الأصولية والجنس
تخبرنا مترجمة الكتاب في مقدمتها بإشكالية ثانية تقول: يسود في العصر الحديث استخدام كلمة الجنس للدلالة على علاقة الذكر والأنثى، في حين أن معنى الجنس في اللغة العربية لا يحمل من قريب أو بعيد هذا المفهوم. ماذا يعبر في العربية عن الجنس؟ الواقع أننا لا نجد إلا كلمة الشهوة البهيمية أو كلمة النكاح، أو غير ذلك من ألفاظ المواقعة والمسّ والمباشرة والمضاجعة ونحوها.. إن تسمية النشوة الناشئة عن ممارسة الجنس بالشهوة البهيمية إحباط لها وانتقاص من قيمتها الإنسانية الاجتماعية والحضارية والدينية، كيف ينسب أعز شيء يتخلق منه الإنسان إلى أنه بهيمي؟ (هالة العوري ص 11).
يقول فتحي بن سلامة في دراسته (الجنس المطلق): إن العرب الذين كانوا يمتلكون منذ 14 قرناً خطاباً حول (الجنس) ذهب بعضهم إلى حد وصفه بأنه كان خطاباً فريداً في نوعه ، وممارسة لم يسبق لها مثيل لدمج الأيروسي (الجنسي) بالقدسي في الدين التوحيدي. لم يعد لديهم اليوم مفهوم للجنس في اللغة التي يكتبونها ويتكلمونها بلهجات عدة. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم كان موجوداً لديهم فإنهم لسبب غير معروف وعلى نحو غير معروف وعلى نحو غير معلوم فقدوا استخدامه في ظروف لغتهم الراهنة،( فتحي بن سلامة: ص5).
ويطرح الديالمي في هذا السياق أسئلة هامة مثل: لماذا اختيار العنف كوسيلة لإسماع صوت المسلمين باسم الإسلام؟ لِمَ بروز شخصية اسلامية متزمتة؟ لماذا يتحول المسلم إلى أصولي متشدد؟ كيف يتحول الأصولي المتشدد إلى أصولي انتحاري، إلى قنبلة بشرية تفجر الآخرين؟ ما هي الدوافع الأساسية والعميقة التي تسمح بفهم هذه الظاهرة المرضية التي يعاني منه الإسلام اليوم؟
ويسعى للتدليل علي أهمية العامل الجنسي في تشكيل الشخصية الأصولية والإرهابية. وبالطبع هو لا يتنكر لأهمية العوامل الأخرى الاقتصادية والسياسية . فالربط بين الحرمان الجنسي والأصولية الإرهابية ما هو في نهاية المطاف سوى تفصيل في الحرمان الاقتصادي وتعمق العلاقة المعقدة بين الفقر والإرهاب، فهو يفترض كما يخبرنا أن الحرمان الجنسي لا ينتج هنا عن العجز الجنسي وإنما يرتبط بظروف حضرية ومسكنيّة تتميز بالإثارة الجنسية وفي الوقت ذاته لا تسمح بإرضاء الرغبات الجنسية يقول “إن الإرهابي لا ينظر إلى نفسه كإرهابي، وإنما كاستشهادي يجاهد في سبيل الله ضد المرتدين والكفار. إن التواعد بالالتقاء في الجنة مكان السعادة الجنسية الأبدية لمؤشر له أكثر من دلالة على الحرمان الجنسي” (عبدالصمد الديالمي ص ص 8، 9).
وقبل أن نتناول أطروحة الديالمي الهامة نلاحظ أن معظم من كتب عن الجنس في ثقافتنا العربية المعاصرة قد كتبوا بلغات أوروبية سواء بوحديبة أو بن سلامة أو الديالمي وغيرهم، كما أنهم ينطلقون من موقف إسلامي وأحياناً قرآني اعتماداً على منجز الثورة المعرفية في العلوم الإنسانية سواء علم النفس أو الاجتماع.
