إعادةُ كتابة الأصل
في دلالة الأصل بدءا. يُفهم الأصل عادةً في الإدراك الذهنيّ والثقافيّ العربيّ العامّ، قديمه وحديثه، بالواحد لا المتعدّد، فهو ذلك الثابت الساكن افتراضا لا يقبل العدد أو القسمة: فكرة جُلموديّة لا صلة لها بالجسديّ واللّحميّ(Charnel) الحيّ ورفيف الروح فيه، ذلك أنّه لا وجود لحياة موجود (Etant) إلاّ بنبض الإنيّ(moi) ، هذا الأنا المفرد المنغرس في راهن إنّيته يحمل في عميق ذاته مُجمل تاريخ سلالته. وما الأصل، بهذا المعنى، إلاّ دلالة جينيالوجيّة لموجود حيّ حاضر في الآن والهنا (الدازين [Dasein] بالمفهوم الهيدغريّ)، ويشتمل في عميق ذاته على تاريخه الفرديّ والجمعيّ، فلا هو موجود بمفرد ذاته المطلقة، وإنّما بما هو غيريّ بالقائم فيه المُلازم له، يُحاور به ويتحاور، فينطق ويتكلّم ويتكالم (اشتراكًا في الكلام بما هو أعمق دلالةً أنطولوجيّة من الحوار والنُطق).
لذا جوّزْنا ابتداءً القول بالمفرد (الأصل) والمفرد المتعدّد (الأصول)، وتجميع المُفرد وتفريد الجمع بالوجود المُشترك، شأن أيّ كائن مفرد، فهو المتعدّد في واحد، وشرطُ تعدّده ماثل في واحديّته، وشرط واحديّته محدّد بالانتماء إلى عدد، إلى مجموعة، كتعالُقات الضمائر تفريدا وتجميعا تكلّمًا ومُخاطبة وإسنادا إلى غائب في اشتغال القصيدة العربيّة قديما والنصّ الشعريّ العربيّ، حديثًا(1).
لذا فإنّ الأصل وتأويله أو تأويلاته في مختلف مراحل تاريخ الثّقافة الأدبيّة والدينيّة والفكريّة العربيّة الإسلاميّة موضوع خلافيّ سجاليّ في الظّاهر، إنْ بحثنا في الخصومات الأدبيّة والفكريّة والسياسيّة والأيديولوجيّة، وهو مَجمع قضايا أساسيّة جوهريّة، إذا حوّلنا النظر من الظاهر إلى ”الميتا” حيث يشتغل أدقّ آليّات التفكير والتمثّل والإحساس والتخييل في مجمل وعينا الذهنيّ والثقافيّ العربيّ، سالِفِهِ وحادِثِهِ.
من الأصل إلى الأصول
باختلاف الإنّيّات الفرديّة والذوات الجمعيّة
بهذه الفكرة البدئيّة للأصل تختلف الأصول باختلاف الإنيّات الفرديّة والذوات الجمعيّة، وبها يُحَدّ أيّ موجود عاقل أو موجود لعاقل، كالإبداع الأدبيّ والفنّيّ، نسبة إلى مختلف الفنون، والشعر تحديدا في هذا المقام: الشعر قصيدةً بمجمل تراثها/تراثاتها السالفة، والشعر نصّا بل نصوصا منذ خوض مغامرة كِتابة التحديث في مُوّفى أربعينات القرن الماضي إلى اليوم، بمفهوم الإبدال بنيَةً ودلالةً، أسلوبا وإيقاعا وتصويرًا وإنتاجا للمعنى.
فكما للقصيدة أو النصّ الشعريّ، أيّ قصيدة أو أيّ نص شعريّ، نواته الدلاليّة المرجعيّة (Matrice) الخاصّة الّتي هي بمثابة روحه، ذاكرته، مصدر كيانه الأدبيّ المتفرّد، فإنّ الواصل بين مختلِف الأعمال الشعريّة ضمن تجربة الشاعر الواحد أو عدد من الشعراء في جيل بذاته أو مرحلة تاريخيّة، أصل هو مُختصَر دلالة التجربة الجمعيّة والذهن العامّ وموروث الذائقة والفكر. وموضوع هذا الأصل مُشترك بين أدبيّة الشعر ودلالة التاريخ وتِدلال (signifiance) الوجود وحُضوره في القصيدة قديما والنصّ الشعريّ حديثًا عميقُ التدلال إذ يسكن بنية القصيدة أو النص الشعريّ ويستلزم البحث في آثاره الدلاليّة جهدا كبيرا في تعقّب أدقّ تفاصيل العلامات الدلاليّة (Sémanalyses) حيث أنباض التناصّ العميق تُضمِرُ أكثر ممّا تُظهِر.
