أوشي ندوكا (Uche Nduka)وراء القصيدة
بين لسانين
ولدت ثنائيّ اللغة، محاطًا بلغتين مختلفتين؛ الإنكليزية والإغبو. كيف أثّر هذا «اللسان المزدوج”، أو هذا الصوت ثنائيّ البعد -إن جاز لي القول- في القصائد التي تكتبها؟
ندوكا: عتقد بأنّ ثراء مدونتين لغويتين وثقافتيهما يتسرب إلى القصائد التي أكتبها عبر الثيمات والأساليب والنحو والموسقة. إنني أواظب على ترجمة تجاربي وتوشيتها، جيئة وذهابًا، بين الإغبو والإنكليزية. كما أنّ التجارب الألفية لآداب كلا الثقافتين تضيف إلى احتماليّات صنعتي كشاعر وكاتب معاصر. تفرض القصائد التي أكتبها، في بعض الأحيان، أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة. لديّ فسحة كثيرة لأعمّر بنى جديدة لقصائدي بسبب كوني مزدوج اللسان. ومثلما تعرف أنت، فإن اللغة هي الوسيلة الرئيسة بالنسبة إلى الشاعر؛ وإنّ الطريقة التي يسلكها كل شاعر في استخدامها ليست ثابتة أو شكلانيّة تخضع لقواعد معيّنة. تغمرني المسرّة حين أخلخل أيّ لغة أستخدمها في الكتابة، وحتى في الكلام. إنّ الشعر، في بعض الأحايين، تاريخ معتم للمحيط الإطار الذي يعيش فيه. وتلك الحقيقة تمنحني الثقة للتجريب في الشكل والموضوع.
شرنقة التاريخ
أوليست الترجمة والتوشية المتواصلتين بين اللغتين إلّا ذلك التحوّل العميق لـ”تطهير” محيط القصيدة، أو إطارها، من «تاريخه المعتم”؟ انتهاك يسعى إلى تحرير ذاكرة الشعر من ذاكرة اللغة نفسها؟
ندوكا: إنها أشبه بأنْ تشيّد القصائد معابدها داخل اللغة ثم تهدّمها على نحو متواصل. لا أعتقد بأنّ الذاكرة يمكن لها أن تطرد من اللغة. أعتقد بأننا، ككائنات بشرية، أوعية للغة والذاكرة والأحلام والرؤى على حدّ سواء. ولكنني لا أحاول، في ممارستي الشعرية، تطهير أيّ شيء. إنني، في الحقيقة، أزاول الشعر غير الطاهر النقي الصافي. فكثير من النقاء يقود إلى فاشيات أستاطيقيّة وسياسية. صار «الانتهاك”، في هذه الأيام، مقدّسًا في الفنّ على نحو أعمى، وهي مسألة باتت تصيبني بالضجر. أفضّل السلاسة في تأليف القصائد. ألتذ بالجيشان الذي يحدث حين أعمل على القصيدة. لم أعُد أرى تورّطي في لغتين عائقًا. لا تغويني التوقعات السائدة في الشعر. إنني مهتم بتجاوز الأُطر والأنساق والأمم والأيديولوجيّات. فحين أكتب القصيدة، أتبع حدسي. يتوجب على التاريخ في القصيدة أن يكون حيًّا يتنفّس؛ تاريخًا يمور ويجيش؛ ليس مُطهّرًا أو محبوسًا في شرنقة.
الشعر المدنس
ندوكا: نعم. تناسب مزاجي أفكار نيرودا عن الشعر المدنّس أكثر من فكرة مالارميه عن الشعر الصافي. الشعر المدنّس رحب بما يكفي للسماح بكل تناقضاتي: الهدوء والصخب، السكينة والتنافر، الروحانيّة والشهوانيّة، الإيمان والشكّ، الحب والغضب، النظام والفوضى، العزلة والجماعة، المنفى والوطن. يبدو الشعر «الصافي” نخبويّا جدًا؛ إنّه يشيع جوًّا من اللامبالاة. لا أكترث بأدب القفّازات. يغريني الشعر الغريزي أكثر. ولكنني لا أزيل الأفكار التجريديّة من القصائد التي أكتبها إن كانت القصائد تحتاجها. أتبع القصيدة إلى أيّ مكان تأخذني إليه. يتوجب على المرء، في إخلاصه للقصيدة، أن يكون مستعدًا لأن «يخفق” في بعض الأحيان. كما أنني أسمح للسياسيّ وغير السياسيّ أن يرقصا الفالس داخل قصائدي. وأفسح المجال للحسيّ/الإيروتيكي والصوفيّ أيضًا.
