المرأة المخدوعة
يكفي أن تكتب المرأة العربية مفكرة على أحد محركات البحث لتظفربتكراراسم المصرية نوال السعداوي 1931 والمغربية فاطمة المرنيسي (1940- 2015 ) وتاريخ نضال كل منهما في مجال الفكرالاجتماعي والنسوي والجهد الفكري لكليهما والمنجزالكتابي الذي لخصت فيه كل منهما جل أفكارها، وعدد كبيرمن الكتابات عن هذا المنجز.
بتكرارالبحث وتخصيصه لن نجد إلا تكرارنفس النتائج ليصبح السؤال بديهيا لماذا تغيب المرأة المفكرة من الثقافة العربية؟ يحيلنا السؤال لواقع سياسي واجتماعي وثقافي تداخلت كل عناصره وبقصد أو بدون لنصل لنتيجة واحدة؛ نتيجة واحدة تعكس صورة المرأة العربية المخدوعة المُستَغَلة. مخدوعة من قبل القوانين التي طالها الاصلاح في أزمنة ازدهار دعاوي التحرر لتنال المرأة بموجب هذه الاصلاحات حقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية مخدوعة في مجتمع لم يمنحها الحق في العمل لنضالها لتنال حقها في الاستقلال عن الأبوي والذكوري بل تحول العمل لعبء جديد وحدد معايير تميزها وتفوقها بقدرتها على الجمع بين العمل والبيت والنجاح في كليهما دون أن يقدم لها المساعدة في الوقت الذي يحصد فيه وحده الثمار المادية لهذا العمل لتتحول من كائن مستقل إلى كائن مستغل على غرار ما فعلت الرأسمالية الغربية التي جرت النساء من البيت الى العمل ليس بغرض تحريرهن ولكن للاستفادة منهن في قوة العمل، مخدوعة من قبل المؤسسات النسوية التي تراجع خطابها التحرري الذي كان قد وصل إلى أفق مُرضي في فترات سابقة ليتراجع لأسباب كثيرة لحدود ضيقة لا تبرح حماية المرأة الإيذاء البدني والحفاظ على أعضائها الجنسية.
تتشابه – تقريبا – الظروف التاريخية والثقافية الاجتماعية والسياسية التي نشأت فيها كل من السعداوي والمرنيسي، وازدهر فيها المشروع الفكري لكليهما، النصف الأول من القرن العشرين، زخم النضال العام من أجل التحرر من الاستعمار ونمو الوعي العام لدى تلك الشعوب بأهمية التحرر، قضية المرأة وتحررها باعتبارها أحد نواتج تحرّر المجتمع. النصف الأول حتى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين وازدهار الفكرالتحرري الذي طال وضعية المرأة وعمل على تغيرها على مستوى القوانين. ازدهر مشروع السعداوي والمرنيسي نهاية سبعينيات القرن العشرين حتى عادت الأصولية الإسلامية بقوة في المشهد الثقافي وفرضت وجودها وحاربت النسوية على نحو ما فعلت مع السعداوي في مصر من مصادرة كتابها وتشويه صورتها بل وشيطنتها واعتبار النسوية هي نضال المرأة للتخلي عن الأدوار البيولوجية والاجتماعية لها ولقيت دعوة الأصولية رواجاً في الأوساط الشعبية التي تُعاني من الأمية بنسبة كبيرة كما أن هذا الوسط هو نتاج ثقافة ذكورية أبوية أدى إلى تردي أوضاع المرأة.
تغيرت الأوضاع السياسية للمنطقة العربية منذ بدايات النصف الثاني للقرن العشرين بجلاء المستعمر السياسي وتشكل حكومات جديدة تخاف الحرية وتناهضها وتلوح بقضايا المرأة فقط من أجل كسب صوت المراة التي مكنتها الإصلاحات القانونية السالفة من ممارسة حقها السياسي وصار صوتها محسوبا ومؤثرًا في صناديق الاقتراع، وأيضا لمغازلة النخب المحلية والدولية التي لا تضع قضية المرأة على رأس اهتماماتها وفقط بل تتعامل معها على أنها مقياس تحرر وتحول المجتمع من أبوي ذكوري لمجتمع يتساوى فيه الجميع دون تميز جندري.
إن كانت الأصولية الإسلامية والدينية بوجه عام ساهمت في تردي وضعية المرأة بعزلها الجزئي عن المشاركة، مستثمرة الصورة المغلوطة للنسوية في الوعي الشعبي فإن الاهتمام بقضايا المرأة مازال يتذبذب على أجندة العمل السياسي حسب المكاسب المأمولة والمنتظرة ولذا تظل تلك القضايا مؤجلة حتى يتم الاستفادة من طرحها وفقط.
لم تكن الأنظمة السياسية هي الوحيدة التي استغلت قضايا المرأة ولكن بعض مؤسسات المجتمع المدني ذات التمويل الخارجي والتي رضخت لأجندات التمويل الخارجي كليا أو جزئيا، الخارج صاحب التمويل يعمل وفق تصور مسبق لصورة المرأة في المجتمعات العربية، ويوجه تمويله تجاه قضايا بعينه؛ ليتراجع الخطاب النسوي لحدود ضيقة تتمثل في حماية المرأة من الإيذاء البدني ومناهضة العنف ضدها والدفاع عن أعضائها الجنسية من التشويه! ليعزل النضال النسوي داخل حدود الجسد.
أضف إلى كل هذا خطاب النسوية الاستعلائي الذي يخاطب النخب حتى أنه صار خطابا دعائيًّا أكثر منه إصلاحيا أهمل الكثير من الفروق بين المجتمعات المختلفة ووحد نبرته دون فهم لطبيعة المجتمعات والتميزات الفردية أيضا، ففقدت النسوية كمفهوم وثقافة قدرتها على التواجد ولم تستطيع مواجهة وصاية المجتمع الذكورية الذي تشكل المرأة المفكرة خطرا عليه يقاومه بكل الطرق من سجن وقمع وشيطنة ومصادرة ليقدم السعداوي على أنها النموذج السيء للمرأة.