وإذا جسد العمل الشعريّ نسيج دوالّ حِيك بالمختصر المكثّف اقتصادا لسانيّا، وحيث يمثّل أصل الكينونة الأوّل الّذي يُكسب أنا – الشّاعر وأنا – القصيدة أو النصّ الشعريّ معًا معنى البدايات الأولى وعيًا بدائيّا منذ لحظة ”النظر” الأولى ”إلى الأعلى” وتشكّل ثالوث الإشارة والأيقونة والرمز وبدء تمثّل العالم بمختلف أشيائه والاقتدار الناشئ على التمييز بين الشيء في ذاته (noumène) والظاهرة (phénomène) وإدراك معنى الوجود قياسا باللّاوجود، كالمتضمَّن البدئيّ العميق في قصيدة بارمنيدس الفلسفيّة الخالدة.
هو الأصل الأوّل المُشترك بين جميع البشر منذ أن بدأ وعيٌ وتمتماتُ حروف ثمّ نُطق فكلام فتفكير فترنيم فغناء فرقص فحركةُ دورانِ جسدٍ حيّ داخل المكان (النهائيّ) وتواصُلا أبعد من الحِسّ مع العالم والكون (اللاّنهائيّ) تُحيلُ إليه كلّ الأصول بمُختلف الهُويّات وبتعدّد الأمم والشّعوب واللّغات والثقافات والأذهان والتجارب والأذواق.
وإنِ اتّصف الأصل في ماهيّته الظاهرة بالواحد فهو وليد عدد، كما أسلفنا، وظاهرُهُ الواحديّ يُخفي مُتعدّدًا لكونه ناتجا عن تفاعلات عناصر كثيرة وانتظامه أو تماثل وجوده (هويّته) هو المدفوع أيضًا بالعدد المُتولّد عنه، لذا فلا اقتدار لهذا الجوهر – الأصل على التماثل إلّا بالاختلاف، ولا نزوع في ذاته إلى الاختلاف إلّا بمدى تناظمه الخاصّ.
إشكاليّة تحديد الأصل
بمُفرد الأصليّة وثابت البدئيّة
لا مكانَ لمعرفةِ بدئيّةِ الأصل، وأيّ أصل، إذْ لا بدايةَ له ثابتة حَديّة، كالقصيدة تحمل في ذاتها معالم هذا الأصل الأوّل الافتراضيّ الخفيّة ببدايات وعي للمكان والكيان تُحيل إلى أوائل أخرى أبعد في الزمن الكينونيّ، كمكانيّة الصحراء وكيانيّتها الضّاربتين في الأبعد قَدامةً.
وما الأصل الّذي نروم الإلماح إليه في هذا المقال إلّا بدايات الوعي الكينونيّ شعرا بالمشترك بين مختلف الإنّيّات الشاعرة ضمن مشترك هُوَوِيّ بمفهوم الواحد غير المكتفي بواحديّته المُنفتح بمفرد هويّته على هويّات الآخرين في مختلف مراحل تاريخ الشعر العربيّ بأنساقه التكراريّة وإبدالاته التحديثيّة ومُختلف تفاعلاته تناصّا عميقا بين ما هو عربيّ وفارسيّ وأمازيغيّ وكرديّ وهنديّ وآراميّ ويونانيّ ولاتينيّ وأوروبيّ، نسبةً إلى مُختلف الثّقافات الأوروبيّة، وأميركي وأميركي لاتيني وسواه بما قضى واحديّة هذا الأصل وتعدّده الديناميكيّ في الدّاخل (داخله).
إنّ الأصل، تحديدًا بالشعر العربيّ، هو المفهوم الّذي يُمثّل مجمَع القضايا الأسلوبيّة والدلاليّة والتدلاليّة عبر مختلف مراحل تاريخ هذا الشعر، بالتكرار والتغيّر داخل تجربة الشاعر الواحد أو ضمن تجربة جيل من الشعراء أو تجربة مرحلة تاريخيّة إبداعيّة شعريّة في المسارّ الإبداعي الأدبيّ والفنيّ العامّ حيث تتعالق أدبيّة القصيدة ثمّ النصّ الشعريّ مع الفنون الأخرى المتكرّرة المتغيّرة هي الأخرى، كإيقاعات الجسد الراقص قبل الإسلام استدلالا ببحر الرمل المستوحى من رقصة كانت للمناكب أشار إليها نقّاد الشعر العربي القدامى، وكعجائبيّة السرد الحكائي يسم عددا من أجواء القصائد ماقبل الإسلاميّة ثمّ قصائد صدر الإسلام، وتأثير الأمثال والحِكم وقصص المغامرات العشقيّة والأحلام والأوهام والاستهامات وأحلام اليقظة والوساوس وتداعيات الحال الهذيانيّة أحيانا والتأمّلات في الكواكب والنجوم، وكتأثير الموسيقى والرسم والمسرح والسينما والثقافة الرقميّة في أساليب الثقافة الشعريّة اليوم.
وإذا أصل الشعر العربيّ موصوف تقريبا بماهيّته المُتماثلة واللّامتماثلة في اشتغال القصيدة قديما.. واللّاتماثُل هو الصفة الأبرز في صلتها بالتّماثل في اشتغال بنية النصّ الشعريّ العربيّ حديثًا منذ مغامرة التحديث الرومنسيّ وما عقبه من ابتكار أساليب وإنتاج معانٍ جديدة وتنويع طرائق التصوير والأداء الإيقاعيّ شِعْرًا.
