المختصر
ثورة تونس
«تونس، ثورة في أرض الإسلام» عنوان كتاب جديد لرجل القانون التونسي عياض بن عاشور، أراده تأريخا وتحليلا لخمس سنوات من عمر ثورة غير مؤدلجة ولا متحزبة ولا مسلّحة، إلا أنه حاد عن الموضوعية في نقاط كثيرة، رغم استناده إلى وقائع تاريخية معلومة، فقد عزا التفاف رموز العهدين البائدين على حركة شبابية غير مسبوقة إلى «عبقرية هذه الثورة» التي استطاعت في رأيه استقطاب رجال النظام السابق، والاستعانة بهم لوضعها على المسار الصحيح، وترك أزِمة البلاد الاقتصادية والسياسية بأيدي نفس الأشخاص الذين عملوا مع بن علي وحتى مع بورقيبة، والحال أنهم انتهازيون استغلوا شغور السلطة، وغياب قيادة ثورية لسدها، فاستأثروا بالحكم، ولو عن طريق الاقتراع، ولم يجن الشباب من ثورتهم أيّ مغنم، حتى بعد بعث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة برئاسة عياض بن عاشور نفسه.
هل ثمة هوية ثقافية
فرنسوا جوليان فيلسوف يهتم بتلاقح الأفكار بين أوروبا والصين لصياغة تأمل نظري عن فلسفة الوجود، وعن التبادل الثقافي. في كتابه الأخير، كما يدل عليه عنوانه «لا توجد هوية ثقافية»، ينفي وجود هوية ثقافية خاصة بفئة دون أخرى. ويعترف بأنه لا يدافع عن هوية ثقافية فرنسية مثلا، لصعوبة تحديدها، بل عن مصادر ثقافية فرنسية وأوروبية، لكونها تنشأ داخل لغة ما كما تنشأ داخل تقليد وبيئة ومناخ ما، وبالتالي فهي ليست ملكا لفئة معينة بل هي طوع أيدي الجميع، وهي إلى ذلك ليست حصرية كما هو الشأن مع القيم، ولا يمكن أن يوصى بإقرارها والثناء عليها. وفي رأي جوليان أن الثقافة لا هوية لها لسبب بسيط وهو أنها لا تنفكّ تتحول، كاللغات تماما، وعندما تكف ثقافة أو لغة عن التحول تصبح عرضة للموت.
مراجعة المعتقد لتحدي داعش
في كتابه الجديد « المسلمون أمام تحدي داعش»، يعتقد محمود حسين (الاسم المستعار للباحثين المصريين المقيمين بفرنسا بهجت النادي وعادل رفعت) أن الحرب التي يخوضها تنظيم داعش ضد القيم الإنسانية المعاصرة باسم العودة إلى إسلام الأصول، تمثل تحديا للمسلمين، لكونها لا ترغمهم على إدانتها أخلاقيا فحسب، وإنما أيضا على دحض خطاب داعش على المستوى التيولوجي، وهذا ما يفترض إعادة النظر في الاعتقاد بعدم قابلية القرآن للتقادم بوصفه كلام الله، ذلك الاعتقاد الذي يبين المؤلفان أنه لم يأت من القرآن بل من مسلَّمة أيديولوجية ألصقت بالقرآن بعد وفاة الرسول بمدة طويلة وناقضته في مواضع شتى. فكلام الله يقدَّم كحوار بين السماء والأرض، ويمزج الروحي بالظرفي، ويختلط بمعيش المسلمين الأوائل، على أرض الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي، ما يعني أن جزءا منه مرتبط ارتباطا وثيقا بمرحلة ولّت. وفي رأي الباحثين، فإن رفع تحدي داعش سيكون فرصة أمام المسلمين كي يستعيدوا حرية الضمير، بإزالة حاجز الدوغمائية.
النخب السياسية ومخاطر تعميق القطيعة
«الصدع» هو آخر ما صدر لجيل كيبل الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، ويضم مقالات إذاعية دأب على بثّها أسبوعيا بين صائفتي 2014 و2015، على أمواج إذاعة فرنسا الثقافية، بيّن فيها كيف أن الجماعات الإرهابية، وتنظيم داعش على وجه الخصوص، تسعى إلى فصل الجاليات المسلمة عن باقي المجتمع الفرنسي، وإذكاء كراهيتها ضده، وتشجيعها على الانتقام منه بشكل أو بآخر. والخطر ليس في هذا الخطاب التحريضي -الذي يراد منه تفرقة المجتمع الفرنسي بإشعال حرب استنزاف أهلية، تضع بروليتاريا أبناء المهاجرين في مواجهة الطبقات المتوسطة- بل في الخطاب الإسلاموفوبي لسياسيين يحاولون كسب الأصوات استعدادا للانتخابات الرئاسية 2017، فيقعون في فخّ الإرهابيين. ومن ثَمّ، يدعو كيبل إلى ضرورة التحلي بروح المسؤولية وتغليب المصلحة العامة على الدوافع الفردية حفاظا على وحدة المجتمع الفرنسي.
