هواء خفيف
خروجٌ من باب
دمي المضطرب يملأ يدي
ليتني لمْ أكنْ هنا
لا اليومَ
ولا أمس،
وهذا النور المُراهقُ
ليته، وراء الكيلومترات، في الطَّلْقِ الميت
لم يكن إلا الضائعَ من سنواتِ الضوء.
واقعة قديمة
جئتِ في العربةِ الخشبِ
على الطريق متربةً وصائحةً
وتألّقتِ في الغارِ
جبين النهار كان حقلاً لحاجبكِ
والوقت يتباطأ
ويتلألأ
على العتباتِ
لينهل من مروركِ.
العيون تودِّعُ القرمزيَّ وشاحكِ. جمالكِ البرقُ؛
الشمسُ في منعطفٍ.
لا تنظر. قال صمتكِ لهواءِ الطريق،
أنا لست هنا
سَكَنْتُ الدقائقَ، وخطوتُ تحت الزمن.
أنا
البُرْهُةُ
تتقطَّرُ
في خالصٍ
والوقتُ وهو يشربُ نورَ الواقعةَ.
المحاولة القصوى
آخذك إلى النَّهر لتغتسلي بالكلماتِ
النُّور صَوتُ الحَصى، والغَسَقُ صمتك.
ولنْ أَرْجِعَ عن نظرةٍ
حتى أرى ما وراءَها.
لستِ هناك لكنَّه الضوءُ في النَظْرَةِ
الولهُ،
مَرَحُ القَدَمِ
وهي تَطَأُ السلَّم
وتصعدُ
في
شمسِ
المئذنة.
تَصِلينَ بالشرائطِ ومعك اسمكِ
وتفوزين بالضُّحى ممدداً في الرُّخام.
نومُكِ في صبيحةٍ بعد ليلٍ
وولادتكِ من جُرْحٍ في غَسَقِ يدي.
أنشودة الطفلات الثلاث في الطريق
ثلاثُ طفلاتٍ شاميَّات عَقَصْنَ شعورهنَّ
بالشرائط سوداءَ
وجلسنَ في مَيْعَةِ النَّهار
الأجنحةُ تتلطَّفُ، والقَدَرُ يلمعُ على الأغصانِ
من منهنَّ عَرَفَتْ مصيري؟
من منهنَّ كان مصيري في غَيبِ راحتها؟
الأرنبُ البريُّ أنشبَ أظافرَه في جذعِ الشَّجرةِ
والهلالُ تَبَسَّم للغُروبِ
عينُ الحدأةِ ترمقُ الطريقَ
والفراغُ يسمعُ
ويتقهقرُ
هواءُ الفجرِ يمرُّ على الصمتِ ويفتِّح أزهارَه.
نومكِ وراءَ نافذةٍ حكايةٌ أطولُ من شتاءٍ في غابةِ.
نومُكِ
وسهري في نارِ الجَبل.
الجُنْدبُ زاغَ في البَصر،
يا للألمِ، وخزُهُ في ضَميرِ الحقلِ
همسُ ظلالٍ على حَريرٍ هاربٍ تحتَ يدكِ،
أسى الهاوياتِ
وعيني تُبصر وتَرى ظلالاً وأَحصنةً،
عَرباتٍ
تَتَحدَّرُ من أَعلى الفرات.
نعلك الأصفر
في الأرضِ الأخرى، جهةَ الزنابقِ، في حقلِ وراءَ بيتٍ آخر، في الأَبكرِ من سريركِ،
واليدُ الطبيعةُ تلمسُ الغطاءَ، تهزُّ الخفيفَ نومَك،
الكلبُ الزِّينَةُ بأسنانهِ المرحة يحملُ نعلك إلى حافَّة السَّرير.
أَحدُ السَكينة، بلا جيران..
في المطبخِ أُعدُّ القهوةَ، وأعيدُ القمرَ إلى أغنيةِ المغني.
وفي الغرفة، لما أخطو، أرى بعدَ نومكِ عند السرير ما تزلَّقَ في نومِكِ عندَ النَّهر.
ومن النافذةِ حيثما مَرَرْتُ خَطفاً وراءَ طيفٍ أو نعمةٍ لمحتُ من وراءِ غطاءٍ قدميكِ المضيئتين في نعلكِ الأَصفر.