في تاريخيّة أصل الشعر العربيّ شبه الغائبة
ما الّـذي به يتّصف راهن الكتابة الشعريّة العربيّة وصلا بين السابق واللاحق بمُختصر التجربة الشعريّة العامّة، بما كان ويكون وما قد يكون مُستقبلاً؟ وهل تتعارض روح تحديث الكتابة الشعريّة منذ مُوفّى أربعينات القرن الماضي إلى اليوم مع روح القصيدة العربيّة بمُجمل تراثها/تُراثاتها أم هو تواصُل الانقطاع بما يُثبت واحديّة الأصل المُشترك وتعدّد أنساق دَوالِّه و دلالاته و تدلاله، عبر مُختلف التجارب الشعرية الفردية والجيليّة والمرحليّة؟ وهل للغة الشعر تواصُلا مع اللغة العربيّة ما له صلة وثيقة بهـذا الأصل الواحد المُتعدّد، كأنْ تتماهى إيقاعات اللغة وإيقاعات الشعر تآلفا واختلافًا إبداعيّا؟
هـذه الأسئلة وغيرها تُنبّه إلى شبه غياب تاريخ خاصّ حدّ اليوم للشعر العربي، قديمه و حديثه، ضمن تاريخ أدبيّ و فنيّ، وثقافيّ عامّ. هذا ما يُعوز الفكر والفكر النقديّ العربيّ، رغم وفرة الدراسات والبحوث في نقد الشعر العربيّ، قديمِه و حديثِه، إذِ الغالب على مُنجزها، في تقديرنا المُتواضع، هو تجزئة المواضيع والقضايا مع شبه غياب كامل لمنظومات وأنساق معرفيّة شاملة وذلك لاعتماد التوليفيّة (éclectisme) منهجًا سائدًا والمُراكمة المعرفيّة المُطمئنّة في جامعاتنا ومراكز بحثنا للوصفيّة بجاهز المفاهيم و المناهج ومُسبقها. وبهذا التمشّي الغالب سُهولةٌ في التفكير النقديّ و استسهالٌ منهجيّ مُتّبعٌ يذهب مذهب التعسّف على أرواح النُصوص وأنباض معاني الحياة فيها بإخضاعها لمقولاتٍ نقديّةٍ مُتنافرةٍ تُستخرجُ من مظانّها الأصليّة عادةً.
فغياب تاريخ هذا الأصل المرجعيّ هو “غياب المُستقبل الماضي”، بمُصطلح رينهارت كوزيلاك (Reinhart Koselleck)، المُفكّر الألمانيّ المُختصّ في سيمانطيقا التاريخ (2).
الوهم الموروث: معيارٌ جاهزٌ لنقد الشعر
إن لماهيّة الأصل في تحديد ماهيّة الشعر عبر مُختلف أطواره التاريخيّة الخاصّة ما يُفارق بين فهم شبه ثابتٍ قديم له بمُختصر لفظ “المعيار”، كالوارد المُتكرّر في أعمال نُقّاد الشعر العربيّ القُدامى (3) وبين فهم مُحايثٍ سياقيّ آنيّ مُختلف باختلاف الملفوظات والذوات القارئة آن تحويل “المعيار” الواحد المرجعيّ إلى شبه معايير مُختلفة في تقبّل جماليّة النصّ الشعريّ ذاته و البحث في اشتغال بنيته الحديثة بما يختلف عن نظرية النَظْم القديمة. وإذا الأصل، بناءً على السابق، هو مفهوم يختصر ويختزل قيمًا جماليّة ودلاليّة مرجعيّة تُفارق في سيرورة النَظم ثم الكتابة الشعريّة، بحركة الالتفات والتكرار وإبداع الاتّباع قديمًا، وبحركة التمدُّد حدّ التبدُّد المجازي أحيانًا و توسيع مجال أسلبة (stylisation) الشعر بمُتعدّد أساليب الكتابة الأدبيّة الأخرى آنَ استقدام أنواع السرد الأدبيّ ومجازات الفنون الأخرى إليها وتحويل أفق القصيدة من الالتفات إلى الاستقبال، ومن الاستذكار براهن الحال إلى الاسترهان (من الراهن) العميق يصل بين ضُروب شتّى من التنادي والتصادي (ذاكرة النصّ ذاته و إبداعيّة نِسيانه) وبين الاستباق (التناصّ العميق لأفق القراءة و المُنفتح وإمكان الفهم و استحالته).
