أن تكون الريشة واللوحة والإطار.. معاً

في محترف الفنانة البولونية الروسية إلينا لولا لولي
السبت 2020/04/11

تذخر الحياة الفنية والأدبية البولندية راهنا بعدد من المبدعين القادمين من خلفيات وأعراق متعددة ممن ولدن لآباء وأمهات من أعراق، ألمانية، روسية، أوكرانية وغيرها، وذلك في ظل هيمنة ما عرف بالأتحاد السوفياتي  خلال القرن العشرين. وفي ظل الوضع الراهن الذي يشهده العالم، بدأت تظهر على المواقع الإلكترونية في اوروبا أعمال سينمائية ومسرحية ومعارض تمزج بين الرسم والموسيقى وفنون التمثيل سبق أن أنجزت قبل أيام الحجر، ولكن من الواضح أن اعتمادها صيغا ما بعد حداثية في توليفاتها الفنية، يجعلها قادرة على أن تتواصل افتراضيا.  إلينا لولا لولي فنانة متعددة الابداعات من أصل روسي والحوار هنا معها انجز لمجلة “الجديد”

إيلينا لولا لولي رسامة ومصممة غرافيك وديكورات مسرحية وممثلة مسرح وسينما درست في أكاديمية الفنون الجميلة في وارسو، وكلية فنون الإعلام وكلية فنون الخط. وهي ايضا صانعة سيميائيات العروض المسرحية والأدائية وأفلام الرسوم المتحركة، والرسوم المرتبطة بالعروض الموسيقية الكلاسيكية والمعاصرة، والأعمال الأدبية ذات الطابع السريالي.

تشترك الفنانة منذ فترة مع واحدة من أكثر الفرق الموسيقية البولونية طليعية هي فرقة “كراكو ديو” المؤلفة من الثنائي الموسيقي “جان كالينوفسكي” و”ماريك شليزر”. والفنانة تخرجت أيضًا في الكلية الدرامية في أكاديمية سان بطرسبورغ للفنون المسرحية. وبصفتها ممثلة أفلام ومسرحيات فإن إيلينا ليسزيكا (إيلينا لولا لولي) عضو في أكاديمية السينما البولندية والأكاديمية الأوروبية للسينما. في عام 2009 حصلت على جائزة أكاديمية السينما البولندية “إيجل” عن دورها في فيلم “موسكو الصغيرة”.

تبدع إيلينا رسومات مثيرة للاهتمام بخطوط ذات خفة آسرة. وهي تنفذ مشاريع فوتوغرافية تحاول أن تظهر البعد الطفولي في الفن والعواطف المرتبطة به. أما السينما والمسرح فهي تستكمل بها أدوات مغامرتها في حقل الوسائط المتعددة.

ترتبط مع رفيقيها الموسيقيين كالينوفسكي و شليزر بنوع من التفاعل الخلاق المبني على صيغ متعددة الأوجه من التفاهم المتبادل، وهما موسيقيان ارتبطا بصداقة منذ طفولة كل منهما وتتميز طريقة لعبهما على التشيللو والبيانو بجودة مذهلة في الأداء تمنح حياة آسرة للموسيقى.

على الرغم من أن هذه المقدمة مكرسة للحوار مع الفنانة إيلينا لولا لولي فلا بد من الإشارة إلى ما لمغامرتها مع ثنائي موسيقي بولوني حداثي من دلالة على أهمية اجتماع ثلاثة فنانين طليعيين يقتسمون في ما بينهم فهما مشتركا للأبعاد المختلفة للفن، إلى جانب مهاراتهم الإبداعية الممتازة، التي تترجم الموسيقى إلى خطوط والخطوط والأشكال إلى أصوات موسيقية. إنما في ذلك تعبير عن تنوع أشكال التفاعل بين أجناس إبداعية مختلفة، وموعد يمنح الأمل في تجارب جمالية وتعبيرية فريدة عبر الوسائط المتعددة.

قلم التحرير

الجديد: لاحظت وجود عنصر طفولي يظهر في أسلوب الرسم والرؤية أيضاً. هل هو تعبير خيار ثقافي أم هو انعكاس لمشاعر وذكريات شخصية مرتبطة بقصص طفولتك وصورها؟

إلينا لولا لولي: هذه هي طريقتي، وإن كنت لا أعتقد أنها طفولية للغاية، لكن ربما يوجد بعد طفولي ما في عملي. عندما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية وعندما كانوا يكلفوننا برسم شيء ما، على سبيل المثال، إبريق أو تفاحة، كنت على الدوام أرسم شيئًا آخر، شيئا كان يخصني أكثر. على سبيل المثال، قمت مرة برسم منزل داخل تفاحة. طبعاً لا يمكن في تلك المرحلة المدرسية من التدريب الفني تقييم عملي وفقًا لقواعد الرسم الكلاسيكي. في النهاية، سمح لي المعلم بالعمل على مستويين في آن واحد، من جهة كنت بحاجة لرسم العمل بالطريقة المطلوبة من الجميع، والمستوى الثاني، أن أرسم ما يبدو لي وما أرغب في رسمه بالطريقة التي أرغب. وهكذا كان أيضاً في السنوات الثماني التي قضيتها في مدرسة الفنون، ربما يكون هذا هو السبب في أنني بقيت نفسي في الرسم ولم أفقد شخصيتي أثناء الدراسة، على الرغم من أنني مررت بجميع مراحل التدريب الأكاديمي في الرسم والتصوير والتكوين.

