يَقفِز لأنّه مُدرَّبٌ وجميل
العُروق النّديّة الصّغيرة الخائفة
أتكلّمُ بك لا أقولُك،
في شأنِكَ الكثيرِ أضربُ وفي شأنِكَ الواحد: حبيبي مجرّد إمكانٍ أتحدَّر منه،
بفضلِه أكلتُ حزمةً من الآلهة وطبختُ ديانةَ العين؛
في الغابةِ، التي لم نَزرع، تُضرمُنا العائلةُ في الجوِّ ويَضعُنا الأصدقاءُ في عرشِ الرّخويات.
أقولُ لبّيكِ يا علومَ القسوة لبيكِ قوافلَ تحملُ الصّحراءَ في الصّحف،
كُنّا سنحيَا بفضلِ الخلَل
كُنّا سنحيَا لأنّ شيئاً تعطّل
إلّا أنّني أطأ الجزيرةَ الطيّبةَ برُوحي فتصلُ أقداميَ المشعِرةُ أقدامُ الشّمبانزي إلى جذوةِ الصّهد،
أضربُ أقدامي في الأمَل فتبزغُ فوّهاتُ المكسيم،
ماتَ الماضي اتّصالاً بالقبورِ الذّائبةِ في عُصارةِ الحنوط،
وجاءَ المستقبلُ في قماطٍ يتدلّى من فكِّ البادية،
وفي الكرَمِ جاء، في الكرَم ليس في النّبع الكرَمُ في البركان
وفي أشهَدُ معنى النّبعِ في مادّةِ البركان
أرى العُروقَ النديّةَ الصّغيرةَ الخائفة
تَتنادَى
أرى الماءَ يهتفُ الأرض الأرض الأرض
أرى الدّوّاماتِ تَنجرفُ في النُّهَى
أرى النّبعَ يتكلّمُ في لغةِ العينِ كلامَ العين.
يا دمَ المُسنَد
يا حمامةَ الكهفِ الجزع
يا هجرةً يا هِجرتين
يا دمَ المُسنَد
يا عَضدَ الكتاب
يا غفلةَ المحبّ
يا جُملة الطّيرِ في صدر الشّارح المستريب.
مَسيحان مُختصِمان على الهرَب
مُستبسِلاً في النّجوى
كرئةٍ خديجٍ على شوكةِ الله
يُغسلُ نحاسُ الضّجرِ في بتلّةِ اللوتسِ القديمة
يُدحَضُ ويُغجّر ويُعمَّم على الورّاقين.
مخذولٌ سعيدٌ يرَى نفسَهُ في يدٍ ما
في مُناولةٍ وفي لغط
دائمٌ لا يُزهَق منه شيء؛
فاتَهُ الرّبُّ الكهربائيُّ ذو اللّغة
نسيَته البجعةُ وعاشَ في الحذرِ من كلّ وَصْف.
آهِ
الآلة
كهرباء خائفةٌ تنزلقُ من صدغِ التوراة.
ذلك كلُّه لا يُوجعُ البابَ الذي
بتؤدةٍ شديدةٍ
مَحقتُهُ
في مخرطِ الجيرانِ الشّفوقين.
أرأيتَ لو يجثم هذا البطلُ على نفسِهِ
ويشيرُ عليها بنفسه
ويكفينا إناخةَ الدّمِ في صَواعقَ صفراء.
وإذا اللّيلُ مغنطيس أوفَى من الدّائرة
إذا الرّهطُ خَفقانٌ تحتَ طيورِ المنجنيق
إذا الدّمعةُ مَسيحان مُختصِمان على الهرَب
إذا الأرَقُ منشارٌ بقلبِ طائرٍ ضَوئيّ
الأرقُ أهلي زمالك الدّم
نوافيرُ عملاقةٌ حمراءُ تحدِّق
عملاقةٌ عمياء.
بين فجواتِ الحشدِ أرَى مَعناه
صحراءُ صغيرةٌ
أصغَرُ من دمعتِها.
راء ترنُّ في شاشةِ الدّم
مُنشآتٌ رحمانيّةٌ تُقلِع في القطرة
انظري يا أمّي مَطر!
الغشاوةُ على الكريستال
هل تُذكِّركَ بغيبِ طفلٍ منهوبِ الأذرع؟
تلك رجفةُ مواعيدِك
أنجَزَها عنك الملحُ راضياً
في غيمةِ الجلوكوز.
دخلَ عراءَ رُوحِهِ وعادَ بالغنيمة.