يؤكد عبدالوهاب بوحديبة أن الموقع الرئيسي الذي يحتله الجنس في عملية تجديد الخلق واستمراريته هو آية الآيات المعجزة. يقول: وتتفق الكلمة والروح على أن الجماع هو القانون الكوني الذي يحكم العالم فالعلاقة الجنسية بين الزوجين وسيلة لعمارة الكون تفيض في جميع الاتجاهات بمعنى أن الحب: وسيلة الله في عملية الخلق (ص 32).
فالحياة الدنيا مكرسة للحب والشهوة هي الرابطة الأساسية في أشكال العلاقات، من صيرورة وتعاقب والتقاء وتنوع، تنطوي بشكل أو بآخر على مغزى شهواني، إذن الحب يحكم الكون.. وتأتي من هنا أهمية الجنس وقوته التّطهّرية. لهذا يحتل البيولوجي مكاناً بارزاً في القرآن، لأن الإنسان كائن يعتمل بالرغبة المتوهجة التي تخترق دونما انقطاع اللحم والروح فهناك فقط اندماج وكلية وما الحياة إلا بحث دائم وتجدد عن البقاء والخلود (ص 38). ويخبرنا في الفصل السادس وعنوانه “النشوة المطلقة”: إن الجنة مملكة الخيال وقد تختلف مراتب اللذة وأنواعها وإن شملها جميعاً اسم اللذة ولكن تبقى المتخيلة والتوافق بين الحس والخيال، أساس الاعتقاد في الجنة (ص 134).
إن الحب الصادق الذي تصحبه الرغبة الملحّة يعد سبيلاً إلى تحقيق الانسجام الكوني (ص 138)، ولنتوقف عن هذا النص الهام، يقول إن أعمال اللحم نعمة من الله ومتعة يجب أن تتاح للجميع منذ سن البلوغ وحتى مراحل العمر المتقدمة، وعلى كل مسلم، أن يدعو ربه بالبقاء يافعاً نافعاً. ونجد في المحصلة الأخيرة أن السمات الخاصة -مثل تعداد الزوجات، تعاقب الزوجات، تغير الرجال وممارسة الجنس شبه الواجبة التي لا مندوحة عنها حتى وإن كان لأسباب تعبدية- تضفي على أخلاقيات الجنس في الإسلام ميزة شديدة الخصوصية (ص 140).
إن الجنس يعني الشهادة لإرادة الله والتعبير عن المشيئة الإلهية ومع هذا فقد أضرت بالمرأة العربية المسلمة في الصميم ثلاثة عوامل اجتماعية، واضعة إياها في مكانة اجتماعية تصعب مقارنتها بالمثل القرآني هي كما يخبرنا: التسرّي وما يسفر عنه وجود جوار يتمتعن بالرعاية والموهبة والجمال، ثم تلك الفجوة الواسعة بين نمطي الحياة في الريف والمدن، وما يتبع ذلك من اختلاف نصيب نساء الجانبين من العمل واللهو وأخيراً الخلفية الاقتصادية لظاهرة قصر الزواج على أبناء العصب الواحد وما يؤدي إليه من تكبيل للمرأة ومن منع امتداد الحب غير المتفق ومصلحة الجماعة. لقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى شبه استعباد للمرأة العربية (ص 174).
على الرغم من خلوّ القرآن الكريم من نص واحد يمكن أن يعطى مؤشراً على كراهية النساء، فإنّ كتب الفقه والحديث، في الكثير من نصوصها تزخر بسمة الكراهية (ص 178). ويبين بوحديبة أن صفحات وصفحات من كتب التراث تحفل بالمؤشرات والأقوال الدالة على معاداة المساواة ورفضها.
ويحدد لنا بوحديبة الرسائل المتعلقة بالشهوة المعبرة عن الحاجة الماسة للإثارة بدءاً برسالة الجاحظ “مفاخرة الجواري والغلمان” التي تعود إلي القرن التاسع ، مروراً بكتاب “الألفية” الذي يتعلق بامرأة هندية ذات خبرة لا تجارى تزوجت ألف رجل، “وجوامع اللذة” لابن ناصر، و”نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب” لابن المغربي (المتوفى سنة 1170 م)، و”نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب” لأحمد بن يوسف، و”رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه” لابن كمال باشا، وكتاب التيجاني "تحفة العروس وروضة النفوس"، ورسائل السيوطي "الوشاح في فوائد النكاح"، وكتاب الشيخ النفزاوي "الروض العاطر في نزهة الخاطر" وغيرها.