لوحة: حسين جمعان
أناشيد السوريالي
كل شيء في قصائدك متجذّر في السّوريالي عميقًا، حتى السياسي أيضًا.. كأنّ الكلمات «عصافير تطير داخل صفحة مليئة بالنّبال”؟
ندوكا: أتفق معك. فالسورياليّ حيث يشرب الواقعيّ منه. السوريالي منعش شعريًّا. ولكنّ ذلك لا يعني بأنني أتقصّد فرض تأثيرات سورياليّة على كتاباتي؛ يحدث في كثير من الأحيان أن أرى العالم على نحو سورياليّ. الرؤية، الجسد، الكلمة، الفكر، النشيد، إنها تتجسد سورياليًّا في كتابتي وحياتي. كما أنني أشعر بالسياسيّ على نحو شديد حتى يتجسد بطرائق سوريالية في قصائدي ونثري.
الاحتفاء بالجسد
يُحتفى بالحسيّ/الإيروتيكي في قصائدك بوصفه استعارة، وليس الجسد، في لحظات كشف أسراره وحجبها، إلّا «تناصًّا” باذخًا يتحوّل ويشرق؟
ندوكا: الإيروتيكيّ مبثوث، واقعيًّا، في كل شيء أكتبه. إنّ الإيروتيكيّ، بالنسبة إليّ، فيزيقيّ وصوفيّ على حدّ سواء. يساعد الإيروتيكيّ أرواحنا على الارتقاء. أشعر، شخصيًّا، بأنّ حياتي اليومية تصبح متعاظمة ومشحونة بطاقة إيجابيّة حين ألج مدار الإيروتيكيّ. عناق الرجل والمرأة؛ تبادل الطاقة والهواء مع الأشجار؛ الاشتباك العميق مع التصاوير والمنحوتات والموسيقى والأفلام، يتشكل الإيروتيكيّ من كل هذه الأشياء مجتمعة. لا يستطيع المرء تمامًا أن يكشف أسرار الجنس ومطارحة الغرام، على سبيل المثال، فالمطارحة تجريبيّة وأسطوريّة على حدّ سواء. إنّ فعل الحُبّ يضيء الكثير من قصائدي. ثمة قصائد حب وقصائد إيروتيكيّة كثيرة في دواويني، كـ”قصائد بريمن”، و”حقل القلب”، و”ثعبان ماء على شعبة مرجانيّة”، و”قصّاصو الأثر”، و”إيجيلي”، و”التاسعة شرقًا”. نعم، إنّني أحتفي بالجسد في لحظات النشوة الحسيّة التي تنتابه. الجسد يدخل في الكلمات؛ الكلمات تنزلق في الجسد؛ الجسد يدخل في جسد آخر. يجرى التحوّل، يدًا بيد، وساقًا بساق.
المخيّلة الشعريّة
دفعتني أفكارك حول الإيروتيكيّ والسوريالي والغريزي إلى التفكير فيما قاله لوركا، في «جمال كلّ الأشياء الذي لا يُقاوَم”، حول المخيّلة الشعريّة وكيف أنّها «مرادفة للاكتشاف”— «أن نتخيّل: أن نكتشف، أن نحمل كسرة الضياء إلى شِبْه الظلّ الحي، حيث توجد كلّ الاحتمالات المطلقة والأشكال والأعداد.. المخيّلة وسيلة روحية، مستكشفة ملهمة للعالم الذي تستكشفه. تهيّئ المخيلة وتمنح حياة مشرقة لشظايا الحقيقة المحجوبة حيث يضجّ الإنسان.. نادرًا ما تكتشف المخيّلة أشياء خلقت للتوّ، إنها لا تلفّق، وكلّما فعلت ذلك يهزمها جمال الحقيقة”. فهل تعتقد بأنّ القصيدة طريقة للاكتشاف (وبأنّ الشاعر «يهيمن على مخيّلته ثم يطلقها حيث يشاء”) أم ترى القصيدة مجرّد إبداع؛ خلق «مخيّلة صافية”؟
ندوكا: أحب، أيضًا، تبصّرات لوركا حول الدّوينده. إنّ معتقداته وتصريحاته حول النص الشعريّ. وبالحديث عن نفسي، فإنني أعتقد بأنّ الشاعر وعاء تدخل من خلاله الرسائل والنبوءات والرؤى والحقائق إلى العالم. عمل الشاعر هو عمل روحاني وفكريّ وماديّ. الشاعر مكتشف وحافظ للأشياء على حدّ سواء. يختار كل شاعر بعض مظاهر من التقليد الأدبي التي تخدمه ويرفض أخرى. كما أنّه يضيف إلى التقليد حين يكون مبتكرًا على نحو متفرّد. إنّني، كشاعر، أدوّن أحلامي الفريدة وفلسفاتي وآمالي واحتجاجاتي وصلواتي واكتشافاتي الوجودية، إضافة إلى الحقيقة/الجغرافيا الواقعيّة المقبولة عمومًا. نعم، القصيدة وسيلة للاكتشافات الفيزيقية والروحانية والسياسية. ولست أرى القصيدة مجرّد بدعة «تخيليّة صرفة”. إنني أزاول الشعر المدنّس. أكتب بمساعدة كل شيء حولي، الاحتجاجات السياسية في الشارع، الكتب، والأفلام، والمنحوتات، واللوحات التشكيليّة، والأمم، والمانترات [التعاويذ الصوتية السنسكريتيّة]، والعلاقات الإنسانيّة، والحُبّ، والعوالم الرقميّة، والجنس، والمساجد، والكنائس، والمعابد، والمزارات، والرحلات، والخيبة، والفرح، والآمال، والمنفى، والنوستالجيا، والغضب، والإيروتيكيّة، والأمثولات، والأناشيد، والكتب السماوية، والجمال.