مسألة النشادر
ثمّة دَرَجٌ مُعلّقٌ بين صدغي النشادر
مخلوقٌ بحيث يَسقطُ دائماً فجأةً في سؤالٍ حيوانيّ
أو في قلبٍ مَنتوفٍ يَعبرُ ساحة أتينيه جديدة تُولَدُ آنيّاً من خطوته عليها.
كيف نَقيسُ ثقلَ ضحكته الغريبةِ الهشّةِ في هذا الهواءِ القديم؟.
يَقفِز لأنّه مُدرَّبٌ وجميل
المعطياتُ شحيحة؛
يَبدأ خطّ الأفقِ بفوّهة
يَنتهي ببركان
يجبُ قولُ كلِّ شيءٍ في التوّ.
تتنكّبُ الرّئةُ هذه الرّحلةَ السّائدة
يَطلبُ القلبُ أمانةً هالَها مطلوبُها
يَتهيّأ السّاعدُ والذّهن
يَكشفُ آخيل كعبَه بعدَ أنْ يختبرَ الرّمح
يَقفزُ القاتلُ عارياً من القتل
يَقفز لأنّه مُدرَّبٌ وجميلٌ
الرّمحُ مُستقِرٌّ ولامعٌ
البركانُ في الموعد؛ مُنتعِشْ ومُتفَهِّمْ
لكن لا يوجَدُ وقتٌ لنافورةِ الدّمِ الصّغيرةِ التي تُثرثرُ بين حصَاتين
لا يوجَدُ وقتٌ للاشتراكيّة.
أن يلدَ الإنسانُ نفسَه
من رحابةِ البترِ سرَتْ علومُ الحرّيةِ في الشّلْو
سرَت الشّهبُ ذات الأحزمةِ النّاسفة
سرَت لهجةُ البركانِ في لسانِ حبيبي
سرَى الغاز في رئتَيْ سيلـﭭيا بلاث
سرَت المعرفة تتدحرَج مع القنافذ وقوارض الرّوح
سرَت التماعةٌ برقيّةٌ
حوّلَت الدّمَ إلى هرَم
والهزيمةَ إلى إنسان.
ن
والإنسانُ هناك في الخارج
يمشي على البسيطةِ السّحريّة تُعلِّمُه الغموض
ويقولُ لماذا يَلهجُ لساني بطَعمِ النّردِ حين أفكّر في النّار
ولماذا أقدامي ثديٌ تتلقّفه الميزوسفير بلا فِصَالٍ معروف
من أنا لأنسى اسمي عند كلّ لسانٍ يُهدِيني إيّاه حبيبي
ومن أكونُ سوى خجلي عند نفس الزّهرةِ الغريّبة التي شنقت نفسَها في اللّيل
أمشي الخيلاءَ صِنوَ أنفي وأقرِّر بشأنِ الرّوائح الخفيفةِ للإزهار
في درب التبّانة، أبذُرُ، محترزاً، الخرَز الملوّن
لئلّا أتوهَ في خلاءِ وجهي
لكنني لا أعود، أبداً، لأحصدَ غابة زجاجي النّادرة تلك،
لا بدّ سأموتُ قبل تغفرُ لي اللّغة
قبل أحدسُ القروحَ الشّاخصةَ في أحلامِ الله بانتظاري
تَحمِل لافتةً فضّيةً عليها اسمي
وخلايا شمسيّة
ومفتاحاً إنجليزياً يفتح كلَّ شيء
وشفرةً معقّدةً ودليلَ تقبيل
لكنّني أنساها
ومع قطيعٍ أخضرَ من الزّرَاف
أكتشفُ البكاء.
تيليباثي ستكهولم
نشَأ، فجأةً، من قحفةِ رأسي، تاجُ سعفٍ مزركش
لا بدّ أنّ أمّي تعيدُ روايةَ تلك القصّة المعروفة
حين توحّمَتْ بي على عروسة مولد.
هذه السّخافاتُ لا تُعجبُ ركّاب الباص في محطة سلوسن.
الرّخويّاتُ في الخلفيّة
رأيتُ الرّجلَ أخرسَ مُرتجفاً يَتلو قصيدة
لجمهورٍ في كرْبٍ عظيم،
التنّين يخرُجُ من فمِهِ في جَزرٍ ومدّ
والجمهورُ يقتربُ يبتعدُ تحت صَهدِ الكلمات،
تقوَّسَ الأفقُ واحتَدّ
وارتجَفَ كلُّ جَنانٍ مثلَ هِرٍّ جبليّ
عبرَ التنّينُ فوقُ رؤوسِ النّبات
مُتعطّشاً لمملكتِهِ الفريدة
مُزدرياً إيّاها كونَهُ عارٍ دونها
قالَ لكلِّ نبتةٍ تكلَّمِي لأراها
تكلَّمِي يا درَنات الماء
تكلَّمي يا سلعوّةَ درب الأربعين
لكنْ انشَقّت الحملةُ عن أسطوانةٍ إداريّة؛
من كان لديه جثّة ليَنطِقها الآن أو يسجّلها في الكمبيالات،
قال طبيب إسماعيل باشا وهو يُجري معادلةً حسابيّةً في رأسِهِ: جَمعتُ ستمائةَ أوقيةً من الغضَاريف،
آذان الشّايقيّة، يا مولاي، ليست سيئة، لكنّها تتعفّن بسرعة.