تمثُّل الأصل بين “المنطق الثنائيّ” و”المنطق الثلاثيّ“
فأصل الشعر هنا هو من أصل القصيدة/أصولها الضاربة في القِدَم بعميق حال اللّغة وتحوّلاتها البطيئة أحيانا والسريعة المفاجئة أحيانا أخرى ضمن سياقات الأداء الشعريّ تحديدا؟
ومفادُ هذا الأصل أيضا هو محصّل آثارها الأسطوريّة القديمة والدينيّة والقيميّة الأخلاقيّة والجماليّة، وفق مُعجميّة اللّفظ الخاصّة شعرًا، ونحويّة الجملة الشعريّة وتجاور دوالّ الألفاظ صورا تشبيهيّة واستعاريّة وكنائيّة، إذا الأصل/الأصول بخصوصيّة الأداء الشعريّ تحديدًا هو ما تُعبّر به ذات الشّاعر المفردة وعيا دالّا عن فائض وُجودها السياقيّ، ولا وعيا بما يحضر غيابا من كثافة خبرة جماعيّة موروثة مُتوازنة، وبالمتّفق عليه ذهنا وثقافةً وتثاقُفا في وقائع التسمية.
وإذا الأصل، بهذا المنظور، يُمثّل مفهوم المفاهيم الكبرى المرجعيّة، كأن يختصّ به الشعر في المقام الأوّل، لمكانة الشعر بعد القرآن في تعيير الجماليّة الأدبيّة ضمن التراث النقديّ العربيّ بمُختصر الأحكام الثلاثة: ”جيّد ومتوسّط ورديء” (4) استنادًا إلى ثنائيّة الشعر والنثر بعد القرآن الّذي تنزّل في المقام الأوّل لاشتغال معيار الجماليّة الأدبيّة، يليه الشعر الجيّد فالنثر الجيّد ثمّ الشعر المُتوسّط الّذي يقترب في القيمة الجماليّة من النثر الجيّد، ويلي ذلك النثر المتوسّط فالشعر الرديء وصولا إلى النثر الرديء، آخر مراتب سلّم القيمة الجماليّة الأدبيّة (5).
وكما تُحدّ القيمة الأخلاقيّة بمُزدوج الخير والشرّ في المنظومة العقديّة الإسلاميّة تُضبط القيمة الجماليّة الأدبيّة بمُختصر ثُنائيّة الشعر والنثر، إذ يشتغل بالمنطق الثنائيّ (binaire) ذاته المعيّن تقييدا بالواحد في الأصل والمرجع معيار القيمة الجماليّة بأفعل التفضيل تكرارا مفهوميّا وأداءً إجرائيًّا، كتفضيل الفصيح، “أدب السِفلة”. وبالمنطق الجازم ذاته ينتصر الناقد لِشاعِر على آخر ببيت شعريّ واحد أحيانا أو ببعضٍ من بيت، كصورة شعريّة موْقعيّة واحدة، في حين يشتغل منطق مُختلف آخر في اللّاحق من تاريخ تلقّي الشعر باعتماد قياس ثلاثيّ(trinaire) يفكّ طوق الواحد ويذهب إلى التكثير مُنفتحا على آفاق جديدة للكتابة الشعريّة والتقبّل.
نواة الأصل الدّالة عليه
فما الّذي يكون به الأصل أصلا؟ هل بنواته الخاصّة الّتي بها نُدرك ماهيّة الأصل؟
ما يُراد قوله هنا بالنواة تلك الدلالة شبه الثابتة المرجعيّة تتنزّل في صميم هويّة الشيء، الكائن، إذْ لا وجود للموجود إلّا بها، كالأصل/النواة في الشعر العربيّ، والدلالة المرجعيّة تحديدا موقعيّا سياقيّا في صميم بنية القصيدة أو النصّ الشعريّ وتبنْيُنه (structuration) الخاصّ أداءً (énonciation) لملفوظ (énoncé) وملفوظا لأداء.
وتخصيصا بالقصيدة قديما وتلقّيها النقديّ يُثار إشكال النظر التشميليّ الإطلاقيّ ليحجب حقيقة المتعدِّد في الأصل والمرجع، كأن يحرص نُقّاد الشعر والفقهاء على تسكين الأصل المرجعيّ بالواحد في حين يلتقي بذات القصيدة الواحدة خارج أحكام “المعيار” الجازمة قديما آثار ذاكرة شعريّة ضاربة في أعماق الماضي السحيق وتأثيرات معتقدات أسطوريّة ودينيّة مختلفة من وثنيّة وإسلاميّة ويهوديّة ومسيحيّة ووضعيّة وعقليّة وغيبيّة ومتصوّفة وغيرها، كما تلتقي في ذات الفكرة الواحدة فقها اجتهاديّا وسِواه أو فلسفةً عددٌ من أفكار تحوّلت من مظانّها الأولى إلى نواة تلك الفكرة بِفعْل توليدٍ استبْصاريٍّ حادث.
وإنِ انصبّ اهتمام النقد العربيّ التراثيّ العام للشعر على ردّ المتعدّد إلى واحد بثابت فهم الأصل وساكن المِعيار فقد ذهب نقد الشعر العربيّ المعاصر مذهبًا مُغايرًا، رغم عديد مآزقه المفاهيميّة وتعثّراته المنهجيّة، وذلك بالسعي إلى فهم جديد للأدبيّة ولتجربة الكتابة ذاتها، بمنظورٍ آخر جديد للزمن التاريخيّ الأدبيّ وللزمنيّة الإبداعيّة.
