نَهْرٌ عَلَى صَلِيبْ
لَمْ أَكُنْ فِي دِمَشق
وَصَلْتُ إِلَى نَهَارِي عَلَى حِصَانٍ قَتِيلٍ
وَصَلْتُ
وَرَأَيتُ النَّهْرَ مُحْتَرِقَاً
والأَشْجَارَ هَارِبَةً عَلَى الْوَادِي
السَّمَاءُ أَطْبَقَتْ عَلَى الْأَرضِ
والْفَتَى الصَّرِيعُ سَدَّ بِقَامَتِهِ بَابَ اْلبَيتْ.
***
لَمْ أَكُنْ فِي دِمَشْقَ عَنْدَمَا جَاءَ الزِّلْزَالُ
لَمْ أَكُنْ فِي جَبَلٍ وَلَمْ أَكُنْ فِي سَهْلٍ
عِنْدَما تَرَجَّفَتِ الْأَرضُ وَتَشَقَّقَتْ صُورٌ هِيَ وَالْهَواءُ
كَانَتْ يِدِي الهَامِدَةُ
تَنْبُضُ
فِي أَرْضٍ أُخْرَى؛
رَعْدَةٌ خَفِيفَةٌ سَرَتْ فِي جَسَدِي
وَضَاءَتْ يَرَقَةٌ فِي صِدْغِيَ الْجَافِّ
أَهِيَ الرِّسَالَةُ
تَسْقُطُ
فِي بَرِيدِيَّ
أَمِ الرَّبِيعُ يَتَقَلَّبُ فِي أَرْضٍ بَعِيدَةْ.
***
لَمْ أَكُنْ فِي دِمَشْقَ
لَمْ أَكُنْ فِي شَارِعٍ
وَلَا فِي مَتْجَرٍ
لَمْ أَكُنْ فِي مَحَطَّةٍ
وَلَا فِي شُرْفَةٍ تُطِلُّ عَلَى قِطَارٍ
لَمْ أَكُنْ مُسْرِعَاً
وَلَا مُبْطِئَاً
أَبْعَدَ مِنْ يَدِي، كُنْتُ، ومِنْ عَينِيَ الْغَريقَةِ فِي الزَّمَنِ
رَاقِداً عَلَى قَلَقٍ فِي تُرابِ الْمَوعِدِ،
وَيَدِي تَنْزِفُ.
***
لمْ أَكُنْ فِي دِمَشْقَ
لَمْ أَكُنْ فِي دِمَشْقْ.
***
والْآنَ،
مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ
أَسْمَعُ السَّاقيةَ تَنْتَحِبُ فِي الْبُسْتَانِ
وَالْهَواءَ يَصِفُ لِلْجَبَلْ.
01-01-2017
مَرْثِيَةُ الْبَنَفْسَجْ
هَا قَدْ مَضَى الْوَقْتُ،
ومَا فِي ضِفَّتَيِّ وَقْتٍ عَلَى الْأَرْضِ،
سِوى دَمُ الْفِتْيَانِ
يَهْصُرُهُ الغُرُوبْ،
وَصَبَايَا الصَّيفِ يَنْدُبْنَ الْبَنَفْسَجَ فِي الظِّلالْ.
هَا قَدْ مَضَى الْوَقْتُ، هَا قَدْ مَضَى الْوقْتُ
وَكُلُّ صَبِيٍّ فِي سَريرٍ
كَانَ
غَيْمَةً
فِي كِتَابْ.
قَالَتِ الشِّآمِيَّاتُ للنَّهْرِ:
خُذْ أَسَاوِرَنَا، يَا نَهْرُ،
وآتْرُكْ لنَا قَمَرَ الْبَنَفْسَجِ فِي وِشَاحِ الصَّيفِ،
وَبُكَاءَ الْعَنْدَلِيبِ فِي السَّاقِيَهْ.
مَنْ أَنْتَ يَا بَرَدَى، أَنَبْعٌ يَفْلِقُ الصَّخْرَ،
لِيَطُوفَ بالْكَأْسِ ورَاءَ زَهْرَةٍ
هَارِبَةٍ
أَمِ ابنٌ لِنَجَّارٍ دِمَشْقِيٍّ
وَيَدَاكَ الصَّلِيبْ.
