أخوات غيث

الجمعة 2019/03/01
لوحة: شادي أبوسعدة

“غيث” العائل الوحيد لهن، بعد سنة (الجدري)، ذلك الداء الذي فتك بوالدهن قبل أن يشاهد وصايته ماثلة أمامه، قبيل ولادة اسم يصف حالة المصابرة:

- (إن جاء ولد ماني مسميه إلا غيث!)

خمس شجيرات مَن يسقيهن وسط هذا العراء؟!

مَن يُداري على غضاضة أغصانهن مِن غلظة أعراب يحاوطنهن على “المشرب” الوحيد لبلدانهم المتلاصقة؟!

انطوت سنة الداء على ما لهج به الباقون، وتضرعوا:

- (الله لا يعيدها من سنة)

كلما أودت بهم المسامرة لذكرها، و”غيث” شاهد بينهم -اسماً ووسماً- على ما يسمع.

ظل “غيث” مستمعا، وملبيا لنداءات أخواته زمنا طويلا، إلى أن أقصته شيمته بعيدا عنهن.

رحل عن اقتراف النزاع الموسمي على “مشربهم” الوحيد بعدما عاش عمرا في تصفية الخصوم، عاما وراء عام ظل مناضلا عن حق مائي لخمس شجيرات.

ضرب مجاهل الفجاج معرضا عن توسل ندائهن:

- غيث

- يا غيث

- …

أودعهن للسماء..

لما بعد السابعة أن تُلبى استغاثتهن..

ذلك بعدما نكف الخصوم عن جبهة أسلمته لمبارز وحيد؛ يقف عليها عمه، وأولاده، هم الطرف الوحيد للمنازعة.

مضى في غيابة سنوات خمس يفلي عن الأرزاق في مفارق الأرض، وعبر جدائلها الممتدة..

..ولا يزال ماضيا إلى الأبعد؛ أرضا وزمنا.. لولا أن بلغه خطب فادح، أنبأه به “رحّال غريب” قد مر بديار يُحكى عنها:

- (أن خمسا حلت عليهن وصاية، تمنعهن من شب النار ليلاً..!)

هنا وُلد “غيث” من جديد.

لوى أعناق الأرض، واتجه للعودة، محملا بالنداء المضاعف؛ خمسا فوق خمس، وليلا على ليل.

عاد إليهن “غيث” بحنث عظيم:

- أن يراكم الليل ظلاما سرمديا.. ولا ضوء يوقد به ليله، إلا وهنَّ شواهد..

كنَّ مجتمعات في ليل ثابت، يمضغن العشاء بحلكة لون رماد نارهن، التي تُخمد قبيل المغيب.

قامت إحداهن، وتبعنها أخريات بسرعة اللهب..

وبقيتا اثنتان، لم يقمن من هول مباغتة شنها “غيث” على هذا الدامس.

هناك.. هول آخر، تغشَّى عمه، وأولاده.

لمَّا أبصروا حقيقة الموقدة، نار العودة، وعلى إثرها اثنتان.. نهضتا للتو تطوفان عليها بالغناء. تُلْحِقَانَها بالحطب، كلما خفتت..

لنار هذا الليل اسمٌ، و وسمٌ جاءا أيضا بعد مصابرة.

(وسمٌ).. بل “غيثٌ”، واثنتان تأكيدا..

اسمٌ.. أبصره المنزاحون عن طرف كان ينازع..

اسمٌ.. لمثنَّى، لازال مرفوعا بجدائل ريانة لامعة، تشبه مع التطواف أذيال نافرات الخيل.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.