أيامُ بِتْ زَباي الأَخيرةُ في المنفى

أنشودة زنوبيا
السبت 2025/02/01

I

بنعلكِ الدِّمشقي من جِلد الطَّائِش الغَزالِ

أَراكِ..

تطئينَ عُشْبَ تيبور[1]

وقدمكِ الصائحةُ بسمرةِ الصحراءِ تغوصُ في فَوضى الغَيم.

 

وراءَ الحَواس تهوين،

أنتِ

تهوينَ

ما وراءَ الحَواس، في غامض الماء،

في مالا يُرى وهو يهرب بالأشعة والخَيالات

ولا صوتَ لا صوتَ لا صوتْ.

***

في الاسكندرية[2]، في ظلالِ الصحائفِ والإشاراتِ، على دَرَجَات الرُّخام وردياً،

كنتِ تريدينَ أن تكوني سيَّدة الرؤى، وكَلِيمةَ اللات[3]،

والشهابَ الذي أَشْعَلَ أُورانوس[4]، وَشَقَّ بسبعةِ أربابٍ[5] دربَ التَّبانَة وطَريقَ الحَرير.

***

ما الذي أرّقكِ وأنتِ تودِّعين ملكَ المُلوك[6]،

الفارسَ التدمريَّ الذي أقلق الرومَ وروَّعَ ساسان،

وبخطوتكِ اليتيمة

تَصْعدينَ رُخامَ الفجرِ،

إلى نَهارٍ

تصهل في باحاته الخيول،

وتزهو معابدُهُ بالمقبلينَ على المذابحِ بالنذور[7].

***

أَسْمَعكِ الآن، من وراء حجبٍ،

أسمعُ صوتكِ العميق،

بُحّتك التدمرية،

سؤالكِ الحَائر: من سَيَحملُ شُموعي،

غداً،

ويمضي بي، لأَرى ظِلّي على الرُّخامِ

وأَقْرأَ في خُطوتي ما حَمَلت القوافلُ من لفائفَ

في جِرارٍ

ومِن رسلٍ وأخبارٍ.

Thumbnail

II

كلما نَظَرتُ في المرآةِ وجهي، رأَيتُ البَحرَ يَصْطَخِبُ،

ومن وراءِ المَوجِ، رأيتُ المَراكبَ تَتَلاطمُ

والأَشرعةَ تخفق،

والبَحَّارةَ يَتَلَهُّونَ بالغيبِ.

رأيتُ مَراكبَ الهِند في شواطىءِ الصِّين،

والأنجمَ في منازلها،

والشُّهبَ تَسَّاقطُ في البوادي.

***

بكلماتكَ التي علَّمْتَني أُنْشدُ لكَ،

يا بعل شمين[8]،

لكَ أيُّها المبجَّلُ بين الأربابِ

رُسُلي الذين حملوا اللفائفَ، ملأوا باسمك الآفاقَ،

قوافلهم طوت برسمك الصحارى والبوادي، وجابت السهول والوديان، ومن على جبال الموج عرجوا بمراكبهم المثقلة بالنفائس، لتضاء لهم المنارات في موانيء الهند والسند، وتشتعل بمباهجم شطآن الصين.

ومن الإسكندرية إلى تراقيا والأناضول، من دمشق إلى صور وعسقلان

أقمتُ الهلالَ على الحصون والأبراجِ

وعبَّدتُ الطرقَ لعربتك اللازوردية،

وللقوافلِ، من بعدكَ،

تضيءُ ليلَ البوادي من مكةَ إلى أعالي الفُرات..

وبأنفاسكَ العميقةِ سألتُ الليالي أَنْ تُرسلَ الشِّيحَ[9] في النَّسيم.

***

ولدتُ يومَ ولد الماءُ في البئرِ

والنَّجمةُ

في

سَماءِ المُسافر،

وفي ضُحىً تحت قبةِ اللاتِ، التمعَتْ شُهبٌ وخَفَقَ طائرانَ بأجنحةٍ قويَّةٍ،

الأخضرُ تركَ وراءَ جناحهِ النيلَ، والأزرقُ هبَّ من هَضَبَةٍ على البوسفور..

وفي خَفْقِ الأَجنحةِ، رأيتُ عمائرَ مملكتي تَرْفَعُ الأرضَ وتُدنيها من السَّماء.

III

والآنَ

في تيبور على ضِفافِ البحيرةِ الظَّلماءِ[10]،

في جوار التمساحِ الحجريِّ حيثُ أسندَ المساءُ ظهرَه على مرأىً من جنودِ الموت

تتمرأينَ

ويتبدَّى لكِ ويترجَّفُ ويتلاشى

في خُضرةِ الماءِ

ظلٌّ تطاولَ وتوارى في عتمةِ الأَشجار،

أهو لابسُ الأرجوانِ الصريع[11]، أم ملكُ المُلوكِ المسافر تحتَ نجمِ سهيل[12].

 **

يا لبريقِ عينيكِ تسرحانِ في ما تركَ الظلُّ للغَريقِ

هنا

في تيبور

بعدَ مُويجاتِ الضَّوءِ على رَجَفاتِ الماءِ،

ليظهرَ العاشقُ في جوارِ العاشقِ النّائمِ في طَمْيِ النِّيل[13]،

وشفتاهُ مطبقتانِ على عُشْبةِ الأَعماقِ.

***

هنا كَتَبَ القَدَرُ الأَسماءَ،

وتَرَكَ الجهاتِ تَتَلَفَّت،

IV

لا تُغمضي، أُخْتاهُ، لا تُغْمِضي

قبلَ أَنْ أَفوزَ بالسِّرِ الذي خَبَّأتِ في حَجَرِ خاتمكِ،

 أَنْتِ وإنْ كُنْتِ البعيدةَ

زمانكِ

لطالما كنتُ أُختكِ الصغيرة[14].

***

حتَّى لو لمٍ يكن في دمي قَطْرَةٌ من دَمِ بطليموس،

ولَمْ أُولد في أثينا ولا في الاسكندريةِ،

لطالما كنتِ معي، كليوباترة، لطالما كنتِ في صورةِ الزُّهرةِ وصوتِ المُشتري[15]..

وجهكِ الشرقيّ الأَسِيلُ[16]

يَلُوحُ

في

مرآتي

وصوتُك الذي ملأَ الأَسماعَ كان صَوتي.

***

إنني أَرى حَيرانَ[17] وقَيصَرونَ[18]

يلهوانِ بالرَّملِ

ووراءَهما غَسَقُ البَّحْرِ

الموجةُ تصعدُ ظهرَ المَوْجةِ وتنهارُ على صخرةٍ في المغيب.

والرّمْلُ يراوغُ الأَصابعَ.

V

لا ينهضُ هذا الجدار،

ويتلوى

ويتعالى

هنا في حَدائقِ تيبور

إلا ليُطِيلَ في شُرْفَةِ الألمِ مَقامي.

لستُ هنا لأَنظرَ التماسيحَ الصغيرةَ التي جُلِبتْ من مِصْرَ[19]،

ولا الحورياتِ الفينيقياتِ اللواتي رَجَعَ بهنَّ في السلاسلِ بحارةٌ جنويونَ

السَّمَكَةُ المُلَوَّنةُ التي أُخْرِجَتْ من الماءِ لفَحَهَا هواءٌ أَسودُ وصَيَّرها حجراً أَعمى..

***

المساءُ صُراخُ أَلواح تتهاوى في سماوات تتهاوى

VI

من أنتِ لي بَعْدَ المراكبِ في العُباب،

وهروبِ الموجِ بالناجينَ من مقتلةِ الطغيانِ

واصطخابِ البَحْرِ بالغرقى..[20]

أخطو، هنا، في آخر الأرضِ، هنا في عتمة وظلُّكِ غائمٌ في خطوتي،

من كُنتِ، من كُنتُ؟

من اسْمِكِ، زنوبيا، رَعَشَ الهواءُ

هنا

وتوجَّعتْ نسمهْ

ورَنَتْ إليكِ موجةٌ

و

ت

س

ا

ق

ط

تْ

 نَجمهْ..

