يمكنك‭ ‬الآن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬النوم

الخميس 2017/06/01
تخطيط: حسين جمعان

في‭ ‬غرفة‭ ‬شاغرة

‮ ‬

دخان‭ ‬السجائر‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭.‬

في‭ ‬التلفزيون،‭ ‬بطل‭ ‬كرتوني‭ ‬خارق‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬شطيرة‭. ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬دبّ‭ ‬بنيّ‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬النطق‭. ‬لا‭ ‬ينطق‭.‬

هواء‭ ‬يتبدّل‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭. ‬مع‭ ‬حشرات‭. ‬بلا‭ ‬حشرات‭. ‬أزيز‭ ‬المدينة‭ ‬الدائم‭.‬

كنبة‭ ‬لشخص‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭. ‬كنبة‭ ‬لشخصين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭. ‬كنبة‭ ‬لثلاثة‭ ‬أو‭ ‬أربعة‭.‬

الكثير‭ ‬من‭ ‬الوسائد‭. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭. ‬ضوء‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭. ‬عتمة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭.‬

رنين‭ ‬ضحكة‭ ‬من‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭.‬

بحر‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الخصر‭. ‬سمكة‭ ‬حمراء‭ ‬في‭ ‬علبة‭.‬

سماء‭ ‬جمعتها‭ ‬عيوننا‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭.‬

صحراء‭ ‬جمعتها‭ ‬أحذيتنا‭ ‬على‭ ‬دفعات‭.‬

آثار‭ ‬أقدامنا‭ ‬ونحن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬بعضنا‭.‬

‮ ‬‭ ‬أم‭ ‬كلثوم

تقفين‭ ‬فوق‭ ‬أطلالنا‭ ‬الشاسعة‭. ‬هنا،‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬الغصون‭ ‬حجارة‭. ‬والعيون‭ ‬زجاجاً‭ ‬أسود‭.‬

حيث‭ ‬نجلس‭ ‬ونلعب‭ ‬بعظام‭ ‬الحيوانات‭ ‬النافقة‭.‬

شيء‭ ‬ما،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬له‭ ‬اسماً،‭ ‬غادر‭ ‬حياتنا‭ ‬قبل‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬صار‭ ‬شيخاً‭ ‬في‭ ‬جبل،‭ ‬في‭ ‬كهف‭ ‬منسيّ‭. ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭.‬

تطلين‭ ‬على‭ ‬خرائبنا‭. ‬صوتك‭ ‬كوكب‭ ‬مهجور‭. ‬آهاتك‭ ‬حيوان‭ ‬جريح‭ ‬في‭ ‬الليل‭. ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬يكرّر‭ ‬نفسه‭. ‬الماء‭ ‬بحدّ‭ ‬ذاته‭ ‬تكرار‭ ‬أخير،‭ ‬ولا‭ ‬نهائي‭. ‬تولدين‭ ‬في‭ ‬صوتك،‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التضاريس‭ ‬الشاقة؛‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬المغسلة‭ ‬وأنت‭ ‬تنظرين‭ ‬لبرهة‭ ‬إلى‭ ‬يدك‭ ‬وتخشين‭ ‬الغرق‭. ‬الماء‭ ‬في‭ ‬المرآة؛‭ ‬وجهك‭ ‬صخرة؛‭ ‬تتعلقين‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬بحبال‭ ‬صوتك‭. ‬الألم‭ ‬موّال‭. ‬الأذية‭ ‬أغنية‭. ‬الشوق‭ ‬طفل‭ ‬جائع‭ ‬يرضع‭ ‬من‭ ‬روحك‭ ‬حليب‭ ‬الأسى‭.‬

جميع‭ ‬أيامنا

دائماً‭ ‬تفوتني‭ ‬رؤية‭ ‬شيء‭ ‬ما؛

فجوات‭. ‬مساحات‭ ‬شاغرة‭. ‬مخطّطة‭ ‬بوجودها‭ ‬السابق‭. ‬مثلث‭ ‬برمودا‭ ‬بين‭ ‬العينين‭ ‬والدماغ

بين‭ ‬الزمن‭ ‬والذاكرة؛‭ ‬يبتلع‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭.‬

