إشراقة البيت
في العادة لا أجلس في البيت كثيراً إلا في السنوات الأخيرة مع التقدم في العمر، عندما كنتُ أقيم في نيويورك كنتُ مشاء كبيراً من مكانٍ إلى آخر وكنتُ شبيهاً بشخصية كوين في مدينة الزجاج في ثلاثية نيويورك لبول أوستر. لكن ما يجعلني أمكث في البيت في هذه السنوات هو القراءة والكتابة وهما عنصران يشكلان الترنيمة الأكبر إخلاصاً في حياتي. في مالمو – السويد المدينة التي أقيم فيها الآن أستيقظ باكراً بين الثالثة والثالثة والنصف وأبدأ بالكتابة، في العاشرة صباحاً أقرأ كتاباً، شعراً أو رواية أو في مجال الفكر والفلسفة والأنثربولوجيا، مع ذلك أحس أن الوقت يقصر يوماً بعد يوم، أعرف أن الظهيرة ستعيد لي كأس نبيذ طيب وأن المساء ينتظرني لأرى فيلماً نوعياً من أفلام الطليعة التي أحبها، خصوصاً بعض الأفلام التي شاهدتها في السينما. حياتي اليومية هذه تجري على خلفية الموسيقى الكلاسيكية أعمال لشوبان أو ماهلر أو بتهوفن أو باخ إضافة إلى الموسيقى الكلاسيكية العربية حينما أستمع إلى أم كلثوم أو عبدالوهاب أو كارم محمود أو عبدالحليم حافظ أو فيروزيات الرحابنة. أزور أصدقائي أحياناً أو يأتون إلى بيتي نتحدث ونشرب وحتى نرقص أحياناً.
أخاف؟ لا أخاف من شيء، أتحرك بحرية أذهب أحياناً إلى حانةٍ وأشرب النبيذ. صحيح أن هناك حالة من الخوف والهلع عند الناس ولكن في المقابل هناك حالة من المبالغة وربما كانت وسائل الإعلام تقوم بهذا الدور، طبعاً هناك نظريات كثيرة حول فايروس كرونا المستجد “كوفيد – 19” بما في ذلك أن الفايروس مُصنّع في مختبرات أميركية أو أوربية أو صينية لا أحد يعرف يقيناً حول الأمر لكنه واقع حال.
علاقتي بالآخر لم تتغير كثيراً زوجتي معي، أما ابنتاي فهما في بلدان أوربية أخرى أطمئن وأتابعهما هاتفياً بشكل يومي تقريباً. لا أشعر بالضعف ولا بالقوة الزائدة فأنا لست سوبرمان على أيّ حال، بل أحسّ بالهدوء والسكينة خصوصاً عندما أقرأ أو عندما أسمع الموسيقى. أراجع نفسي باستمرار قبل أن يدخل العالم إلى هذا النفق الذي يكاد لا ينتهي وأحلم بشكل متواتر، أحلام ليلية أو أحلام يقظة ودون هذه الأحلام والجو الهادئ الذي أخلقهُ في البيت سيكون من الصعب عليّ الكتابة. ودون الكتابة أكون قد دخلتُ في فصل آخر هو الموت. لديّ شغف دائم في وقت النوم فقبل أن تنعس عيني أستحضر الأمكنة الأليفة التي أحبها للنوم. أحب العلية في البيت مثلاً أو الشرفة المغلقة بالزجاج والمطلة على الخارج أو النوم تحت سلالم البيت، إنها بشكل ما عودة إلى جماليات المكان التي ذكرها غاستون باشلار.
أعرف أن الدول الكبرى، القوية تستطيع أن تدبر كل شيء وتفعل ما يحلو لها طالما لن يحاسبها أحد، أما الطبيعة فنعم فهي تتمرد وقد تنتقم. أقرأ الآن رواية الحجلة لخوليو كورتاثار في حوالي سبعمئة صفحة وفي الرواية فصول تتحدث عن التكنولوجيا وكيف تنهض الطبيعة لتعاقب الإنسان الذي يقوم بتدمير هذا الكوكب الذي نعيش فيه. هذه الجائحة وحدها هي المخيلة الكبرى للإنسان وقد أصبحت واقعاً وهي فعلاً تذكر ببعض الأفلام التي شاهدتها حول نهاية العالم لكن هذه المرة في الواقع الحقيقي، فهو أقسى بكثير. صحيح أن العالم شهد من قبل في القرن السابع عشر والثامن عشر جائحة الطاعون وقتلت الكثيرين وهناك السل والحمى الإسبانية إلى آخره، هذه كلها جوائح. بالنسبة إلى الوقت الراهن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث، لكن الأكيد أن الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا هي التي ستتضرر أكثر على المدى البعيد إذا لم يكتشف لقاحٌ يوقف هذا الانتشار وهذا الموت.
نعم أظن أن العلم والتطور الطبي هما الأساس لمعالجة ما نحن فيه وليس الدين ولا الشعوذة والخزعبلات. بالنسبة إليّ شخصياً لن يتغير شيء لكن أجل أظن أن هذا الأمر قد يخلق نمطاً من التفكير يصبُّ في صالح حياة الإنسان أو ربما العكس.