من أنتِ يا بِتُّ

من كُنتِ في تيبور، من كُنتُ؟

VII

مطبقةٌ بأجفاني على الصّورةِ،

الوحيدةُ الصورةُ التي أردتُ أن تُطْبِقَ عليها أَجفاني

الصورةُ الوحيدةُ التي..

الصورةُ التي لا أستطيعُ إلا..

الصورةُ التي أُحِبُّ أن..

الصورةُ التي لا..

الصورةُ التي لمْ..

عتبةُ السماء، ولؤلؤةُ المدائنِ

معلقةً

على روما الصّليب..

وكلُّ ما رأتهُ عيني بعد الخُطى المَرحةِ لفتيانِ تدمرَ في ذلكَ النَّهارِ

عربةُ المَصرعِ، وحقلُ القَمْحِ في خَصْرِ الرابية.

***

لم تكن نافذتي تلك التي حطمتها عاصفةٌ، لأشرفَ الآن على ماءٍ ميتٍ،

شرفتي تحترقُ في تدمر المحترقة، وأنا هنا، في أغلالِ الليل، حيث رشقَ الماءُ المعتمُ وجهَ هادريان، ليهيم عارياً في الليالي المقمرة[21]، ولم تعد عيناهُ الهاذيتان تريان في جنان تيبور سوى مركبات هاديس تطوف على الأزهار وحبيبات الضوء بالمناجل.

VIII

حتى لو كنتُ سأتلاشى هنا، في هذا القصر المسكونِ بأشباحِ الأممِ وصليلِ السيوفِ المبللةِ بدماءِ الأمم، من سلتيينَ، وتراقيينَ، وآيبيريينَ، وبونيقيينَ، ونوميديينَ، ومصريين، وإيليريين، وعصب سبارتاكوس من غاليينَ وأفارقةٍ وقرطاجيينَ..

حتى لو كنتُ سأغمضُ عيني على نوافذ لا يجري تحتها العاصي، ولا يسمقُ على شرفاتها النخيل..

لسوفَ أصعدُ إليكَ، يا وهبَ اللاتِ[22]،

بقدمين حافيتينِ أصعدُ وأرقدُ في جواركَ،

يا قمري

الغاربَ

لأسمعَ صوتي وهو يرسلُ إلى أذنيكَ الصغيرتينِ

همسَ كلماتي

وهي تروي لكَ الحكاياتِ،

ولنسمع معاً، من رقدتنا المديدةِ

تحت

الزمن..

هسيسَ هواءِ الجنوبِ وهو يَسُفُّ لاهبَ الرَّملِ،

ويلهو عند النوافذِ والأبواب..

سآخُذكَ في عربةٍ تطير بها أحصنةٌ مجنَّحةٌ،

ويحرُسُها سبعةٌ من الجنِّ[23]،

لنطوفَ الربوعَ من حِمْصَ إلى سميساط، ومن دمشقَ إلى عكا

وفي الشِّعابِ عند هضابِ حرمون حيث اصطخبَ هواء الأعالي،

ورأيتُ العلاماتِ تجرحُ هامةَ الجبلِ،

سأمضي بك، وأمضي بي

لنزورَ

بيتَ

إيلْ[24]..

***

Thumbnail

هناك حيث قضينا الأصيافَ في رياضِ الجبلِ، هبّت بي أصواتُ فتياتٍ يافعاتٍ ظَهَرنَ في الشرفاتِ بأطواقِ الياسمين، حرمونياتٌ[25] لاحتْ أكتافهنَّ العذراءُ في المرايا بجدائلَ ضفرتها سنابلُ الصّيفِ، ورصيفاتٌ لهنَّ من فيليوبوليس[26] وصويحباتٌ من بعلُ بك[27]، ظهرنَ في جوارٍ أمهاتٍ طالعاتٍ من القرى بالنذورِ، على خدودهنَّ الرائقةِ التمعتْ قطراتُ الندى وفي التفاتاتهنَّ الفاتنةِ هبّتْ غُزلانٌ شاردةٌ.

المنشدُ العائدُ من جفانِ داريّا[28] بجرَّةِ النبيذِ أدمى القلوبَ بقصائد الشاعرِ لمحبوبتهِ النائمةِ في صَمتِ الأزهار.

***

ليتني كنتُ النعاسَ الذي يملأ جفنيكَ،

ليتني كنتُ النَّسيانَ الذي يُنْسِيكَ..

تنامُ وتستيقظُ، ولا تتذكر شيئاً مما آلَمَ قلبكَ الصَّغير

ولكن من أينَ لي بريشتهِ الَّلينَةِ

لأَمرَّ كالوسَنِ بين بتلاتِ جفونكَ،

 يا

قمري

الغريق[29].

***

أستلقي وأنامُ في جِواركَ،

لأسمعَ كرياتِ همسكَ تطفو وتتفرقُ، والزَّبَدُ بكَ يَتَخَطّفُ..

حشائشُ الماءِ في قاعِ مرمرةَ[30]

تَتَلْقَاكَ

فلأسأل حارسَ الأعماقِ في أرواد أن يهبَّ إليكَ بعرائس البحرِ

 يطردنَ عن نومكَ الوحشَ، فلا يَمْسَسْكَ سُوءٌ.

أستلقي،

وأغرقُ في جواركَ،

لأراكَ في عَرَبةِ يَمْ[31] بخيولها الزُرْقِ والبِيْضِ طائفاً بألواحكَ على الجُزر،

ومبتهجاً بأَنوارَ المنائر.

IX

أيَّةُ حسرةٍ أن لا أنامَ وتحرسني نخلةُ تدمرَ

أن لا أسمعَ هسيسَ السَّعْفِ في الليلِ

أنْ لا أتمددَّ في صائفةٍ ويحملَ لي صفيرُ الرِّيحِ التي هَبَّتْ من الجنوبِ

نداءاتِ الحُداة وجلبةَ القوافلِ الراجعة من عُمانا وسَمَهْرَمَ[32] باللبانِ والتوابلِ

والماسِ في القواقعِ، 

والأحجارِ التي خبّأتِ الأَسرار

وبالنبيذ

في

الجرار

أن لايرقبني هلالُ الليالي التي ماشَتْ القوافلَ ورجعتْ بالبدائع من دمشقَ

أن لايَظْهَرَ البعلُ[33] ليفتحَ لي الدربَ في المَنامِ،

لأنزلَ

وأغتسلَ

بماءِ

الفرات.

***

أينَ هُمُ أشرافُ تدمرَ الحارسونَ قلبَها النَّقيَّ وروحَها الجامحة

أينَ القادةُ الحالمونَ بالمجدِ، ورجالاتُ مجلسِ الشيوخِ، المتكلمون اللبقون، أينَ الخطباءُ البُلغاءُ، المنشدونَ الذين صدحوا بأشعارِ ميلياغروس الجداريِّ[34] خالبةَ ألبابِ التدمريينَ، والدمشقيين والأغارقة، وتَرنّموا بمقطعاتِ أنتيباتروس الصيدونيِّ[35]، وأدمعوا العيون بقصائد اليافعة إيرينا[36] التي وقفت على صخرةٍ في شاطىء تيلوس[37] لترسلَ زهرةَ روحِها إلى دمشقَ، أينَ هُمُ أولئك الذين أدهشتهمُ رؤى لوقيانوس السُميساطيِّ[38]، ومحاضراتُ زينون الرواقي[39] وبوسيدونيوس الآفاميِّ[40] المنحوتةِ على الألواحِ..

لمْ يبقَ من صَخَبهم في شَمسِ تَدْمُرَ

سوى شُرفاتٍ تلتهمُها النيرانُ وحجارةٍ تتوجعُ.

***

هلْ أصدِّق أنَّ طروادةَ فُتحتْ بحصانٍ خَشبيٍّ، لأصدّقَ أنّ أسواركِ يا واهبةَ النخيلِ والأسماءِ والرسائلِ هدمها ذهبُ أورليان وطمعُ الأعرابِ؟

حسبي أن التدمريين الشجعانَ في المعتركِ وفي المكتبةِ، في المعبدِ وفي المدينةِ، في صناعةِ الحرفِ، في ارتيادِ الآفاقِ، في مراكب الزرقةِ ومراكب الشمسِ، في شواطىءِ اللقاء، في التّعارفِ والمبادلاتِ، في رَوْزِ الفكرةِ وترجمةِ الأُفُقِ، في وقوفِ الفلاسفةِ على عِلَلِ الوجودِ، في الحُبِّ وفي الحَرْبِ، أرَّقوا سبعةَ قياصرةٍ في روما، ولاحتْ طلائعهمُ على أربعِ جهاتِ الأرض.

