أغوستين بورّاس.. الغناء بصوت خفيض

الأربعاء 2021/03/03
مثالية التعبير

يعكف أغوستين بورّاس بامتياز على الاستحضار والتفكير والتأمل والمعايشة والعاطفة كي يتعامل بتهكم غير مأساوي مع الموضوعات الكبرى للشرط الإنساني، بشكل فائق الوصف. (آنخل جيندا)

ولد أغوستين بورّاس في أنتقيرة، في مالقة عام 1957. منذ صغره وهو محب للشعر والرسم وقد أسس عددا معتبرا من المجلات الأدبية، له مؤلفات حول حياة وأعمال الشاعر الإسباني الإشبيلي جوستابو أدولفو بيكر. من مجموعات الشعرية: «ليْتَ»، «الذبابة البيكرية»، «كوبلات إلى حياة أبي الروحي (تحية إلى آنخل جيندا)»،، “وداع أبدي”.

حاصل على ليسانس في علم النفس من جامعة مدريد المستقلة وعمل أستاذا للغة الإسبانية وآدابها في التعليم الثانوي حتى تقاعده عام 2017. وكان قبل ذلك قد عمل في التعليم الابتدائي ونتج عن هذه التجربة السعيدة عدد من القصائد تتناول محتويات التعليم الأساسية في هذه المرحلة العمرية، وصدر بعضها في كتاب بعنوان «موفليتي الأنيق» برسومات لأرتورو جارثيّا بلانكو ونٌشر عام 2019.

صدرت له أنطولوجيا شعرية 2009 «أربعة قطط» (أصوات أساسية في الشعر الإسباني في القرن الحادي والعشرين ولأجله)، وهي مختارات شعرية تشمل أربعة شعراء هم آنخل جيندا وخابيير سالبادو ولورنثو مارتين ديل بورجو وماريّا أنتونيا أورتيجا. له رواية صدرت عام 2020 بعنوان “الجريدة والخبز”.

*ترجمة: أحمد يماني 

 

عندما مات أخي خيسوس

 

إلى أمي. إلى إخوتي وأخواتي، إنريكي وأنتونيو ماريّا ومانويل وكارلوس وخوسيه لويس وماري ثيلي و لويس فرناندو وخوان ورافائيل وخابيير وماري كارمن وبابلو وماريو.

عندما مات أخي خيسوس

أقسمت أن أثأر له.

كان الممثل الفخري الأكبر

لعائلتنا المستلَبة،

لكنه كان رمزا كبيرا

لديناميات العالم غير المفهومة

ففي اللحظة نفسها

التي كان بإمكانه فيها أن يشرب نخب صحته، أخيرا،

بعد عودته البطولية إلى استرداد عافيته،

هاجمه مرض قديم، بالغ العنف

(وكان نائما حتى ذلك الحين).

***

عندما مات أخي خيسوس

أقسمت أن أثأر له.

أذكر، عندما كان صغيرا جدا

كان من المستحيل عليه أن ينام

دون أن يصطاد (حرفيا)

واقع طبيعته الغامضة بالفعل؛

وكيف، أنه رغم قسوة عمليات البحث

التي يخضع لها كل ليلة،

كان يتمكن، لأسباب غير مفهومة،

من الوصول إلى الصباح متشبثا بمسمار،

بحفنة من التراب،

بغطاء من الفلين، بحجر،

بزنبرك أحد الأسرّة.

***

عندما مات أخي يسوع

أقسمت أن أثأر له.

صحيح أنه في خلال تاريخه القصير

والمؤلم

كان بالكاد يعرف المواقف الخطرة

التي لم يتورط فيها

لكنني اعتقدت دائما

أن ذلك الشغف السخي

الذي اعتاد أن يغلف به سذاجة أخطائه

سيكون له، عاجلا أم آجلا،

معادل مستحق.

لم يمكنني أبدا أن أفهم قدرة الإله

على السماح بقسوة كهذه.