كفي‭ ‬يلمس‭ ‬جداراً‭. ‬أصلي‭ ‬لكي‭ ‬يبقى‭ ‬أثر‭ ‬ما؛‭ ‬أيّ‭ ‬أثر‭.‬

الأرض‭ ‬تنجرف‭ ‬تحت‭ ‬قدميّ‭ ‬كنهر‭ ‬من‭ ‬الحصى‭.‬

هل‭ ‬سيحفظ‭ ‬وجهكِ‭ ‬هذه‭ ‬اللمسة؟

هل‭ ‬ستحفظ‭ ‬يداك‭ ‬نظراتي‭ ‬الضائعة‭ ‬التي‭ ‬رحت‭ ‬تصطادينها‭ ‬كالفراشات‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬الغرفة؟

في‭ ‬النهاية،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أحد‭. ‬فقط‭ ‬أنت‭ ‬وأنا‭.‬

بملعقة‭ ‬واحدة،‭ ‬نطعم‭ ‬بعضنا‭ ‬جميع‭ ‬أيامنا‭.‬

قبل‭ ‬الانفجار‭ ‬بثانيتين

كانت‭ ‬السماء‭ ‬تنظر

بعينين‭ ‬واسعتين

وفم‭ ‬مفتوح

كان‭ ‬الطفل‭ ‬يركض

وأمه‭ ‬تناديه

أولاً‭ ‬بعينيها

ثم‭ ‬بصوتها

ثم‭ ‬بقلبها

ثم‮…‬

كانت‭ ‬السماء‭ ‬تنظر

بعينين‭ ‬مغمضتين

وفم‭ ‬مطبق‭.‬

تدخل‭ ‬إلى‭ ‬غرفة

تدخل‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬رطبة‭ ‬ومكتظة

كغرف‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬المطارات،

تصافح‭ ‬بحرارة‭ ‬جميع‭ ‬الموجودين،

‭(‬بعضهم‭ ‬تعرفه‭ ‬كثيراً‭ ‬أو‭ ‬قليلاً‭ ‬وبعضهم‭ ‬تراه‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭)‬

ثم‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬أقرب‭ ‬كرسي،

تضع‭ ‬يداً‭ ‬فوق‭ ‬يد،

أو‭ ‬رجلاً‭ ‬على‭ ‬رجل،

أو‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬تدخن

وتشرب‭ ‬القهوة‭ ‬المرة

ومن‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭ ‬تقرأ‭ ‬الفاتحة‭ ‬وتمسح‭ ‬وجهك‭ ‬بكفيك

متبادلاً‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬الإيماءات

والابتسامات‭ ‬المرة‭ ‬أيضاً

مستمعاً‭ ‬إليهم‭ ‬بكل‭ ‬اهتمام

وهم‭ ‬يخبرونك

كم‭ ‬كنتَ‭ ‬شخصاً‭ ‬رائعاً‭.‬

المنام

تجد‭ ‬نفسك‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬بشر‭ ‬يتحدثون‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬بلغات‭ ‬غريبة‭. ‬تقول‭: ‬صباح‭ ‬الخير،‭ ‬فيضحك‭ ‬الجميع‭. ‬تقول‭: ‬مساء‭ ‬الخير،‭ ‬فينقلب‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬ظهورهم‭ ‬من‭ ‬الضحك‭. ‬تشير‭ ‬لهم‭ ‬إلى‭ ‬عصفور‭ ‬على‭ ‬غصن‭ ‬شجرة،‭ ‬فتنهمر‭ ‬دموعهم،‭ ‬يبدأ‭ ‬العصفور‭ ‬بالغناء‭ ‬فيغرق‭ ‬بعضهم‭ ‬بالنواح‭ ‬بينما‭ ‬يقفز‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الألم‭.‬

أخيراً،‭ ‬يهمس‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬أذنك‭: ‬أرأيت‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية؟

تهزّ‭ ‬رأسك‭.‬

يقول‭: ‬يمكنك‭ ‬إذن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭.‬

‮ ‬‭ ‬آلة‭ ‬التخمين

لن‭ ‬تعرف‭ ‬عندما‭ ‬حجر‭ ‬ينزاح‭ ‬قليلاً،‭ ‬قليلاً‭ ‬جداً،‭ ‬في‭ ‬جدار،‭ ‬مثلما‭ ‬تنتقل‭ ‬فكرة‭ ‬في‭ ‬رأس،

أو‭ ‬عندما‭ ‬يخفق‭ ‬قلب‭ ‬أسرع‭ ‬أو‭ ‬أبطأ‭ ‬بقليل،

بمقدار‭ ‬ارتعاشة‭ ‬شجرة‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬ريح‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭.‬