هَا قَدْ مَضَى الْوَقْتُ، وَلَا وَقْتَ، فَخُذْ أَسْمَاءَنَا يَا نَهْرُ
قَالَتِ الْمَرْيَمَاتُ، وَآتْرُكْ أَسَاوِرَنَا،
لِتَلْمَعَ
فِي نَشِيجِ النَّهْرِ
وَقَالَتِ الشَّآمِيَّاتُ لِلنَّهْرِ: نَحْنُ آلِهَةُ الْبَنَفْسَجِ
أُمَّهَاتُ الْحُزْنِ،
ربَّاتُ بُيُوتٍ طَافَ فِيهَا الْجُنْدُ وَمَاتَ فِيهَا الْهَواءُ
فَمَنْ أَنْتَ فِي حُزْنِنَا، يَا بَنَفْسَجُ؟
تخطيط: حسين جمعان
مَنْ أَنْتَ يَا بَرَدَى؟
أَنَبِيٌّ تَائِهٌ
فِي شِعَابٍ تَائِهَةٍ
أَمْ أَنْتَ حَلَّاقٌ يُزَيِّنُ حَاجِبَ الصَّيفِ؟
وَفِي غَامِضِ الصَّيفِ قَالَتِ الْمَرْيَمَاتُ للطِّفْلِ: قُمْ يَا حَبِيبِي،
الْجُنُودُ أَسَرُوا فِي الْبَسَاتِينِ خُيُولَ الرِّيحِ
وغُيُومٌ بَأَجْنِحَةٍ مِنَ التُّوتِيَاءِ تَهِيمُ عَلَى الْوَادِي
خُيُولٌ بِأَعْرَافٍ دَاِمَيةٍ تَصْهَلُ
بِالْأَبْوَابِ،
والدِّمَشْقِيُّونَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبُيُوتِ وَيَهِيمُونَ وَرَاءَ النَّهْرِ،
وَوَرَاءَهُمْ تَخْرُجُ الْبَسَاتِينْ.
وَفِي بَاَحةِ الْمَعْبَدِ الَّذِي ابْتَنَى نَسْلُ آرامَ فِي أَنْقَاضِهِ مَسْجِداً بِدَنَانِيرَ عَبِدِ الْمَلِكِ بِنْ مَرَوُانِ،
عَرَّافُونَ بِعُيونٍ سُمِلَتْ يَقْرَأُونَ اللَّوْحَ،
وَيَتَلَمَّسُونَ فِي الشُّقُوقِ نَزِيفَ الْحَجَرْ.
لَا نَهَارَ فِي دِمَشْقَ وَلَا شَمْسَ فِي الْجَبَلِ،
وَفِي نَزِيفِ النَّهْرِ تَتَدَّفْقُ الْأَسْمَاءْ.
أَقْبِلِي يَا غُيُومُ
آنْصَرِفِي يَا غُيُومْ
عِنْدَ صَخْرةِ «آذْكُرِينِي»
فِي لُجَّةِ الرِّيحِ
تَقِفُ المَرْيَمَاتُ حَارِسَاتُ «الْهَامَةِ»؛
كُلُّ مَرْيَمَةٍ بَنَفْسَجَةٌ
مُصَوَّحَةٌ
وَحُضْنٌ كُلُّ مَرْيَمةٍ..
وَفِي نَشِيجِ الصَّوتِ طَيَّاتٌ مُبَلَّلَةٌ بِأَدْعِيَةٍ،
وَأَحْجِبَةٌ،
وَصِبْيَانٌ مَعَ الْكِتَّانْ.
وَكُلُّ صَبِيٍّ فِي لُفَافَةٍ
كَانَ
غَيْمَةً
فِي تُرابْ.
والآن، بَعْدَ الآسِ فِي الشُّرُفَاتِ
يَتَوَرَّدُ الصَّمْتُ وَيَنْزِفُ الْكِتَّانُ
مَنْ أَنْتَ يَا بَرَدَى؟
أَإِلهٌ هَارِبٌ فِي دُعَاءِ امْرَأَةٍ،
أَمْ مَدِينَةٌ مُشْرَعَةُ الْأَبْوَابِ لِلْغُزَاة؟!
أَصَوْتٌ يَهْوِي مِنْ حَنْجَرةٍ شُطِرَتْ
أَمْ شُبَّانٌ سَبْعَةٌ
يَنْتَحِرُونَ
عِنْدَ صَخْرَةٍ كَانَ اسْمُهَا (آذْكُرِيني)؟
أُذْكُرِينِي يَا دِمَشْقُ،
وَلَا تَتْرُكِينِي
وَحِيدَاً مِعَ الْخَشَبِ وَالْمَسَامِير،
أَخَافُ أَنْ أَنَامَ وَتَهْرُبَ مِنْ يَدِي نَجْمَةُ الصُّبْحِ.
وَآذْكُرِينِي يَا دِمَشْقُ
حَتَّى لَو صِرْتُ صَخْرةً
يُسَمُّونَهَا: (آذْكُرِينِي)
وَلا تَتْرُكِينِي
أَصِيرُ غَيْمَةً مِنَ الْغُبَارْ.