***

عندما مات أخي خيسوس

أقسمت أن أثأر له.

أكبر سنّا إلى حد ما

(لكن ليس أقل عنادا جراء ذلك)

عشت أيضا، منذ شبابي المبكر

أزمة دائمة وخطرة

مقتنعا أن اللذة الوحيدة

التي  يجب أن تتوافق معي بشكل عادل

كانت هي الشعور بالذنب،

من معاناة جبانة وغير ضرورية

ونحو تلك المعاناة كنت متجها، دون شك

عندما وقعت بحظ عظيم

في عناق من محبته غير المشروطة.

لا يزال يذهلني إلى اليوم

كيف أنه بأي إصرار

بعد رحيل أبينا

نقل شخصية الوصي المثالية

إلى المراهق المعذب الذي كنته

في وجود أحد عشر ذكرًا آخر، في المنزل،

تسعة منهم بالغون.

***

عندما مات أخي خيسوس

أقسمت أن أثأر  له.

كثيرة كانت المشاعر التي تشاركناها

رغم عدم وصولنا لاتفاق

حول التوجه الأفضل لتخفيف

أحزاننا المشتركة:

بالنسبة إليه، كمغناطيس الحديد،

كانت تجذبه، لا محالة، كل أنواع اليوتوبيا،

حالما وحده

بجنة مستحيلة للجميع؛

بالنسبة إليّ، على العكس،

فقط كنت أتخيلني قادرا على

التخلي عن ألم بالغ النرجسية

يتجاوز أيّ نوع من الخيال.

يا لها من تجربة غريبة أن تجادل

المعنى المحتمل للحياة

مع شخص يعرف

أنه في القريب العاجل سيغادرها!

***

عندما مات أخي خيسوس

أقسمت أن أثأر له.

أجل، أقسمت أن أثأر له

رغم مرور ثماني سنوات

منذ توديعه الأول

وحتى الآن لا أزال بعيدا جدا

من الصورة الشخصية

المبهجة والواضحة والهادئة

التي وعدته بها في ذكراه

عندما يحين وقت رحيلنا النهائي

(وأن هذا وليس آخر

هو الحجة الرئيسية

لمثل هذا التهديد الناجع).

***

أحيانا تصيبني باليأس المهارة المؤلمة

التي ما زلت أملكها

من أجل تأجيل، إلى أجل غير مسمى،

بادرة حب بسيطة لا لبس فيها،

لكنني أريد تصديق أنه في يوم ما

سوف أجرؤ على تمثيل،

الوهم الهائل، بكل طبيعية،

والذي يعرف كيف يبرر هذه القصيدة

التي وُلدت في ملقة

في اليوم نفسه، في الليلة نفسها

من صيف عام 1994

عندما مات أخي خيسوس،

وأنا غاضب وعاجز إلى جواره،

أقسمت أن أثأر له.

 

كاتب سيرة الموت

 

كل صباح، يراهن آنخل جيندا

الموتَ

بكل ما يملك

(ولحسن حظ الجميع،

فإن الموت هو الخاسر).

***

يا له من رهان سخي

لهذا الشاعر الجسور:

قتل الخوف من الحياة

وجرح الموت بالحياة!

يا له من استراتيجي ذكي

كاتب سيرة الموت:

فبمنحه الحياة في أشعاره

يعيش فيها إلى الأبد!

 

ثلاثة رسومات تقريبية

Thumbnail

I

في نيتي أن أخبركم

أنه ليس ثمة قصيدة أكثر اكتمالا

من معرفتكم.

لطالما أحببت أن أتذكر

هذا الرأي

الذي أتركه الآن مكتوبا

كالنص الذي لا مفر منه

لتلك الصورة البدائية،

التي، لحسن الحظ، أحتفظ بها:

وحده الحب يتوافق مع العالم

ويجد في غموضه

السبب الذي ينتجه.

II

رغم أن مجرد الوجود

فيما يخص وجودي

هو سبب كاف للغناء،

فإن الغموض الذي يلف

العالم العجيب

يسيل الكثير من الحب

الذي جعلني ألتقي بكِ.