السوريالي منعش شعريًّا. ولكنّ ذلك لا يعني بأنني أتقصّد فرض تأثيرات سورياليّة على كتاباتي؛ يحدث في كثير من الأحيان أن أرى العالم على نحو سورياليّ
الحرب الأهليّة
كنت في الرابعة من العمر، حين اشتعلت الحرب الأهلية في نيجيريا. مات أكثر من ثلاثة ملايين شخص في تلك الحرب، معظمهم من الأطفال. هل ثمّة لحظة معيّنة ما زالت تستحوذ عليك من تلك الأيام الدمويّة؟
ندوكا: ما زلت أذكر كثرة الأوقات التي يرفعني فيها أبي على ظهره ونغطس تحت الأشجار لنختبئ من الطائرات التي تلقي القنابل أو على وشك أن تفعل ذلك. ما زلت أذكر بأنّ عائلتي لم يكن لديها ما يفكي من الطعام لتأكل. لقد عذّبنا الجوع. كان الراشدون من حولي يظهرون خوفهم وحنقهم وشعورهم بالخطر وعدم الأمان. لم تكن حالة الأشياء، هذه، أنيسة بالنسبة إلى نفسي البريئة.
الديمقراطية الروحانيّة
ولكن، ما شعورك حين ترى بأنّ الحروب ما زالت تستعر، بأخسّ الطرائق وأكثرها وحشيّة -خاصة في سوريا وفلسطين- حيث يكون معظم الضحايا من الأطفال الأبرياء؟
ندوكا: إنّني ضدّ الحروب، ضدّ أيّ حرب. أشعر بالضيق الشديد تجاه الأطفال والبالغين الذين يقتلون في الحروب والاحتلالات والمواجهات الدينيّة/الطائفية في سوريا وفلسطين وباكستان ونيجيريا وأوروبا وأميركا. ولكي ننعم بالسلام في العالم، فلا بُدّ أن نغرس السلام والشفقة في نفوسنا. لا بُدّ أن نختار الحوار والتأمّل. العنصرية نوع آخر من الحرب أيضًا. ويتوجب علينا أن ندينها أنّى تتبدّى، حتى في داخل أنفسنا. كما أنّ الأصوليّة الدينيّة حرب أيضًا. أؤمن بحريّة المعتقد، بالديمقراطيّة الروحانيّة. لا يتوجب أن يُكره أحد على اعتناق أيّ دين. ولا بُدّ للأمم أن تتناول خلافاتها بالحوار؛ وليس بالحروب والعنف. وبالنسبة إليّ، كشاعر وفاعل ثقافيّ، فإنني أسعى إلى المساهمة في السلام العالميّ.
الخيول العارية
تركت نيجيريا وعشت في ألمانيا وهولندا قرابة عقد من الزمن، قبل أن يستقر بك المقام في نيويورك. قلت، ذات مرّة «إنّك ما زلت تنفض تراب نيجيريا عن قدميك”. فهل تعدّ نفسك شاعرًا في المنفى؟
ندوكا: بلى. إنّني شاعر في منفى إراديّ. نيجيريا تحبطني. ولكنني أحبّ ذلك البلد بجنون. يجعلني المنفى أرى الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لامتطاء صهوات الخيول العارية؛ وقداسة ثوب البيت الفضفاض. يجعلني المنفى أرى أعمق وأشعر أعمق ككائن بشريّ. إنّه يحرّرني ويصفّدني على حدّ سواء. الأُمّة شيء مفروض، من صنع الإنسان وعمل يديه. أمقت بناء الأمم بالعنف المكرّس. يصفني النقاد، في هذه الأيام، كشاعر نيجيريّ-أميركي. أتساءل، أحيانًا ما الذي يعنيه ذلك الوصف بالنسبة إلى قصائدي؟ فبعد كلّ شيء، ما زال الشهوانيّ والروحانيّ يتداخلان في قصائدي على نحو مجيد. وحتى القوطيّ والسّافوي [نسبة إلى الشاعرة اليونانية سافو] يتعايشيان معًا في قصائدي. كما تحاول هذه القصائد أن تسبر أغوار الهوية والأسطوريّ. إنني أتطوّر على نحو مستمر.