إيكاروس يهبط في ميدجين
إلى أطاأول بهرام أوغلو
اليومَ بعدَ الظهر،
في المساءِ
قبلَ غُيوم الليلِ
رأيتُ النائمَ في الرَّصيفِ يَحْلُمُ بحقلِ الذُّرة
والسماءُ السَّكرى برائحةِ الماريوانا، تُغطِّيه بلحافٍ طويلٍ مُلَوَّنٍ
سأَلْتُكَ أَنْ نَهوي من سنواتنا المتأخِّرةٍ إلى سنواتنا المبكِّرة
ونمشي في شوارعَ شقَّتها قَصائدُنا بمعاولَ فلاحينَ تركناهمُ على مقاعدَ في قرى بعيدةٍ
أَعْبُرُ الشارعَ، وأَتْرُكُكَ ورائي،
أَنيقاً،
مُتأنّياً
قدماكَ في المَطر،
وقلبُكَ الطِّفْلُ في صفحةِ الموناليزا
بِمَ كُنْتَ تُفَكِّرُ، قَبل أنْ تُتَمتم: يا لها من نهاية مُدهشة!
النائمُ في حَقل الذُّرة
يتقلَّبُ،
والسَّماءُ السَّكْرى تَتَلقى الصَّرخَةَ،
أَتلفَّتُ،
وأَراكَ ورائِيَ،
وراءَ حبّاتِ المَطرِ،
على طَرَفٍ آخرَ
بلا مظلَّةٍ،
وفي عينيكَ مَرَح حَقْلٍ بَعيد.
المَطر يُطَيِّشُ الخُطى، المَطر يَغسل الرَّصيفَ والخطواتِ،
أَتلفَّتُ،
وأَراكَ،
أَعْبُرُ
وأَلمَحُكَ..
وفي لَمْحَةٍ أُخرى
كما لو كُنتَ إيكاروس الذي هوى،
وسقط
للتوِّ
قُرْبَ بُحيرة
أُسارعُ لأَتلقاكَ،
وأَكتشفُ أننا طائفانِ معاً على أسفلتٍ خائف.
يدي تحتَ رأْسكَ النَّازف،
وطولُك الفارعُ يُرسل ارتجافَتَه إلى آسيا البعيدة
لكنَّ كتفكَ يُشْبِهُ شَظِيَّةَ صَخْرٍ
على مُنْعَطفٍ
في جبلٍ
والمَطَرُ يَغْسِلُ الأكمات والأشجار
ويتلوَّى على الإسفلت.
المَطَرُ الضَّجْةُ والصَّخَبُ وهواءُ الجَبَلِ الهاربِ بالأصوات
والمطرُ الإخوةُ المولودون في الخَطَرِ، يفردون تحتَ قطعةِ السَّماءِ الداميةِ مظلةً داكنةً
ويَتحوَّلونَ كُلُّهُمُ إلى غيمةٍ مُلوَّنَةٍ.
هل هذا حادثُ سَيْرٍ وقعَ للتوِّ في نصفِ مترٍ في مدينة
أَم سَطْرٌ كئيبٌ في كتابٍ قديم.
تقلَّبتَ
كِدْتَ أَنْ تَتَقَلَّبَ
في
أَلَمٍ
مبهم
وسألتكَ إنْ كُنتَ تراني
أو كنتَ تَسْمَعُ
إذْ ذاكَ ليسَ ثَمَّةَ مَرَحٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْبِهَ مَرَحَ شَفَتَيْكَ وهُما تُرَدِّدَانِ:
يا لها من نهاية مدهشة!
طَلَبْتَ نَظَّارَتَكَ، لتَتَعَرَّفَ مَنْ أَكون!
قُلْتُ: أنا شاعرٌ من سوريا المدفونةِ بين جلدتي كِتابٍ مُمَزَّقٍ،
ومُحْترقةً كما احترقتْ طروادة.
حَلْقُكَ كانَ جافَّاً
وشائِكاً،
لكنَّ شفتيكَ المُبَلَّلَتَيْنِ بالمَطر رَدَّدَتا اسمي متقطعاً:
ن و ر ي.
ثُمَّ بخفَّةِ ريشةٍ هَوَتْ على صِحافٍ ضاحكٍ: صديقي السوري.
وأَخالكَ تَذَكَّرْتَ العَسْكَريَّ التُّرْكيَّ في كتابِ كازانتزاكيس "الحرِّيَّة أو المَوت".