إلاّ أنّه في المُشترك بين تلقّي القصيدة قديما والنصّ الشعريّ حديثًا يقف العمل النقديّ عادةً على مشارف تُخوم الملفوظ الشعريّ بمُسبق حُكم القيمة في السالف، ومُسبق المقولة النقديّة وجاهزها في الحادث ليتأكّد لدينا أنّ للفكر والفكر النقديّ العربيّ استمراريّتهما بالنقل والمُراكمة وردّ المُتعدّد إلى واحد وتسكين المُتحرّك والتعسّف على خصوصيّة الملفوظ، نواته، أصليّته.
إمكان كتابة تاريخ الأصل
المرجعيّ بالزمنيّ والتزامُنيّ
إنّ تاريخ الأصل الّذي نحتاج إلى كتابته في الراهن والمستقبل تخصيصا بالشعر وتشميلا بالفكر العربيّ هو الّذي يبحث في مفهوم الأصل ذاته بمختلف أطوار التفكير فيه وتأويلاته المتلاحقة بالسيرورة الزمنيّة (diachronie)وبالزمن الطويل المدى الّذي به نكشف عن حركة التعدّد داخل منظومة الواحد تخصيصا بالخطاب الشعريّ وخطاب نقده، والخطاب الأدبيّ المُتعدّد عامّة، والخطاب الفكريّ بصفتيْه النقليّة والعقليّة، مثلما يُخاض بحثا في مختلف أبنية هذا المفهوم وتنوّع تمظهراته الأسلوبيّة والدلاليّة والتدلاليّة بمنظور التزامُنيّة(synchronie) .
إلّا أنّ هذا النوع من البحث صعب، وسبيله محفوفة بالمخاطر، ونتائجه غير مضمونة، وإنْ به نُحقّق نَقلة معرفيّة مُستقبلا تفكّ عنّا أسر الأصل الواحديّ وتحرّرُنا من طوق التكراريّة والماضويّة والتلفيقيّة المعرفيّة والخمول الفكريّ لنعِي البعض الكثير من واقع كينونتنا الراهنة ونفتح بأسئلة الراهن (راهننا المعطّل الكارثيّ) ماضينا الحابس الحبيس على المستقبل، ونستضيء في الأثناء بأرواح النصوص الشعريّة النابضة حياةً وبالوقائع قبل الأفكار ونستعين أيضَا بالأفكار على الوقائع تفاعُلا دياليكتيكيّا مُخصبَا بين هذه وتلك.
فانتهاج سبيل التقاطع بين الزمنيّ والتزامنيّ من خلال قراءة النصوص الشعريّة والنقديّة لها، تخصيصا بمجال البحث في الشعر العربيّ، هو الأفق المُمْكن نحو معرفة جديدة لهذا الأصل بإخراجه من دائرة الواحديّة والتكراريّة والالتفات والمُراكمة.
واشتغال الأصل/أصلنا بالمُختلف مفهوما بين المحافظة على قديمه المُتقادِم والبحث عن جديد له هو في صميم تنوّع الكتابة الشعريّة بالصدام حينا والتَعايش تزامنا حينا آخر بين مختلف أساليب الكتابة الشعريّة واتّجاهاتها، فلا حسْم إلى اليوم بين قصيدة التفعيلة وما سُمّي “قصيدة النثر” على سبيل المثال، قِياسًا في المجال الفكريّ على التصادم والتعايش بين الأفكار السلفيّة والأفكار الحداثيّة، وفي المجال السياسيّ على ما تشهده مُجتمعاتنا العربيّة من تغالُب بين قُوى دفْع وقُوى جذب في مراحل لا يتحقّق فيها الحسم في هذا الاتّجاه أو ذاك.
وإنْ عدنا إلى واقع التكراريّة في اشتغال مفهوم هذا الأصل عبر مختلف مراحل التاريخ العامّ تبيّن لنا تشابه ما كان ويكون اليوم، وإنْ بأوضاع وسياقات زمنيّة مُختلفة، كجرير والأخطل والفرزدق ثمّ المتنبّي في اتّجاهٍ، وبشّار وأبي نُوّاس وابن الرومي، على سبيل المثال لا الحصر في اتجاهٍ آخر، هذا في السالف، وكأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد حلمي عبدالباقي ومحمّد مهدي الجواهري، من جهة، هذا في اللّاحق، وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وأبي القاسم الشابي، من جهة ثانية، وبمُتَدَاول الاختلاف منذ مُوفّى أربعينات القرن الماضي إلى اليوم بالتلازُم المُفارق بين شعراء القصيدة العموديّة والتفعيلة و”قصيدة النثر”.
وكما يتّصف تاريخنا العربيّ العامّ وتاريخنا الثقافيّ الخاصّ بزمنيّة البُطْء لتأثير الأصل الواحديّ المُتكرّر المُتردّد بين الجذب والنبذ فيه، بين الاندفاع والتراجُع مُقارنةً. بعدد من تواريخ أمم أخرى ثقافيّة يتّسم فكرُنا و فكرُنا السياسيّ و الاجتماعيّ بالانحباس داخل فضاء مُغلق لا يُراوِح موقعه بين واقع سُلطة بطْركيّة وبين الرغبة في الانعتاق. و لعلّ الشعر هو المجال الأدبيّ الأكثر انفتاحًا في الداخل على واقع هـذه الحال من تراخي الحركة اختلافًا مع خطابات القول الأدبيّ و الفنيّة الأخرى.