أَنَا بَرَدَى الصَّغِيرُ الْهَارِبُ،
بَرَدَى الَّذِي سَرَقَ الشُّعَاعَ مِنَ الْبَرقِ
لمْ أَكُنْ جُنْدِيَّاً فِي رُومَا
وَلَا نَهْرَاً مِنَ الذَّهَبْ،
لَكِنَّنِي شَفَةُ الْغَريبِ وَعَطَشُ الْفِرْدَوسِ
وَدَمِي الَّذِي فَلَّقَ الصَّخْرَ
عَنْ
سُوُرَةِ
اْلكَهْفِ
يَتَدَفَّقُ الْآنَ،
ويَهْلَكُ
فِي صَحْراءِ العَرَبْ.
فبراير/ شباط 2017
مِيتَافِيزِيقْ
كَمْ مَرَّةً، فِي نَهَارٍ غَرِيبٍ، ودَّعْتُ الْأَرْضَ
مِنْ طَرِيقٍ
وَوَجَدْتُ نَفْسِيَ رَاجِعِاً عَلَى طَرِيقٍ،
مُبْتَهِجَاً ومَسْرُورَاً،
وَمَعِي فِي يَمِينيَ لَوْحُ النَّهَارْ.
4-5-2017
النُّزُولُ مِنَ قَلْعَةٍ فِي جَبَلْ
إِلَى عَاصِمْ
كَانَتِ الْأَرْضُ شَارِدَةً
مَعَ الرِّيحِ
ومُقْبِلَة ً
مِثْلَ غَيْمَةٍ عَلَى حِصَانْ.
عِنْدَمَا نَزَلْنَا وَرَأَينَا الْغُرُوبَ يَمْرَحُ فِي السَّهْلِ
وَبَينَ حَفِيفِ أَوْرِاقِ الشَّجَرِ،
وَبُكَاءِ الْحَصَى فِي النَّهْرِ،
كَانَ الشُّعَاعُ يَنْتَفِضُ،
وَحُبَيْبَاتُ الضَّوءِ تَسَّاقَطُ.
الْحِصَانُ أَشْعَلَ بِقَوائِمِهِ نُجُومَ النَّهْرِ،
والموتُ يَحْرُسُ الْمَغيبَ.
كُنْتَ رَاجِعَاً مِنْ أَطْلَالٍ فِي مَدِينَةٍ،
وَكُنْتُ فِي أَمْسِ الطَّريقِ إِلى دِمَشْقْ.
وَفِي الْمَسَافَةِ بَيْنَ سَرابَيْنِ
تَرَكْنَا الْمَسَاءَ يَلْهُو فِي أُرْجُوحَةٍ
وَنَزَلْنَا مِنْ قَلْعَةٍ يَحْرُسُها هَوَاءٌ طَائِشٌ
وَفِتْيَانٌ بِابْتِسَامَاتٍ فَاتِنَةٍ،
أُمَويُّونَ
قَلَّبَهُمُ الزَّمَنُ فِي التُّرابِ مَعَ الْلآليءِ.
وَفِي وَاقِعَةٍ أُخْرى،
كَانَتِ الشَّمْسُ تَتَمَرغُ فِي خُضْرَةِ الْحَصَى
والنَّهْرُ يَهِيمُ بعُرْفِ الْحِصِانْ.
لندن آذار 2017
نَهْرٌ عَلَى صَلِيبْ
تخطيط: حسين جمعان
(مُونُولُوغ)
كَيفَ أَهْرُبُ فِي مَوكبٍ،
وَأَنَا بِلَا جَنَاحَينْ..
الصَّبيُّ، تَحْتَ سَمَاءٍ مَائِلَةٍ ومَكْسُورةٍ،
صَرْخَةً
وَحُطَامَاً
وَجَنَاحَينِ مُهَشَّمَينِ فِي صُنْدُوقٍ زُجَاجِيٍّ،
إِنَّمَا يَدِي مَلْوِيَّةٌ
وَمُخَدَّرَةٌ عِنْدَ عُنُقِي،
وَكَتِفِي، الْمُبْتَهِجَةُ بِالْواجِبِ،
تَنْزِفُ،
لِأَظَلَّ أَسْمَعُ كَلِمَاتِ قَلْبِي..
لِأنَّكَ أَنْتَ، يَا شَامُ إِيلْ مَنْ يَتَقَدَّمُ المَوكِبَ وَفِي يَدِكَ اسْمُكَ الْهَارِبُ؛
بَرَدَى.
***
الْغُبَارُ يَحْمِلُ الصَّاعِدينَ إِلَى الْجَبَلِ؛
يَصِلُ الْغَجَرُ وَمَعْهُمُ الْمَسَامِيرَ،
وَقَائِدُ الْمَائَة وَفِي يَدِهِ الْمِطْرَقَةُ،
والشَّاهِدُ
بِلِسَانٍ مَقْطُوعٍ،
وَتِلْكَ الَّتِي رَقَصَتْ وَأَقْسَمَ الْمَلِكُ أَنْ لَا يَرُدَّ لَهَا طَلَبَاً..