حَسْبيَ أنَّ التدمريينَ الذينَ ذَهَبَتْ بهمُ القوافل في صحارى الزَّمن، رجعوا من الغِيابِ وتلأْلأُوا في المُعْجِزَةِ[41].

X

الليلةَ في منامي رأيتُ قافلةَ الصَّيفِ وخُيولَ الشِّتاء

والقناديلَ رأيتها تُؤرجحُ الضَّوءَ

في الأَرجاءِ

ووجهكَ يَرحاي[42]،

أيها التاجر التَّدمري الراجعُ من تهامةَ بالعقيقَ

رأيتُ وجهكَ في الوليمةِ[43]،

ومن حولكَ الأبناءُ والبناتُ، والمرأةُ السعيدة..

لنْ تكونَ لي مأْدبةٌ كمثل مأدبتكَ

ولا شعلةٌ تَتَرَجَّفُ

في مَمَرٍّ

إلى مِحراب؟

لنْ أحظى بوقعِ خطىَ الطِّفْلٍ على أَرضِ نومي؟

ولا بليلةِ الشُّمُوعِ..

يَرحاي.. يرحاي، أينَ هُمُ السبعةُ المؤتَمنونَ على المدينةِ[44]،

وسلمى أختهم حارسةُ الأسرار..

روما التي اصطادتْ سماءَ الشرق،

كَسَرَتْ جناحَ النَّسر،

وأَدْمَت الزَّمن.

هُنا،

أنا هُنا في شرفةِ تيبور

أسيرةُ حربٍ، ووراءَ بابي سبعةُ أسودٍ جائعةٍ.

***

يَرحاي، يَرحاي..

فلأَغْبِطَ نومكَ الهانىءَ في ترابِ تَدمرتا..

وفي جوارِ مَرْقَدِكَ المُكَلَّل بالآس، مَرْقَدِكَ المُفْعَمِ بعطرِ الليلِ،

تسكنُ السَّماءُ.

***

وأنتَ يا لونجينيوس[45]، يا معلمي الثائرِ كقنديلٍ يقاتلُ الرِّيحَ،

إنني أسمعُ تَرَابَ إيميسَّا يبكي دَمَكَ[46] وشُرفاتها تَرتجفُ من الغَضَبِ.

***

أناجي طيفكَ، لونجينيوس،

دمكُ الذي لطَّخَ خشبَ الصلب كتب في صَحائف الشَّرقِ سطراً لا يمحى..

أنتَ لستَ الطرواديَّ البحار الذي غفا على دفَّة السفينةِ،

وهوى في الماءِ،

لكنَّك حجر الفلسفةِ ومنارة العقلِ.

XI

تحتَ قوسِ النَّصْر

تذكرتُ الغزالَ الذي صوَّرتُ في قَصيدتي[47]،

ورأيته كوكباً في السَّماء.

ولمّا خَرَجَ السَّهْمُ من القوس،

هبَّ الغزالُ،

وهوى

وفي كعبهِ لَسْعةُ النَّارِ.

حَطَّمْتُ اللوحَ والقصيدةَ..

وظلَّ السهمُ في كعبِ الغَزال.

***

تحتَ قوسِ النصرِ،

في جوارِ البانثيون الذي بناهُ الدِّمَشقُّي[48]

رأيتُ روما فخورة بالسلاسل،

يا لبؤسِ الأباطرة،

أنا ملكةُ الشَّرق خاطفة الأَبصارِ، أمرُّ بالأغلال في عربةٍ سلبها الامبراطور المنتصرُ من قصر في تدمر[49].

***

غزالٌ له جناحانِ أخضران ورياشٌ بألوانِ قوسِ قزح[50]..

شذبتُ القَصَبَةَ، ومررتها في الدواة، ورسمتُ قفزةَ الغَزالِ

وقد تَفادى السَّهْمَ، وسَكَنَ قُرْبَ المُشْتَري..

***

ما الذي هَيَّجَ العَوام وهم يُلَوِّحونَ

لي بالأَيدي

ويرمقونني بنظراتٍ جائعةٍ،

كسائيَ الأُرجوانيَّ، أَمْ قيوديَ الذَّهبيةِ؟

ها هم ينهضون ويموجون، ويطيلونُ الأعناقَ ليرونني أكثرَ،

لئلا أغيبَ،

لأظلَّ في مَرمى النَّظر.

***

المُتصدرونَ مطارحَ الشَّرفِ في شُرفة الأمبراطور على المعتركِ[51]

حيثُ طافَ أورليان في جواري على عربتي المَلكيَّةِ،

رأوا الغارَ في جبينهِ والسلاسلَ في يديَّ..

لو عرفتمُ أَيُّ ملكةٍ قاتلتُ، قال أورليان لما قُلْتُمُ "حربٌ ضِدَّ امرأة".

يا لسعارِ العوامِ في احتفالاتِ الأباطرة.

XII

أخطو لأكونَ أَقْرَبَ، أخطو، وأصعدُ درجاتِ الوقتِ،

لأكونَ مَنْ كنتُ أبداً، صرخةَ الشمسِ والرِّيحَ التي سفّتْ جبالَ الأَمسِ في الصَّحراء،

بابَ المدينةِ في المساءِ،

الضَّيفَ والأصحابَ، والعشاقَ،

والهَمْسَ الشَّجيَّ

والأسى المتروكَ في رائحةِ الذِّكرى وفي لَهَبِ الغِياب..

وأكون

نافذةٌ على بَحْرٍ

ليلهو في اضطرابِ الشاطىءِ البَحْرُ،

بَرْقُ المُشتري في سماءِ الشرق،

وقد أَبْصَرَ النَّسرَ الذي هوى على صَخْرةٍ..

والجَناحَ الذي تَخَبَّط دمه في الشِّباكْ.

***

إنْ كنتُ رومانيةً، مرة، فلأنَّ الملاحمَ أفعمتٍ روحي بحزنِ المبحرينَ

ومن ورائهم رمادُ طروادةَ وسيوفُ الإغريقِ،

وأشعلتْ خيالي بنارِ الطروادياتِ والمراكبِ المحترقةِ في الميناء[52].

ولدتُ لأبٍ وأمٍّ سُوريين[53] ولسوفَ أودّع هذا الصِّراطَ سمراءَ تَدْمُريّة.

***

يا لغَفْلَةِ أورليانوس في تدمرَ بَعْدَ حَمَقِ سابور في طَيسفون[54]،

رأى السَّرابَ وهامَ وراءَه، ولم يَفْطنْ للنَّجْمَةِ المُخَبَّأَةِ في راحَتي..

أَنا بِتُّ زباي

أخطو، وأرسل خطوتي في كل ميناء[55]،

لأكون أقربَ،

ولسوفَ تُشْرِقُ على مراكب رحلتي شَمْسُ تَدْمُرَ التي لا تَغِيب.

نوري الجراح

لندن، روما/ فيلا أدريان

 في 30 تموز 2021

 

 

ما بعد القصيدة.. سَرابٌ ضاحِكٌ

مونولوج في توهم أذينة

 

في أَعْماقيَ السَّحيقَةِ أَنامُ، أَغْفو وأَسْتيقظُ على خطوتكَ الخاطفة

الظّلالُ تَسْتَطيلُ وتَسَّاقَطُ في هاويةٍ وراءَ حَواسّيَ

المَطَرُ يَصْفَعُ المَرْأَى ويَتَكَسَّرُ في النّافذةِ،

والبَرْقُ

يَفْلِقُ

المَوْعِدَ..

أَيُّ هَواءٍ يَفْتَحُ ليَ البابَ لأراكَ

راجِعاً

مِنْ

حِمْصَ

وحِصانُكَ العَربيُّ يصهلُ لقَمَرِ السَّاقيةِ تَحْتَ سَعْفِ النَّخيل.