أَيْنَ نَحْنُ الآنَ؟
أَيْنَ كُنّا الآنَ؟
في ميدجين، بين جبالٍ صغيرةٍ، وقصائدُنا صيحاتٌ مُلَوَّنَةٌ
هي والأجنحةُ.
ولا شيءَ،
لا شيءَ آخرَ سوى وصولِ عربةٍ ضاحكةٍ في المَطر.
والآن، الرؤوس كُلُّها تحتَ مظلَّةٍ عملاقةٍ تنظرُ بجزعٍ قامتَكَ المَديدةَ
مستلقيةً في المَطر
وفيفيان اللطيفةُ تسندُ المظلَّةَ
بيدٍ ترتجفُ،
ومُعِز برأْسهِ الذي يُشْبِهُ غيمةً مرحةً
يُرَدِّدُ بالفرنسيةِ:
الأمبولانس، الأمبولانس.
-لكنْ، قلْ لي، أَخيراً، من ذا الذي أسرى بكَ مِن استانبول لتكون، هنا،
في ميدجين بين جبالٍ وحشيَّةٍ تُنادمُ غيوماً مثقلةً بالأمطار؟
قطراتُ دَمك التي ملأتْ راحتي
وطَفَرَتْ على الأسفلت
وميَّعها المَطَر
هَتَفَتْ بي:
لا
تَغفو
إيكاروس،
لا
تَغفو.
الأمبولانس أَرْسَلَ بوقَهُ
والممرضاتُ اللطيفاتُ وصلنَ ومعهنَ مساعدون بعضلاتٍ رياضيةِ
يحملون إِبرةَ البَنج.
ثمَّ نُعَاسٌ لذِيذٌ
يُشبهُ خَدَرَ سماءٍ تتقلَّبُ على سريرٍ
تحتَ شجرةِ الماريوانا.
هُدُوءٌ أبيضُ
وشوشاتُ موناليزاتِ صغيراتِ،
خُطى على رؤوسِ الأصابعِ وراءَ أبوابٍ زجاجيةٍ،
أَسئلةٌ مُبْهَمَةٌ
ابتساماتٌ شاحبةٌ.
الطبيبُ، مِن بَعْدُ، بوجهٍ متورّد سيولدُ هو الآخرُ في البابِ،
وفي يدهِ صورةٌ لقامتكَ الآسيويَّة
ومن وراءِ الزجاجِ
الموناليزا الصَّغيرةُ ترسلُ لكَ قُبْلَةً صامتةً.
على الطَّرفِ الآخرِ مِنَ البُرهةِ
وقَبْلَ أَن تتوارى
الموناليزا
تتلفَّتُ، وتنهضُ في هواءِ المرآةِ
فَمُها
غيمةٌ ملونةٌ
وفي عينيها المرحتينِ
شعراءٌ كهولٌ يطيرونَ عندَ النَّوافذ في هواءٍ مُخَدَّر
ويسقطونَ سُكارى في سراويلَ مُبَلَّلَةٍ بالمَطَر.
حَقْلُ الذُّرَةِ يملأُ خًيالَ النَّائِم.
تخطيط: حسين جمعان
في القطار
الأَنعامُ تمرحُ تحتَ الغيمِ
خلاصةُ ما كادَ يملأُ عينَ المسافرِ
بترابٍ قديمٍ
نَهَمُ الفِكرةِ تَنْهَبُ ما تلكَّأَ في المَنْظَر.
لا أحد في دلفي هذا اليوم
I
أَدفعُ العجلةَ لأكون أبْكَرَ
هنا
في المَعبد
الهضابُ غمرتْ السفحَ بهمسِ النائماتِ في حقلِ الزيتون
وبينما العشاقُ يهيمونَ على خاصرةِ الوادي
والأوهامُ تتوارى وتنظرُ من مكامن أزهرت،
بينما الماءُ يتسرَّب كحريرٍ خائفٍ
النبوءةُ تفلِّقُ الحَصى.
II
صباحٌ يُشبهني
أَنظره في سِعَةِ الهاربِ
وأَرى شعلةً في يدٍ داميةٍ
وفتى على عربةٍ في سفحٍ
وبينما التلالُ المحيطةُ تترقَّبُ، بينما نسمةُ الهواءِ
والسيفُ على العجلةِ
والضلعُ الصائحُ،
بينما الهواءُ بعد طعنةٍ
السهمُ التماعةُ أجَلٍ في فراغٍ.