لن  أنسى ذلك الصيف

وأنت متكئة على كتفي

وموتور قدميك

يحرك القارب

الذي يفتح ويغلق ساقيه

كضفدع عملاق.

***

نفايات البحر

توصي بالخروج منه

وكانت الأيدي حرة،

منذ ذلك الحين،

لإسعاد الجسدين

اللذين يصلان إلى الشاطئ.

كنت مستلقية على ظهرك.

كان القميص على رأسك يمنع عني

عالم عينيك كله.

أذكر أنه عندما قبَّلتك

كان بعض الماء متبقيا في سرتك الصغيرة

وكلمتني بأصابعك،

راسمة قلبا

في ملح خصري.

***

الحياة بالنسبة إليّ،

أن أستمر بأمل

إعادة العناق إليك

إلى معجزة كالتي لك.

ليت يديّ تجيبان

من الآن فصاعدا

على الحب الذي تمثلينه،

والإله الدائم

الذي يسافر معكِ

أن يجدني قريبا بجانبك.

III

أرى في العالم قلبا

هو صورتنا الحية

ليس لديه صورة نهائية

(لأنه يتغذى علينا)

وليس ثمة عوائق كبيرة

لجعله صالحا للسكنى برحابة.

إنها مسألة صبر

وأمل.

 

انظري إذا ما سوف أصبح ماسوشيا

----

انظري إذا ما سوف أصبح ماسوشيا

فلقد انتابني الشعور بالضيق

عندما تحققت هذا المساء

من الأمور تمضي على ما يرام بالنسبة إليّ.

 

حوار منفرد

 

القصيدة الحقيقة

بعيدة عن الكلمة

ولا تعرف فعلا آخر سوى فعل العيش

مهما كانت الظروف.

لكنني أحاول، رغم ذلك،

أن أترك على الورق

مكبرات صوت قوية

تفزع القلق الذي به أستوعب

لغزها الذي لا مفر منه.

فقط أبحث عن ذيوع صيت.

أنا شاعر انتحاري.

لو تعلم كم هو مألوف بالنسبة إليّ

الخطأ الذي يصاحبك!

***

شاء أم أبى إرهابيك…

العالم مصنوع جيدا.

لكن، ليس أناّ

أيقظ متفرجك

وعدّل المسرح.

إن أقل رسالة

لهي نتيجة عمل.

بخبرات خاصة

نتفلسف.

سافر إلى عمق المادة.

 

بلاغة أكثر من اللازم

 

ثمة بلاغة أكثر من اللازم في العالم.

كي يمكننا التكلم بوضوح

ما علينا سوى أن نرى الموضوع واضحًا.

 

أخيرا

 

حلمت

أنني استسلمت للموت.

بعيدا عن الخوف منه

كنت أتشبث به

كقارب

يتشبث به ضحايا غرق سفينة

وكحياة

يتمسك بها شاب صاحب مرض عضال.

حلمت

أنني استسلمت للموت.

ليت هذه الرغبة الرمزية

تتكهن بالتوديع النهائي

لكثير من الاغتراب.

***

وتوقظ في نفسي

طبيعة كافية

للوجود دون هلع.

حلمت

أنني استسلمت للموت.

ورغم أنني لا أود

أن ألقاه وجها لوجه

(فلم أستمتع أبدا بحوار

حقيقي مع العالم كما هو الآن)

فإنني آمل أن أحصل ممتنا

على هذه التجربة الحادة والأخيرة

التي تحفظها لي الحياة.

أخيرا حلمت

أنني استسلمت للموت.

 

أعظم قصيدة أحتفظ بها

----

أعتقد أن القصيدة تختفي

لأن المعجزة الأبدية

بالغة الألفة

نمد إليها شبه

يد مقعرة وخائرة

تبدل بالدهشة الكاملة التي يعرضونها عليها…

المعاناة الكبرى.