لا وُجُوهَ، هُنا، في هذا الصَّقْعِ

أَشْباحٌ أَشْباحٌ أشْباحٌ

ضَجيجٌ وأَجْنِحَةٌ مٌمَزَّقَةٌ وعَصْفُ هَواءٍ مَجْنونْ

كُرَياتِ البَرَدِ تَتَفَرَّطٌ على الرُّخامِ وشُرْفَتي المَصّعوقَةُ بالبَرْقِ

تُرْسِلُ في الظِّلالِ حُطامَ الصُّوَرْ.

أنْتَفِضُ مِنْ خدرٍ، وأَهْوي مِنْ جَسَدي العَائِم في حُلْكةٍ،

أنْتَفِضُ،

وأَنْهَضُ في صَحْراءَ

أَفِي حُلُمٍ أَنا، أَمْ أَنَّني في نَوْمٍ ورأْسي على حَجَرٍ؟

 

وفي اضْطِرابِ الشُّعْلَةِ ولَهَبِ المِرْآةِ، حَيْثُ ما مِنْ ضَوْءٍ أَقْوَى،

أَراني مُسْتَلْقِيَةً في بُستانٍ، وأَراكَ في جَبَلٍ تَشْطُرُ الصَّخْرَةَ..

أَمُدُّ يَدِي، وما أَطالُ مِنْ قَمِيصِكَ الخافِق سِوى حَفْنة الهواء.

لوحة (أحمد ماديوان)
لوحة (أحمد ماديوان)

***

تَتَمَدَّدُ في جواريَ وبشفتينِ تَشَقَّقَتا في صَحْرَاءَ بَعِيدَة

تُقَبِّلُ

النَّائمَ

فَمي

لأنَّ طائراً بجناحٍ أَخْضَرَ خَفَقَ في مُخَيلَتِكَ.

***

قلبكَ نَسْرٌ جَرِيحٌ وجَسَدي شَجَرَةٌ في عَراءٍ.

***

أُخاطِركَ عن نَخْلَةٍ في الفُراتِ، وتَراني على مَرْكَبٍ أَسَرَتْهُ مَوْجَةٌ في مَرْمَرَة

تَتَمَدّدُ في جِواريَ وتَتَقَلَّب في أَرْضٍ تَحْتَ سَمَاءٍ أُخْرى.

وإذْ تُغْمِض وتُقَبِّلُني

أَراكَ مُعَلَّقاً

بخَيْطٍ

واهٍ

يَشْتَعِلُ

وما تُرِيدٌ سِوى أَنْ تُفْلِت بِقُبْلَتي

وتَهْوي

عَمِيْقاً

عَمِيْقاً

حَتَّى ما أَعودُ أَراكَ.

رَبَّاهُ أَيُّ غَدٍ يُشْبِهُ هذا الغَد الذي أَقُيمُ فِيهِ!

***

اكْتَمَلَتْ القَصِيدَةُ، وما مِنْ شَيءٍ آخَر،

ما مِنْ شَيءٍ آخَر

هُنا

سِوى سَقْطَتي

المَدِيدَةِ

في هاويةِ

الَّليْلِ

وعيناكَ العميقتانِ تَنْظُراني

وما تَرى..

سِوى حُطامِ النَّهْرِ وعَطَشِ الضِّفاف.

***

 

انْتَفَضْتُ من بارقَةٍ،

مِنْ سُقوطِ البارقَةِ في سَعْفِ النَّخْلَةِ

انْتَفَضْتُ وهَوَيْتُ من جَسَدي الخَفِيْفِ الطّائِفِ في هَواءٍ خَفِيفٍ..

وفي نُوْرِ الفِكْرَةِ رأَيْتُ سَقْطَتِيَ المُدَوِّيَة هَمْسَ حُورِياتٍ خائِفاتٍ

 يَتَوارَيْنَ،

تِيكَ أَخواتي الَّلواتي نمْنَ في كِتابيَ تَحْتَ قَمَر تَدْمُر.

غِيابي يَتَقَطّرُ في مَسْمَعي، وحَواسِي مَرْكبٌ يَبْتَعِدُ.

أَهَذا هُو البابُ الذي هَشَّمْتُ فيهِ يَدِي

لأَخْرُجَ وأَتلَقَّاكَ بالأَصْياف، نَمْشي ونَتَلامَحُ على سَرابٍ ضَاحِكٍ؟

21 -6-2023

 

إشارات وملاحظات

 

[1] تيبور (Tibur) الاسم القديم لمدينة ( تيفولي (Tivoli‏الإيطالية وتقع على نهر أنييني ( Aniene river) في إقليم لاتسيو، تبعد  30 كم عن العاصمة روما جهة الشرق.

[2] الإشارة هنا إلى كون زنوبيا، جريا على عادة أبناء الملوك، أرسلت صغيرة إلى الإسكندرية لتتلقى علومها على أيدي كبار أدباء وفلاسفة عصرها وكان من بين أبرز أساتذتها الفيلسوف السوري كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس" "Cassius Lunginus" "220 – 273. الذي سيرتبط اسمه بها ويغير ارتباطه بها في ما بعد مسار حياته وقدره الشخصي.

[3] اللات هي ربة السماء المبجلة، عبدتها الشعوب السورية واتسعت عبادتها فشملت الجزيرة العربية. هي نظير أثينا الإغريقية، ومينيرفا الرومانية، وجدت معابدها وتماثيلها في جل انحاء المنطقة العربية اليوم. وذكرتها الأساطير والأناشيد القديمة الآرامية وورثت عنهما هذا الذكر النصوص الدينية اليهودي والإسلامية. يعتقد أن اسمها هو مؤنث اسم الله. تظهر في التماثيل حاملة في يدها نبتة وفي جوارها أسد. أضخم التماثيل الرامزة إليها عثر عليه في تدمر ويطلق عليه (أسد اللات).

[4] المقصود هنا نهر العاصي، وهي تسمية متأخرة لكونه ينبع من الجنوب ويصب في الشمال بعكس الأنهار الأخرى في المنطقة. منبعه البقاع الشرق قرب بعلبك في لبنان اليوم، وأطول مسار له في سوريا، فهو يمر بمدينتي حمص وحماه وسهل الغاب ويصب في البحر المتوسط عبر أنطاكية بلواء اسكندرون المقتطع من سوريا لصالح تركيا في نهاية ثلاثينات القرن الماضي وغالبية سكانه من السوريين. أطلق الإغريق على النهر.

[5] هم سبعة من الجن. سيأتي ذكرهم في مكان آخر.

[6]  ملك الملوك، لقب منحته روما لأذينة ملك تدمر وزوج زنوبيا، على إثر تحريره للإمبراطور فاليريان من الأسر في بلاد فارس.  خاض أذينة ثلاث جولات حربية ضد الملك سابور الأول، وتمكن من هزيمته واستعادة الامبراطور. اضطرت روما على إثر انتصاره الساحق وقوته المفاجئة إلى الاعتراف به شريكاً في الحكم على المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا إلى جبال الأناضول على رغم مما عرف عن اذينة من تمرد على سلطتها الإمبراطورية، وقد خوله لقب "ملك ملوك الشرق" سلطات شبه مطلقة على امتداد الجغرافيا المذكورة. لكن روما التي خططت للتخلص من اذينة سوف تقع في فخ اغتيالها له، فقد ورثت المملكة الكبيرة التي يحكمها أذينة سيدة عرفت بفروسيتها وثقافتها الرفيعة لم تكن تقل طموحا عن زوجها، بل ذهبت ابعد منه في الطموح الاستقلالي للشرق عندما ضمت إلى مملكتها كامل الجغرافية المصرية، وتطلعت إلى حكم روما.

[7] أشهر آلهة تدمر هو سمس أو شمش ومعناها الشمس، وبقايا المعبد الأكبر لهذا الإله موجود في المدينة اليوم. وعبد التدمريون القمر أيضاً ويسمى عجلى بل، وهي إلهة أنثى وكانت الأشهر بين الإلهات الإناث. أقام التدمريون مجمعاً للأرباب، بلغ عددهم فيه نحو ستين معبوداً. وهذا الاصطفاء للآلهة يدل على انفتاح التدمريين على معبودات الجوار اليوناني والروماني على وجه الخصوص بفعل الموقع الجغرافي والحراك التجاري والثقافي الذي ميز تدمر التي ورثت مملكة بترا كملتقى تجاري كبير على المفترق القاري، وبين الشرق والغرب.