فنّ المنفى
وولي شوينكا الذي فرّ من نيجيريا ذات مرّة، قال «يتوجب حتّى على المنفى أن يُوجَد في مكان ما، فيزيقيًّا وذهنيًّا”. في هذا السياق، إلى أين ينزع شعرك أن يأخذك؟
ندوكا: لا أستطيع القول تمامًا في هذه اللحظة من حياتي الكتابيّة إلى أين يأخذني شعري. أشعر كأنّني أنتمى إلى كل مكان وإلى اللّامكان في الوقت ذاته. المنفى فيزيقيّ وروحاني على حد سواء. لقد جسّد محمود درويش نوع المنفى الذي أقدّره. تعلّمت الكثير من منافي شعراء، كجوزيف برودسكي وتشيسواف ميووش وناظم حكمت ودنيس بروتوس، ومن فنونهم.
شاعر الحياة
قلتَ إنّ محمود درويش يجسّد نوع المنفي الذي تقدّره. هل لك أن تستفيض أكثر؟
ندوكا: كان ثاقب البصيرة جماليًّا، وسريع الاستجابة سياسيًّا. لم يتأوّه كثيرًا بشأن آلام المنفى ومخاضاته. لقد عركه الوضع برمّته كإنسان وفنّان على حد سواء. كما وقف مدافعًا عن معتقداته وشعبه. لقد دخل الحُبّ، بكل ما في الكلمة من معنى، إلى قصائده وعلاقاته. لم يكن خائفًا من أن يغضب، وأن يغضب بصوت عال، حين تتطلب المواقف ذلك. ولكنه، على الرغم من ذلك، لم يكن إنسانًا كدرًا. لقد أحبّ الحياة. وأحبّ الجمال.
الشعر العربي
هل أنت على دراية بأعمال شعراء عرب آخرين غير درويش وأدونيس؟
ندوكا: يرتحل الشعر بوتيرة أشدّ بطءا من النثر هذه الأيام. لقد قرأت قلّة من الشعراء العرب في ترجمات إنكليزية كنازك الملائكة وسعدي يوسف وفدوى طوقان وعبدالوهاب البيّاتي ومريد البرغوثي وسميح القاسم ونزار قبّاني. أحبّ قصائد حب نزار قبّاني على وجه الخصوص.
الشعر النيجيري
الجديد: بعيدًا عن وولي شوينكا وشينوا أشيبي وبن أوكري، فإنّنا، في العالم العربيّ، لا نعرف الكثير عن الشعر النيجيري المعاصر. فهل لك أن تلقي بعض الضوء على «حالة” الشعر الذي يكتب الآن في نيجيريا؟
ندوكا: ثمّة شعر خطير يكتب في داخل نيجيريا، وفي الشّتات النيجيريّ أيضًا. بعض الشعراء النيجيريين الذين يمكن أن يثيروا اهتمامك هم كريستوفر أوكيغبو، وهاري غاروبا، وعوديا أوفيمون، وغابرييل أوكارا، وسانيا أوشا، ووالي أووادي، وتوين آدي والي غابرييل، ونيي أوسونداري، وريمي راجي، وديفيد إيشايا أوسو.