الهوية المسيحية لمقاومة التطرف الإسلامي
أصدر فرنسوا فيّون مرشّح اليمين للانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا كتابا بعنوان «النصر على الشمولية الإسلامية»، يتمثل فيه قولة كليمنصو في المجال السياسي «علينا أن نعرف ما نريد. إذا عرفناه، علينا أن نملك الشجاعة لقوله. وإذا قلناه، فعلينا أن نملك الشجاعة لفعله». ولكنه لا يلتزم الموضوعية بل يضخّم الواقع لاستمالة أصوات الناخبين، فيزعم أن فرنسا تشهد غزوا إسلاميا داميا، يهدد بقيام حرب عالمية ثالثة، ولا يتورع عن الإعلان عن مسيحيته، في بلد علماني جعل من العقيدة مسألة خاصة، لا يجوز استعمالها في المعارك السياسية. والثابت أن الرجل، أمام اعتراض شرائح عريضة على برنامجه الانتخابي المفرط في الليبرالية، ليس له ما يستدر به القواعد الجماهيرية غير تهويل الخطر الإسلامي، واستثارة «الهوية المسيحية».
أعداء الغرب
جديد ألكسندر ديل فال أستاذ العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية كتاب بعنوان «أعداء الغرب الحق»، يدين فيه هو أيضا الشمولية الإسلامية وانحراف تركيا «النيوعثمانية»، ويبين أنه آن الأوان كي تغير بلدان حلف الناتو «حبكتها الإعلامية» الموروثة عن الحرب الباردة، والتي كانت ترى في روسيا العدوّ الأكبر، وفي بعض البلدان المشرقية السنية (المملكة السعودية، قطر، الكويت، باكستان، تركيا) أصدقاء والحال أنها، في نظر الكاتب، تعمل بالتعاون مع الإخوان المسلمين ومنظمة التعاون الإسلامي على التوسع عبر العالم، وإضعاف قيم المجتمعات المنفتحة تحت غطاء الدفاع عن الدين. وبعد الكشف عن استراتيجيات الإسلاميين وأهدافهم الحربية، يوصي الكاتب بضرورة معرفة العدو وتهديده، من أجل إعادة النظر في التحالفات الاستراتيجية، وتحديد العدو للتصدي له. فالأولوية في نظره هي الدفاع عن الوطن قبل إعطاء دروس في حقوق الإنسان لبقية العالم.
عودة القتلة
يعتبر دفيد تومسون، مراسل إذاعة فرنسا الدولية، من الصحافيين الميدانيين القلائل الذين واكبوا عن كثب ثورات الربيع العربي، والحروب التي تلتها، وخالطوا عددا من الشبان المجندين للحرب في العراق وسوريا، وكتبوا عنهم. وبعد «الفرنسيون الجهاديون» الصادر منذ عامين، نشر تومسون كتابا جديدا بعنوان «العائدون»، عن المجندين الذين عادوا من أرض المعركة إلى فرنسا، وهم قلة إلى حدّ الآن، فهو يعرفهم، ويعرف مسارهم منذ أن غادروا البلاد عام 2012 ملتحقين بالجماعات الجهادية. ويصوّر لنا شبانا يلتقون في بعض الملامح ويختلفون في بعضها الآخر. منهم المتقزز من عنف النزاع في سوريا، ومنهم المستاء من تجربته، دون أن يندم أو يتوب. وإذا كان من بينهم من يواجه أزمة نفسية حادة، فإن من بينهم أيضا من ينتظر خروجه من السجن كي يقوم بعمليات إرهابية على الأرض الفرنسية.
محاولة لتفكيك الثقافة
«الإنسان المدمَّر» كتاب للفيلسوف الراحل جان فرنسوا ماتيي يندرج في سياق أعماله الأخيرة المسكونة بفكرة البربرية، وليست تلك التي عرفتها الحضارة الإغريقية الرومانية بوصفها صادرة من خارج ما هو إنساني، ولا تلك التي تدمّر وتسفك الدماء، بل هي بربرية تأمّلٍ، أكثر خبثا، تتحرك عن طريق التعقيم والتعطيل والإضعاف، وتتجلى كلما كفّت عملية أو إنتاج أو مؤسسة منخرطة في الحياة الاجتماعية عن خلق المعنى، وصارت تدمره أو تستهلكه في نوع من التشويش على أعمال سابقة أو على ترسباتها التاريخية. في هذا الكتاب يطور ماتيي هذه الفكرة مبيّنا الضربة الفاتكة التي أصابت الإنسية وسموّ المعنى على خلفية قطيعة مع ثقافة الغرب. وفي رأيه أن انحطاط الإنسان في المجتمعات الديمقراطية يعود إلى اعتباره مماثلا للمواد التي يصنعها وللوسائل التقنية التي صار عبدا لها.