[8]  الإله بعل شمين، وشامين كبير آلهة تدمر.

[9]   الشيح (باللاتينية: Artemisia monosperma) في سوريا والجزيرة العربية، وشمال إفريقيا وإيران وتركيا وهو نبتة عطرية، ذات فوائد طبية، ولها حضور في الشعر الكلاسيكي العربي.

[10] الإشارة هنا إلى المناخ الذي أقامت فيه زنوبيا في المجمع الإمبراطوري لهادريان، وما انعكس من تيه الامبراطور هادريان  على صفحة بحيرته وهنا إشارة إلى أفول شمس الإمبراطور بفعل آلام مرض قادته إلى ما يشبه جنون العقل.

 [11] اللون الأرجواني أحد الرمز الفينيقية وعنه أخذ الأباطرة الرومان اللون لملابس الامبراطور.

 [12] سهيل: لامع، ارتبط لدى العرب القدامى بالحب.

[13] الإشارة هنا إلى أنطينيوس، عشيق هادريانوس الصريع غريقاً في النيل.

[14] لم تقصد زنوبيا من إعلان انتسابها إلى كليوباترة وتطابقها معها انها تنتمي حرفياً إلى البيت البطلمي، أو أنها مقدونية الأصل فهي حسب كل الوثائق تدمرية الاصل أباً وأماً، ولكن  سيرتها تكشف لنا عن هيلينستيتها القائمة على ما جمعته من تكوين ثقافي واجتماعي تتعدد فيها المصادر بين عربية وبطلمية وإغريقية، لغة واعتقاداً دينيا وسلوكاً وتطلعات حضارية.

[15] بت زبّاي، والمقصود من حضور الزهرة، الأنثى المحاربة التي ترمي بالقوس بمهارة، وابنة المشتري، جوبيتر. هذه بعض أوصاف ارتبطت باسم زنوبيا. 

[16] الأوروبيون يرجحون بقوة أن أرومتهم الثقافية مرتبطة بالإغريق، ويعتبرون الأغارقة جزءاً من الغرب بالمعنى الحضاري. والواقع أن الإغريق شرقيون في تكوينهم الثقافي، وفي شرايين ثقافتهم تجري دماء سورية ومصرية وعراقية. للوقوف على سجلات موثقة تضيىء هذه الفكرة أشير هنا إلى كتاب البريطاني مارتن برنال "أثينا السوداء"Black Athena   Martin Bernal. لعله الأهم والأكثر جرأة في الكشف عن المسكوت عنه انطلاقا من تصورات خاطئة صادرة عن ضغط شيوع النظرة المركزية الأوروبية على الأذهان والأرواح، ليس في الغرب وحده، ولكن، حتى لدى ضحايا هذه الفكرة من الشرقيين.

[17] حيران الثاني: يفترض معظم المؤرخين أن حيران الثاني هو ابن آخر لزنوبيا، فقد ذكر تاريخ أوغسطا أنها أنجبت من أذينة عدداً من الأولاد، هم بالإضافة إلى وهب اللات، حيران (هيرنيانيوس) وتيم اللاوس. ووفقًا لهنري أرنولد سيريج[17]، يجب أن يكون حيران الثاني متطابقًا مع هيرنيانوس، وأنه كان شقيقًا كبيراً لوهب اللات ولم يحكم. ميِّز سيريج حيران الأول عن حيران الذي يرد اسمه على الختم (RTP 736.  اقترح أندرياس ألفولدي أيضاً أن سيبتيموس هيروديانوس هو هيرنيانوس؛ كان هناك ختم آخر مرتبط بختم سيبتيموس هيروديانوس يمثل امرأةً توجت بالغار[17]، وفقًا لما قاله ألفولدي[17]، لا يمكن إلا أن تكون زنوبيا. ومن هنا، فإن سيبتيموس هيروديانوس هو ابن زنوبيا وأذينة. وفي نظر ألفولدي، فإن ابن أذينة البكر، الذي هو هيرودس في تاريخ أوغسطا، لم يكن قد دعي بملك الملوك خلال حياة والده. ويجادل أودو هارتمان[17] أن سيبتيموس هيروديانوس هو نفسه حيران الأول وأن هيروديانوس هو النسخة اليونانية من حيران وأن «هيروديس» هو نطق محرف لحيران. يختلف ديفيد س. بوتر[17] ويعتقد أن سيبتيموس هيروديانوس هو ابن زنوبيا الذي يطابق حيران الثاني وأنه مختلف عن حيران الأول.

[18] بطليموس الخامس عشر أو قيصرون (تصغير قيصر) هو ابن يوليوس قيصر من الملكة كليوبترا السابعة ملكة مصر . ولد في 23 يونيو 47 قبل الميلاد ويعتبر الأخير في سلالة الملوك البطالمة. حكم مصر إلى جانب أمه كليوباترة، وبعد انتحارها، فرّ إلى الهند،  استدرجه أخوه لأبيه الامبراطور أغسطس  قيصر، وقتله غدراً سنة 30 قبل الميلاد  وبمصرعه انتهى حكم البطالمة في مصر. تتشابه مصائر قيصرون وحيران.

 [19] يمكن مشاهدة التماثيل الحجرية على طرف من حوض مائي كبير في فيلا أدريانا. نعتقد أن هذا الحوض يحمل ترميزاً يتعلق بالنيل.

الحوريات والسيرينات في هذا الموضع من القصيدة إشارة إلى الحضور السوري في فنون وعمارة  فيلا أدريانا.

[20]  بخلاف ما قيل عن أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا هزلياً، ينبهنا التاريخ السوري مع الطغاة والغزاة  إلى أن المآسي يمكن أن تتكرر أكثر من مرة بطريقة غير هزلية على الإطلاق كما حدث في فواجع 2011-2071 إبان الثورة السورية.

[21]  أصيب هادريان بمرض مزمن وقضى سنواته الأخيرة في وضع مضطرب وقد أورثه مرضه العضوي على الأرجح مرضاً نفسياً جعله يقدم على تصرفات مقلقة، أثارت من حوله استياء لم يكن صامتاً تماماً، وفي أواخر حياته سيطرت على عقله تهيؤات قادته إلى الاشتباه بالمقربين منه، زأقدم في تلك الفترة على إعدام أضاء في مجلس الشيوخ لظنه أنهم يقودون مؤامرة للإطاحة به. مع ذلك لا شك أن هادريان يستحق اعتباره واحداً من أعظم أباطرة روما لثقافته وإنجازاته. وصف بأنه غامض ومتناقض، وبأن لديه القدرة على كل من العطاء الكبير والقسوة المفرطة وبأنه صاحب فضول معرفي خلاق، وهو ما جعل خلفه أنطونيوس بيوس، يرفعه إلى مرتبة التأليه رغم معارضة مجلس الشيوخ.

[22]  وهب اللات: لوسيوس يوليوس أوريليوس سيبتيموس وهبلاتوس أثينودوروس Lucius Iulius Aurelius Septimius Vabal(l)athus Athenodorus ( ولد عام 259 م ابن أذينة وزنوبيا، امبراطور الشرق. وصل إلى السلطة عندما كان طفلاً في عهد والدته الوصية زنوبيا. ورد اسمه في بعض النقوش أثينو دوروس كترجمة لاسم وهب اللات إلى اليونانية، حيث أن أثينا هي نفسها الربة العربية اللات. عندما قتل والده أذينة بن حيران وأخيه غير الشقيق حيران الأول في عام 267، على يد معن ابن عم أذينة، الذي أعدم مباشرة بعد جريمته، آلت الخلافة لابن أذينة الأصغر وهب اللات وحاز جميع الألقاب الإمبراطورية ملك الملوك اللامع والمصلح،  (ملك الملوك rex regum ، مصلح سائر الشرق corrector totius Orientis، وربما أيضًا القائد الرومي dux Romanorum )  . ونظراً لصغر سنه حكمت والدته زنوبيا كملكة وصية على العرش. في عام 272، عبر الإمبراطور أوريليان مضيق البوسفور وتقدم بسرعة عبر الأناضول لاستعادة الشرق. وبعد أن استسلمت تدمر له عفا عن الملكة وابنها واقتادهما مع موكب الأسرى والغنائم عند دخوله إلى روما.