ويعرض نماذج الشعر الفاحش في وصف المرأة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها من رسالة “نشوة السكران” لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحُسيني وإليكم ما ألهم النهدان:
ثديا المليحة صاحبان تشاكلا
وهما على العلات مصطحبان
جلسا على صدر الكمال تكبراً
وعلى رؤوسهما قلنسوتان
ويصف ما تحت السرة قائلاً:
بر من الفردوس للحسناء
أو موزان مختصران ملتصقان (ص 217).
إن التاريخ الاجتماعي للمجتمعات العربية ينطوي في الحقيقة على بحث دائم عن التعويض والقرار والالتفاف في محاولة منة لتجاوز ازوداجية الجنسين، وأن ما يجري في الحمام علاوة على البغاء مجرد نموذجين من السلوك التعويضي. ويبدو جلياً أن القول الفاحش الذي يزخر به هذا التراث الشعبي ليس أكثر من صمّام أمن لمجتمع منغلق على ذاته بصرامة بالغة (ص275). والكلام الداعر أحد آيات إعجاز الشعر والفن العربيين وتعود إلى نجاحه في الإشادة بمفاتن الجسد ومواضع الاثارة فيه. (ص 283). لا يخرج أدب المجون عن كونه تسجيلاً نبيلاً لإرساء قواعد الفحش حيث يبدو الأمر وكأن الفحش ينغلق على قيمة مسهّلة (ص 285).
يسعى الديالمي للتدليل على أهمية العامل الجنسي في تشكيل الشخصية الأصولية والإرهابية. وبالطبع هو لا يتنكر لأهمية العوامل الأخرى الاقتصادية والسياسية
من غير المعقول، أن يأتي هذا الاستخدام الجماعي المنظم للفحش اتفاقاً، إنه أقرب إلى الهاجس الجماعي الذي أرسيت قواعده المطلقة إلى حد كبير، من قبل المجتمع السلطوي الاستبدادي القائم على فصل الجنسين مختزلاً فرص لقائهما إلى الحد الأدنى، فإن المجتمع العربي مجتمع مخصي ليس من الناحية الجنسية فحسب، وإنما في النواحي السياسية والاقتصادية والأخلاقية والثقافية. إن هذه المجتمعات، رغم مناخها الخانق المهيمن، لم تفتقر إلى العبقرية في إحلال صمامات الأمن الكافية في اللحظات المناسبة والمواقع الصحيحة. إنها تستخدم النظام التعويضي بكل ما يندرج تحته من صمامات أمن: العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، الشذوذ الجنسي، التلصص، القذف اللفظي والإيحاءات الفاحشة، ناهيك عن الشعر وفتاوى الفقهاء، جميعها لها نصيب وافر في عملية التحايل.
ينطلق الديالمي في بيان العلاقة بين الجنسانية (Sexualite) والمكان (espace)، حيث عدم وظيفية المسكن العربي الجنسية تلعب لا شعورياً دوراً في انسداد الشخصية وتشددها الأخلاقي.
وتحت عنوان التحليل النفسي للأصولية يكتب عن الجنس والمدينة العربية. وهو يرى أن المعمار الانطوائي (غياب الشرفة والنوافذ، الدرب اللامخرج، المدخل المكوع) يعكس إرادة الزواج الداخلي، أي إرادة الاحتفاظ بصفاء النسب وبوحدة الملكية العائلية وتوارثها في الخط الأبوي.
وإن المعمار الانطوائي لا يكتسب معقولية إلا بجانب جنسانية سلالية إلى درجة أن المعمار يصبح سلالياً في الوقت الذي تتحول فيه السلالة بدورها إلى معمار. ذلك هو الرهان المؤسس للمدينة العربية الإسلامية، ذلك هو التمزق بين المطلب السلالي (الخصوصي) وبين المثل الأعلى الإسلامي (الشمولي). ومن هنا ضرورة الإقرار بالتداخل الصميمي بين الجنس والمعمار فكل واحد منهما يخترق الآخر وكل واحد منهما يخضع الآخر ويقيّده بالقيم التي يتقيد هو نفسه بها (ص 15، 16). ومن هنا يؤكد أن الدار امتداد للجسد، إنها جسد ثان يحمي ويحتمي داخل جسد أكبر جسد المدينة (ص 19).