البدايات
متى بدأت الكتابة؟ وهل لك أن تحدثنا عن قراءاتك المبكرة، وأول الشعراء الذين أعجبت بهم؟
أوشي ندوكا: بدأت الكتابة وأنا في الثالثة عشرة من عمري في نيجيريا. وفي مرحلة من مراهقتي، كنت متيّمًا بفتاة تدعى شيبوزو أوغيكوي، فرحتُ أرسل لها مكاتيب حبّ مكتوبة. ثمّ تبيّن لي أنّ رسائل الحب المكتوبة، تلك، كانت أوّل قصائدي. أو كانت، بالأحرى، محاولاتي المبكرة لكتابة قصائد حبّ. بكلمات أخرى، بدأت كشاعر حبّ، وبقيت كذلك لغاية الآن إلى حدّ بعيد. أول الشعراء الذين أعجبت بهم، وحاكيت أعمالهم؛ كريستوفر أكيغبو، ولينري بيترز ودينيس برتوس، وجي. بي. كلارك، وشوينكا، وكوفي آونور، وإنغريد جونكر، ووليام شكسبير، وجون كيتس. كما أحببت الأعمال الشعرية والنثرية لبيسي هيد، ودامبوزو ماريتشيرا، وبرايتن برايتنباخ، وغوته، وفيرناندو بيسوا، وريلكه. كما أثرت في كتابات المبكرة موسيقى طبول إغبولاند رفقة موسيقى باخ، وبيتهوفن، وبوب ديلن، وكريس أوكوتي، ودورا أوفودو، وتيدي بينديرغراس، وروس سي، وكلارينس كارتر، وسيلستين أوكوو، وكريس ريا، وأونيكا أونويني، ونيل ينغ، ودونا سمرز، ونينا سيمون، وجون كولتراين، وتشارلي باركر. كما ألهمتني في تلك الأيام المبكّرة الأعمال التشكيلية لأوشي أوكيكي، وجاكسن بولاك، وآغنيس مارتن.
إنّني شاعر في منفى إراديّ. نيجيريا تحبطني. ولكنني أحبّ ذلك البلد بجنون. يجعلني المنفى أرى الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لامتطاء صهوات الخيول العارية
الجديد: من كان أول شخص يرى شعرك ويقرأه؟
أوشي ندوكا: من المحتمل أن يكون أوّل من رأى كتاباتي صديقتاي شيبوزو أوغيكوي وشيناسا إيغبونو ومدرس الأدب الذي كان يدعى أوجياكور.
قصيدة النثر
تكتب في أنواع أدبية وطرائق مختلفة، بيد أنك قد كتبت كتابًا كاملًا، «إيجيلي” (2012)، في سلسلة من قصائد نثر متعاقبة. لِمَ قصيدة النثر؟
ندوكا: ليس ثمّة سبب منطقي لِمَ كانت قصائد نثر القصائد التي كوّنت «إيجيلي” سوى أنها كانت من نوع القصائد التي كنت أكتبها حين كنت أشتغل على الكتاب. لقد قرّر الكتاب أسلوبه وشكله وثيماته بنفسه. اكتشفت بأنني قد استمعت بكتابة قصائد نثر حين جمعت الكتاب. تتصادم الأشكال والثيمات معًا على نحو وفير. لقد تآلف أسلوب «إيجيلي” غير الكرونولوجيّ الذي يشبه المونتاج مع قصيدة النثر.
دور الشاعر
هل تؤمن بدور يمكن أن يلعبه الشاعر غير الكتابة؟ وهل تؤمن بقوّة الكلمات -ليس القوّة على التغيير فحسب، وإنما القوّة القادرة على الشفاء أيضًا-أم أنّ المسألة مجرّد «خرافة” أخرى يستخدمها الكتّاب لتبرير نرجسيّتهم؟
ندوكا: أعتقد بأنّ أدوار الشاعر، أو المثقف، هي أيضًا أدوار الكائنات البشريّة الأخرى، منح الحبّ للناس، والرعاية الذاتية، وحماية الأطفال والعائلات، ومحاربة الطغاة الدينيّين والسياسيّين، وجلب المزيد من الفرح إلى العالم، وغرس الثمار والأشجار، والوقوف ضدّ الحرب، والتشجيع على حيازة الحكمة والشجاعة، والشروع في مغامرات صادقة، والتسليم بالهشاشة والضعف في داخل أنفسنا. نعم، إنني أومن بالقوّة الشافية للكلمات. فالكلمات ليست مجرّد دمى. لا بُد أن تستخدم الكلمات بحرص شديد لصالح السلام والعدالة والحقيقة والحبّ والنزاهة. ولا بُدّ لي أن أشير، أيضًا، بأنّه لا يتوجبّ على الكتّاب ابتذال الهبة القويّة في استخدام الكلمات على نحو فعّال. يتوجب على الكتاب الابتعاد، في حيواتهم، وفي كتاباتهم/قصائدهم، عن الأنانيّة والفاشيّة والغطرسة والميول المستبدّة، والقوميّة المجرمة، وكره النساء، والعنصريّة. دعنا لا نخاف من المتعالي/الذي يفوق الوجود الماديّ. ودعنا لا نخاف من الأنطولوجيّ/الوجوديّ. دعنا نحتفي بالفنون الأدبيّة التي نحبّ.