احتفاء بمئوية محمد ديب: قصائد مجهولة

الإقامة في اللامعقول: مختارات من شعر محمد ديب
السبت 2020/08/01
غرافيكس "الجديد"

ترجمة وتقديم: حكيم ميلود

يقارب العالم بالدهشة، يختبر الأشياء بالنظر، تتحوّل عنده المرئيات باختلاف المنظور والزاوية، وكل ذلك يتم بألق موشور يُعَدِّد أقواس قزح، ويمنح في كل خطفة ابتهاجا للبصيرة. يحوّل اللامرئي إلى مرئي، ويلتقط عبر ثراء التفاصيل الهشاشة التي تقيم في كل صنيع إنساني. شعره بصري بامتياز، يعتمد على الحواس، ويذهب في عملية تشويش خلاقة لها.

يقيم الشعر عند محمد ديب دوما في اللامقول، أو فيما يُعَلّق القول في الرّجّة التي تبقى توتُّرًا يصارع اللغة ليجعلها تقول عنفها الصامت، وابتعادها عن محاكاة الأشياء إلى إعادة خلقها، ومن وظيفتها الاتصالية والنفعية لتقول تشظيها، والتباس الدلالات التي لا تحيل إلى معنى أو مفهوم ولكن تحفر في الفراغ أخاديد تنتصر لمتعة التعليق والإرجاء، ولتأجيل المعنى في انتظارٍ يُشيعُ العبارة الخرساء، ويبقي للحبسة سطوتها التي تجدد لعثمات أبراج بابل، وحيرة التسمية التي تتعثر كلّما حاول الشاعر بعث الجمرة من رماد الرتابة والتشابه لاكتشاف علاقات جديدة للكلمات والأشياء.

لا معنى للأجناس الأدبية في كتابة محمد ديب التي تنتصر لشعرية تتعدّد تمظهراتها وسجلاّتها التعبيرية، لتبقى سؤالا.

في نصوصه السردية أو تأملاته تحضر الكثافة التي تحوّل كل قول إلى شعر، وكلّ علامة إلى أثر.. نص محمد ديب يدور على نفسه بحبور التكرار الذي لا يعيد نفسه، ولكن يغيّر أقنعته وشخوصه، وحالاته وأحواله ليبقى نبعا يكلّم نفسه، ويتدفق من عتمة تحتاج لكشف كي يشرق نور الكلمة التي تخلق الكائن والكينونة. هذا النبع يجود بمائه الذي يتحول وينساب ليسقي أرض القصيدة وشعابها دون وصول أو يقين.. القلق والحيرة وعدم الاستسلام للسهولة، والمثابرة في المحاولة بالخوف نفسه، والإخلاص الناسك لمسلكية زاهدة، والذهاب في الوحشة حدّ الفقدان، والضياع في تجربة الجنون والتقمص والتحوّل، واختبار اللغة في شاردها المعجمي ودلالاتها النادرة، وموسيقاها التي لا تمنح إيقاعها المتميز لغير الذي ينصت بصفاء لهدير يختفي في الطبقات العميقة لأرض صخرية، قد تفاجئ الرحال بواحة وعين ماء.. هذه هي مسالك الكتابة التي تسحب الشاعر إلى أدغالها.

الشعر عند محمد ديب لعب خطير أيضا، قوته تكمن في مجّانيته وعفويته، وفي قدرة الشاعر على العبور بين ما هو خارج منفلتٌ، وما هو جوّاني حميميّ. منذ مجموعته الأولى "الظل الحارس" 1961 التي أكّدت حضوره شاعرا، وسبقت رواياته، حتى نصوصه الأخيرة، مرورا بـ "صياغات" 1970، "إيروس شامل الحضور" 1975، "نارٌ، نار جميلة" 1979، "يا يحياء" 1987، "فجر إسماعيل"1996، "طفل الجاز" 1998، "القلب الجزيري" 2000، "ل.أ تْريب" 2003... والأعمال الشعرية الكاملة، اختبر الشاعر كل التحولات، وغامر في تنويعات لغوية وتشكيلية وأسلوبية، تمتدّ من قصائد البدايات التي كانت نشيدا ملحميا يجمع بين الهمّ الفردي وطموحات شعب ثائر على استعمار بشع. لكن لم يكتب محمد ديب قصيدة ملتزمة بالمفهوم السياسي المدرسي، كان دائما ينتصر للرؤية الشخصية، وللحدس الداخلي، الذي ينحاز للإنسان. لهذا يحضر الرمز، ومرارات المنفى والغربة، والاغتراب الوجودي، ليؤكّد أنّ الشاعر يسكن العالم بالسؤال، ويقيم في التخوم التي تشرف دائما على المجهول.. يوغل محمد ديب بعد ذلك في تجربة ترصد مسار الذات في رحلتها الملتبسة بالوجود والغامضة والمتوحّدة بفيوض التاريخ، وعذابات المغامرة الأنطولوجية، أين يحضر الجسد في أبعاده الإيروسية، وتماسه مع أشياء الوجود وكائناته، حيث يبقى للعناصر وللشمس والبحر، وللمرأة والثلج والصحراء، ولامتحان الشفافية والغموض أقدارها العنيفة.

