وجهان لمدينتين

الأحد 2020/04/12
اللوحة للفنان مجدي ظواهري

العالم ليس خياطا ماهرا

ولا فنان موزاييك

(…)

كل حدث

كل جريمة

كل مهزلة وفضيحة

تنتظرك أيها السوري

وتليق عليك

جسد السوري طريد إعلام يبيع ويشتري

حتى موتك أيها السوري،  صار سوقا بألوان

 

أيها السوري

لا صليب لك يجعلك نبيا

أيها السوري احمل موتك معك

أكلوك حيّا

ذبحوك شقيّا

العالم ليس فناناً ماهراً

العالم سمسار فضائح وعراضات

العالم شخابيط فن رخيص

أمةٌ وقاتل خوّان

في بيروت القديمة

في بيروت الجديدة

أردت الذهاب إلى الفرن لأشتري خبزا

اصطحبني صديقي على طريق اللهو

لم أكن قد عرفت الدروب

وكنت غضّا

كنت عذراء ولم أستطع المفاجأة

كل شيء مدهش وألّاق

 

كل شيء ينده بالمشتهى

سوق سرسق يغصّ بالبشر

سوق سرسق ضيّق وملتف

إلى أين يا هذا السّجق المزخوم

بالنسوة والباعة والبشر

كأنّ سوق العروس هنا

كأنّ سوق القيشاني والحرير في الشام

وكما في حلم ساقط وغريب وجدتنا معا أنا وصاحبي أمام الكارخانة

كان صاحبي يرسم المشهد

ولم أكن قد عرفت الطريق

شيء فظيع فظيع

كأنّها كالكوتّا في الفيلم

كأنها القيامة الآن

العجائز الصقلّيات

المصابات بالجذام عاريات

يندلقنَ بالأثداءِ والبطونِ والأعضاء النافرة

أشلاء صفراء

(….)

وكلّ شيء يشي بالبهت

كلّ شيء قبيحٌ وداعر

أريد أن أبكي أريد أن أهرب أريد أن أرجع الى الشام

كان صاحبي يضحك بملء فيه

وكنت الأبلهَ الذي وقع في الشباك

على طرفٍ آخر من بيروت

طرفٍ آخرَ من حبّ لا يموت

قبل الحرب

قبل الساعة الخائنة

(…)

كان الجنتلمان يحتسي القهوة

في مقهى عدن على البور

وكنتُ وحدي أحضّر للامتحان

دعاني لأشربَ البيرةَ

وأتفيّأ معه سرحةَ المكان

كان فارساً وكان سائس خيلٍ

تماما كما في رقصة الزوربا

كما مع أماريتا وعاشق الفراشات

وقال لي: الحب مفتاح القلوب

الحبّ ساحر الأرواح الشاردة

حتى الأفراس تطير

حتى القطط تبلغ قبل أوانها وتموءُ في نيسان

هل حمحَمتْ لك فرسُ المشتهى يوماً

الحب هو أن تعيش وأنت رجل

وأنت حنون

أن تكون مجنونا بالبشر والجمال والروح

وأن تصون الحب والوعد مادت حرّا

على طرف آخر من الحب

ولم أكن قد رأيت بيروت من قبل

على شاطئ السان جورح

قبل الحرب

قبل مقتلة السماسرة ومتعهّدي الحروب

كان البحرُ جميلا وكان السمّار من صخبٍ وحبّ

وكانت الصبية أميرة صيفٍ بعريها

كل شيء ساحر وسكران

كنت في مأدبة الجمال غاوياً بصبا،

بدلال

حتى الرمل يذوب

حتى البحر يتلظّى بالزبد

وكان الأمان

وحده العامل المسطول

لبناني سوري فلسطيني تايلاندي هندي أو من آخر معمورة الله

كانت يده في جيبه

وبقعةُ بللٍ تتسع فوق بنطاله الراعش المخطوف

وهو ذاهلٌ بما يرى

وقال لي من لا يجيد مخاطبة الخيل والطير لا يعرف مخاطبة الجمال

وبعد رحلة،

وقبل محو البور وما عليه،

سألت الشيف عن الفارس فاخبرني بأنه قد مات.

كان الجنتلمان وردة المقهى

وسلوان دراستي في بيروت

لم يعد هناك مقهى

ولا جنتلمان يدعوني إلى البيرة، ولم تعد بيروت.

(…)

العالم ليس خيّاطا أعمى..

(…)

أيّها السوري

أيّها اللبناني الحر

أيّها الفلسطيني المشلّع

أيّها العربي الطريد

احمل موتك معك

وتهيّأ لكل غاشية وصليب.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.