يحدد صاحب “المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب” أربعة أنماط للعلاقة بين الجنس والمكان على التوالي: النمط الرمزي، النمط اللساني، النمط الوظيفي، النمط الحدودي. ويهتم بصفة خاصة بالنمطين الرمزي واللساني. ويتساءل كيف تتم تسمية بعض الأماكن من المدينة أو من الدار باسم بعض أعضاء الجسد؟ وما هو منطق هذ القرض المعجمي؟ يتحدث عن المدينة من الفرج إلى الثغر موضحاً أن “مصطلح الثغر بمعنى المدينة المسلحة التي تنشأ على حدود الدولة الإسلامية، مصطلح إسلامي حديث بالمقارنة مع المدلولات اللغوية للثغر. فمن الأدلة على أسبقية الدلالة الجسدية لكلمة الثغر على دلالتها المكانية (الحضرية) ما يرويه الطبري عن عمر بن الخطاب يقول الطبري: وقسم الأرواق وسمّي الشواتي والصوائف وسد فروج الشام ومسالحها.. وقال.. فجنّدنا لكم الجنود وهيأنا لكم الفروج” (ص 27). ويعلق طه الوالي على ذلك بقوله “يتبين من كلام الطبري أن عمر بن الخطاب أطلق اسم الفروج على ما عرف بعده باسم الثغور”، ويؤكد الديالمي الترابط الشبهي بين الثغر الفم، والثغر المدينة. توحد المهمة الدفاعية/الهجومية لكل منهما إما بفضل الأسنان واللسان وإما بفضل السلاح، إنهما معا حد فاصل بين الداخل والخارج، إنهما مدخل ومخرج في آن واحد، إنهما مكان عبور (ص 29).
عند الديالمي الدار كالجسد من حيث أنها امتداد له، إنها وساطة حمائية للأنا، درع ضد الغيرية الشريرة بشكل قبلي ولا مشروط. إن الحرمة تجمع في المنطق نفسه كلاّ من الجسد والدار وكلاّ من الحي والمدينة، إذ هي عنده مفهوم سلالي يقوم علي مرجعية الجسد. فهل هناك– كما يتساءل – معطى أكثر حرمة من الجسد؟ من جسد المرأة بالخصوص المحدد لكثرة الجماعة ولقوتها، المحدد للأموال والأنساب، المحدد للهوية الأبوية في نهاية المطاف (ص 32).
يربط الديالمي المقدس والجنس فالاتحاد الذي يتم من خلال الوصال الجنسي ومن خلال الصلاة يحقق السكينة. إن الاتحاد الجنسي ما هو إلا لذة صغرى بالمقارنة مع اللذة الكبرى لذة الاتحاد بالله، لذة الفناء في الله يقول: عند الآذان كما عند الذروة الجنسية دعوة مثلثة: دعوة إلى الوصال، دعوة إلى التصفية ودعوة إلى الارتقاء وفي الحالتين معاً يخرج المؤمن من وحدته ليندمج مع الآخر، وفي الآخر… في الحالتين معاً ينتقل المؤمن من حالة التوتر إلى حالة الانشراح ومن حالة اللاّطهارة إلى حالة الطهارة (ص 56).
لم أتوقف عند ما أورده الديالمي عن ذكورية المدينة فالإسلام -وفق مصطلحات التحليل النفسي الذي يستخدمها الديالمي- يحوّل المدينة إلى قضيب، فيصبح القضيب العربي حضرياً ويناقش التمظهرات المعمارية التي استعملها الإسلام لتحويل مدنه إلى قضيب حضري يغزو ويؤسلم البوادي الجاهلية المؤنثة بانبطاحها المعماري. وأول تمظهر للقضيب المعماري نجده في الأسوار العالية التي تحيط بالمدنية والتي تجعل منها وحدة متميزة (ص41).