حوار مع الذات

فن ومسرح وموسيقى
فن ومسرح وموسيقى

الجديد: من هم الفنانون (البولنديون وغيرهم) الذين أثّروا في ميولك الفنية وفي حبك للفن؟ وكيف تحررت من أساليبهم، وصولا إلى اكتشاف أسلوبك الفني، لو كنت قد أعجبت بأساليب محددة في فترة التكوين الفني؟

إلينا لولا لولي: لم أقع أبدا تحت تأثير أيّ شخص. لذلك، لم يكن من سبب يضطرني للتحرر. يبدو لي، أن الرسم شيء يشبه الكلام مع الذات. ولعل من الممل للغاية أن نبدع أعمالنا بناءً على لوحات لفنانين آخرين، أو بناء على تقدير من نوع ما لأساليب فنية لفنانين آخرين. هذا شيء بلا أيّ معنى حقيقي. لن يكون في وسعي أن أضيع الوقت في شيء كهذا. لديّ الكثير من الأفكار الخاصة. كل ما أفعله حتى أرسم هو أن أجلس إلى الطاولة وأرسم، كلّما أردت ومتى ما أردت. في مثل هذه اللحظة، أبدو كما لو أنني سقطت في زمني الشخصي، كما لو أنني خارج الزمن المنظور، زمن الآخرين، مع أنني لست كذلك. ولكن هذا هو وقتي الشخصي دائمًا، والذي أقضيه مع نفسي فقط. ومن المثير للاهتمام بالنسبة إليّ في هذه اللحظة أن أمضي مع أفكاري، وحسب، ولا أرسم المزيد. أتأمل فقط كيف تظهر الشخصيات على قطعة من الورق، ثم يبدأ شيء ما يحدث لهم، يحدث ويتطور كنوع من القصة التي تسرد نفسها أمام عيني. إنه شيء يشبه مشاهدة فيلم وتصويره في الوقت نفسه.

مسرحة الورق

ملامح مختلفة في وجه واحد
ملامح مختلفة في وجه واحد

الجديد: يبدو لي كما لو أن أسلوبك الفني ورؤيتك الفنية يتصلان على نحو ما بما هو مسرحي وموسيقي.. كيف تنظرين إلى هذا البعد في أعمالك الفنية؟

إلينا لولا لولي: في مرحلة معينة من دراستي الفن، قررت ألاّ أمضي أكثر في دراسة فن الرسم. اقترح عليّ الأساتذة أن أذهب فورًا إلى أكاديمية الفنون، لكنني قررت حينها، أنني لو كنت سأمضي في فن الرسم، فإنني لن أقبل أن أرسم إلا ما أريد، وليس ما يتطلبه مني البرنامج التعليمي. لذلك، بعد التخرج من المدرسة الثانوية، التحقت بمعهد المسرح في سان بطرسبورغ. لقد كانت فكرة رائعة، لقد أحببتها حقًا. قضيت وقتا جيدا هناك. تخليت عن الرسم تمامًا، وعدت إليه لاحقًا. عندما كنت أعيش في وارسو، عملت كممثلة في السينما. وبسبب الفضول، لا غير، حدث أن أخذت رسوماتي إلى المرحلة الأولى من الامتحان في أكاديمية الفنون، فقبلت، ووجدتني أنتظم في المعهد. وكان عليّ أن أتخرج من الأكاديمية. لذلك يمكنك القول إن لديّ تعليميا، أكاديمية الفنون المسرحية في سان بطرسبورغ، وأكاديمية الفنون في وارسو. بطريقة ما، يتشابك هذان الخطان في حياتي ونشاطي الإبداعي، وينعكس ذلك، بالضرورة، في أعمالي. التنوع مهم جدًا بالنسبة إليّ في الرسم، يجب أن يحدث نوع من تعدد الشخصيات للشخصية الواحدة، ملامح مختلفة في وجه واحد، وحتى يهتم الناظر بالمشاهدة لا بد لكل شيء عندي، في الرسم، أن يشبه المسرح، ولكن على قطعة من الورق.

الوجه والمرآة

الجديد: من هو في نظرك الرسام الأقوى والأكثر نفوذا في بولندا في عصرنا؟

إلينا لولا لولي: هذا سؤال صعب. أنا لست خبيرة. لكنني أعتقد أنه ميروسلاف بالكا.