إنّ أنا – القصيدة ثم أنا – النصّ الشعريّ هو من الذات الفرديّة والجمعيّة، بما يُعبّر عنه لسان حالها وحاله تعاقُبًا زمنيّا (دياكرونيا) من أصل يُروى وهمًا بالساكن ويقظةَ وعي بالمُتحرّك، لتظلّ لعبة الضمائر في القصيدة، كما في النصّ الشعريّ لاحقًا محكومةً بهذا الأنا المُزدحم والمُسيّج وُجودًا بذات المجموعة قبيلةً أو طائفةً دينيةً أو قوميّة أو حزبًا سياسيّا. وإنْ حرص أنا – القصيدة أو أنا – النصّ الشعريّ على الخروج عن أحكام القيمة الأخلاقيّة أو الجماليّة بتأثير السائد الموروث المُتوارث حَدَث الرفض إفرادًا، كدلالة “الإفراد” في إحدى قصائد طرفة بن العبد الشهيرة.
أصل/لوغوس والمُشترك القائم بينهما
للأصل، بناءً على السابق وآن مُحاولة تفكيكه، لوغوسٌ خاص، وهو كأيّ لوغوس قائم على مُزدوج الكلام والعقل. وأداءُ اللّغة عامّةً وأداؤُها بمخصوص الشعر هما أداءٌ للوغوس خاصّ بـذاكرة لها مخزونها العميق التُراثي، وبالحادث من الوقائع و الحالات و الدوال عليها.
فللّغة و لغة الشعر العربي، قديمه و حديثه، لوغوس واحد مُتعدّد يُؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ اقتدار اللّغة تشميلا وتخصيصًا على الاستمرار في البقاء و التنامي بمدى فاعليّة الاشتقاق والنحت والترادُف وأوساع الاستعارة والتشبيه والكناية الدلاليّة، وبمدى تنويع المُجاورات اللفظيّة و التركيبيّة النحويّة و تجدّد إحداث البراديغمات المُقارِبة للحالات والمواقف، والتوليد الإيقاعيّ عبر تاريخ الشعر العربيّ بما هو صوتيّ سماعيّ، وابتكار الصُور بالصفة الموقعيّة أو العُنقوديّة الّتي تشمل مجمل بنية الملفوظ الشعريّ، وبالقطع في حركة اطّراد الحركة الشعريّة أو التدوير، وبالتشكيل الحروفيّ أو التكثيف الدلاليّ بما يُقارب بين الشعر والفلسفة في سالف الشعر العربيّ و حادثه.
إنّ لوغوس هذا الأصل/الأصول واحد مُشتركٌ، وإنْ بذوات شاعرة وأجيال وأزمنة تاريخيّة وتمثُلاّت ووسائل تعبير وأنظمة إيقاعيّة وأنساق تصويريّة مُختلفة.
وهو لوغوس يبدو أكثر تحرّرا في الشعر منه في فنون أخرى، لما يُمثّله الشعر من هامش للحُريّة يحتاج إليه جميع الأفراد للتنفيس عن كربهم من قهر السلطتيْن الدينيّة و السياسيّة. وليس أدلّ على هـذه الحال من احتفاء الفقهاء قديمًا بالشعر والشعراء.
وما يصطدم به لوغوس الأصل من قُوى جذب ومنع وتحريم بمُعلن السُلطة الصريح المُباشر يتّسع هامش حُريّته بما يسم القصيدة قديمًا والنصّ الشعريّ حديثًا من تحرّر قوليّ وتوثّب غنائيّ. وبهذا الهامش من الحُرية في اشتغال لوغوس القصيدة ثمّ النصّ الشعريّ يكتسبُ الأصل قُوّة اندفاعه ولا يكتفي بظاهر أصليّته، إذْ يُضمر عميق روحه المُتوهّجة المُبدعة، بمفهوم “الشعريّ (dichten) (6) الماثل في الشعر مُثُولَه في اللّوحة و العمل المسرحيّ والشريط السينمائيّ والرقص التعبيري والأغنية والمنحوت وغيرها من الأعمال الفنّيّة، بما يُؤجّج ما يُشبه حالةً عِشقيّة عند التلَقِّي.
