انتحار مؤجَّل
كنت في الحادية عشرة من عمري عندما قرّرتُ الانتحار. كنتُ قد قرأتُ آنا كارنينا لكنّني لسوء حظّي ولدتُ في بلاد لا قطار فيها، فكان لزامًا عليّ أن أبحث عن طريقة أخرى أرمي بها نفسي إلى الموت.
لقد أصابتني كارثة وجوديّة إنسانية شخصيّة حميمة عندما بلغتُ الحادية عشرة من عمري وقرّرتُ على إثرِها الانتحار. فهل ألجأ إلى قسوة الطبيعة وأترك نفسي تحت رحمتها؟
كنتُ في الحادية عشرة من عمري عندما بدأَتْ مصائبي وقرّرتُ الانتحار. أردتُ أن أنتحر وأن أكتب رسالة كما فَعَلَتْ داليدا، رسالة يقرؤها والداي بعد أن يجدا جثّتي الزرقاء مستلقيةً برهبة وأرستقراطيّة.
وقد تتساءلون عن سبب حزني الجارف هذا وبؤسي النيتشاويّ، قد تتساءلون بحشريّة أو غضب حتّى، عمّا قد يدفع فتاة في الحادية عشرة من عمرها إلى الانتحار، فأجيبكم أنّ اكتشافًا فظيعًا زعزعني.
كنتُ في الحادية عشرة من عمري عندما اكتشفتُ أنّني فتاة. نعم، فقبل ذلك كنتُ مجرّد مخلوق يلعب ويدرس ويخرج ويدخل ويقفز في أرجاء البيت محطّمًا نصف الأشياء.
ولِمَن بدأ يفكّر بأنّني سأتحدّث عن التطوّر الجسديّ للفتاة في هذا العمر، لِمَن يظنّ بأنّني أقصد في حديثي هذا مسألة اكتشافي أنوثتي ذات صباح فهو مخطئ. لا.
كان سقوطي من عدن. أذكره ذاك الشتاء بشكل دقيق، كنتُ ناقمة على أمّي وعلى الجيران وعلى الله. كنتُ في كلّ مساء أقف إلى نافذتي وأروح أبرم في رأسي الاحتمالات وأبحث في قصص أبطالي المفضّلين عن طريقة لذيذة للانتحار، حتّى أنّني وصلتُ ذات مساء في أبحاثي إلى يهوذا الأسخريوطيّ ووجدتُ في انتحاره مصدر إلهام.
ثمّ مرّت الأيّام ولم أعد في الحادية عشرة من عمري. سهرتُ وشربتُ ورقصتُ وأحببتُ وتأخّرتُ في العودة إلى البيت. سافرتُ وتزلّجتُ وتنقّلتُ بين المدن وغرقتُ في الوجوه وتمرّدتُ وعشقتُ واعترفتُ وأجبتُ بوقاحة كلّ مَن قال لي «على قبالك». مع الأيّام، تلاشَتْ الممنوعات وتلاشى الجيران وتلاشت رغبتي في الانتحار وتلاشت نظرات أمّي. اعتدتُ أنّني فتاة، واعتدتُ انتزاع ما أريده، واعتدتُ فكرة الحياة، أمّا أنوثتي فقد أجلستها في زاوية غرفتي أتأمّلها وأسترق النظر إليها من حين إلى آخر، لا أنا أجرؤ على استثمارها ولا أجرؤ على استفزازها.