الرّخويّات في الخلفيّة
بطيئةٌ بطيئةٌ مثل اللّغة
وفي آثارِهَا على الرّملِ تهدِرُ البريّةُ بالترجمة،
ما هذا العالم؟
البطنُ المبقورُ الحافلُ بالطّرائدُ هذا العالم
القمَرُ مُرقّطاً يَسبحُ على ظهرِهِ في البازَلت العالم
يَضربُ بفخذيهِ مُستكشِفاً فلزاتِ التّوصيلِ الجيّد
مُنقّباً غيهبَ روحِهِ عن القصدير
العالم كلُّ مَن لا يَذكرُ دودةَ قزِّهِ مَسجونةً في خُصيةِ الإسكندر الأكبر
إنّه لا يتذكّر الله
ناهيك عنا عمّال الدّرَت،
طارَ ريشُ النّعام طارَ الذي رفَسَ الطّيَران طارَ المنزُوعُ الفوّاحُ المحشورُ في أكياسٍ قطنيّةٍ
إلى مُصَوّع
ثمّة خريطةٌ توضيحيّةٌ يتبادلها جنديّان مثل نارجيلةٍ مملّة
حولَ كيفَ يُمكنُ لثَورين فقط رفعَ قلبي بكلّابة
اتّبعوا الإرشادات يا جماعة
باقي العمليّة إنزال عادي
على فئرانِ قَعر السّفينة.
الصّافرة برَقت في خفاءِ البحر
الحُلفاءُ الحُلفاءُ الحُلفاءُ في رَحمٍ مُبقّعٍ وغريب
بدأت تجارةٌ صغيرةٌ قوَامُها الفورمالين
العالمُ رائحةُ فورمالين مُهرَّب
ضاعَت جثّةُ البحرِ في أمواجِ جُثث العبيد
أجهضَتنا السّفينة
الإمكانُ احترَق
وتوقَفت اللّغةُ، التي لم نعرفها أبداً، عن الوجود.
مسألة الصّدع
أجلسُ على عتبة،
تفصِلني عن الصّقرِ حرّيتُهُ ـ كما تخيّلتُها ـ وطحلبٌ مَسهُوك.
تكلَّم الصّقرُ مع نفسِه: السّماءُ غامضة.
كان الصّمتُ الذي يَعنيهِ ذلك أقسى من الغموض.
قال صَمتُ الأشياءِ لا يخيفني
بل:
أ.
الأشياء الصّامتة تَصمُت كلٌّ على حِدَة،
ب.
كلُّ شيءٍ مُتوحّدٌ يَطلُبُ كمالَه، فهو وحدَه لدَيه، وأنا غيرُ مُهتمٍّ بل تأكلني الغبطةُ لأنني أرعف بطريقة صفويّة.
جـ.
كلُّ هذا الصّمتِ ليس واحداً مُستوياً متعادلاً، كما لا يمكن جمعه.
كان الصّدعُ داخلي أقوى منّي وأقدَم،
كان نشطاً مثل دجاجةٍ جائعة،
أو جناحِ صقرٍ لا يَنِي يَموتُ من شِدّتِه.
الطّيرانُ يقتل.
والصّقرُ يَحملُ الصّخرةَ التي حملتَهُ ويَرميني بها؛
أنا الصّدعُ حيثُ تئنّ أنا الابتلاع،
القاسمُ المشترَكُ لعالم الغيبوبات،
أنا أحبّ الصّيرورةَ مكتوبةً بالفحمِ على حيطة ناس أبوبكر محمد بن يحيى الرّازي،
أنا التفكير في الحياة،
لكنّ النسخةَ التي وَزّعُوها لنا سقطت في المنتزهة في فيضان 1988 مع الضّفادع والإغاثة،
وتعفّنَ كلُّ شيءٍ بسبب الشّعيريّة لأنّ حبرَ الكراتين ذابَ أولاً.