أعتقد أن العالم

مماثل لمن يحلم به،

وهذا السر الأخير.

 

لمرات عديدة ابتعدتٌ

 

لمرات عديدة ابتعدتُ

عمّا أردته دائما

فلم أعد أعرف إذا كان يوما ما

يمكنني الامتنان للذاكرة

كونها الملجأ الوحيد

لمثل هذا اليأس الكبير.

***

يبدو من المستحيل الحفاظ

على عادتي هذه في الهجر،

لكنني هنا:

متمرد أكثر من أي وقت مضى

نحو القصيدة التي أحتاجها

وآمل أن تطوقني من جديد

عندما تصل إليك

هذه الدعاية الخائرة.

***

لنرَ إذا كان العقل حينئذ

سيلطف القواعد

التي تضخم نقيضها،

وينتشل أسبابا للاحتفال

ويسرّع، في النهاية،

الراحة السخية

التي يحتاجها حرّاسه.

 

حياة جديدة

 

إلى ابني أندريس

منذ أن كنت هنا

يرافقني، أمام العالم،

تواطؤ متزايد

عرفته فقط في آخرين

حتى ذلك الحين.

وصلت لتقديم

مطالبات بالغة الجبن (ومتكررة)

للعون أمام الحياة

وفهمت مجروحا بشدة

مستقبل طبيعتي.

يا لها من مفاجأة لي

عند التحقق من أن من هي اليوم أمك

بحضورها فحسب

ستجعلني رجلا

يحدوه الأمل لا محالة!

يا لها من خبرة سعيدة

تلك التي أقابلك فيها لاحقا

وأكون قادرا على عناق

كل الحب الذي بداخلك

أراد أن يأتي أخيرا ليتجسد!

لكن ليس بكلمات

(حتى لو أصررتُ أن أترك لك

تكريما صغيرا مكتوبا)

كيف لي أن أشكر

الحقيقة التي نحتفي بها.

آمل أن تتوافق أفعالي

مع هذه الدلائل

وأن أعيد إليك يوما

الأمل الذي نقلتَه إلى هذه القصيدة.

 

مهمة الشاعر

 

“رغم أن حياتي الحقيقية ربما ستخترع نفسها”

آنخل جيندا

تخيل للحظة فقط

أنك لم تعد موجودا.

ألا تظن أن العالم

الذي كان حتى اليوم يحيا داخل رأسك

سوف يستمر في الدوران

رغم أنك، حينذاك

لن تشكل جزءا منه؟

فكّر أنه، هكذا كما في داخلك

يمكن سماع أصوات

الشعراء الآخرين الذين اختفوا فعليّا،

كذلك يمكن أن يكون كلامك

مجديًا لمن سيبقى بعدك.

لكن ليس لهذا تتوجه

إلى جمهور لم يوجد بعد

سيهمه فقط

الحوار الشجاع

الذي تقيمه وحدك مع نفسك.

عد إلى الواقع الآن.

تأكد من أنك لم تمت بعد.

ركّز بوضوح وعاطفة

على تحليل اللغز الذي هو أنت

والذي تحيا فيه.

لتصف أشعارك

بأمانة تامة ما تشعر به،

الصورة الحقيقية التي لديك عن نفسك،

على الرغم من أن قرّاءك المستقبليين

من سيكون عليهم أن يكملوا بنجاح

صورتك الحقيقية

عندما تكون قد ذهبت.

 

صالة انتظار [1]

----

إنه العالم، للجميع

صالة كبيرة للانتظار.

نعرف ما ننتظره

لا الوقت المتبقي لنا.

***

كم هي سخية الحياة

حتى أنها تبدو في النهاية

كما يتخيلها المرء.

***

غريق محترف،

حياتي في خطر دائم،

لكن لا أزال واثقا أن البحر

سيحملني إلى الشاطئ.

***

بتكرار زائد

عندما كنت شابا

أغرقت آلامي في الكحول.