III
لا دمَ ولا قنوات
لا غارَ
ولا خطى حتى في جنباتِ الصيحةِ،
لكأنَّ الهواءَ مرّ على الوجوهِ
ومَحا،
ومرَّ على النبوءةِ
وتخبَّطَ في دمٍ.
***
صباحٌ يُشبهني
يشبهُ صعودي ويشبِه سؤالي،
هو يبكِّرُ
وأنا أتأخَّرُ
أَصِلُ في الموعدِ لأكونَ فَلْقَةُ الصَّخرِ، دَمَ الأُضحيةِ.
IV
أينَ هي الروحُ المنصتُ، الروح الصخرةُ المنصتةُ، الروحُ الأكمةُ الراكضةُ لتستطلعَ
أين هي؟
أين هي؟
السماءُ الظلُّ الحارسُ
الوردةُ المحتجبةُ في فتنةِ السِّرِّ، وعندها الكلمات؟
الرخامُ يهمسُ، والهواءُ يبصرُ ويتحطَّمُ.
V
في أيِّ يومٍ نحنُ؟
لا قلبَ لي
قالَ الهاربُ
لم يعدْ لي قلبٌ
لأَتَذَكَّر.
تخطيط: حسين جمعان
هالةُ جسدٍ
ربَّاه
في ضوءِ الصُّبح
الصَّمْتُ
هالَةٌ،
وصْفُ
جالسٍ
في
أثرٍ .
رباهُ، حرِّر يدي من هذه الفكرة،
خُذْ قدمي من نور هذا الشَّرك،
خذني،
من الأوَّل،
في خفَّةِ ما كنتُ.
ما الذي جنيتُ،
رباه؛
الرياشُ غَمَرَتْ يقظتي،
فزهوتُ
والآن، لكأَنَّني الربيعُ نهاراً، فوحُ نهارٍ في جنازةٍ.
الصِّبْيَةُ يدفعونَ جهةَ الحقلِ،
والعربةُ تغوصُ في شتاءٍ مضى.
الأوهامُ تعصفُ، والتُّرابُ بقامتهِ المديدةِ ينهضُ ويفوزُ بنورِ الزهرة.
حرِّرْ يَدِي من صنيعها، رباهُ، وعينِيَ مما ترى
الظِّلالُ الباردةُ امتصتْ نورَ البيتِ،
وفي جنباتِ الحديقةِ
خطوتي
يتيمةٌ
كغبشِ الفَجْرِ.
الآنَ أجلسُ في كُرْسيٍّ قديمٍ، وأمامي صبيٌّ نائمٌ ومبْتَسمٌ،
رباهُ،
أهو أنا في يوم؟
العندليبُ تركَ ريشتَه السوداءَ في الصَّامتِ كتابي
اليوم، أيضاً، خيط الشَّمْسِ لعَينيَّ الهاربتينِ.
برق
كلَّما اصطادتْ قدمي
زلَّةٌ
تركتني أتعرّفُ الأمل.
***
يومي معك
عندَ الأكمةِ
تلكَ
وكذلك في السوق
فراشةٌ
تُشْبِهُ سماءً في فخٍ.
عند البحر
أروحُ البَحرَ
في جَسَدي خَيالٌ مِنْك
يَنْحَلُّ
ويملأُ قامتي بَرْقٌ
وأَخْضَلُّ
وحينَ أَعُودُ مِنْ نَفْسي
لألْقَاك
أرى نفسي على ميلٍ
وفي رُوحي خَيَالٌ مِنْك يَنْسَلُّ
أجنحة إيكاروس وقارب عوليس
لو أنني لم أكنْ في نورِ تلك الخطوة
ولا ذلك الحاجب.
والآن، يا للقلبِ السَّمكةِ، القلبِ البرهةِ المتلألئةِ
تقطرُ
وراءَ
الصُّوَر
وتتفشى في عتمةٍ.
لو أنني استطعتُ أن أستبقي ذلك اليوم،
أن لا أتركَه
يُفلتُ
ويفتحُ لكِ الطريقَ.
لو كنتُ استطعتُ أن لا أكون هنا،
أن لا تكون عيني
هنا،
ولا خطوتكِ على أرض نهاري،
لكن عقربَيْ الوقت،
ومعهما الزمنُ الكبيرُ انحنى وتشرّف بك؛
انحنى، وبصوتٍ واجف قال: أهلاً
هؤلاء الثلاثةُ
بأجنحتهم وألوانهم
جمَّدوني في المقعد.