صرَخَت جارَتنا سعاد المهدي: السّيل السّيل،
تذكّرتُ مريم الشُّجاعة بكعب الشّيطان في ساقي اليمنى،
وهجَمَ النمر بالقشعريرة في ظهري،
واللشمانيا بفخذَيّ الاثنين،
كيف سأركض بأرجلي القصيرة؟
ثم اندثرَت المدرسة لأنّ وجه بوب مارلي المرسوم في الحائط ظلّ غاضباً،
فكّرت ـ عدوّيَ الرّعدُ يُفكّر بثقة أكبر لكنّني فكرت ـ كلّ خروجٍ غيرُ مُبتلّ، مجرّد نزهة،
لأنّ الصّحراءَ جافّةٌ والضّفادعُ تَنامُ مثلَ البذورِ والحيتانِ في القاع.
ثم تذكّرتُ غربَتي وأمِنتُ لأنّني غريبةٌ رغم السّيل،
رأيتُ أنّ الإيمان هو أيضاً غُربة،
مثل الإنسان كلّه،
مثل الهجرةِ والتِحَامِ السُّفنِ القديمةِ في العدم،
لأنّ القاربَ مَحمولٌ بقوّةِ الصّمتِ الذي هو الماء،
لأنّه غريبٌ بسببِ الماء،
لأنّ الماءَ نفسَهُ غريبٌ بسببِ الماء،
آلـمَني التّلامُسُ بين الأسطحِ العنيدة،
ودمْعَتي جاءت لتُلامسَ الغربةَ بين الماءِ الكثيرِ والماءِ الكثير،
ودمْعَتي جعَلتنِي جُزءاً مَعطوباً من الغُربة،
وكنتُ قبلَها في حجابِ قلبي فكشفَتْني للإنسانِ الذي أخفيتُهُ في الخُرج،
كيفَ أمشي وخُرْجي يأويني وخُرْجي في يدي؟
تعلَمتُ السّيرَ من الزّواحفِ البَكماء؛
كنتُ أُلصِقُ قلبيَ بالأرضِ أراقبُ شهوتَها الواقعيّة؛
الدّودُ لا يَطلبُ الطيَران، فقط أرجُلاً كافية،
والنّملُ يطلبُ فجورَ العناكبِ ترقصُ في خيوطها،
ولأنّني الصّدعُ طلبتُ ما هو أقلّ؛
أن أكُون،
أنْ يتوقّفَ قلبي عن الإحصاء،
لكنّ الذي يَحدُث لا يَحدُث لي،
وإنْ حدَثَ صِرْتُ الحادثَ وفقدتُ جوهري
ولأنّني الصّدعُ فأنا مريضةُ غيُوبي،
والمريضُ لا حصرَ له لأنّه جديدٌ دائمٌ في احتضاره،
لكنّني أطِير،
ها نزعتُ في تجدُّديَ التشابكَ بين الطيرانِ والأجنحةِ والسّماء،
ما فائدة الغموض؟، السّماءُ مستمرّة،
والطيران همسٌ يَدور بين أحشائيَ القرويّةِ وبذرةِ تّينِها العالقة؛
نمَتُ شجرةٌ ظليلةٌ وتساقَطَ الثّمرُ في رمالِ جوفي المتحرّك،
ها دخَلَ القرآنُ كلُّه هناك،
دخلَت آسيا الصّغرى،
دخلت علومُ الفسائلِ والعقلِ والتّرقيد.
اقسِمْ معَايْ يا طير،
اقسِمْ معَايْ جلوسي،
قِسْ معي مجازَ الإقليم،
لأنّ الصّدعَ لا يَشِي ولا يَحُول
وليسَ على سطحِهِ شيءٌ سوى زهرةٍ حفَّ الخجَل،
تتربَّص
والخجلُ لا يَرِيم.
دلفتُ من بابِ أعضائي؛
وجدتُ رُكبتيَّ في كنفِ الأديمِ مُنهارَتين.
دلفتُ من بابِ سَليمي
الذي لا يؤدّي،
لأنّ الدّاخلَ يَلزَمُ دُخولُهُ ويَصيرُ في جِدّةٍ تُنسِيهِ الأثَر.
اقسِمْ معَايْ يا طير
فبابي مُتفتّحٌ بابي رياح،
وعندما يهبُّ عليَّ أصيرُ في جِدّتِه،
وعندما يهبُّ بابي فتلك ديمومةٌ هي حالُهُ وإمكانُهُ،
لأنّ الدّاخلَ يَلزَمُ دُخولُهُ
ويَصيرُ في جِدّةٍ تُنسِيهِ الباب.
هذا شأنيَ ما دامَت العتَبة.