لِأَتَمَكَّنَ،
مَرَّةً أُخْرَى،
مِنْ نَزْعِ يَدِي مِنَ الْخَشَبِ وَالْمَسَامِيرْ،
والنُّزُولِ مِنَ الْهَضَبَةِ
والْعُودَةِ إِلَى الْبَيتِ
بِقَمِيصٍ خَفِيفٍ وَقَلْبٍ مُرَاهِقْ.
لِئَلَّا أُرَدِّدُ مَرَّةً أُخْرَى كَلِمَاتِكَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي فَمِي:
«إِيلِي، إِيلِي ... لِمَ شَبَقْتَنِي!»
***
رَجَائِي مُحَطَّمٌ،
وَلَا أَرْجُو، الْيَومَ، شَيئاً كَمَا أَرْجُو الْخُرُوجَ مِنَ الشَّامِ.
سَأَتْرُكُ قَمَرِي وَمِقْبَرَتِي
وَحُطَامَ بَيْتِي
لِصِبْيَةٍ يَبِيعُونَ الْهَواءَ مَقَابِضَ الْأَبْوَابِ
وَيَشْتَرُونَ الْبَنَادِقْ.
أَهَذَا مَوكِبٌ قَدِيمٌ فِي كِتَابٍ مُمَزَّقٍ
أَمْ صَبَاحٌ فِي أَنْقَاضِ مَدينَةٍ دَمَّرَهَا سَطْرٌ فِي كِتَاب؟!
***
سَأَنْتَظِرُ الصُّورةَ عَنْ دِمَشقَ الْغَرِيقَةِ
تَحْتَ
سَمَاءٍ
أَنْزَلَتْ
رُسُلَهَا
لِإِنْقَاذِ نَهْرٍ هَارِبٍ فِي الْبَسَاتِين..
إِيلِي، إِيلِي، لَا تَخْرُجْ بِهَذَا النَّهْرِ مِنَ الْمَدِينَةْ.
II
وِمِنْ قَبْلُ، عِنْدَمَا كُنْتُ مَنْفِيَّاً فِي نِيقُوسَيا، وَكُنْتُ أَنْتَظِرُ طَائِرةً تَحْمِلُنِي إِلَى الْمَجْهُول،
كَيْفَ أَنْسَى أَنَّكَ أَعَرْتَنِي دَرَّاجَتَكَ النَّارِيَّةَ
لِأَتَمَرَّنَ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَسَقِ الْأُبُوَّةِ إِلَى شَوارِعَ تَمْرَحُ فِيهَا شَمْسٌ لَعُوبٌ
تَارِكَاً وَرَائِي عَوِيلَ طِفْلٍ وُلِدَ قَبْلَ سَاعَةٍ
فِي مُسْتَشْفَىً يُونَانِيٍّ
فِي جِوَارِ حَانَةٍ،
فِي جَزِيرَةْ.
***
كَمْ مَرَّةً سَيُبْكِيني مَصِيريَ،
قَالَ ظِلِّي،
أَنَا الوَاقِفُ، الْآنَ، مُذنباً فِي جِوارِ امْرأَةٍ صَغِيرةٍ
وَضَعَتْ للتَّوِ طِفْلاً شِامِيَّاً بِعَينِينِ زَرْقَاوَينِ
أَسْمَيْنَاهُ إِيْكَارُوس.
أَخْرَجَتْهُ مِنْ جُرَابٍ
وَرَمَتْهُ فِي جُرَابٍ.
فِي ذَلِكَ الْيَومِ، أَيْضَاً، أَخْفَيتُ يَدَيَّ الْمُجَرَّحَتَينِ
مِنْ سَقْطَةٍ عَلَى الإِسْفَلْتِ
بَعْدَ نُهُوضِ الْهَواءِ عَلَى الْأَكَمَةِ
كَحِصَانٍ هَائِجٍ
لَكِنَّنِي لَمْ أُفْلِحْ أَبَداً فِي إِخْفَاءِ نُدْبَةٍ
تَرَكَتْهَا فِي جَبِينِي حُصَاةٌ نَزِقَةٌ.
دِيْدَالُوسَ كُنْتُ بِصَنْدَلٍ صَيفِيٍّ والنُّدْبَةُ فِي جَبِينِيَ
سَطْرٌ
فِي
قَصِيدَةْ.
الْبَحْرُ يَنْهَضُ مِنْ وَرَاءِ الْأَشْجَارِ وَيَمْلأُ السَّاحِلَ بالْقَوَارِبِ والْغَرْقَى.
لندن 2016