نحن نريد العنب
بقيت وحيداً مع إمام المسجد. يخرج الشيخ من بين كتبه المبعثرة كتاباً من نزار ويشرع في قراءته وعندما يصل إلى «المايو الأَزرق والأَصفر» يضحك ويقول «إحنا ابّختك يا نزار!».
العجيب أن نزار يتكلم عن المحرمات دون أن يثير غضب أحد. والذين غضبوا تبدد غضبهم، وبعد فترة تقبّله الجميع. الناس تضحك عندما تسمع شعره، إذ سرعان ما يعتادونه. نزار يحل المسائل دون مناقشتها. يحلها لنفسه كعربي ولقرائه. وعندما يتعلق الأمر بالمرأة، فهو أكثر فاعلية من كل كتب المفكرين والتنويريين. ربما كان عليهم أيضا أن يواجهوا الأمور بعفوية نزار. بتساهله!
2
الشاعر عندما يحتشد الجمهور حوله مع كل قصيدة جديدة يجبر على مواكبة الحشد. كثرة الجمهور تحمل الشاعر مفاهيم تثقل عليه، وبالتالي ينصاع الشاعر إلى ذوق الشارع. هناك جمهور يتحكم بالشاعر وشاعر يتحكم بالجمهور. بين هذا التأثـُّر وذاك التأثير، ترتسم ملامح نزار.
3
لدينا مثل يضرب في الأهواز، نقول فيه «أنت لا تريد العنب، بل تريد قتل الناطور ـ أي حارس الكرم ـ « المثـقف العربي ـ كما يبدو ـ لا يريد العنب، واقتطاف الثمرات، بل يريد أن يهاجم ويُحرج ويجادل، شاهرا سيفه. لننظر إلى الغرب. كل التغيرات بدأت من الأدب. الأدب هو حلقة الوصل. وأي أدب؟ الأدب الذي يقرأه الشارع. لا أدب الفلاسفة. نحن نريد العنب!
4
عندما نحفظ قصيدة عن ظهر قلب، تصبح جزءاً من وجودنا. وبعدها لا يمكن لرقابة أن تتصرف فيها، ولا لأحد أن يمحوها. حفظ القصيدة ليس ممارسة وتدريباً للمخيلة الشعرية. القصيدة تتسرب فينا. ندعوها لتدخل. نقبل أن تعيش معنا. دعوة القصيدة تحتاج إلی الجرأة. من الممكن أَن تضرنا، أو ربما تغير فينا أشياء وتهشم أشياء. سننظر من خلالها إلی العالم. ومن منا لا يحتفظ بقصيدة من نزار بداخله؟
5
نزار يكتب كل ما ينتابه ويعتريه. يرسل قصيدته من علو شعري يشظي فيه سماء كل الشعراء الذين احتلوا السماء ونسوا من على الأرض. يكتب مشاعره، يكتب هواجسه، همومه، أحزانه، نقصه، يجعلك تحب الإنسان بكل نقصه. الكمالُ لا يُعشق. ربما لهذا السبب نحب الشخصيات الكرتونية..
6
نزار هو مراهقة الشعر، مراهقتنا. لم يتم غزل إلا بنزار. لا يكتمل حبٌّ إلا بنزار، ولكن ماذا يعني لنا نحن الكبار؟ هل هو مجرد ذكريات من المراهقة؟ أتساءل..