الأصل/الأصول بين النقد والقِراءَة
تضيق المسافة وتتّسع بالنقد والقراءة، بين أداء النُخبة “العالمة” المُختصّة وبين تقبّل الجمهور الواسع. إلاّ أنّ دائرة تلقّي القصيدة قديمًا هي رهينة النُخبة، أيْ مجموع نُقّاد الشعر من المُختصّين الّذين أفادوا المشهد الشعريّ العربيّ العامّ عبر مُختلف المراحل التاريخيّة في اتجاهٍ، وأضرّوا به في اتّجاهٍ آخر، إنْ تعلّق الأمر بتسكين الأصل المرجعيّ في واحد اختصروه اختزالاً مُتعسّفًا أحيانًا كثيرة بـ”المعيار” وأخضعوه قسرًا للانتماء المذهبيّ الدينيّ والسياسيّ، فانتصروا غالبا لغرض المديح على غيره من الأغراض الشعريّة و خفّضوا جماليّة الشعر إلى مُستوى أداء النظم بمجموع سُنن شبه ثابتة مرجعيّة حدّ الجمود أحيانًا. وقد استمرّ تسكين المُتحرّك وتفريد المُتعدّد لدى “نُقّاد” الشعر اليوم من أساتذة الجامعات العربيّة و تُبّاعهم ممن واصلوا نهج النقل و الاتّباع القديميْن بمراجع حديثة، جُلّها مأخوذ من ثقافة الغرب النقديّة الأدبية، وبأسس ومراجع فكريّة غربيّة أيضًا تتعسّف أحيانًا كثيرة عند استخدامها الحرفيّ على أرواح النصوص الشعريّة المقروءة. إلاّ أنّ مفاهيم القراءة الجديدة وآفاق انتظارها الديناميكيّة المُستقبليّة ما قد يُفيد الاستقبال النقديّ العربيّ للشعر اليوم لو أحسنّا استخدام طرائقها التفاعليّة التشارُكيّة بين ذات المقروء وذات القارئ وأنهينا العمل بالقول الواحد النهائيّ الفاصل لصالح التعدّد القِرائيّ وتشريع المُقاربات بدلا عن ثابت الحكم وواحديّته.
فإنْ نَزَع النقد عامَّةً في مختلف الآداب والفنون والثقافات ونقد الأدب والشعر في الثقافة العربيّة إلى تسكين الأصل في واحد باسم الموضوعيّة والأداء العلميّ وصرامة المنهج، وما إلى ذلك من مُبرّرات استخدام سلطة الناقد المُتعسّفة على النصّ باسم العِلمويّة (scientisme) ودوغما الشكلانيّة والبنيويّة (7) فقد ذهبت القراءة إلى ما هو خارج عن ثابت النسق بمفهوم آخر للمُسبق الماقبليّ (à priori) الّذي هو الماقبليّ الإيجابيّ، على حدّ عبارة هانز جورج غادامير (Hans Georg Gadamer) الّذي سُرعان ما يُتجاوز بماقبليّ آخر إيجابيّ، فلا يُكرّر بذلك اللّاحق سابقه و لا يتكرّر به (8)، لتتّصف القراءة، أيّ قراءة، بمشروعيّة الفهم لا ثابتة، وبالمنفتح أفقا للقراءة/القراءات باللّانهائيّ.
من قبيل الاستنْتاج والخاتمة
إنّ في غياب تاريخ عامّ للشعر العربيّ وتلقّيه عبر مختلف الأطوار الكبرى، وتخصيصا بمفهوم الأصل/الأصول وتواصلا بين التعاقبيّة الزمنيّة (diachromie) والتزامُنيّة (synchromie) كما أسلفنا، ما يُساعد على استمرار سلطة نقد النخبة المتعسّف على تعدّد النصوص الشعريّة وتنوّعها، المُنتصر لثابت الأصل الواحديّ، وتكراريّة الحُكم الجازم بما يُشبه مُطلق القيمة الّتي تحجب عدَدًا من التجارب الشعريّة المتفرِّدة وتدفع القراءة/القراءات إلى الهامش (9).
فكيف نُحرّر هذا الأصل مفهوما مرجعيّا من واحديّته المطلقة وتكراريّته؟ كيف نتعقّب دوالّه ودلالاته وتِدلاله عبْر مختلف مراحل تاريخ الشعر العربيّ؟
مَهمّة جسيمة ندعو أجيال الدارسين والباحثين العرب وغيرهم مستقبلا، بتواضُع، ضمن دراسة مفهوم الأصل واستتباعاته في الفكر العربيّ حَدّ اليوم، إلى الاضطلاع بها.
مَهمّة قد سعى إليها، لا شكّ، أدونيس (عليّ أحمد سعيد إسْبر) في “الثابت والمتحوّل” منذ عقود، كما قارب ضخامة مشروعها في ما أنجزه من مُختارات شعريّة تراثيّة، فحام فكره حول مفهوم الأصل، وهو إنجاز ضخم في السابق، من غير النفاذ إليه، في تقديري، إذْ قد يعني هذا الأصل لديه “الثابت” لا “المتحوّل” في المقام الأوّل، في حين أنّ مفهوم الأصل الّذي نعنيه، الآن، هو ثابت ومُتحوّل معًا، أي ثابت بمدى تحوّله و مُتحوّل بمدى ثباته، ليُقاس مُقارنةً بأزمنة “أصول” من ثقافات إنسانيّة أخرى.