الكتابة بالجسد، التوحد بالمرأة وتأنيث العالم، النشيد الملحمي المتراوح بين الإيجاز المعجز، والانسياب الدقيق والاختيارات الجمالية التي خبرت كل مسارات القصيدة من السوريالية إلى العجائبية، ومن المعلقة الجاهلية المهجوسة بالوقوف على الأطلال إلى قصائد الحداثة الجديدة،  ومن البنية الخطية إلى البنية المتشظّية، ومن البساطة الآسرة إلى الهرمسية المغلقة، ومن التناص الذكي مع النصوص المقدسة، وشذرات المتصوفة في كل الديانات، وأفكار الفلاسفة، والأمثال والألغاز الشعبية.. سجلات لكتابة شعرية تمتحن الأشكال وتدمّرها، تجرّب باستمرار مسارات اللغة، وخفايا ما يكمن من ثقافة تشتغل بصمت في طيّات عبارة تتراوح بين لغة عربية (دارجة) محَمّلة بشعريات شعبية، وفرنسية لاتينية مطعّمة بإرث ثقافي غربي متنوع، هنا يتجلى ثراء التعابير الحيّة المأخوذة من شفاه شعب بغناها المتراكم عبر التاريخ، لتشكّل خزان ذاكرة سحيقة استمرّ عملها الصامت وخضعت لتحوّلات متدفّقة في مصهر الشاعر. ألمْ يشبه محمد ديب عمل الشاعر بالبركان الذي ينفجر بين الفينة والأخرى مخرجا الماغما التي نضجت في نار الأعماق وخرجت بعنف لتبدع تشكيلات تعيد بناء التضاريس وتخلق العالم من جديد

في كلّ هذا تبقى عين الطفل ودهشته وبراءته هي ما يميز مسعى محمد ديب الجمالي والشعري. أليس الشعر هو البراءة الأولى. هذا ما تعلّمه لنا قصيدة الشاعر محمد ديب، خاصة في نصوصه الأخيرة التي وصلت إلى كثافة محيّرة، وإيجاز معجز قريب من الهايكو، يكتفي بالتلميح دون التصريح، وينفتح على الصمت الذي يبقى المآل الأخير لمن عبر كطائر الكوندور بهدوء التحليق المجازف، ونظرة الطائر المحدقة في الزرقة والامتداد.. يبقى شعر محمد ديب مفتوحا للقراءة والتأويل.. ونحن نقدم هنا بعض القصائد من مجموعات مختلفة كعيّنات عن تجربة لا يمكن اختصارها أو تلخيصها.

*كاتب ومترجم من الجزائر

المختارات

الظِّل الحارس

OMBRE GARDIENNE

الظِّلُّ الحارس (1)

أغْلِقْنَ الأبْواب

أيّتُها النّسَاءُ، النُّعَاسُ المُرُّ          

سَيَغْمُرُ أعْصَابَكُنّ،

الماءُ، والرَّمْلُ ذَوَّبَا

أثَرَ خُطَاكُنّ،          

فلاشَيْءَ تَمْلِكْنَهُ.

بعيدةٌ هي الالتِمَاعَاتُ

القليلةُ للنّجُوم

وكثيفةٌ هي الأراضي المُجَاوِرةُ،

البيوتُ سوداءُ

تَأْوِي رَاحَتكُنّ.

أغْلِقْنَ الأبْواب

أنا الحارسةُ

لا شَيْءَ تَمْلِكْنَهُ.

الظِّلُّ الحارس (2)

لكن سأغنّي لِبُرْهَةٍ

حَتَّى لا يَشُوبَ العناءُ

أبَدًا نَوْمَكُنَّ؛

سَلاَمٌ عَلَيْكُنَّ، أيَّتُها الأمّهات، والزّوجَاتُ،

سيكون الطّاغيةُ مَصّاصُ الدّماءِ

غبارًا في سِلاَلِكُنَّ.

أَسِيرُ في الجَبل

حيث يَنْشُرُ الربيع

الذي يأتي أعْشابًا عَطِرَةً؛

أنْتُنَّ جَمِيعًا الَّلوَاتي يَسْمَعْنَني،

عِنْدَمَا يَليِنُ الفَجْرُ

سآتي لأغْسِلَ عَتَبَاتِكُنَّ.

الظِّلُّ الحارس (3)

لا تَتَسَاءَلْنَ

إذا ما  كانت الرّيحُ الّتي تَزْحَفُ

فوق الذُّرَى

تُشْعلُ النّارَ في البَيْت؛

هلْ كانت نارَ بهجة،

هلْ كانت نارَ فقراء

أو علامَةَ رَاصِدٍ.

أيّتها النِّسَاءُ المُدْهِشَاتُ

الغارقاتُ في اللَّيْلِ

اللَّواتي يُغْلقِن أبُوابهنّ، أُحْلُمْنَ.

