فنحن‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬‭-‬والعالم‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭-‬‭ ‬مسرحا‭ ‬حقق‭ ‬إنجازات‭ ‬مسرحية‭ ‬واضحة‭ ‬عبر‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬قرنا‭ ‬من‭ ‬التطورات‭. ‬لهذا‭ ‬فهو‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬معيار‭ ‬الأخذ‭ ‬والعطاء‭ ‬إذ‭ ‬وجدنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الغربيين‭ ‬وغير‭ ‬الغربيين‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬الآسيوي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬المسرحية،‭ ‬والمواد‭ ‬المسرحية‭ ‬الخام‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأميركا‭ ‬الجنوبية‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التبادل‭ ‬والأخذ‭ ‬والعطاء‭ ‬والازدهار‭ ‬وتنوع‭ ‬المدارس‭ ‬والأشكال‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.