لم صمت الشعراء؟
تبدو الإجابة عن سؤال، هو لبّ الرؤية الشعرية نفسها، أصعبُ بكثير من عملية تفكيك العالم وإعادة بنائه وفقًا لتمثلات ما. فأن نطرح على الشعر أو الشاعر – وهنا لا فرق- سؤال “المهمة” أو “المهمات” هو بالنهاية عمليّة استدراج “جمالية” للإجابة عن واقع شرس و”قاتل”، واقعٌ هو أقربُ إلى تمتمات السحرة.
عن العالم الذي نعيشُهُ ليس شطحة سوريالية بل هو أنساقٌ مفتوحة تخاطبُ أنساقًا مفتوحة، لها القدرة على انتاج مستقبلها بشكل مستقل، وهو ما يفترضُ أن يكون الشاعرُ نفسه قادرًا على انتاج هويته الكونية بشكلٍ مستقل، ولكن من داخل هذه المنظومة.
هذا الطرح أعتبرهُ ضروريا حتى لا يسقط الشاعرُ من غربال التجربة الانسانية. فـ”الموت الجماعي في اليابسة والموت الجماعي في البحر”، هو المحرار الحقيقي لالتزام الشاعر بقضية الانسان، وهو ما تطرحه الفلسفة الكلبية التي أعتنقها، حيث يكون الانسانُ “الكوني”، المتعالي على الجنس واللغة والعقيدة والطائفة، مدار الشعرِ وروحه.
إنّ ما يحدثُ في المنطقة العربية، التي أعتبرها نسقًا يتفاعلُ مع باقي الأنساق، يعيدُ تأسيس مفهوم الشعر لدى الشاعرِ، لدى باعتباره قضية جمالية فقط ولكن باعتباره قضية معرفية، حيث لا مفّر للشاعر من التعامل مع مختلف هذه القضايا إذا أراد أن يضع نفسه، وهي مهمته، في الحاضر الماثل بكافة حواسه وعناصر الفعل فيه.
وإذا كانت اللغةُ- في الشعر- تستدعي اللغة، فإنّ الجريمة- في العالم- تستدعي الجريمة. وهو ما يوفّر مرونة اندماجِ الشاعرِ في هويته الحقيقية اليوم: أن يكون ضمير الانسانية بلا منازع. هنا تحضرني مقولة برتولد بريشت حين يقول في لحظة صدق نادرة:” إنهم لن يقولوا لم كانت الأزمنة رديئة بل سيقولون لم صمت الشعراء”؟، ومن ثمّة فعلى الشاعرِ العربي اليوم أن يحسمُ أمر هويته الحقيقية، بدل أن يتمزّق بين المدارس التي تعلي من شأن النص على حساب قضايا الإنسان، ويستوعبَ العالم بجرائمه وجمالياته أيضًا.