تبقى،‭ ‬معظم‭ ‬الوقت،‭ ‬مع‭ ‬آلة‭ ‬التخمين،

حتى‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬أيّ‭ ‬سؤال،‭ ‬في‭ ‬أعمق‭ ‬نقطة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬مثلاً،

عندما‭ ‬الليل‭ ‬يتحرك‭ -‬لا‭ ‬يتحرك‭- ‬كغيوم‭ ‬فوق‭ ‬الأبراج،

رأسك‭ ‬الصغير‭ ‬يقف‭ ‬ثابتاً،

مع‭ ‬انحرافة‭ ‬بسيطة،

ناظراً‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬غير‭ ‬مرئية

في‭ ‬سماء‭ ‬الغرفة‭.‬

الصبي‭ ‬الذي‭ ‬كتبوا‭ ‬رقما‭ ‬على‭ ‬جبينه

‮ ‬‭ ‬وكيف‭ ‬تُمكن‭ ‬كتابة‭ ‬قصيدة

‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬أيّ‭ ‬شيء

‮ ‬‭ ‬عن‭ ‬الصبي

‮ ‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبوا‭ ‬رقماً‭ ‬على‭ ‬جبينه؟

صوت‭ ‬القذائف

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬حين‭ ‬القذائف‭ ‬تنفجر‭ ‬حولنا

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬نغمض‭ ‬عيوننا

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬مرة‭ ‬وإلى‭ ‬الأبد

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬لأننا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نذكر

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للجدران‭ ‬الأخرى

‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬التي‭ ‬أبقت‭ ‬عيونها‭ ‬مفتوحة‭.‬

‮ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬مكان

السيارة‭ ‬تمضي‭ ‬مسرعة‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الرملية‭ ‬بين‭ ‬الكرسيّ‭ ‬والمنضدة‭.‬

السماء‭ ‬تغمرنا‭ ‬بصمتها‭ ‬الاعتيادي‭ ‬بينما‭ ‬ضباب‭ ‬حليبي‭ ‬يتسرب‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأشجار‭.‬

متى‭ ‬نصل؟

كيف‭ ‬نقرأ‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العلامات؛

أيدينا‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬الأودية‭.‬

عيوننا‭ ‬التي‭ ‬تنهض‭ ‬بالجبال‭.‬

اللمسات‭ ‬الممحوة‭ ‬وتلك‭ ‬الباقية‭.‬

ظلال‭ ‬الأبنية‭ ‬على‭ ‬الجدران‭.‬

بحيرات‭ ‬الدموع‭. ‬محيطات‭ ‬الأسى‭.‬

الحب‭ ‬بأصابعه‭ ‬الخمسة

وأرواحه‭ ‬التسعة‭.‬

الأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭:‬

ماذا‭ ‬لو‭ ‬كنا،‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬نسير‭ ‬بعكس‭ ‬اتجاه‭ ‬الغرفة؟

حيز‭ ‬بسيط

لستُ‭ ‬سوى‭ ‬الحيز‭ ‬البسيط‭ ‬من‭ ‬الكنبة،‭ ‬عندما‭ ‬الكنبة‭ ‬تجد‭ ‬حيزاً‭ ‬بسيطاً‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لتفكر‭ ‬في‭ ‬نفسها‭.‬

تمرّ‭ ‬بي‭ ‬المصائر‭ ‬الكبرى،‭ ‬والمشاعر‭ ‬الكبرى،‭ ‬والأفكار‭ ‬والكلمات‭ ‬الكبرى‭ ‬مرور‭ ‬شعاع‭ ‬عابر‭ ‬على‭ ‬نافذة‭.‬

لا‭ ‬شيء‭ ‬يمكث‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكوث‭ ‬ملعقة‭ ‬في‭ ‬كوب‭ ‬أو‭ ‬فراشة‭ ‬على‭ ‬كتف‭.‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬النهار‭ ‬سوى‭ ‬أقله؛‭ ‬ألا‭ ‬يطيل‭ ‬التحديق‭ ‬بي‭. ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬إلا‭ ‬أصغره؛‭ ‬ألا‭ ‬يترك‭ ‬آثار‭ ‬مخالبه‭ ‬على‭ ‬وجهي‭.‬