والآن، بعد 60 يوما،ً
ثلاثون في الحب وثلاثون في الحرب،
بعد براءةِ المرأة وفتنةِ القصيدة. بعد مَكْرِ البَحْرِ،
و....
بعد مئاتِ الساعاتِ توقفتْ في الزمن
وخَفَقَتْ في القميص..
لو كنتُ استطعتُ أن أدفعَ الأيام يوماً،
أَنْ أُنقِصَها يوماً،
أَنْ أسهوَ عن يومِ وأنامَ عن يومٍ،
أَنْ أمرَّ عنه،
أَنْ لا يكون لي،
أَنْ يفوتَني،
أَنْ أضيّعَ تلك العلامة.
لو كنتُ استطعتُ، لو أنني كنتُ.
ثلاثون يوماً تحت أسوار طروادة
وثلاثون يوماً في البحر،
وتفاحةُ العاشقِ
تتدحرجُ
على أرضٍ مرحةٍ
حتى لكأن دمَ الأبطال
ألوانٌ خفيفةٌ يلهو بها طفلٌ في زقاق.
ولو أنني، في ذلك اليومِ، لم أخرجْ من بيتٍ
ولم أدخلْ في بيت..
لو
أنني
لم
أكنْ
في موعدٍ
ولا في ذكرى ما كان موعداً.
والآن، بعد نورِ القفزةِ في شاهقِ ما كان نهاراً خفيفاً على البحر،
أَسقطُ في دَمِ إيكاروس، وأَسقطُ في جناحيه.
نشيدُ العائد بكأس الماء
كُنَّ مِنَ الأوَّل مَيَتاتٍ، والسيّدُ الطفلُ الأَعمى عندَ البحر،
رأى ما سَمِعَ خُطى حائرةً
الشاطىءَ والموجةَ والزورقَ الخشبيَّ وراءَ الموجةِ،
والمرأةَ الميتةَ في الزورق،
رآها
من شدَّةِ الحب،
شاحبةً
ويدُها في غَبَشٍ يُلَوِّحُ.
بكتفين مَرحين وقلبٍ صائحٍ لوَّح هو أيضاً للشحوبِ،
ظنَّه الغبطةَ من شدَّةِ الهوى،
-أوفيليا، أوفيليا،
هتف الشحوب بشفتين بنفسجيتين،
-هل أنت أوفيليا،
هل كنت أوفيليا؟
لا أحدَ
لا أحدَ
لا هنا
ولا هناك
سَمِعَ المُبْحِر همسَ حورياتِ الماء،
تلفّتَ في الُّلجةِ
ولمْ يرَ صارياً ولا بيرقاً ولا رفاقاً،
ربّاهُ
أيّ بحرٍ أخطرُ من نهارٍ في الحُبِّ!
هو الذي – كما قال - رأى كلَّ شيء
وعرف – كما قال - كلَّ شيء
من أسوار المدينة إلى جبال الأقدمين.
ومن جرحِ الشروق إلى عَتَمَةِ النافذة،
صار يفضُّ قلبَه
ليفوز
بالرسالةِ
بيضاء..
لا شيء هنا على البحر، لا شيء سوى حزنِ المنصتِ، وكلامِ الهواء.
أمسٌ مسرعٌ في قطارٍ مسرع
I
في تلك السنة، أيضاً، القصبُ نَزَلَ في الظلال
الشمسُ آختْ هالتَها
والرمادُ طوى طائرَ النار
كانت النخلةُ الخطيئةُ وارفةً
والسديمُ
يؤوي نزيلةً أخرى.
II
وعلى بُعدِ مرحلةٍ
تراءى خَلَلَ السرابِ شابٌّ
وتوارى
في
سرابٍ
مالَ مُرتسِماً
وسَيْرُهُ ضاحكٌ
كان الرملُ يؤجُّ في حقولٍ صفراءَ
والعلامةُ حجرٌ منقوشٌ.
III
أبدأُ من فراغِ ما كان،
من قطرةٍ
في أولِ الأمر؛
قطرةُ الأمسِ
في
عدمٍ
والعتبةُ الباب ُالبيتُ الصامتُ
منفرجاً
ونورٌ كان عتمةً
في ممرٍ
الآن نهارٌ رياضيٌّ.
***
أبدأُ من صمتِ ما كان ضجةً خفيفة في جوارٍ
الهواءُ يهبُّ على البابِ ويلفحُ،
يَرْجُفُ على النوافذ والأبواب
ويملأُ رئَتي.