وفقًا للمؤرخ البيونطي زوسيموس ، توفي وهب اللات في طريقه إلى روما، أنه توفي مطلع عام 273 ) ) في ظروف غير معروفة. لكن هذه النظرية لم يتم تأكيدها أو دحضها. أشارت مصادر أخرى إلى أنه بعد إرسال زنوبيا ووهب اللات المهزومين إلى روما، سمح أوريليان لهما بالعيش في فيلا هدريانا في تيبور/ تيفولي الحالية. بالمقابل ثمة أدلة مادية على استمرار سلالته في إيطاليا في نقوش ظهرت في القرن اللاحق. إنما يمكن أن يكون الطفل الذي وصل مع زنوبيا إلى روما وبقي حيا ليس وهب اللات الذي تعتقد بعض المصادر ومنها زوسيموس أنه أغرق في بحر مرمرة، ولكنه أصغر أبنائها الثلاثة، والمقصود به تيم اللاوس. وهذا يقودنا إلى استنتاج أن الابن الأكبر حيران الثاني ربما يكون إما أنه قضى بدوره بطريقة ما في تدمر قبل أو أثناء احتلالها، أو أنه بقي حيا وهو نفسه حامل لقب انتيخيوس الذي توج على تدمر بعد احتلالها، وقاد الثورة الفاشلة على الرومان التي وأدت إلى مصرعه وتدمير المدينة نهائيا وتهجير أهلها، لينتهى بذلك وجود تدمر الحضاري والسياسي وأفول شمسها كعاصمة للامبراطورية الشرقية.

[23]  الجن في عقائد التدمريين هم حماة مملكة تدمرتا ووسطاء بين الآلهة والبشر وعددهم سبعة، وهو رقم مقدس. توجد منحوتة لهم عثر عليها في بقايا معبد في جبل شاعر قرب تدمر وتعود إلى سنة 181م، وهم: -1 سلمان، 2- أبجل، 3- معن، 4- سعد، 5- الرجيع، 6- أشر، 7- منعم، ولهم أخت تسمى سلمى تظهر في طرف من المنحوتة تميزها ملابسها المؤنثة. بعض هذه الأسماء ما يزال في حيز التداول حتى اليوم، كسلمان، وسعد، ومنعم، ومعن.

[24]  إيل: رب الأرباب الكنعاني. أنجب العديد من الآلهة، من أبنائه: حدد، ويم، وموت، وهؤلاء الثلاثة تقابلهم الآلهة اليونانية الرّومانية: زيوس وبوصيدون وهاديس. وإيل نظير زيوس رب الآلهة والبشر عند الإغريق. وإيل حسب ألواح أوغاريت زوج الإلهة عشيرة.

[25] نسبة إلى جبل «حرمون»، في سوريا، تحتله إسرائيل اليوم، أصل الأسم كنعاني/آرامي ومعناه في اللغة العربية «حرم» أو «مقدّس». ذكر في أدبيات ميثولوجية وجغرافية ودينية عديدة أقدمها ملحمة جلجاميش السومرية بوصفه «أرض جبل الأرز حرمون، هي أرض الخالدين». وإليه وصل جلجاميش وواجه خمبابا حارس الأرز. يطلق على جبل حرمون أيضًا اسم "الجبل الثلجي"، و"الجبل ذو الشعر الرمادي"، وجبل الشيخ. وتسمى قمته الشاهقة في النصوص الأوغاريتية "سافون"، وفيه معابد للديانات السورية القديمة، أشهرها معبد الإله بعل.

[26] فيليبوبولس (شهبا-اليوم): مدينة سورية تبعد نحو 84 كم جنوبي العاصمة دمشق، مسقط رأس الإمبراطور فيليبوس العربي، أو ماركوس يوليوس فيلبس (باللاتينية: Marcus Julius Philippus) (249-204).

[27]  بَعْلَبَكُّBaalbe   (بالآرامية: ܒܥܠܒܟ): مدينة تقع شرق نهر الليطاني في وادي البقاع في لبنان، على بعد حوالي 34 مايل عن دمشق، في العصر الهيلينيستي كانت تُعرف باسم هليوبوليس سيريا  (باليونانية Ἡλιούπολις أو "مدينة الشمس". تضم اثنتين من أكبر المعابد في الحقبة الرومانية: معبد باخوس ومعبد جوبيتر.

[28] داريا Darayya : مدينة سورية تقع داريا في ريف دمشق غربَ العاصمة بحوالي ثمانية كيلومترات، اسمها مشتقٌّ من الكلمة الآرامية «دار» أو البيت، ومعنى اسمها البيوت الكثيرة ويلاتبط تاريخها بتاريخ دمشق. اشتهرت بكروم العنب ومزارعه منذ أقدم الأزمنة. في عام 2011، أدّى قمع الاحتجاجات المطالبة بالحرية والتغيير السياسي التي اندلعت في المدينة إلى آلاف القتلى والمعتقلين من شابات وشبان المدينة. دمرت المدينة عن بكرة أبيها على أيدي قوات الطاغية بشار الأسد، وهجر أهلها جميعا منها بعد حصار طويل. تحتلها اليوم ميليشيا لبنانية هي حزب الله.

 [29] تذهب بعض الروايات إلى أن أورليانوس أمر بالتفريق بين وهب اللات وأمه خلال رحلة الأسر من تدمر على  روما، بهدف التخلص من  الإمبراطور الصغير، الذي أغرق في بحر مرمرة

 [30] لنتخيل الآن كيف يمكن لوجه وهب اللات أن يكون ونحن نقلب الصبي الغريق لنتعرف وجهه، فإذا بنا نكتشف وجه إيلان الملاك السوري الغريق الذي رمته موجة على شاطىء إزمير، فإذا به بلا وجه.: "أرسلت جاراتي الى الشاطيء ليرجعن بالماء، ......إلخ". أنظر "قارب إلى ليسبوس-مرثية بنات نعش". كتاب الشاعر –ميلانو 2017.

[31]  يَمّ هو إله سوري كنعاني: يظهر خصوصاً في ألواح أوغاريت، هو ابن إيل كبير الآلهة في الميثولوجيا السورية ويمثل المياه الأولى، مياه التكوين، والهيولى والعماء، وله سلطة مطلقة على المحيطات والأنهار والينابيع والبحيرات، وفي صراعه مع بعل (رمز الخصب) ينهزم يم رغم قدراته الهائلة. ورثت اللغة العربية عن الآرامية اسمه للدلالة على المياه.

[32] ميناء في ظفار/اليمن، شكل حلقة وصل تجارية أساسية على طريق التجارة القديم. ازهر خصوصاً بفعل تجارة اللبان.

[33] بعل: إله سوري ظهرت عبادته في الألف الثالثة قبل الميلاد، في بلاد الشام وانتشرت في جغرافيات العالم القديم بين آسيا وأوروبا والشمال الإفريقي. في الآرامية واللغات السامية الأخرى يأتي اسمه على شكل لقب أو كاسم نكرة ويستدل منه ما معناه: السيد أو الملك،" إلا أن نصوص أوغاريت تبين أن (بعل) هو إله محدد الصفات. تظهر مختلف السجلات وبينها الأوغاريتية أنه إله الطقس، وقواه مرتبطة بالبرق والرياح والمطر والخصوبة. كانت أشهر الصيف الجافة في المنطقة تفسر على أنها دليل على إقامة بعل في العالم السفلي أما عودته في الخريف فتتسبب في العواصف التي تجدد الأرض.  ارتبط كل من بعل وإيل بالثور في النصوص الأوغاريتية، لأنه يرمز إلى القوة والخصوبة. الإلهة العذراء عناة هي أخته الكبرى وزوجته. وكان بعل على عداء مع الثعابين والأفعوانات، سواء مثلت أنفسها أو كانت ممثلة ليم، إله البحر والنهر. من أهم وظائفه في أساطير أوغاريت السّورية الدفاع عن البشر والآلهة، فهو بطل الآلهة وقاتل التنين (يم) وبعل هو الرزّاق واهب المطر وصوته الراعد وعد بالخصب، وهو المخلص الذي يحكم من جبل صافون (جبل الأقرع).