أَسير، أسير:

الكلماتُ التّي أحْمِلُ

على اللسَان

هي خَبرٌ غرِيبٌ.

 

"صياغات"

FORMULAIRES

مَسَارُ البَرْدِ

أسْكِتِي مَا لا يَتَجَرَّأُ الجَلِيدُ على قَوْلِهِ

مُحَاطَةً بِهَالَةِ السَّوادِ المُتَرَدِّدِ

والمُنْبَعِثِ لِأَنَّكِ أَخْرَسْتِهِ.

كَيْ يُحَرِّكَ الصَّخْرُ على عُرْيِكِ

بُرُودَتَهُ الّتي بِلاَ وَجْهٍ

ويَرْفَعَ بَابًا لا يُحِسُّ.

                                                         

سَديمًا لا يُحِسُّ                                  

في السّاعَةِ المَهْزُومَةِ حَيْثُ

تُصْبِحُ عَيْنُكِ المُزْرَقَّةُ بعدَ

أنْ تُعيدَ سَلاَمَ الغَرَقِ

النَّجْمَةَ الّتي تُضيءُ الهَدْأَةَ.

مَنْ يَسْهَرُ

خَمِّنْ أيْنَ أُقِيمُ؟

أَفِي مَوْتٍ مُتَشَظٍّ؟

أَفِي نَهَارٍ مِنَ الأوْرَاقِ؟

أَمَخْتُومًا حَتَّى القَلْبِ

مَحْفُورًا في الخَارِجِ

أقَلَّ صَمْتًا لَكِنْ أكْثَرَ مَوْتًا؟

أفِي رَيْبَةِ ذَاكِرَةٍ

جامِدًا في اليَنَابِيعِ

أوْ لَقْلَقًا مَنْثُورًا في الصَّيْفِ؟

وحدةٌ نائِمَةٌ

الطَّاوِلَةُ أُلْفَةُ الخُبْزِ

العِبَارَةُ المُقْتَرِبَةُ لِلْأَشْيَاءِ

الانْصِرَافُ الهَادِئُ لِلنَّهَارِ

والحُبُّ المُرَصَّعُ في مَلاَطٍ مِنَ نارٍ

مُتَوَسِّمًا الصَّبْرَ

لُغْزُ هذا الهُدُوء المُتَطَاوِلِ

فَجْرُ ضَرَاوَةٍ بَيْضَاء

التَحَبُّبُ المَجْنُونُ لِبَطْنِكِ

وجَزَّةٌ تُقَلِّبُ الأعْضَاءَ

في عُذُوبَتِهَا الكَثِيفَةِ

المَوْجَةُ الرَّاضِيَةُ لِلْمَوْتِ.

الموْضِعُ الشّرِسُ  لِلجُوعِ

الأصْوَاتُ عَارِيَةٌ بَيْنَما

تَتَشَابَكُ الأيْدِي

في سَاعَةٍ مُهْمَلَةٍ.

مَوْضِعٌ شَرِسٌ لِلجُوعِ

يَصِلُ الحَلِيبُ إلى الطَّاوِلَةِ

معَ كارِثَةِ أنْ نَرْتَجِفَ

ومُغَامَرَةِ أنْ نَمُوتَ.

عُذُوبَةٌ مُطَارَدَةٌ

بِسُرْعَةٍ أكْبَرَ

هَذَا القَلْبُ المَخْتُومُ على عَجَلَةِ اللاَّمُبَالاةِ.

 بِسُرْعَةٍ أكْبَرَ

تَحْمِلُهُ هذِهِ المِيَاهُ الهادِئَةُ لِسَاعَةٍ شَمْسِيَّةٍ.

بِسُرْعَةٍ أكْبَرَ

تَبْذُرُهُ هذه الضِّفَافُ طَمْيًا مُتَجِدِّدًا.

بِسُرْعَةٍ أكْبَرَ

عَوْدَتُهُ سَاخِنًا إلى النَّبْعِ الخَصِيبِ.

 

إيروس شاملُ الحضور

OMNEROS

إشَاعَةُ الحرارةِ

مُرْتَجِلاً نَصْرًا

ومُغْلِقًا علَيْهِ بَيْنَ وِرْكَيْنِ

كَيْ يُعْتِمَ ثُمَّ يَخْرَسَ.

سَاحِبًا أَكْثَرَ مِنْ قَلْبِ تَصَدُّعَاتِهِ 

ومِنْ فَمٍ بِلاَ مادَّةٍ

جَلَبَةً فارِغَةً لِلْبَحْرِ.

بِالكَادِ يَتَمرْأى خَادِعًا

الحَصَادَ المَشْدُودَ على النَّهْدِ

العيدَ الهاربَ إلى الدَّاخِلِ.

بِالكَادِ يَتَمَرْأى واصِلاً

إلى شَمْسِ الباهِرَةِ اللاَّمُتأثِّرَةِ

والبابِ المُحَطَّمَة على الجحيم.

إشاعَةُ الرّغْبة

تَعُودِينَ إلى صِيَاحِ الأصْوَاتِ في المَزَادِ

تَفْتَحينَ دَرْبًا مُغْبَرًّا

تُؤَسِّسينَ العِصْيَانَ.