***

لم يعد الشراب ضروريا

فدائما ما أكون سكرانا

بخمر أحزاني.

***

الشعر هو الصدى

الذي تعيده إليك الحياة

عندما تعانق غموضها.

***

عندما أفكر في الوضع

الأكثر شرفا في الحياة،

أقول لنفسي: كن طبيعيا؛

فهذا هو الوضع الصحيح الوحيد.

***

“يجب أن تكون طبيعيا”، أجل؛

ساذجة هي الإجابة؛

لكن، هل يعرف أحد

معنى طبيعتنا؟

***

لا يبدو أن غريزتها

تشغل كثيرا الوحش،

ولا النبتة يشغلها الجذر

الذي يستعبدها في الأرض؛

***

لم نسمع أبدا شكوى

الحجر من قسوته.

وحده الإنسان يحيا دائما

بغرض التعديل.

***

ستكون لي سيرة ذاتية جديدة

طريقة أخرى للوجود

عندما سأكون خارج العالم

وشخص ما يتذكرني.

***

في الشعر وحده

تجد حياتي ملجأ

حيث تلتئم الجروح

التي أنتجها بنفسي.

***

حيث أنها الخبرة الأخيرة

التي تحفظها الحياة لي،

فسوف أكون شاكرا لك أيها الموت

إذا ما أخّرت زيارتك.

***

تستمر الحياة

حين يموت شخص آخر؛

لكن إذا كنت أنت الميت

فالعالم يختفي.

***

رغم أنه لا يوجد دليل لشرح

كيف تعمل الحياة،

إلا أنه يمكنك استعمالها دون خوف

أثناء فترة الضمان.

***

عندما تكتب قصائدك

لا تنس أنه دائما

ما يطل الشعراء من وراء القبر.

***

أعرف أن الحياة حلم،

لكن عليك أن تصنعه

وأن تدافع عنه مستيقظا.

***

لا يزال المتشرد

الشخصية الوحيدة

التي يمكنني، منذ الصغر،

أن أتماهى معها.

***

حينما كنت شابا، فقط

كنت أشرب كي أنسى

أنني وحيد في العالم.

***

اليوم، إذا شربت، مفتخرا،

فدائما كي أحتفل.

معكِ كل شيء لديّ!

***

بماذا ينقصني الحلم،

إذا كنت أعيش يوميا معجزة

أن أقدر، حين أستيقظ،

أن أراك نائمة إلى جانبي؟

***

كان أبي ميتا بالفعل

وفي مرات لا تحصى

ظننت أنني أراه في الشارع.

***

أتذكر أكثر من مرة

أنني تبعت أحد المارة

ظنا مني أن يكون هو.

***

أعتقد أنني

قد وهبت حياتي

لمطاردة الأوهام

منذ ذلك الحين.

***

عندما يمنحنا الله الاختيار

بين الجنة والجحيم

فذلك لأنه جعل الاثنين

جذابَيْن بشكل لا يصدق.

***

إنها الحياة تزجية للوقت

التي بالموت تنتهي؛

فقط من لا يَغِشّ

سيستمتع باللعبة.

***

لديّ في البيت لوحات عدة

بمشهد واحد بالغ التشابه:

بيت وطريق

يضيع بين الأشجار.

***

اليوم تبدو لي رموزا

للرحلة الاستثنائية

التي علينا أن نقوم بها

للمكان الذي لم يعد منه أحد.

***

أعتقد أن الخوف من الحياة

لا بد أنه، على الأغلب،

الخبرة التي لدينا

أكثر شبها بالموت.

***

أحلم في أحيان كثيرة

أنني أمام جمهور غفير

يستقبل بحماس

خطابي العارم.

***

بعد ذلك، في اليقظة،

أعترف، مستلسما

أنني لا بد أن أكون

الشاعر الأكثر وحدة.

***

وجود الإله من عدمه

لا يضمنه أحد،

لكن معايشة هذا الشك

تبدو لي بالغة الإثارة.