إلى جانب السور يوجد داخل المدينة العربية الإسلامية موضوع معماري آخر يؤكد ذكورية المدينة وهو المنارة، الصومعة فهي بتحوّلها إلى مئذنة تجعل من المدينة القطب الفاعل داخل التاريخ الإسلامي (ص 44).
إن مقارنة المدينة من خلال تجليات القضيب المعمارية (السور-المنارة) يجعل منها مجالاً معمارياً مذكراً منتصباً عارياً لبادية جاهلية في مرحلة ما قبل تعميرية. فالسور والمنارة بانتصابهما يدعوان الإنسان إلى فعل معراجي نحو الله وبالتالي يشكلان آليات معمارية لتجسيد العقيدة الإسلامية وللدفاع عنها (ص 65). وبالتالي فإن ما هو ثمين في المدينة الاسلامية هو نساؤها (المسلمات) فهن القيمة المركزية التي تحصّن بفضل منطق معماري لا يملكه سوى “ولد المدينة” أي ولد المجال الذي يحكمه الشرع.
يؤكد الديالمي أن “الأصولية تعبير عن حرمان جنسي” في دراسته بنفس العنوان. حيث يرى أن الحداثة الجنسية باعتبارها إثارة مستمرة واستفزازاً مقلقاً تستوعب كفسق وفجور وكعودة إلى الجاهلية. وبالتالي تكمن مهمة المصلح الإسلامي/الإسلاموي -في نظر نفسه- في تحرير الجماهير المسلمة من التسمم الجنسي الحداثي” (ص 84).
بالنسبة إلى الإسلاميين يجسد الحجاب سلاح المعركة الحالية ضد الفتنة، أي ضد الحداثة الجنسية، فهو يحمي المرأة عند تحركاتها ويحفظ جمالها
وبالنسبة إلى الإسلاميين، يجسد الحجاب سلاح المعركة الحالية ضد الفتنة، أي ضد الحداثة الجنسية، فهو يحمي المرأة عند تحركاتها ويحفظ جمالها. إن خطر الاختلاط الجنسي يضبط بفضل الحجاب أو الفصل بين الجنسيين. ومن هنا يبدو أن الإسلاموية لا تظل صامتة أو لامبالية أمام إشكالية استهلال المرأة للمجال العمومي.
ولكي يحلل لماذا يجد هذا الطرح الأيديولوجي آذاناً صاغية في صفوف الشرائح الاجتماعية المحرومة منها علي وجه الخصوص؟ وكيف تتحول المرأة المسلمة إلى امرأة إسلاموية تقبل حجب جسدها ووأده عند استهلاك المجال العمومي؟ ويقدم لنا فرضيته في العلاقة بين الشخصية الأصولية المتشددة وبين الحرمان الجنسي انطلاقاً من إنجازات العلوم الإنسانية والاجتماعية واعتماداً على:
الترابط الذي أقامه رايخ بين الزهد في الحياة والتصوف من جهة وبين اضطراب التجربة الجنسية من جهة ثانية والذي قاد رايخ إلى اعتبار النزعة الصوفية جنساً وتطلعاً لا شعورياً إلى لحظة الذروة الجنسية، فكلما اضطربت التجربة الجنسية تمّ البحث عن الاتحاد بالله، بمعنى أن الاتحاد الروحي بديل عن الاتحاد الجسدي الفاشل أو الغائب.
وما أكده عالم النفس الاجتماعي الأميركي والين من أن تدين الزوجات الأميركيات يهدف إلى تقليص الانعكاس السلبي لحرمانهم الجنسي على حياتهم الزوجية. فالتدين هنا تعويضي يساعد على بلوغ نشوة روحية غير جنسية أعلى وأسمى.
ما توصل إليه كينزي ثم ماسترز وجونسون حول الترابط الإحصائي بين الاضطرابات الجنسية وبين ارتفاع الممارسات الدينية. بيان هلموت رايش أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة تؤدي إلى ظهور أخلاق جنسية متشددة ومحافظة (ص 86).