أيُّتُها الحرْبُ الّتي تَفْجُرُ وتَنْزُبُ

تَصْرُخِينَ خُرافات الصّيْفِ هذهِ

وأكْوَامَ التّبْنِ فوق أكْداس الحصيدِ.

لكنْ بيْنَ نَهْدَيْكِ الوحيدَيْنِ ويَدَيْكِ

ورَهْطِ كِلابِكِ الوحيدةِ  لِصَيْدِ البراءَةِ

وأدْغَالِكِ الوحيدةِ الّتي لَوَّنَتْها الأبْواقُ بِالشُّقْرَةِ.

تَقْبَلِينَ هذه الصَّاعِقَةَ الرَّشِيقَةَ

والانْسِجامَ الأصَمَّ للطّحالبِ

والمياهِ لِتَحْتَفِظِي مِنْها بِأَثَرٍ.

إشاعَةُ العتَمة

هذا الماءُ أوْ هذه الظُّلُمات

هذا الشّيْءُ المُشْتَرَكُ

الّذي تَبْنيهِ فوق الخرابِ.

الأثَرُ المُطَحْلَبُ الّذي يَرْوي ظَمَأَهَا

قَلقٌ بيْنَ سُهَادَاتٍ مَجْهُولَةٍ

العلامَةُ الّتي أورَثْتُها للهواءِ.

ولمْ تُمَسَّ أبدًا مِنْ قَرِيبٍ

اللَّعِبُ لِخِداعِ الانْتِظارِ

أكْثَرُ قَسْوَةً مِنَ القِيَامِ بِالحَرْبِ.

الوَسَاطَةُ الّتي تَمْحُو فيما بَعْدُ

الصَّدَأَ الحَوافَّ القصِيَّةَ

حَيْثُ تَنَامُ الآلامُ.

سُيُولَةُ المرأة

المَرْأةُ الّتي تَتَقَدَّمُ

عِنْدَما يَتَراجعُ البَحْرُ

البَحْرُ الكاذِبُ.

مُقَدَّرًا

مُسْتَوِيًا في الأُفُقِ

مَنْشُورًا.

البَحْرُ الّذي يَتَقَدَّمُ

بِمَدَدٍ كبيرٍ مِنَ النّهارِ

عندما تَتَراجعُ المرْأةُ.

مَوْضِعُ المرأة

حيْثُ يُكَدِّرُهَا جُنُوحٌ

يُهَيِّجُ جَوْقَةَ عصافير مُرَّةٍ

تجُوبُ الحُمّى والتَّهْوِيَةَ.

حيْثُ تَرْبِطُها شَكْوى تَفْتَحُ

الطّريقَ لِلمِياه الضَّحْلَةِ لِمَوْتِها

وِفْقًا لِتَقَدُّمِ الشُّغُورِ.

وما هو حُرّيّةُ ضياءٍ هنا

دون اخْتِراقِ مَعْبَرٍ ولا ذاكرَةٍ

يُحْدِثُ هناكَ ضَجيجَ مينوتورٍ.

 

من مجموعة فَجْر إِسمَاِعِيل

L’AUBE ISMAEL

حَمدُ الآلاءِ

الراقصةُ الزَّرقاءُ

لا مستْنِي سنُونُوةٌ

فاعتقدتُ أنهَا فِكرَةٌ

جاءتْ تزورُنِي.

ليسَ هناكَ في الأعلَى سوى

غيمَةٍ مُتوحِدّةٍ؛

يسقطُ منهَا ظلّ.

وكلُّ هذَا الصمْتِ،

أيُّ صمت! حادٍّ جِدًا!

على الأرض، أسمعُ.

لكنَّ الظلَّ الآنَ

ستحملُهُ الغيمة. عشرةَ

بحارٍ سَيَعْبُرَانِ.

سقفَ بئرٍ

تَسْقُطُ علَى نَفْسها

أبقى، كذاكرَةٍ

أبقى وظلٌّ

جاء لزيارتي، ظلُّ

ابني أينَ هُو؟

يا غيْمتِي، يا عُصفُورِي

أنظرْ كيف أنَّك بتحْلِيقَةٍ واحدةٍ

سرقتَ مني كلَّ شيءٍ.

تأجَّجِي أيّتُها الشُّعلةُ الصغيرةُ،

نحوكِ، أجري

وحتى الإلهِ سأذهبُ.

يا تَدَرُّجَ نُورٍ وظَلَّ شرًّ

يسمع ويتذكّرُ:

خطوةً خطوةً، أرشْدِني.

أجْعلُ من نفسي مَجْثَمًا

للعصافير: تَأتِي

من الشّمال كَمَا من الجنُوبِ

من الغرب كما من الشرق

ورفيفَ أجنحةٍ أنَا

ولستُ إلاَّ ألوانَا،

وعيداً، ولا أحيَا

إلا بالصُّراخِ.

أرْقُصْ،

فأنا لا أرقصُ إلاَّ لَكَ،

يَا الطَّفلُ ذو رائِحَةِ الّتّينِ.