الشاعر والكلمة الصادقة
يواصل الشاعر جيرار ماسي سلسلة تأملاته «أفكار بسيطة». في الجزء الثالث الذي جاء تحت عنوان «كتب بلّلها البحر» يتوقّف عند الكلمة، التي قد ترغّب الناس في قائلها أو تنفّرهم منه، أيّا ما يكن جنسه ووطنه ونِحلته. لا سيما في هذا العصر الذي التبست فيه الكلمة، وصارت مثارا لسوء فهم وحتى لنزاعات. يستعيد المؤلف ما تستَهَلّ به الحكايات والخرافات والأساطير من كلمات يطوّعها الخيال لغايات مرسومة، مثلما يستعيد استعمال الكلمات نفسها في سياقات أخرى تؤدي إلى سوء الفهم والاختلاف والنزاع، ليخلص إلى أن الأدب بما له من قدرة على تربية النفوس وإيناسها بسبل الحضارة وفتح نوافذ الحلم أمامها، يمكن أن يوحّد البشر، بشرط أن يتجاوز الكلمة الكاذبة والمخادعة، وفي رأيه أن الشاعر، بشدوه الداخلي، هو وحده القادر على ضبط جروس مألوفة في إيقاع خافت لا يكاد يُسمع، وجعل لغة المعيش اليومي لغة شاعرية متعطشة للمعنى.
مجتمع الاستهلاك والجمع بين المتناقضات
عن دار غاليمار، صدرت طبعة جديدة لكتاب «التبادل الرمزي والموت»، الذي سبق للفيلسوف جان بودريار (1929-2007) أن نشره في أواسط سبعينات القرن العشرين، وفيه نقد لمجتمع الاستهلاك، حيث يؤدي المظهر الخادع إلى اجتماع النقيضين في شيء واحد، كالجمال والقبح في الموضة، واليسار واليمين في السياسة، والصواب والخطأ في كل وسائل الميديا والمواقع الاجتماعية، والمفيد وغير المفيد في الأدوات، والطبيعة والثقافة في شتى مستويات الدلالة. وفي رأيه أن كل المعايير القيمية الإنسانية، تلك التي تتصل بحضارة التقويم الأخلاقي، والجمالي، والتطبيقي، تمّحي أمام منظومتنا القائمة على الصور والعلامات. فمجتمع الاستهلاك ألغى التمييز بين الضروري والكمالي، وما انفك يخلق احتياجات جديدة. وفي هذا، هو الذي يضع في قلب المنظومة التبادلَ الرمزي، الذي لا يوجد في المجتمعات البدائية وحدها كما يدّعي علماء الأنثروبولوجيا، إذ أصبح التنافس الرمزي مبدأ تحدّ لكل الأنساق الموجودة، حيث يدعى الفرد إلى تحدّي خصمه بهبة لا يستطيع الرد عليها إلا بموته وانهياره.
الفن والدين
«الفن والدين، من كهف شوفيه إلى كهف لاسكو» كتاب لعالم الأنثروبولوجيا آلان تيستار (1945-2013) نشر عن دار غاليمار بعد وفاته يسلط فيه الضوء على الجهاز الأيقوني في الكهوف المزينة التي يرجع عهدها إلى العصر الحجري العلوي، ولا سيما لاسكو (18000 ق م) و(شوفيه (37000 ق م)، ويحلل التوزيع الفضائي للأعمال الفنية وتمثل الحيوانات ووفرة العلامات التجريدية، ليقترح تأويلا غير مسبوق قرنه بنظرية علائمية جديدة. وفي رأيه أن هذا الفن يقوم على قانون يحيل على نمط من التفكير الأسطوري شبيه بنمط التفكير في الطوطمية، وأن أيقونية الكهوف تدل على إنسانية هجينة، لم تتخلص تماما من عالم الحيوان. فالإنسان فيها حاضر ولكن بطريقة خافية، وترتيبه وفق فئات نستشفه من ترتيب الحيوانات كما تتجلى في تلك الجدرايات. كما أن علامات التأنيث الموضوعة على صور الحيوانات توحي بأن التكاثر كان من الاهتمامات المحورية في ديانة إنسان العصر الحجري، أي أن الكهف في النهاية يحوي مراحل نشأة الكون.
كتابة التاريخ في وجهها المعاصر
هذه طبعة جديدة لكتاب ميشيل دو سيرتو «التاريخ والتحليل النفسي بين العلم والخيال»، يرسم فيه مقاربة مخصوصة لكتابة التاريخ، يستدعي فيها فوكو وفرويد ولاكان، وتحليل السلطة والجسد والجنون والتخييل في التاريخ، ليس بغرض الخلط بين أجناس متنافرة في الظاهر كالتاريخ والتحليل النفسي واللسانيات والأنثروبولوجيا، أو الاستفادة من شتى الطرق المنهجية، ولا التشويش على هويات المعارف، بل الغاية هي التنقل من حقل معرفي إلى آخر لتتبع سؤال وُلد في ضفة أخرى، لا يستطيع أن يجد فيها الرعاية المُرْضية. ذلك أن دو سيرتو لا يقنع باقتفاء أساليب من سبقوه، بل اختط لنفسه نهجا ميّزه عن سواه، حتى عُدّ من أهم رموز المدرسة التاريخية الفرنسية، نهج استطاع بفضله أن يستبق الانفتاح الضروري على حقول معرفية أخرى، للخروج بالتاريخ مما أصابه من رتابة.