ينتج عن كل ما سبق اعتبار الإسلاموية أيضاً حنيناً وتطلعاً لا شعورياً إلى جنسية مرضية وشاملة. ومن ثمة جاز الافتراض أن الإسلاموية يمكن أن تعبر أيضاً وفق ما يقول عن تطلع لا شعوري لذروة جنسية متعددة مع زوجات متعددات. فالعجز الاقتصادي والاجتماعي (والسياسي) الذي يعاني منه المسلم المقهور اليوم، والذي يمنعه من التحكم بالنساء، يقوده إلى التشبث بقوة بإسلام يحفظ له امتيازاته الذكورية بغض النظر عن أوضاعه المادية المزرية ويحفظ له الحق في متعة جنسية متعددة انطلاقاً فقط من فحولته (المزعومة اجتماعياً ونفسياً) …. فالإسلاموية كمشروع سياسي غير زاهد لا في السلطة ولا في الجنس، بل تسعى إلى استعادة الرجل المسلم لامتيازاته التعددية الأبوية التقليدية وتحاول مقاومة تحديث العلاقات بين الجنسين وتحديث العلاقات الجنسية (ص ص 87 – 88).
يخبرنا الديالمي في “قراءة في استطلاع رأي” عن الأحداث المغربية حول ما حدث في الدار البيضاء في 16 مايو 2003 ، فما حدث يوضّح زعزعة الأمن الوطني، اللاتسامح، البؤس وراء الإرهاب. يأتي البؤس في قمة العوامل المفسرة لأحداث الدار البيضاء بنسبة مطلقة تصل إلى 63 في المئة. وهذا ما يؤكد نظرة الترابط القوي بين الفقر والإسلام المتطرف المتشدد ويطرح ما يطلق عليها التوسطات النفسية والفكرية بين الفقر والإرهاب ومنها الحرمان الجنسي. مما يجعل “الحريك نحو الجنة” سعياً للتمتع الجنسي اللامحدود: محور الجنسية في خدمة المسلم الذي ضحى بحياته في سبيل الإسلام (ص 128).
ويوضح الديالمي في حوار أجرته معه جريدة السياسة الجديدة المغربية حول “علم النفس وتحديث الثقافة الدينية” أن “الحرمان الجنسي الناتج عن الاكتظاظ السكني هو أحد عوامل تشكل الشخصية الأصولية الطهرانية الهوسية المتشددة في الأخلاق والمحترسة جداً من المرأة باعتبارها وحسب تلك الشخصية مصدر إغواء وفتنة” (ص 60).
وفي إجابة عن سؤال لماذا يرتبط الوضع الدوني للمرأة والتطرف بالشعوب الإسلامية؟ يؤكد أن الأصولية هي أكبر متشبث بالتأويل القانوني الذكوري للإسلام، كما أنها اليوم الممثل الرئيسي له(ص 162).
إن إرادة الاحتفاظ بالسلطة الأسرية للرجل في صفوف الأسرة الفقيرة تعكس تطلع المسلم المقهور إلى سلطة ما. لأن السلطة على النساء حاجة نفسية تاريخية ملحّة اليوم لدى الرجل المقهور: فهي المتنفس الوحيد وهي الآلية الأساسية لتأكيد هوية جنسية ذكرية. إن السلطة الجنسية هي السلطة الوحيدة التي تمكّن المسلم المقهور من التعويض عن الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المعاصر”(ص ص195-196).
عبد في الفضاء العمومي لكنه سيد في المنزل، ذلك هو المسلم المقهور الذي يريد أن يجعل من المرأة عبداً للعبد. ومن هنا يرفض الرجل المقهور مَنْ منع تعدد الزوجات ويرفض وضع الطلاق بيد القاضي، ويرفض تجريم ضرب الزوجة، وتكمن سلطة المسلم المقهور بالضبط في القدرة القانونية على التعدد وعلى الطلاق اللامشروط وعلي القرب التفريغي.. وطبيعي أنه كلما تقلصت القدرة على الإعالة عند الرجل ارتفعت إرادة السلطة الجنسية كتعويض (ص 182).