الرّقصَةُ.

تنبثقُ من نهديَّ،

تنبثقُ من يديَّ،

تنبثقُ من عروقِي،

تنبثقُ من عيونِي.

ما هو أحمرُ محْمَرٌّ (1)

ملسوعٌ من أمّه

لِم أستطع إمساكَه،                                       

ما هو رأس أفعى                                         

لا يلسعُ،                                                  

ما هوَ رحى فوق رحى لا يَطحنُ.

ما تحمِلُه الريح.                                             

ماهو شَيخٌ أشيب                                                        

يتألم عندما العنْدلِيبُ                                      

هو، يمُوتُ مُغنيًا.                                          

- (1) ملاحظة: هذه المقاطع تعّبرّ عن أمثال شعبيةّ من منطقة تلمسان- المترجم -

حْمَرْ حمَّاير في السمْا  َيطَاير

جِيتْ نَنْقبو نقْبَتْنِي يَمَّاه

والحَيّة فوق الحَيّة

والحَيّة ما تَطْحَنْش

وراَسهْا راَس اللّفْعَة

ومَا تُقْرَصْشِ.

ما هَو حمَامَةُ

تأتي فِي الليِل، وتتحوَّلُ

إلى غراَب تحتَ القَمرِ،

ألاَ يكُون الماضي

مُجرَّدَ بَلَدٍ آخر؟

يا وَجْهًا من الجمْرِ

أين يحتَرِق كلُّ شيء

إذا اقترب كثيرا

ما الذي وجدَهُ إذنْ

أولئك الذين فقدوكَ؟

والنَشيدُ الوَحيدُ يَرتَعشُ،

والقناعُ تحتَ الوَجْهِ:

لنْ تُضَيِّعَ إلاَّ ذَلكَ.

ثابتةً، الراقصةُ زرقَاءُ،

ثم شيئًا فشيئًا واضحةٌ

ثم شيئًا فشيئًا زرقاءُ،

وليس صُدفةً،

أن يَسْتعِيدَ ورْكَاهَا

مكانَهُمَا في كُلِّ خطوةٍ،

ثَابِتَينِ قبلَ كلِّ خطوةٍ.

اليدانِ ورقتَانِ ممدُوتَانِ

فوق لهبٍ غَيْر مرئيٍّ.

هَناك حكايةٌ ما تُرْوى

منذ الآن، البحرُ هناك مهروقٌ

وليس هُناك إلاّ النارَ المنتشرةَ.

ما يتقَدَّمُ هُناكَ،

هاَجِرْ دائمًا مُتَمَرَّدَةً

 تُضاعِفُ الحركةَ

هاَجِرْ دائمًا مُتَمَرَّدَةً

الرقصَةُ وقدْ تحولتْ بحراً.

من سيُبْعدُها

من سيطرُدُها

المُعْتِمَةُ، المتألِّقَةُ؟

 

طفل الجاز

.

L'ENFANT JAZZ

النّسيان

كانَ هناكَ طاوِلَةٌ

كانَ هناكَ كَراسٍ

ونَسيَ ماذا.

يُمْسِكُ نَفَسَهُ.

كانَ هناكَ بَنْدولٌ.

كانَ هناكَ بُوفِيه.

كان هناك نافذةٌ.

تمُرُّ الطّيورُ مِنْها.

رفعَ عيْنَيْهِ.

رآهَا تَمُرُّ.

هذا

هذا لم يكنْ يَفْعَلُ شَيْئًا.

سِوَى النَّوْمِ في الزَّوَايَا.

كانَ يشْكُو

ولا يَعْرِفُ إلاَّ النّومَ.

البندولُ الّذي يُهَدْهِدُ.

لا يَعْرِفُ شَيْئًا آخَرَ.

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلاَّ هَذَا. هَذا

وهُوَ فقط، وأُمَّهُ.

كانَ لِلنَّهَارِ أنْ يَشِّعَّ

أوْ لِلمِصْبَاحِ أنْ يَسْهَرَ، ويُضيءَ.

سِوَى النَّوْمِ، لم يَكُنْ يَعْرِفُ

فِعْلَ شَيْءٍ إلاَّ هَذَا، لا شَيْءَ آخَرَ.

البندُولُ يَتَكَلَّمُ. إليكَ

ونحنُ أيْضًا، أحيَانًا.

هذا لم يكن يعرفُ إلاَّ النّوْمَ.

هذا لم يَكُنْ يَسْتَيْقِظُ.

الحديقة

الحديقةُ تنامُ سوداءَ

وأحْيانًا تتَأَوَّهُ.

لم يكنْ إلاَّ ضجِيجًا

أسْوَدَ في العَتْمَةِ.

والبيتُ نَفْسُهُ

قُرْبَانٌ لِلَّيْلِ.

تَعَلُّقٌ أسْوَدٌ.

مع ذلكَ كانَ هناكَ و مَنْ يَمْضي. يَتَوَقَّفُ.