الجديد: لاحظت أنك تقومين بمحو المسافة بين عملك الفني وبين نفسك، فأنت في بعض الأحيان تظهرين كجزء من عملك الفني، ما هي الرسالة التي تحاولين إرسالها عبر هذه الرؤية؟

إلينا لولا لولي: أود أن أجعل رسوماتي تبدو مشوّقة على الأقل بالنسبة إلى المشاهد. كما قلت، هذا، كما لو كان نظير أدائي المسرحي في المسرح أو السينمائي في الفيلم، يجب أن تكون هناك في الرسم قصة، القصص والشخصيات المثيرة والمشرقة، تجذبك تجعلك راغباً في المشاهدة. كل صورة هي قصة جديدة، وبالتالي، هناك دائمًا موضوع مختلف وهدف مختلف للرسالة. إنها علاقة خلاقة بين الفنان وعالمه. لكأن الفنان جه يُنطق المرآة.

الجديد: لاحظت أن العديد من فناني البورتريه يعودون إلى نوع من الواقعية ولكن بطريقة تسمح لي بتسميتها واقعية ما بعد الواقعية، لو كان لمثل هذا التوصيف أن يكون دقيقاً. ما رأيك في هذه الموجة الجديدة؟

إلينا لولا لولي: ربما، هم يفضلون الرسم بهذه الطريقة، لكونها تمكنهم من التنافس مع الكاميرا، مع كاميرا فيلم مثلاً، لا أعرف ماذا يمكن أن أقول في هذه الطريقة. في بعض الأحيان تبدو جميلة وحسب، وهناك من يرغب في هذا الفن. لكنني لست مهتمة جدًا بالأمر.

الأطفال يقلدون رسومي

البساطة في الرسم
البساطة في الرسم

الجديد: هل راقبت كيف يرى الأطفال رسمك؟ هل فكرت في الرسم للأطفال؟

إلينا لولا لولي: خلال عملي في المسرح مع موسيقيين في أعمال موسيقية مصورة، وخلال وجودي، مرة، على خشبة المسرح، بعد أن توقف الموسيقيون وكنت أرسم برفقة الموسيقى صعد الأطفال إلى الخشبة وراحوا يقلدون رسمي، رسموا كما أرسم، بطريقتي. هذا يعني، أنني كنت أفعل ذلك بسهولة شديدة، فقد بدا لهم أن من الممكن أن يفعلوا مثلي بيسر وعلى الفور. هذا جعلني سعيدة جدًا، أعني تصوراتهم بإزاء عملي وانفعالهم به بمنتهى السرور واليسر.

الجديد: هناك حضور كبير للونين الأبيض والأسود في عملك. ماذا يمثل لك هذان اللونان مقارنةً بألوان أخرى؟

إلينا لولا لولي: الأعمال بالأبيض والأسود لطالما كانت أكثر بساطة، وأنا غالباً ما أحمل معي علبة أكريليك سوداء وقلم وورق، في أي وقت، عندما لا أكون في محترفي، ولكن في مكان ما، في المقهى أو أثناء المشي، فبمجرد ما يخطر ببالي شيء صورة أو فكرة، فإن بإمكاني المسارعة إلى رسم هذا الشيء. أما في المنزل، أو في المحترف فإنني غالباً ما أشتغل بالألوان، أحب الألوان الزاهية كثيرًا. لكن في الوقت نفسه، لو أنني اضطررت أن أسافر إلى جزيرة نائية، أو إلى واحة في صحراء، وسمح لي بأن آخذ معي قلماً أسود واحداً فقط، فإن ذلك يرضيني.

مسرح وسينما

+

الجديد: نعرف أنك إلى جانب فن الرسم والديكور المسرحي أنت فنانة مسرحية وسينمائية، وقد ظهرت في عدد من الأفلام والمسرحيات الروسية والبولونية. حدّثينا عن هذا الجانب من نشاطك الفني؟

إلينا لولا لولي: عندما يقدمون لي أدواراً مثيرة للاهتمام في فيلم سينمائي أو في مسلسل تلفزيوني، أوافق بكل سرور. لأنني أحب، حقاً، أن أكون ممثلة. إنما لسوء الحظ، ونظراً إلى حقيقة أنني أعيش في بولندا، وأن اللغة البولندية ليست لغتي الأم، لا يوجد الكثير من العروض التمثيلية التي أرغب فيها، لكن في بعض الأحيان يقدم لي القدر هدايا غير عادية. مع أحد الأدوار الرئيسية في السينما، حصلت على الجائزة الكبرى لأكاديمية السينما البولندية. لم أكن أحلم بهذا، كوني مهاجرًة، فإن الحد الأقصى الذي يمكنني أن أطمح إليه هو العمل في بعض الحلقات في المسلسلات التلفزيونية. أما في المسرح البولندي، فأنا أعمل بصفة دورية كمصممة أزياء وديكورات. وهذا حقل أعشقه، أحب حقًا أن أتواصل مع الجانب المرئي من المسرحية، سيميائيات العرض المسرحي، وأتأمل كيف تظهر رسوماتي على المسرح. هذا العام، سأعمل على الأرجح، ممثلة في أحد العروض المسرحية، لكن ليس في بولندا.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.