***

أعتقد أنه إذا كان لي

أن أكون مفيدا للآخرين في شيء

فهو كوني نموذجا واضحا

لعدم المنفعة.

***

----

وإذا كانت الحياة حلما

فلماذا نظل نقضي

نصفها نائمين؟

***

قبل أن أموت،

سأسأل الله سؤالا أخيرا

وفي رده سوف أرى

كل شبهاتي تُحَلّ.

***

العدو الرئيسي

الذي واجهَتْه حياتي

كان دائما أنا نفسي.

***

طوال حياتي حاولت

أن أبحث سبب الحياة.

في اليوم الذي أموت فيه

هل سأحلل الموت؟

***

في صغري دائما ما حلمت

أن أكون يوما شاعرا

يمكن أن يقولوا عنه

“إن كلمته صادقة”.

***

الآن لا يكفيني

هذا التطلب الأدنى.

بأفعال لا بكلمات

علي أن أكتب قصائدي.

***

طوال حياتي

حلمت ببيت ريفي

وأن تكون لديّ في حديقته الصغيرة

على الأقل شجرة واحدة.

***

لكن بمرور الزمن

بدأ يقلقني أن تكون تلك الشجرة

هي شجرة السرو التي تطل على الجبّانة.

***

دائما ما تتعلم في الحياة

دون أن تكون تلميذا مجتهدا

الحوارَ مع الموت.

***

لماذا نبحث، نحن الشعراء،

عن النجاح في الحياة

إذا كان هذا موجودا

في العيش للأبد داخل القصائد؟

***

رغم أن سؤال الحياة

ليس له من إجابة قط

فإن الإنسان لا يمكنه العيش

دون أن يطرح على نفسه ذلك السؤال.

***

ما أهمية الطريق

الذي اختاره المرء

إذا كان المكان هو نفسه،

للجميع، الذي إليه نذهب؟

***

منذ أن كنت طفلا،

دائما ما أنفقت وقتي بشكل سيء

في التفكير ماذا أفعل به.

يا له من ترفيه حزين!

***

أهلا، كيف الحال. صباح الخير!

شكرا جزيلا، من فضلك …

لا نهائية هي الطرق

التي نقول بها وداعا.

***

وجهي الذي يتخيله

قارئ هذه الأبيات

من المؤكد أنه ألطف

من ذلك الذي أراه أنا في المرآة.

***

رغم أنني غير مهتم

بأن يأتي قريبا ليراني

فإنني على ثقة من أنني سأعرف

كيف أرحب بالموت.

***

من القبيح أن أقول ذلك

لكن لا أحد لديه

حظ أكثر مني في الحياة.

[1]- هنا مجموعة من الكوبلات (Copla) وهي نوع من النظم الشعري يتألف من أربعة أبيات، ويرتبط بالأغاني الشعبية الإسبانية. تأتي الكلمة من اللاتينية (copŭla) بمعنى رابط أو اتحاد. تتميز الكوبلا بلغة مباشرة وتعالج مواضيع متنوعة منها ما هو يومي ومنها ما هو ميتافيزيقي. وقد كتب الشاعر أغوستين بورّاس الكلمات التالية من أجل الطبعة العربية “بوصفي أندلسيا وابنا لأحد كبار محبي الفلامنكو، فإنني أعتقد أنني على دراية كبيرة بإيقاع الكوبلا، وخاصة ثمانية المقطع بقافية متماثلة في البيتين الثاني والرابع. على الرغم من بنيتها القصيرة (أو على  وجه التحديد بسبب ذلك)، إلا أنها تبدو لي مثالية للتعبير عن عالم معقد بأكمله من الأفكار والمشاعر التي يودّ المؤلف إيصالها. موضوعات الكوبلا كونية (من الحب إلى المعاناة) هي مكملٌ مثالي لموسيقانا الشعبية ومنذ قرون وهي تثير المشاعر لدى الأجيال المتعاقبة. أتمنى أن تكون أبياتي كذلك مجدية للآخرين بشكل ما”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.