ولأنّنا أمّة شعر ولا نزال بذائقتنا الأدبيّة والفنيّة الخاصّة والعامّة، رغم ما قطعناه من أشواط كبرى في عالم السرد الحديث والمسرح والسينما وغيرها من الفنون والعلوم الإنسانيّة، فإنّ البحث في سيمانطيقا الأصل/أصلنا يستلزم منّا التوجّه إلى إعادة طرح سؤال الشعر والشعريّ موْصولا بالأصل المرجعيّ العامّ. وبالسعي الجادّ إلى الإجابة الشافية الضافية عليه يُمكن لنا النفاذ إلى عميق فكرنا الجامع، إذْ في الحال الشعريّة الّتي بها كُنّا ونكون لاعبيّة ضمائر واشتغال هُويّة وذهن وسلوك فرديّيْن وجمعيّيْن وقُوى نبْذ وجذْب، واندفاع وارتداد بما قضى ولا يزال المباطأة والالتفات والتكرار وإرجاء التقدّم.
ولعلّ في الأصل/أصلنا بالشعر تحديدًا وبتاريخيّته العامّة نُدْرك البعض الكثير من أدقّ خُصوصيّتنا الثقافيّة مُقارنةً بخصوصيّات ثقافيّة لأُمم أخرى، كالفلسفة لدى الإغريق القُدامى ومآلاتها في الثقافات الغربيّة.
لِنعُدْ إلى لوغوس الشعر، شعرنا لنستضيء من خلال مُنجزه بسالف اللّغة/لغتنا وحادثها، وبما كان من قديمه على حديثه، إذْ للكتابة الشعريّة المعاصرة، رغم كثرة تجاربها وتنوّعها، ما له صلة وثيقة بسيرورة اللّغة ولغة الشعر السابق، مكتبته المُزدحِمة بالمراجع، ذاكرته القديمة والحادثة، آفاقه المستقبليّة، مختلف أساليبه وروّاده، فكيف نحرّر الأصل، وأصل الشعر تحديدا، من مُطلق المفهوم بمخصوص الدَوالّ والدلالات والتدلالات تعاقبا زمنيّا وتزامُنا؟ كيف نُخلّص هذا الأصل من مُسْبق المثال بفهم جديد للـ”تجربة”، بما يُحوّل التفكير فيه من سلطة الماضي المُنقطع عن مُستقبله إلى المستقبل، وبأسئلة الراهن، الآن وهُنا؟ كيف ننتهج سبيل “المستقبل الماضي”، بالمشترك بين تجربة الماضي وأفُق المستقبل، وذلك بإرادة التَجاوُز، التقدُّم؟
الهوامش
1- بحثنا في إنتاج المعنى الشعريّ قديمه وحديثه بعَدَدٍ من المُؤلَّفات، نذكر منها: “نداء الأقاصي، القصيدة والتأويل”، تونس: دار المعارف(2004) و “مرايا العتمة، قصيدة النثر ومُستقبل الشعر العربيّ”، تونس: نقوش عربيّة (2009) و “رحيل المعاني، الحداثة وإعادة كتابة الأصل/الأصول في الشعر العربيّ المعاصر، تونس: دار ديار النشر (2020).
2- Reinhart Koselleck، l’experience de l’histoire »، Gallimard 1997، et « le futur passé، contribution à la sémantique des temps historiques »، France : Editions des hautes études sciences sociales، 1990.
3- كأن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ابن طباطبا وقدامة بن جعفر وابن قتيبة والجرجاني وابن المعتز وابن رشيق..
4- مصطفى الكيلاني، “في الميتا-لغويّ والنصّ والقراءة، تونس: دار أُميّة للنشر، 1994.
5- ابن رشيق القيرواني، “كتاب العُمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعُيوبه”.
وقد جسّدنا هذا السُلّم القيميّ بحرف T اللّاتيني مائلا. اُنظُرْ كتاب “في الميتا-لغويّ والنصّ والقراءة!”.
6- Martin Heïdegger، «Approche de Hölderlin »، Gallimard،1962.
7- ليس أدلّ على خَوَر هذا الادّعاء الدوغمائيّ النقديّ ممّا توصّل إليه تزفيتان تودوروف في ثمانينات القرن الماضي وإعلانه بـ”نقد النقد” انتصاره المُطلق لحُريّة القارئ والقراءة، في حين أصرّ مُدرّسون ونُقّاد جامعيّون عرب إلى اليوم على الاستمرار في نهج الشكلانيّة والوصفيّة وليّ أعناق النصوص بمسبق المفاهيم والمقولات النقديّة المجتثّة من مَظّانّها المعرفيّة الأصليّة.
8- Hans Georg Gadamer، ‘’Vérité et méthode’’(les grandes lignes d’une hérméneutique philosophique، Seuil، 1976.
9- القراءة، هُنا في الأداء، هي قراءات: قراءة الجميع بذائقة عامّة، نراها متراجعة اليوم، تُساوي بين عموم القُرّاء، وقراءة إعلاميّة مختصّة، تُقدّم النصوص الجديدة المتميّزة عادة للقُرّاء وتُحفزّهم على القراءة، وقراءة مؤسّساتيّة في سياق بحثيّ جامعيّ أو ما شابه، وهي تقترب في الأداء الجامعيّ العربيّ من وظيفة الناقد القديمة.
ناقد من تونس