لست‭ ‬سوى‭ ‬الحيز‭ ‬البسيط‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تشغله‭ ‬قبلة‭ ‬بين‭ ‬عاشقين‭ ‬أو‭ ‬نظرة‭ ‬بين‭ ‬غريبين‭ ‬في‭ ‬الشارع‭. ‬أنهض‭ ‬وأمشي،‭ ‬أدخل‭ ‬وأخرج،‭ ‬أصحو‭ ‬وأنام،‭ ‬مثل‭ ‬رجل‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬ثياب‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭.‬

ماذا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟

علينا‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬لفظ‭ ‬أسمائنا‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬الصلة‭ ‬المقدسة‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬وبيننا‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬نقدّر‭ ‬قيمة‭ ‬اللحظة‭: ‬صيحات‭ ‬الاستهجان‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬نلفظها‭ ‬جيداً‭. ‬صيحات‭ ‬الاستحسان‭ ‬حين‭ ‬نلفظها‭ ‬جيداً‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬كتابتها‭ ‬كاملة،‭ ‬ولو‭ ‬بفارق‭ ‬حرف‭ ‬أو‭ ‬حرفين،‭ ‬على‭ ‬الألواح‭ ‬والأوراق‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬كيف‭ ‬نتذكر‭ ‬أسماء‭ ‬الأشقاء،‭ ‬الأنسباء،‭ ‬المعلمين،‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬الأعداء،‭ ‬الأيام،‭ ‬الشهور،‭ ‬الكواكب،‭ ‬الشوارع،‭ ‬العواصم،‭ ‬الأنبياء،‭ ‬الأبطال،‭ ‬الشهداء،‭ ‬السفاحين،‭ ‬النجوم‮…‬

‮…‬‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ونطمئن‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬مكاننا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬نبدأ،‭ ‬عكسياً،‭ ‬بنسيان‭ ‬كل‭ ‬الأسماء،‭ ‬منذ‭ ‬آخر‭ ‬بائع‭ ‬جوال،‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬رفيق‭ ‬لعب،‭ ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬اسمنا‭ ‬الشخصي‭ ‬فقاعة‭ ‬صغيرة‭ ‬تخرج‭ ‬واهنة‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬حرف،‭ ‬مع‭ ‬حلم‭ ‬بسيط‭ ‬فقط‭ ‬بألا‭ ‬نكون‭ ‬الآن‭ ‬هنا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬وذكرى‭ ‬غامضة‭ ‬لتلك‭ ‬الدهشة‭ ‬الرائعة‭ ‬يوم‭ ‬أفلحنا،‭ ‬بمحض‭ ‬المصادفة،‭ ‬في‭ ‬لفظ‭ ‬أسمائنا‭ ‬الكاملة‭.‬

النصائح

تجد‭ ‬نفسك‭ ‬غارقاً‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬نصائح‭ ‬غريبة‭: ‬كيف‭ ‬تعقد‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬بثلاث‭ ‬خطوات‭. ‬كيف‭ ‬ترتّب‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭. ‬أسرع‭ ‬طريقة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الزكام‭. ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الذباب‭. ‬كيف‭ ‬تكتشف‭ ‬أسرار‭ ‬الموبايل‭. ‬كيف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصحو‭. ‬كيف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنام‭. ‬مقدار‭ ‬الضوء‭ ‬الضروري‭ ‬لمنع‭ ‬الكوابيس‭. ‬كيف‭ ‬تنسق‭ ‬ستائر‭ ‬المنزل‭. ‬كيف‭ ‬ترضي‭ ‬زوجتك‭. ‬كيف‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬ابنك‭ ‬المراهق‭. ‬أفضل‭ ‬وقت‭ ‬للتسوق،‭ ‬للسفر،‭ ‬للقفز‭ ‬في‭ ‬الهواء‭. ‬أسرع‭ ‬ريجيم‭. ‬أفضل‭ ‬‮ ‬طريقة‭ ‬لصنع‭ ‬الستيك‭. ‬للحمل‭. ‬لمنع‭ ‬الحمل‭. ‬أكثر‭ ‬طريقة‭ ‬مضمونة‭ ‬لاستخلاص‭ ‬الروح‭ ‬الحقيقية‭ ‬للخضار‭ ‬الطازجة‭.‬

