أدب الاعتراف
للمرة الأولى في الصحافة الأدبية المعاصرة يجري التطرق لقضية أدب الاعتراف، ونعني به أدب السيرة الذاتية بمفهوم شامل يتسع لكل كتابة ذات طابع ذاتي تتحدث عن الأنا في علاقتها بعالمها. والواقع أن غياب أدب الاعتراف في الثقافة العربية هو علامة ودليل على تضعضع مكانة الذات في المجتمع، وضعف الفرص أمامها للتعبير عن مكنوناتها وتجاربها وخبراتها وتطلعاتها، والأهم نظرتها العميقة إلى نفسها، انطلاقا من فرصة امتحان القدرة الذاتية واختبارها في مجتمع يتيح لها ذلك.
والواقع أن مجتمعات أبوية مفرطة في تكبيل الأجيال الجديدة بقيم وأفكار بالية أشبه بالقيود على الأيدي والأحجبة على العيون، إنما تخلق بدلا من الذوات الحرة، نسخا متكررة من الأشباه المتحدرين من صلب آباء ظُلموا، بدورهم، عندما لم يتمكنوا من تحرير ذواتهم من حبل القطيع المسيّر المساق إلى قدره الاجتماعي الأعمى. فما الذي تملكه ذوات لم تتحقق حتى يمكنها أن تعبر في يوميات ورؤى ذاتية عما يفترض أنه وجودها الشخصي، حتى لا نقول إرادتها الخاصة؟
إن حق التعبير عن الذات يفترض أولا وجودا حيّا وحرّا وبالتالي فعّالا لتلك الذات، بعد ذلك نطالبها بموقف من وجودها ومن عالمها.
لم تنتج الثقافة العربية، على كثرة ما قدمته من نصوص “ذاتية” في سياق مغامرتها الأدبية والفكرية الحديثة، منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم، سوى القليل جدا من النصوص التي يمكن الإشارة إليها بوصفها علامات على أدب الاعتراف. سنترك للدراسات والمقالات المنشورة في هذا الملف أن تسهم في رسم صورة هذا النوع الأدبي في ثقافتنا العربية المعاصرة.
وندعو في الوقت نفسه النقاد والفلاسفة والأدباء العرب إلى إغناء هذا الملف ونقده وتقديم الإضافات الممكنة على ما جاء فيه، بما يحرك الساكن ويثير السؤال ويفتح الأبواب على مساهمات جديدة.
وإذا كنا قد تركنا المجال في هذا العدد أوسع لقراءة الظاهرة والتفكر فيها، ولم ننشر من الكتابات الاعترافية سوى بضعة نصوص، فإن “الجديد” تعد قراءها بفتح الباب واسعا في أعدادها المقبلة أمام النصوص الاعترافية وأدب السيرة الذاتية واليوميات في الثقافة العربية.
قلم التحرير
شارك في إعداد الملف: حنان عقيل، عواد علي، عمار المأمون، زكي الصدير