قلق الفكر وجموح الخيال

أطروحات فكرية وإبداع أدبي ونقد ثقافي

يأتي هذا العدد المزدوج متأخراً عن موعد صدوره بفعل ظروف قاهرة، وقد يكون الأخير في صيغة PDF، على أن تستمر “الجديد” في صيغتها المعتادة كمجلة إلكترونية، تستقبل الكتابات دوريا كما جرت العادة خلال سنوات صدورها الثماني. ولم يكن من هذا القرار بد، في ظل اضطراب العلاقة بالثقافة من قبل المؤسسات العربية الداعمة، وتراجع الاستثمار في حقل الثقافة عبر منابر أدبية حرة لصالح منابر شبه أدبية، شبه ثقافية، شبه سياحية. وهو ما يكرّس نوعاً من القطيعة المعرفية مع صناع الثقافة الأكثر كفاءة واقتداراً وتعبيراً عن مواقف الأدباء والمفكرين العرب من اللحظة الراهنة، والصوت الحر في الثقافة.

دأبت “الجديد” على تقديم الجديد في الإبداع والفكر والاحتفاء به وفق خطة طموحة ربطت المشرق بالمغرب ثقافيا، وقدمت لقارئاتها وقرائها الأقلام العربية المهاجرة على نحو غير مسبوق. وشكّلت ملفاتها الشهرية زاداً فكرياً طرح بجرأة وصراحة جملة واسعة من القضايا الأكثر إشكالية في حياة الأدب العربي والثقافة العربية، في ظل زمن عاصف وجغرافيا عربية طالها الحريق من كل جانب، وشهدت اضطرابات وزلازل ومآس اجتماعية وسياسية لا نهاية لها، في عالم متغير اهتزت فيه الثوابت وأخذ يسمح بتغيير الخرائط  وهو ما جعل عودة نمط قروسطي من الاستعمار السياسي والديني أمراً لم يعد مستحيلاً، بل صار تغيير النظم الظلامية المستبدة بعمائمها السوداء والبيضاء وقبعاتها العسكرية هو المستحيل. لم يبق لدى العرب من جامع يجمعهم سوى الثقافة فهي عروتهم الوثقى، والدليل على جدارة ما كان لهم في الماضي وما يمكن أن يكون. الثقافة هي القلعة الباقية للروح العربية، والمصير العربي بين الأمم. وحدها الثقافة من يمكنه أن يجيب عن السؤال الأكثر جوهرية: هل نحن فعلاً أمّة؟ إلام نتطلع، وإلى أين نمضي؟ كيف نعرف أنفسنا في عالم تعصف فيها الأفكار والهويات؟ كيف نصوغ وجودنا بين الأمم، وكيف نحاور العالم ، ماذا نريد أن نأخذ، وما الذي نملك لنعطي؟ أسئلة جمة، تلكّأت ثقافتنا طويلا في الإجابة عليها. وسؤال الأسئلة كان وما يزال:  كيف نبتكر الطريق إلى المستقبل؟

                                                                                               المحرر