وحدة الإبداع وحوارية الفنون

الجمعة 2015/05/01

“وحدة الإبداع وحوارية الفنون” عنوان كتاب جديد للشاعرة والأكاديمية العراقية الدكتورة بشرى البستاني صدر حديثاً عن دار فضاءات في عمّان، يتألف من مدخل وخمسة فصول هي: شعريــــة السرد بالكامــــيرا: قــراءة في قصيــدة ياســين طـــه حافـــظ “عالم آخـــر..”، جماليـــات السينمــا فــي الشعـــر: سيناريـــو كاظــــم الحجــــاج نموذجــــاً، التشكيل اللـــوني فــي شعـــر خليــل حـــاوي، الروايــة الشعريــة وإشكاليــة التجنيــس: مـن يسكـب الهــواء فـي رئــة القمر نموذجـاً، وشعرية التجريب بالتداخل: قراءة في مجموعة فضل خلف جبر.

ترى البستاني، في مدخل الكتاب، أن تاريخ الآداب العربية والعالمية يُفصح عن حقيقة تطور التضايف بين الفنون أجناساً وأنواعاً، ببنياتها وأدواتها اللغوية والتشكيلية والموسيقية والسينمائية من خلال التراسل ما بين جمالياته التي يثري بعضها بعضاً، إذ لم تكن الحياة في أصلها تجزيئية، بل هي كلٌّ يشتغل بانتظام داخل التنوع، وبانسجام داخل الاختلاف، وصارت منذ التغيرات التي طرأت على الحياة بالتقدم الشامل والحداثة المستمرة شموليةً تداخلَ الجزءُ بالكل فيها باطراد.

وعن نظرية التناص تقول إنها أسست لمفاهيم قديمة تعرضت لقضية إفادة النَّصوص بعضها من بعض بتسميات متباينة تكثّفت حتى غدت حديثة في آليات التأسيس والعرض، وإن أصحابها يجمعون على أن النص ليس منتجاً مخترعاً ولا بريئاً أو محايداً، بل نتاج تداخل نصوص قديمة أو محايثة لها تتحول من فضائها الأصلي لتلقي الرّحال في فضاء النص الجديد.

في دراستها لقصيدة “عالم آخر” لياسين طه حافظ، تقف البستاني على أربعة مشاهد تشكلت منها، وكل مشهد شكّل وحدةً سرديةً احتوت على لقطة واحدة كالمشهد الرابع، أو على لقطات عديدة كما في المشاهد الأخرى، وهي جميعا تُلتقط وتُعرض في فضاء ليل تسوده الوحشة والخوف والتَّوجسُ المُتأتي من وقائع الاستلاب التي تجري فيه.

ترصد البستاني مجموعة مظاهر في قصيدة سيناريــــو “مســـاء داخلــــي” لكاظــــم الحجــــاج أبرزها طغيان السكونية التي تكشفها سيطرة الجمل الاسمية على البناء التركيبي للنص، وقلة الأفعال التي من شأنها أن تحرك جريان التشكيل لتذهب بالسرد نحو نهايته، والغياب الإنساني الفادح للقطات التي تؤكد على الأشياء، وتداخل المفارقات بين النور والظلمة والصيف والشتاء، وحضور علامات فعل القهر الإنساني وغياب الآليات التي حدث بها، والوثيقة التي ما تنفك تسجل مجريات قتل الإنسان.

في قراءتها لشعر خليل حاوي تجد الباحثة أن الشاعر يعطي اللون أهميةً خاصةً في تشكيل صوره الشعرية، لكن تشكيله الصور لا يعتمد مفردات اللون المباشرة لأنه يعطي الأهمية القصوى لرموز اللون وإشاراته السيميائية، فالمنارات تبعث الضوء بألوان متفاوتة تميل إلى الصفرة أو الحمرة أو اللون الفضي، كما تشير الموانئ النائية إلى ألوان ضوئية تتلألأ، وللطين المحمّى لون يختلف عن لون الطين الموات، وعملية الاحتراق تتمُّ عبر لوني الأحمر والأزرق وحتى الأخضر، والبحر يكثِّفُ الزرقة بينما تحمل أمواجه الأبيض اللجيني، والأكفانُ البحريةُ تغادر لونها الأبيض حينما تمتصُّ الأزرق من البيئة البحرية حولها. وهكذا تواصل الألوان تحولاتها لتنسجم مع مزاج الشاعر وحالاته النفسية، فهي في دلالاتها على الورق كما في اللوحة ذات مستويين، الأول على السطح النصي، والثاني كامن في البنية العميقة للسياق الكلي في النص.

تذهب البستناني إلى أن قارئ رواية “من يسكب الهواء في رئة القمر” الشعرية لبشار عبد الله سيجد فيها ألوانا شتى من رؤى الأديان والوقائع والتاريخ والحوادث والمعارف والمذاهب والفولكلور والفلسفات واللواعج والنفثات الإنسانية، مما يجعلها بحاجة لدراسات خاصة تتناول فيها مكونات السرد وعناصره ووسائله ومنظوراته والمرجعيات التي صدر عنها الراوي، واستراتيجيات الغياب، وأنواع التَّناص وطرق تشكله، وأسلوبية عنوانات المحاور الداخلية وعلاقتها بالمتن وطرق اشتباكها مع العنوان الرئيس، فضلا عن طرق تشكل الفضاء النَّصي في حركية مدهشة تخفي وراء غموضها عناصر الشعر والرواية معا في لعبة فنية بالغة الخطورة.

في الفصل الأخير تنتهي الباحثة بتجريب التداخل بين أكثر من ظاهرة في شعر فضل خلف جبر، الذي يجمع بين العربية الفصيحة واللهجة العراقية المحكية وبين الشعر والسرد، وبين الشعر الموزون وقصيدة النثر، وبين اللغة العربية والإنكليزية، وبين وقائع وأحداث قديمة وأخرى واقعية معاصرة، معتمدةً النص مصدراً للمعاينة والكشف.

يذكر أن بشرى البستاني أصدرت مجموعة كتب نقدية، إلى جانب دواوينها الشعرية مثل: دراسات في شعر المرأة العربية، 1988. قراءات في النص الشعري الحديث، 2002، في الريادة والفن، 2010. الشعر والنقد والسيرة، 2012، الحب وإشكالية الغياب، 2013، والتداولية في البحث اللغوي والنقدي، تحرير، 2012.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.