أقدر‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبية

الاثنين 2016/02/01
لوحة: فادي يازجي

مما لاشك فيه أن القصة القصيرة تعدّ من أهم الفنون السردية باعتناقها قضايا لا يستطيع أيّ فن آخر الخوض فيها، ومن هنا اكتسبت أهميتها وواكبت تطور عناصرها فأصبحت مادة أدبية سردية لا غنى عنها لأنها قادرة على الاشتغال بحياة الناس وأوجاعهم بطريقة شائقة مكثفة‭.‬ ومن هنا اكتسبت القصة القصيرة احترامها لدى جمهور الأدب بشكل عام حتى تشكلت لها هذه المكانة المرموقة وخصصت لها الدراسات النقدية واكتسبت خصوصية معروفة رغم صراعها مع الفنون الأخرى‭.‬

طبيعة كل فن أن يكون التجديد هو مستقبل الفن ذاته وبالتالي فإن القصة القصيرة ليست فن نشاز عن البقية فقد مرت القصة القصيرة بمراحل عديدة اتسم بعضها بالتجديد في الأسلوب والمضمون ومحاولة الخروج من نمط التقليدية إلى محاكاة الاضطرابات النفسية للشخصية (البطل)، أضف إلى ذلك أن بعض كتّاب هذا الفن السردي أظهر تمردا على مستوى اللغة والحوار وعلى مستوى تقنية القصة‭.‬

***

أعتقد أن التجريب لم يأت دفعة واحدة -إن صح التعبير- وإنما جاء على فترات وبشكل جزئي‭.‬ كما أن هذا الفن قابل في كل عصر للتجريب وفق ما تقتضيه حالة الوعي بالكتابة السردية‭.‬ أرى أن التجريب إن كان وفق معطيات ورؤية استقرائية ناضجة فهو حق مشروع لهذا الفن أما إذا كان عكس ذلك فمن البديهي أن يفقد القصة القصيرة جمالها‭.‬

ربما يكون الكتاب الشباب قد اتجهوا إلى شعرنة القصة القصيرة، ولكنني لا أتفق مع ذلك فالقصة القصيرة تظل ابنة السرد ولغتها تكتب حسب ما تقتضيه الأحداث والشخوص والحبكة السردية، وقضية تحول القصة القصيرة إلى طغيان لغوي شعري فيها فهذا مما يعرقل الحدث ويكسبه الخمول‭.‬ إذ أن القصة تنزاح إلى الفعل السردي لا أن تكون اللغة هي الطاغية في ذلك‭.‬

***

طبيعة كل فن أن تصيبه حالة من الركود لطغيان فن آخر على المشهد الأدبي وكلنا ندرك كيف كانت القصة القصيرة في فترة الثمانينات متسيدة ولها كتابها وقراؤها وأتخمت المكتبة العربية بالكثير من المجموعات القصصية، حتى جاءت الرواية مواكبة لأحداث حرب الخليج وأحداث الحادي عشر من سبتمبر فأصبح اتجاه المتلقي للرواية أكثر من اتجاهه واقتنائه القصة القصيرة‭.‬

***

ليس خافيا بأن عددا من المتلقين جذبتهم الرواية، ولكن هذا لم يدفع القصة للانزواء أو العتمة فرغم طغيان الفن الروائي وتسيّده المشهد في السنوات الأخيرة تظل القصة حاضرة، ويوما بعد يوم تبرهن على علوّ كعبها لكن استمرار ذلك يتطلب من المؤسسات الثقافية الاهتمام بها ومنحها أحقية الوجود‭.‬

***

لاتزال القصة القصيرة تمثل حالة الإنسان الموجوع والمقهور، كما أنها قادرة على مواكبة الراهن العربي تبعا لقضاياه الاقتصادية والسياسية، فهذا الكائن السردي (القصة) هو أقدر الفنون على التعبير عمّا يجول في خاطر المتلقي من حالة سياسية واجتماعية‭.‬ وربما هذا ما لا نجده في الرواية‭.‬

على أن ما يتصل بهجرة عدد مهم من كتاب القصة القصيرة إلى الرواية فهذا يبدو لي حقاً مشروعاً لكل كاتب وهي مكملة للقصة القصيرة وهذا لا يعني أن في جنس القصة قصورا بل اتساع أفق السرد في الرواية هو ما جعل كثيرا من كتّاب القصة يتجهون إلى الرواية‭.‬ كما أن تسليط الضوء من الإعلام على الرواية ساعد بعض الكتاب على تحقيق حلم الشهرة فيما يكتبه‭.‬

ومتى ما كان هناك اهتمام من المؤسسات الثقافية العربية بهذا الجنس فإن ذلك يحتم على المتلقي الالتفات للقصة، هناك حالة من القلق تتمثل في انزواء هذا الفن لكنني لست ممن يرى اضمحلال القصة أو أنها بلا مستقبل أبدا، القصة القصيرة تحمل هوية السرد الأول ولها كتابها وقراؤها الذين يهمهم تشكل حالات الوعي في الكتابة القصصية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.