***
أرى طيفاً
وما أرى أحداً
وأراني
في انخطافيَ
وفي عملٍ هلاميٍّ ، ويدي هباءٌ.
***
أبدأُ
من قناعٍ كان وجهاً
في حياةٍ
أقدمَ،
من ثم
لمحةً
في حادثٍ عند نهر.
أهي لندن في الخريف أم زهيرة صفراء في عتبة المدفن؟
IV
قهوتي في Layton
في أبيضَ غامضٍ
قهوتي
في صباحٍ عند جسرٍ،
خطُّ النهاية
العلامةُ القرمزيةُ
اليوم الأول في Layton
والآن أمسٌ مسرعٌ في قطارٍ مسرع.
صفارة المنقذ
السفينةُ التي انتظرتِ
عند شاطيءٍ
طويلاً
رجَعَتْ خاويةً
سبقتها الأبواقُ
لتُرى،
وهي تميلُ على إسمنتِ الميناء،
رُكابها الغرقي يعومونَ الآن في ماءٍ صامت.
حين أَطْلَعُ لنفسي على طريق
المساءُ
ألواحٌ تتهاوى
في مدينة
تتهاوى
يدكِ التي تذكّرتْ يدي
ترسلُ تلويحةً في أوّلِ المتاهة.
مسائي في سفركِ.
فضّة باردةٌ في صحاف بارد.
المحطة القادمة
توقف القطار
وران صمتٌ
الجبلُ
أَفْلَتَ
أمنيتَه،
والألوانُ طاشتْ في الصُّور.
تلفّت العابرُ
ولم
ير
هنا
سوى العَلَم يرفرف
فِدْيَةَ الهواء.
البحَّار
ما من سماءٍ أصفى من السماء التي حملتْ مراكبي
اليابسةُ أودعتْ أنوارَها في اللؤلؤ
والهواءُ الذي لعب بالصواري
مرَّ على الأجسادِ
وطوى
خَفَقَ في الحمّى وخَفَقَ في الجُروح..
أنا هانو
هل مِنْ حريرٍ يُشبه ذاكَ الحريرَ مودَّعاً بالقُبلاتِ،
والصَّيفُ شالٌ على سواعدِ الصَّغيراتِ في ميناء صور.
ضُفِرَتْ شعورهنَّ وتُركن للبعلِ
والآن
أنا لستُ جغرافياً وإلا ما رأيتُ الغروبَ يميلُ على جنودي.
هواء يصدح
إلى سعيد الفاضلي
I
في زقاقٍ قبلَ الظهيرة
بعد ساعةٍ من تلويحةِ مسافرٍ
ورجوعِ امرأةٍ بسمكةٍ سوداءَ
راقَ زجاجٌ
والفكرةُ
في المرمى صارتْ لها عينٌ حَوراء.
II
تَلْيينُ فراغٍ بعبورٍ حائرٍ
في قيظٍ،
والشَّظف خيالٌ مقتول.
III
الأطفالُ يطوفونَ ببطاقاتِ الأعياد
سيقانُهم تبلِّلُ الصورة.
***
تليينُ فراغٍ،
والصورُ، مقلوبةً وضاحكةً، تملأُ العينَ.
عِظَةَ يومٍ جَفَّ.
IV
القمرُ معلَّقٌ هذا الأسبوع في زقاقٍ ضائقٍ
والجاراتُ، صغيراتٍ في الأعلى؛
التفاتاتُ من بَرَحَ
وظِلُّهُ
مُتربِّصٌ في الصَّهدِ.
V
زوالُ ساعةٍ
والخفقُ يحملُ أعلامَهُ؛
جنودٌ اشتبكوا عند قمحٍ
وأهراءٍ
وفي الأصيل دُفنوا في هواءٍ يصدحُ.
VI
ستمرُّ العرباتُ بالمساكين
يدفعونَ العجلةَ
ووراءَهم ملكٌ.
***
صَيفُ السَّحابةِ
هذا
أم غَفْلةُ القَدر؟
VII
من مطلٍّ آخرَ
نهضتْ شبابيكُ
وهبَّتْ على الحِبالِ ملابسُ الأطفالِ
ضَحِكاتٍ،
رَشاشَ قطراتٍ
لامعةٍ
والفراغُ قالَ كلماتِ النّائم.
VIII
ردَّ البابَ حارسٌ
مُضْطَجِعٌ
وتلقَّاهُ بكَعْبهِ المَرِحِ آخيل.