ويذْهَبُ مِنْ جديدٍ دونَ ضَجِيج

يَتَوَقَّفُ مِنْ جديدٍ، يُصْغِي.

مُنْحَنِيًا على الأشْجَار،

على البيْتِ، اللَّيْلُ

لَمْ يَنْبُسْ بِكَلِمَةٍ

لكنّه كانَ يَحْمي بِلا ريْبٍ.

شيءٌ ما جاءَ مِنْ بَعِيدٍ

وكَانَ أسْوَدَ يَسْعَى

أنْ يَتَوَقَّفَ، وأنْ يَرَى

العَالمَ بِيَدَيْهِ.

                 

الشَّجرة

الشّجرةُ تنْتَظِر.

ثُمَّ حلَّ الظلامُ.

بَقِيَتْ هناكَ.

الطِّفْلُ يَنْظُرُ إليها.

قالَ إنّه اللّيْلُ

ومعنى ذلكَ أنْ يَدْخُلَ.

تَعَشَّيْنا، سَهِرْنَا.

والشَّجرَةُ؟ قالَ

تساءلَ الطِّفْلُ

تحت ضوء المِصْباحِ.

الطّفْلُ الّذي جاءتْ

الشجرةُ لِتُغْمِضَ جَفْنيهِ.

الصّحراء

على قدمٍ واحدةٍ

كان يسْتطيع النّوْمَ.

الطّائرُ مَرَّ  عالِيًا.

صحراءُ.. كلُّ الصحراء.

أحدٌ اسْتَيْقَظَ.

بَدَّلَ القدم.

ظلالُهُم تفارقُهم

جميعًا بِصَمتٍ.

كُلُّها انْسَحبَتْ بِسُرْعَةٍ.

كُلُّها غادَرَتْ.

هم كانوا ينامون على قدمٍ.

الطّائر الجارحُ مَرَّ من جديدٍ.

 

من مجموعة "القلب الجزيريّ "

LE CŒUR INSULAIRE

صرخاتٌ مكتوبةٌ

على البحْرِ

مَحَارقُ النّهارِ

أَكْثَرَ مِنْ مُشْتَعِلَةٍ.

لكنَّ البتْرِلاَّتِ

تضَعُ طُرُقًا أَقَلَّ

لِتَشْتَعِلَ.

ووقْتًا أقَلَّ

لِتَلِدَ صرخاتُها

النّظْرَةَ العموديَّةَ.

بِلاَزَوَرْدٍ أقَلَّ

صرخاتٌ، حريقٌ، مِقْلاعٌ

لِتَغْطِيَةِ الأفُق.

امرأةٌ في الأبْعَدِ

يَدَانِ

أقْرَبَ ما تكونانِ.

تأتي المُتَقَصِّيَةُ

مع صَرْخَتِهَا.

ذاَكِرَةٌ

في الأمَامِ.

الضَّوْءُ

بِوَجْهِهِ العاري.

رُزْنامَاتُ أغُسْطُسْ

مقْلُوبَةٌ.

جزيرةٌ خفيفةٌ

العَيْنُ مُلَوَّنَةٌ بِاليَشْبِ حَيْثُ

القلْبُ يُلَيِّلُ.

ولا بَحْرَ

يَصْطَخِبُ، ويَجُولُ.

الهواءُ أرجوانيٌّ

تَحُفُّهُ الشُّعَلُ.

الماءُ البَاطِلُ

على ألْفِ قَدَمٍ.

الجناحُ الّذي يستطيعُ

الجناحُ الّذي يطيرُ.

وتَطْوي الرِّيحُ

على الأرْضِ الرّيحَ.

بِسَبَبِ فُقْدان

صَدَفَةٌ فارِغَةٌ

عندما تعْلو الموجةُ.

عندما تحْمِلُ

إلى هناكَ نِسْيَانًا مَا.

لكنِ بِخُفُوتٍ أكْبَرَ

تعرِفُ أيَّةَ جَلَبَةٍ.

العاشِقَةُ

في انْحِدارِ الورْكَيْنِ.

أيَّةُ مَوْجَةٍ

ضروريَّةٍ تحت يدِها.

هي نَفْسُهَا النّاِئِمَةُ

سحيقةُ العُمْقِ، وخرْسَاءُ.

غريبةٌ هناك

بَاهِرَةُ ِالنُّورِ

لا تَطَالُهَا الرَّيْبَةُ.

الغريبةُ هُناكَ

ماءٌ وجناحُهُ.

ألَمٌ لا يطولُ

ألَمٌ مِنْ لا شيْء.

الشّيْءُ نفْسُهُ بِالأحْمَرِ

مِنْ أجْلِ عَتَمَاتِهَا

المَجْنُونَةُ المُتْعَبَةُ.

أيْضًا العَيْنُ

أيْضًا الرُّطُوبَةُ.

مِنْ أجْلِ فَحْمِهَا

الشّمْسُ المُتَجَذِّرَةُ.

أيْضًا الانْتِظَارُ

أيْضًا العيْنُ.

ثلْجٌ نقِيٌّ

لقَدْ حَلُمْتَ

أنت الحرُّ

وسريعُ الزّوالِ.

