وصية
صباح الخير أيتها الأرض الحزينة .أعذريني، تمادى المدجِّن مروِّضُ الخيول في الهتك، وفي نهش أحشائك، تباهى في ترويض الذئب والماعز البري، بعد أن قتل أخاه في ظهيرة العطش، خوانٌ بطبعه لم يدرب روحه على الصفاء ليَشفّ، عداءٌ، أراد الوصول قبل الصوت، بين مشرق شمسك ومغربها، يسابق الزمان لإعلان سيادته على العناصر والكائنات، فأفسد زرقة سمائك واقتنص الطير وقطيع الغزلان، وخرب النبع حبسه لنفسه فجف .
رمى بسهمه الناري في فلواتك وأحرق الغابة ليؤلف شجرةً للسلالة، خطَّ أول سطر في مآثره بالدم وحفر صورة لضحيته الاولى على جدار بيته الأولي..
صباح الخير أيها السرب المهاجر الذي يعبر السماء مطمئنا لخلو اليابسة من النسر الأرضي الذي يقنص للتباهي بدقة التصويب وليس من جور السنين العجاف وجوائح الجوع .
صباح الخير أيتها الشجرة الدهرية التي تظلل قطيع الإلفة…
أيها النهر الذي تعبرك أبقار البر البعيد..
أيها الجبل الذي عرته الريح، صباح الخير لتلك السهوب الخضراء التي تتثاءب تحت شمس الضحى.
الأرض: صباح الخير أيتها البيوت التي نوافذها عيون وشرفاتها أياد تمتد فوق رصيف مهجور وطريق يسيل عليه الزمن والصمت. بلّغي ساكنيك أني أحبهم لكنهم جحدوا وتمادوا في الظلم أفسدوا رئتي بضجيجهم وحرائقهم وحروبهم وما تعبوا من القتل مذ دبوا على ترابي..
وصيتي لهم:
علموا أطفالكم الزراعة علموهم الموسيقى والحب، وبعد حين من عمرهم الطري دعوهم يرافقوا مجرى النهر من مصبه الى منبعه ليتعلّموا المسافة، وصداقة الطير والنبت، لا تجعلوهم يرمون في الماء ما يعكر صفاءه فيعتدل صفاء روحهم. ولا يخربون سطر النمل ويرمون بالحجر أليف الحيوان ودابة تسعى للقوت، حينها ينتبه بعضهم للسر ويسير، ويكون هذا المختلف صاحب الشك، يؤلف لأترابه كتابي، نعم كتابي، أحتاج لمؤلف يكتبني وليس لقاتل يقتلني، أحتاج لصوت يطربني منحته من أدغال خاصرتي القصبَ، أحتاج لمن يعرف سر الشجر والماء وسر النجم ليسهر الليل يحصي ما يفلت من شهب.. وينذر الناس من تبدل في السكينة المخادعة .
بلّغي أيتها النوافذ العيون التي تراقبني من خلف ستائرك، وهي مسكونة بالخوف، سلامي، وأنني سأواصل دوراني الأزلي في المجرة، ولكن أواصله بخفة ومرح إن خف حملي وخف حزني.