تتشكل‭ ‬النصائح‭ ‬بقعة‭ ‬كبيرة‭ ‬حولك،‭ ‬بينما‭ ‬تقف‭ ‬عارياً‭ ‬تماماً‭ ‬أمام‭ ‬مرآة‭ ‬الحمام،‭ ‬مفكّراً‭ ‬في‭ ‬أفضل،‭ ‬وأسرع،‭ ‬وأقوى،‭ ‬وأبسط،‭ ‬وأكثر‭ ‬طريقة‭ ‬مضمونة‭ ‬تخرج‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭.‬

‮ ‬

دراما

1‭.‬ 1‭. ‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬كلبٌ‭ ‬يقف‭ ‬قبالتك‭ ‬ويحملق‭ ‬بك‭ ‬طويلاً،‭ ‬وفجأة‭ ‬يفتح‭ ‬فمه‭ ‬ويصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهك‭.‬

‏الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالغضب‭.‬

‏2‭. ‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬كلبٌ‭ ‬يقف‭ ‬قبالتك‭ ‬ويحملق‭ ‬بك‭ ‬طويلاً،‭ ‬كأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬شيئاً،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يقول‭ ‬شيئاً،‭ ‬فقط‭ ‬يهز‭ ‬رأسه‭ ‬ويواصل‭ ‬طريقه‭.‬

‏الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالأسف‭.‬

‏3‭. ‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬‭ ‬كلبٌ‭ ‬يقف‭ ‬قبالتك‭ ‬ويحملق‭ ‬بك‭ ‬طويلاً،‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأمل‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل،‭ ‬لكنك‭ ‬فجأة‭ ‬تفتح‭ ‬فمك‭ ‬وتنبح‭ ‬في‭ ‬وجهه‭.‬

‏الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالمفاجآت‭.‬

4‭.‬ 4‭. ‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬كلبٌ‭ ‬يقف‭ ‬قبالتك‭ ‬ويحملق‭ ‬بك‭ ‬طويلاً،‭ ‬ثم‭ ‬يقترب‭ ‬منك‭ ‬ويحفّ‭ ‬رأسه‭ ‬بقدميك‭.‬

‏الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالحب‭.‬

‏5‭.‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬كلبٌ‭ ‬يقف‭ ‬قبالتك‭ ‬ويحملق‭ ‬بك‭ ‬بصمت،‭ ‬لأنه‭ ‬حزين،‭ ‬وعاجز‭ ‬عن‭ ‬النطق،‭ ‬وستموت‭ ‬وسيموت‭ ‬الكلب‭ ‬ولن‭ ‬تعرف‭ ‬سرّ‭ ‬حزنه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭.‬

الحياة‭ ‬ابنة‭ ‬كلب‭.‬

الصمت

الصمت،‭ ‬بلا‭ ‬مكان،‭ ‬يوجع‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬قفص‭ ‬ولا‭ ‬حوض‭ ‬أسماك‭ ‬لنحتويه‭.‬

نقول‭ ‬إذن‭: ‬الصمت‭ ‬المشحون‭ ‬بذاته،‭ ‬ثم‭ ‬نبحث‭ ‬عبثاً‭ ‬عمّا‭ ‬يملأ‭ ‬الفراغ‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬طويلاً‭ ‬وعميقاً،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العينين،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نمنحه‭ ‬اسماً‭: ‬طريقٌ‭ ‬مخطط‭ ‬بعلامات‭ ‬ملونة‭ ‬وتحذيرات‭ ‬واضحة‭. ‬ضبابٌ‭ ‬يصنع‭ ‬لوحة‭ ‬إرشادية‭ ‬للعميان‭. ‬بابٌ‭. ‬لوحٌ‭ ‬زجاجي‭ ‬في‭ ‬الباب‭. ‬ذبابة‭ ‬على‭ ‬اللوح‭. ‬امرأة‭. ‬رجل‭. ‬سرير‭. ‬صمت‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬جيداً‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬نلمسه،‭ ‬كالقلب،‭ ‬لنتأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬موجود،‭ ‬ولو‭ ‬مؤقتاً‭.‬

بلا‭ ‬حيلة‭ ‬نحن،‭ ‬نراكم‭ ‬نفايات‭ ‬أنفسنا،‭ ‬حطام‭ ‬العالم،‭ ‬حولنا،‭ ‬حتى‭ ‬يستحيل‭ ‬شكلاً‭ ‬مجرداً‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬شكل،‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للشفاء‭.‬

في‭ ‬العمق،‭ ‬نعرف‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬الصمت،‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬مجرد‭ ‬صمت‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.