حَلُمْتَ

بِصَيْفٍ أبْيضَ

وخطيرٍ.

وبِسِنْدِيَانَةٍ

تُحْرِقُ أوْرَاقَهَا

وتسير فيكَ.

 

L. A. TRIP

هذه الأشياءُ الأمريكيّةُ

الأشْياءُ فتَحَتْ

مِنْ نَفْسِهَا العيُونَ.

تأثَّرَ صَامِتًا

مِنْ صَمْتِها. هُوَ،

يَمُوتُ رغْبَةً فيها.

هذه الأشْياءُ الحاضِرَةُ.

هو مَنْ كانَ غرِيبًا عنها،

يَدُورُ حَوْلَها. لا،

لا شَجَنَ. صامِتًا.

ثُمَّ مِنْ مجهُولينَ

صارتْ قرِيبَةً

مِنْ أجل رغبته في العيشِ هنا.

تأثَّرَ صَامِتًا.

مدينة لامَرْئِيَّةٌ

خُطْوَةٌ. كلُّ شَيْءٍ أبْيَضَ

وخُطْوَةٌ، كلُّ شيءٍ أسْود.

L. A. Invisible city

غَطْسَةٌ بيْضاء، غيْبُوبَةٌ

فيما يَخْفِقُ بِالجَناحِ

الأسود ويَخْرَسُ ويُكَلِّمُ نَفْسَهُ.

لكنَّ الهواءَ الضَّجِرَ

هو الغدُ قبلَ الأوانِ. إنّه

المحيطُ المضْبُوطُ جيِّدًا.

البعيدُ الّذي يَخْفِقُ

بِالجناحِ، يَخْفِقُ

بعيدًا عن الجناحِ

Invisible city

لم يعد إليها

المُسَافِرونَ.

الذّئْبُ

كان باسْتِطاعتي أن ألْبَسَ على المُوضَا.

مُسْقِطَةً الأسْمالَ القَديمَةَ.

جميلةٌ هي الموضا.

لا تبقى فقط مُقْتَصِرًا

على تَحْرِيكِ هذا الجلْدِ العَجُوزِ؟  

بالنّسْبَةِ لِحامِلِي الأسْمال

مُؤْلِمَةٌ هي الشّمسُ هنا.

ذِئْبٌ قُتِلَ

في "ألاسْكا".

بِما أنّنا نحمل الاسْم نفسَهُ

هل كان يَنْتظِرُ كلِمَةً مِنِّي؟

أنا اللاّبس على الموضا؟

المحيط الهادي

غيرَ مُبْصِرٍ، يجلِسُ

ولا ينظر لشيء.

طفْلٌ صغيرٌ أسود

على ضفّة المحيط الهادي

وكان يرى، وهو

جالِسٌ الماءَ النّائمَ.

دائِمًا خطَّ الظّلِّ

المتجمِّدِ هذا الّذي يجري

بين الهنا والهناكَ.

الشّمسُ مِنْ فوق

حمَلَتْ عالِيًا هالتَها.

ولوْ أنَّ "لوكيد" ذهبَ

يَتَذَكَّرُ ولَوْ؟

الطّفل الأسود

غيْرَ مرْتابٍ

أو غيْرَ مُصَدِّقٍ كثيرًا

كانَ يَفْتَحُ عَيْنًا مُعْتِمَةً.

كان يَنْظُرُ، جالِسًا.

هنالِكَ، مُحاوِلاً أن يرى.

كانَ يَمُدُّ العنُقَ.

هنالِكَ النّهارُ ساطِعٌ

كانَ يُشْبِهُنِي أكْثَرَ

في شَكْلِ طِفْلٍ.

ما الّذي يمْكِنُ قولُهُ؟ لا شيءَ

يأْتي لا أجْعَلُهُ

دائِمًا غيرَ مُحْتَمَلٍ.

المرآة

كانَ جَالِسًا هُناكَ

أكْثَرَ وِحْدَةً مِنْ كُرْسيٍّ

في الظَّلامِ.

أو وحِيدًا أكْثَرَ.

ما العملُ هناكَ؟

كانَ الأمْرُ مُعَقَّدًا

الشّوارعُ الّتي

نَسَيْتَها. ثُمَّ هذه الأشْياءُ

ناقِصَةٌ واحِدَةً: المرآة.

هذه الأشياءُ التي تُعْطيها بِظَهْرِك

وهي في مَرْمَى نَظَرِك.

مختارات من قصائد غير منشورة

الصِّينِيَّةُ

في الصِّينِ حتَّى الأطْفَالُ

يَعْرِفُونَ التكَلُّمَ بالصِّينِيَّةِ.

إذنْ ماذا أفْعَلُ هُنا؟

سآخُذُ لِلذَّهابِ هناكَ

على الأقلِّ طريقَ الحَرِيرِ.

على الأقَلِّ سَأَرى كيفَ

يَصْنَعُونَ أبْياتَهُمْ، وهذا الحريرَ.