الكنعانيون والفينيقيون يعتبرونه راعيًا للبحارة والتجار الذين يسافرون عبر البحر. يعتبر أيضاً الإله المحارب، وإله الشمس، انتقلت عبادته إلى قرطاج بشمال أفريقيا وأطلق عليه الإله بعل حمون. والقائد القرطاجي (حنا-بعل) يشير اسمه إلى الإله بعل، كما تحمل مدينة بعل بك في سوريا (لبنان اليوم) اسمه. في تدمر كان له شأن كبير، وقد تعددت معابده في ارجاء المملكة.

[34] الشاعر السّوري ميليا غروس الجداري: عاش في القرن الأول قبل الميلاد، أحد أكابر شعراء اللغة اليونانية. من رواد المدرسة السّورية في الشعر اليوناني، كان شاعراً وجامعاً للإبيجرامات (القصائد القصيرة). كتب العديد من قصائد النثر الساخرة التي فُقدت، كما كتب العديد من قصائد الشعر الحسّي الإيروسي، نجت منها 134 قصيدة. قام ميلياغروس بعمل ريادي عندما جمع شعر شعراء معاصرين له وسابقين عليه تحت عنوان "الإكليل" (Garland بالإنكليزية)، كانت تلك بمثابة الأساس "للأنثولوجيا اليونانية". وهي على الأرجح أول أنطولوجيا شعرية بالمعنى المتكامل في التاريخ. مدينته جدارا أنجبت شخصية أخرى عظيمة هو الشاعر والفيلسوف فيلوديموس (110 - 30 ق.م) الذي دمر بركان فيزوفوس مدرسته عام 79 ميلادية، وحفظ لنا الرماد أعماله الأدبية والفلسفية 16 عشر قرناً إلى أن عثر عليها في أنقاض مدينة هيرولانوم في القرن الثامن عشر واعتبرت كنزا لا يقدر بثمن. من أهم مؤلفاته أربع وثلاثون قصيدة من نوع الأبيجراما، وكتاب من خمسة أجزاء يبحث في نظرية الشعر عند الهلينستيين. القواعد التي وضعها في فن كتابة القصيدة  اتبعها  غالبية الشعراء الرومان الذين جاؤوا من بعده. وإلى هذين العلمين، أنجبت جدارا إلى الإنسانية العديد من الشعراء، والفلاسفة، والخطباء، السوريين الذين عبرت أعمالهم عن ذروة التفاعل الحضاري بين المرجعية الآرامية واللغة الإغريقية، وهم على من بين أبرز من أكسبوا اللغة الإغريقية وآدابها ملامحها الشرقية كما في أعمال الفيلسوف الكلبي مينيبوس (القرن الثالث قبل الميلاد، والفيلسوف الساخر أوينوماوس (القرن الثاني الميلادي)، والخطيب ثيودوروس معلم الإمبراطور تيباروس (القرن الأول الميلادي)، وأبسينيس ومستشار الإمبراطور مكسيميانوس (القرن الثالث الميلادي).

[35]  أنتيباتروس الصيدوني، وُلد في مدينة صيدا عام 150 ق.م وتوفي حوالي عام 80 ق.م. اشتهر في أرجاء العالم الهليني عموما ووطنه سوريا على نحو خاص شاعرا وفيلسوفا ابيقوريا  لقيت فلسفته وشعره انتشارا كبيرا لدى مثقفي اليونان والرومان، عكس في شعره ملامح من مجتمعه وعصره وقدم حسب مؤرخي الأدب صورة شبه كاملة عن المجتمع الهلينيستي كما لم يفعل غيره من شعراء عصر. يعتد في شعره بأصوله الشرقية واسلافه الفينيقيين.

[36] ولدت إيرينا Erinna في واحدة من جزر بحر إيجه، ويختلف مؤرخو الأدب على تاريخ ميلادها، لكن اسمها مرتبط بثلاث جزر ديلوس، وتيلوس وليندوس، ويرجح بعضهم أن تكون توفيت سنة 612 قبل الميلاد، وبذلك تكون عاصرت سافو وتعتبر لدى البعض ندا لها وصديقة، بسبب إقامتها فترة من الزمن في ليسبوس. يعتبرها  بعض المؤرخين سورية سلوقية، كما هو الحال بالنسبة إلى ميلياغروس الجداري المولود في جدارا بحوران/سوريا، والمدفون في جزيرة كوس القريبة من تيلوس (أطلق عليها هو وشعراء آخرون لقب نحلة تيلوس) لاسيما أن الجزر التي ارتبط اسمها بها كانت تابعة للإمبراطورية السلوقية التي كانت عاصمتها الأقوى أنطاكية. توفيت إيرينا في مطلع شبابها عن عمر 19 سنة، تاركة وراءها قصيدة ملحمية من ثلاثمائة سطر، لم يبق من هذه القصيدة سوى جزء صغير منها، وبعض القصائد القصار من جنس الابيجراما لا يزيد عددها عن السبع.  

[37]  Tílos (Greek: Τήλος; Ancient Greek: Τῆλος, romanized: Telos) is a small Greek island and municipality located in the Aegean Sea. It is part of the Dodecanese group of islands, and lies midway between Kos and Rhodes.

[38]  لوقيانوس السميساطي Lucian of Samosata was ، من سميساط على الفرات الأعلى، شمال سوريا. ولد عام 125، وتوفي عام 180 أو في 175 م. عالم وفيلسوف وكاتب ساخر  ورحالة، وكاتب من أوائل من كتبوا الروايات باللغة اليونانية، ويعد أشهر المفكرين والفلاسفة وكان ملهماً ومعلماً لكثير من الفلاسفة في عصره. طاف في العالم القديم من سوريا إلى مصر، إلى شمال إفريقيا، إلى جزر اليونان والأناضول، واشتغل مدرساً في أثينا، وموظفاً في الإدارة، ومعلماً في مصر، وكاتباً وفيلسوفاً ومعلم في سوريا. تميز أدبه بحس نقدي ساخر معارض للعسكر في زمن كان كل شيء في قبضة كبار الضباط، ولما كان هؤلاء يكرهون المثقفين ويضطهدونهم، فقد نالهم منه نقداً ساخرا قاسيا. من أشهر أعماله "الآلهة السورية" و"مسامرات الأموات"، و"قصص حقيقية"، والأخير هو أول كتاب في الخيال العلمي في تاريخ الإنسانية، فقد كتب عن وقائع وأحداث تدور في كواكب أخرى غير كوكب الأرض. ينحدر لوقيان من عائلة فقيرة لذلك نجده يتحدث كثيرا عن الفقر والجوع والإهانات التي يلاقيها الفقراء أبدع أدبه بلغة إغريقية ثرية بالمفردات فاستعمل حوالي 10000 آلاف كلمة في كتبه، ويعتقد مؤرخو الادب أن هذا الرقم لم يصله أي فيلسوف اغريقي على الإطلاق عدا أفلاطون.

 [39]  "أنا فينيقي، وسأبقى". بهذه الكلمات أجاب الفيلسوف زينون الرواقي (335-264ق.م) مجلس شيوخ أثينا الذي قرر منحه لقب المواطن الأثيني". ، متمسكا بهويته السورية. احترم الأثينيون إرادته بعد موته وكرموه بقبر وتاج من ذهب، ومشى في جنازته المهيبة، أعضاء مجلس الشيوخ والإمبراطور. ولد في قبرص عندما كانت مستعمرة لتجار أوغاريت وصيدا وصور. كتب على قبر "زينون" قوله: "إن كانت فينيقيا هي موطنك، فإن هذا لا يحط من قدرك، ألم يأت "قدموس" من هناك، ليمنح الإغريق الكتب وفن الكتابة؟".

