أيها الشعراء لا تتخلوا عن الإنسان

الخميس 2021/04/01
لوحة: فؤاد حمدي

                                                                  1

هذه الأسئلة أظنها متغيرة في كل مرحلة من المراحل، لكن ما يشد الإجابات عنها برابط شفاف، مفضوح وسريّ في آن، هو الذات، ذات الشاعر.

الشعر على غير الفنون الأخرى هو الأكثر ارتباطا بذات مبدعه، الشاعر، حيث هو في النهاية شعور، لكن أي شعور؟ ربما هو “الأفكار الواضحة التي تتحول إلى مشاعر” على رأي بارت.

كتابة الشعر  بدأت بالنسبة إليّ ذاتية، وقد أثر في مرحلة ما الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي، بنظرته إلى الشعر والشاعر، وإقراره بضرورة حلول الشاعر الشعري في الكون حتى تتشكل قصيدته، وكأنه نوع من التماهي بين الشاعر ونصه، في “إطلالة على مدار الرعب” كما يرى.

هذه النظرة ربما لم تفارقني، لكن مع تحويرات. مازلت أكتب الشعر لذاتي، لكنني تجاوزتها إلى الآخر، كيوم جديد تزداد ذاتي الشاعرة ذوات أخرى، بشرا وحيوانات وأشياء، ذوات في رحى أحداث لا تنفك تتسارع، أسرع من أسرع فكرة أو لمحة.

أكتب الشعر اليوم ضمن ما يمكن تسميته بمشروع شخصي غير مضمون النتائج، مشروع يحاول أن تكون الذات ومصفاة الوعي وحركات المشاعر وتغير الرؤى أدوات لنص شعري يعبّر عن محيطه، عن تاريخ محيطه، وعن الإنساني بصفة عامة.

لا أؤمن بأن الشعر أفكار مجرّدة، أو استعادة الميثولوجيا كما هي، أو اتباع الشعراء الآخرين وتركيب الكلام عبر اقتباس فج، هو بهذه الطريقة كتابة أخرى غير الشعر. شعر بلا مشاعر بالنسبة إليّ مفرغ من جوهره، وكذا الوعي المطلوب، أو عدنا إلى بكائيات وانفعالات غمرها غبار الزمن.

الشعر في رأيي هو المعادلة بين الفكر والإحساس، يكتبه الشاعر وفق إيقاعه الخاص، ويوجهه إلى تجاوز ذاته بالضرورة.

                                                                 2

أعتقد أنني وصلت إلى تذويب المسافة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، غير معني بالتسمية، ولا بضوابط الكتابة الصارمة، لي ضوابطي الخاصة التي أحاول بلورتها، بينما النقاد غالبا شكلانيون، يتناولون النص من حيث شكله، وزنه، موضوعه، طريقة تشكل صوره، بينما لا يخلصون إلى روحه، إلى الفكرة التي يسعى إلى نحتها، إلى تشكله الكلي كمحسوس له إيقاعه وحياته، وربما هم معذورون في غمر وطوفان من النصوص المدرسية المنتشرة هنا وهناك، وكلها تقول إنها شعر، وهذا حقها طبعا.

                                                                  3

الحقيقة هناك الكثير من الشعراء الذين قدموا للقصيدة العربية وساهموا في فتح آفاقها، لولاهم لما شهدنا قفزة الشعر الكبيرة، التي وللملاحظة ينكرها الكثيرون.

ربما تجارب مثل سعدي يوسف وأدونيس ونوري الجراح وأمجد ناصر ووديع سعادة ومنصف الوهايبي وغيرهم كانت مؤثرة بشكل لافت في الشهد الشعري العربي، والأكيد سيكون للشعر أسماء أخرى

                                                                 4

هذه جملة خرقاء، فالشعر على غير كل الفنون الأخرى متاح للجميع، لا أحد يمكنه منع طفل من كتابة قصيدة لمعلمته، أو مراهقة من كتابة شعر لفتى تحبه، ألخ… القصائد في عموميتها متاحة للجميع، لكن الشعر في جوهره، مكابدة وتجربة تتجاوز الانفعالات، لكن فلنتذكر أنها بدأت منها، مهما بلغ الشاعر من تجربته. يبقى أن فصلا بين الشعر كمشروع وكتابة قصيدة كانفعال، ضروري من قبل النقاد ومن ثم القراء.

أما الشعراء العرب المهمون، فربما غابوا في زخم الشعر الكثير الذي تحفل به مواقع التواصل، لكنهم حتما يستمرون في العطاء.

                                                                  5

ميل الشعراء إلى الصمت قد يكون بسبب تراكم الجراح في نفوسهم وأرواحهم، قد يكون بسبب عجزهم عن فتح قصائدهم أكثر لغرائبية واقع متسارع، قد يكون وقفة تأمل، في النهاية الشاعر اليوم  يستحق الصمت، بل ويكتب به نصه. لكن صمت الشاعر إذا تجاوز نظرته إلى عقله وقلبه، فإنه سيصاب حتما بالتوقف، فالشعر جارحة والجارحة التي لا تستعمل تفسد على رأي جدنا الجاحظ.

أدعوا الشعراء مهما علا الصخب، ومها ضاق بهم السبيل وسط زحام الرداءة، ومها علت أسوار المال والحاجة، ومهما تقلب الواقع إلى العتمة، أدعوهم ألاّ يتخلوا عن قصائدهم في مواجهة الواقع المحبط، ومواجهة الأخطار الكثيرة التي تواجه الإنسان من بيئته المحلية إلى وجوده الكوني.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.