[40]  بوسيدونيوس الأفامي (135 - 51 قبل الميلاد) رحالة وجغرافي وشاعر ومفكر وفيلسوف سوري من مدينة حماه/افاميا قام برحلات عديدة طاف خلالها الفضاء المتوسطي وتجاوزه إلى بلاد الغالي، وترك لنا افضل مرجع عن حياة السلتيين وعاداتهم. ضاعت جل أعماله وما وصلنا من قليلها هو تلك الاقتباسات عنه من المؤلفين اللاحقين من أمثال ديودور الصقلي (90 - 30 ق.م)، وسترابون (64 ق. م - 24م)، وتاسيتس (55 - 120م) . يصفه تيسير خلف بأنه "رائد فلسفة وحدة الوجود التي نضجت على يد أفلوطين المصري (205 - 270 م" من شعره بترجمة إحسان الهندي " "لماذا وُلدتُ؟ ومن أين أتيتُ؟ ولمَ أنا موجود الآن؟ لست أدري، وكيف لي أن أعلم شيئاً وأنا لا شيء؟ ومع ذلك وُلدتُ، وسأعود ثانية إلى العدم. لا شيء أنا، كذا الإنسان حيثما وُجد، فاملأ الأقداح إذن ودعنا ننسَ، فبالنسيان والنسيان فقط نهزم بؤس هذا العالَم".

يمثل الأميركي فيليب فريمان( 1961)  نموذجا لممارسي نظرية المركزية الغربية في الثقافة، باعتباره بوسيدونيوس، الذي لا شبهة في سوريته، كاتباً إغريقيا، كما جرى الحال مع عدد آخر من أكابر الكتاب والفلاسفة والشعراء السوريين الذين ظهروا في العصر الهيلينيستي لمجرد أنهم وضعوا مؤلفاتهم باللغة اليونيانة المفروضة على مجتمعاتهم الشرقية في المدارس والإدارات في عصرهم. تيسير خلف الذي استندنا إليه في تثبيت جانب كبير من هذه الإشارة يعتبر بوسيدونيوس الأفامي أحد اعظم العقول في التاريخ البشري. واليوم توجد حفرة على سطح القمر أطلق عليها العلماء المعاصرون اسم بوسيدونيوس، تكريما له لكونه أول من قاس حجم القمر، والمسافة بينه وبين الأرض والشمس، وتحدّث عن رابط بينه وبين ظاهرة المدّ والجزر.

[41]  هنا تناص وطباق مع معنى الإسم وإشارة إلى الدلالة.

[42] هو يرحاي بن بربكي التدمري ، ومقبرة يرحاي Hypogeum of Yarhai: نموذج مثالي بارز لهندسة وفنون الدفن الجنائزي عند التدمريين في القرنين الثاني والثالث، مقبرة عائلية تضم رفات أسرة الوجيه يرحاي، بنيت بدءا من 108م. وكانت توجد في الأصل في وادي المقابر في تدمر قبل الكشف عنها وترميمها.نقلت إلى دمشق في 1935 وأفرد لها جناح خاص في المتحف الوطني.

[43]  يصور مشهد الوليمة أو المادبة، نحتاً للشخص الميت (يرحاي) وفي إحدى يديه كاس ومن حوله عائلته في وضعية احتفالية، ويبدو الشخص المحاط بعائلته جالسا مسترخيا على غطاء رخامي لمدفن حجري  يحوي رفات الميت يعكس ثراء صاحب الوليمة. وهو نحت بديع لا تخطيء العين فرادة طرازه التدمري.

[44] أنظر الهامش 34 في ما يتعلق بالجن في عقائد التدمريين.

[45] لونجينيوس: "كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس" "Cassius Lunginus" "220 – 273" فيلسوف سوري ولد وتوفي في حمص تلقى علومه المبكرة في مسقط رأسه. عاصر نشاطه الفلسفي ظهور الافلاطونية الجديدة. من تلاميذه لاحقاً الفيلسوف "فرفوريس" "Phorphyrios"، الحمصي. تجمع المصادر الفكرية الحديثة على أن فكرة السمو التي الذي دعا إليه لونجينوس في كتاباته عن ارتباط الأدب بالحياة لعبت دوراً بالغ الأثر في تفكير لشعراء القرن التاسع عشر في أوروبا، امثال هولدرلين، غوته، هايني،  شيللر وشيللي ووردزورث وكولردج . فلسفياً، يرى البعض أن هيغل ما كان له أن يصوغ فلسفته ذات المنحى (المثالي الموضوعي) لولا أفكار لونجينيوس. وفي الخلاصة، " كان لونجينيوس واحداً من أعظم النقاد الذين عاشوا على الأرض»، حسب فرنون هول في "موجز تاريخ النقد الأدبي". 

[46]  لعب لونجينيوس دوراً بارزاً في حياة الملكة زنوبيا ليس كمعلم لها في الاسكندرية وحسب، ولكن كمستشار خاص استقدمته إلى سوريا واستضافته في تدمر ليكون شريكا فكرياً في إدارة المملكة الشرقية، التي اتسعت جغرافيتها على يدي زنوبيا حتى شملت الأناضول ومصر، وسوف يلقى الفيلسوف مصرعه في حمص مع عدد من كبار الشخصيات السورية بأمر مباشر من الإمبراطور أورليانوس الذي اتهمه بالوقوف وراء مقاومة زنوبيا لروما، والتحريض على الإمبراطوية.

[47] ثمة مراجع تشير إلى أن زنوبيا كتبت في طفولتها سطورا شعرية.

[48]  المقصود أبولودوروس الدمشقي (بالإغريقية: Ἀπολλόδωρος) (بالفرنسية: Apollodore de Damas) وهو معماري ومخطط مدن، نبطي عربي، ولد في دمشق عام 60 م في ولاية سوريا الرومانية، وتوفي في عام 125 م. ارتبط بصداقة مع الامبراطور ترايانوس لما كان يشتغل محاميا في دمشق. استقدمه ترايانوس إلى روما لما صار مبراطورا فبنى له البانثيون ومعالم أخرى منها الجسر على نهر الدانوب، وأرخ لأعماله وأعمال ترايانوس في المسلة الشهيرة في روما المسماة مسلة تراجان.

[49]

[50] الآراميون يعتبرون قوس قزح إلها.

[51] الإشارة هنا إلى الكوليسيوم، وبجواره قوس النصر الذي مرت من تحته عربة الامبراطور أورليانوس  مستعرضاً اسيرته مغللة بسلاسل من الذهب كما تذكر روايات المؤرخين الرومان.

[52] يمكن العودة إلى الإنيادة لفرجيليوس، ولوحة كلود لوران Claude Gellée ("Marine avec les Troyens Brûler leurs bateaux") ، تمثيل زيتي لإقدام النساء الطرواديات على إحراق السفن في الميناء، وأدبيات أخرى مرتبطة بالأسطورة.

[53] هناك ادعاء لا يؤخذ على محمل الجد من قبل بعض أنصار المركزية الهيلينية، يقول بانتماء زنوبيا  إلى المقدونيين، أبرز المعبرين عنه الشاعر السكندري قسطنطين كافافي.

[54] المقارنة هنا بين حق سابور  الذي هزم أمام جيوش تدمر التي قادها أذينة زوج زنوبيا، وغفلة أورليانوس الذي هزمت جيوشه زنوبيا، هي معنى النصر ومعنى الهزيمة، وفي الكيفية التي سيقرأ التاريخ الواقعة. اليوم يمكننا القول إن أورليانوس هو امبراطور بين الأباطرة الرومان، لكن زنوبيا التي مرت كالشهب تحولت إلى رمز شرقي كبير وأسطورة إنسانية عابرة للزمن.

[55]  هل تلاشت زنوبيا، تماما، في تراب روما، ولم يبق من كريات دمها المتمرد النبيل أثر، هل هي شهب احترق، وبات رماداً، أم أن لها من أحد ابنائها نسل استمر بعيداً عن هواء تدمر وتربتها؟ ثمة إجابة عن هذا السؤال نعثر عليها في تلك الإشارات التي أرسلها مؤرخون إيطاليون، عن الأسقف زنوبيوس الشهيد وأخته زنوبيا. وثمة إشارة إلى نقش عثر عليه في روما باسم سيدة تدعى (L. Septimia Patabiniana Balbilla Tyria Nepotilla Odaenatiana) من الواضح أنها حفيدة لأذينة وزنوبيا. ينظر:  Christol 1986, p. 45. & ILS 1202.

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.