دونَ أنْ أكُونَ صِينِيَّةً يا إلهي، طَيِّبْ

نَحْنُ لَنا حَرِيرُنا، لكنْ كيْ نَتَكَلَّمَ

بِالصِّينِيَّةِ، لا نتكلَّمُ الصِّينِيَّةَ.

بِالفِعْلِ، لكنْ سَأَذْهَبُ إلى هناكَ.

وسَآخُذُ عُيُونَهُمْ.

إنَّهُمْ جَمِيلُونَ، الصِّينِيُّونَ الصِّغارَ

بِعُيُونِهِمْ. والصِّينِيَّاتِ

صَغِيراتٍ أو كبِيرَاتٍ، لا تُكَلِّمُونِي عَنْهُمْ

ليْسَ هناكَ أجْمَلَ مِنْهُنَّ.

بَيْنَ أرْبَعةِ أشْخاصٍ في العالمِ

واحدٌ هو صِينِيٌّ. وفي بيْتِنا

نَحْنُ أرْبَعَةٌ، هذا جَيِّدٌ.

هل أكونُ صِينِيَّةَ العائِلَةِ؟

حَقِّقْ لي هذا يا إلهي.

الثّلْجُ

الثّلْجُ يَنْتَظِرُ شَيْئًا ما

نحنُ خلْفَ الزُّجاج المُضَاعَفِ لِنَوافِذِنا

وإذا كانَ ما يَنْتَظِرُهُ لا يَأْتي؟

هل يجبُ أنْ نَذْهَبَ نَحْنُ لِلْبَحْثِ عنهُ؟

إنَّهُ بَعِيدٌ، أكْثَرُ مِنْ بَعيدٍ رُبَّما.

إنَّهُ صَبُورٌ، الثَّلْجُ.

إذَنْ خلْفَ الزُّجاج المُضَاعَفِ لِنَوافِذِنا،

تَقُولُ البِنْتُ، ننْتَظِرُ أيْضًا.

رُبَّما سَيَأْتي هذا

وسَنَعْرِفُ ما هُوَ. لكِنْ كَيْفَ

إذا لم يكُنْ سَيَراهُ سوى الثَّلْج،

كيفَ سَنَعْرِفُ ما هُوَ؟

نَحْنُ نَنْتَظِرُ. الثّلْجُ أيْضًا في الخارجِ.

وَحْشٌ

كانتْ تَخْمِشُ في القَبْوِ.

وها هي: المخالبُ تَصْعَدُ

الأدْراجَ دَرْجةً دَرْجَةً.

ستَصِلُ إلى المَثْوَى

وسيكونونَ هناكَ جمِيعًا، في المَثْوى.

وكلُّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِقُوَّةٍ أكْبَرَ.

هي : لِمن هذه المخالبُ؟

تقول الصبِيَّةُ. أَلِحَيَوانٍ؟

وبِقُوَّةٍ أكْبَرَ يَتَكَلَّمُونَ.

لمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا.

وهي، مَنْ سَمِعَتْهُ؟

والمخالِبُ، تَصْعَدُ.

ولَوْ كانَ وَحْشًا ودِيعًا؟

لَوْ ضَمَّنِي إلى قَلْبِهِ؟

هلْ سَيَأْخُذُني مَعَهُ؟ قالتْ.

سَيَسْتَمِرُّونَ، سَيَتَكَلَّمُونَ.

لَنْ يَسْمَعُوا شَيْئًا.

لا شَيْءَ رَأَوْهُ هُمْ. قالتْ البِنْتُ.

***

لَقَدْ مَرَّتْ

رَطَّبَتِ الهواءَ،

النّهارُ يَتَنَفَّسُ

نَرَى الأشْجارَ

قُرْبَ الضِّياءِ

مُنْتَصِبَةً في الأفُقِ.

وهي الّتي تَرْكُضُ

طَيْفًا أسْوَدَ

مِنْ واحِدَةٍ إلى الأخرَى.

سَأبْقَى قالت البِنْتُ

لِكَيْ أرى هذا

ولا أنْسَى أبَدًا.

***

هناكَ وراءَ المِرْآةِ

أعْرِفُ ماذا. وراء البابِ

أعْرِفُ ماذا. وراء الكلماتِ.

لكِنْ لا يَجِبُ أنْ يُقَالَ.

أنْ يُقَالَ ماذا، قالتِ البِنْتُ.

الجُدْرانُ هناكَ تَسْمَعُ

بآذَانِهَا الكَبيرةِ.

تَتْرُكُها تَتَجَرْجَرُ في الجِوارِ.

في كُلِّ مكانٍ. كيف نقولُ ماذا؟

لا يُمْكِنُ أنْ نَهْرَبَ منها.

إذنْ آخُذُ، قالتْ

واحِدًا مِنَ الكرَاسي، أجْلِسُ عليهِ

يَدايَ مَتَشَابِكتانِ أو ذِراعايَ مُتَقَاطِعتانِ.

يَلْزَمُ الكَثِيرُ مِنَ الصّبْرِ.

وهنالِكَ، وراءَ البَابِ.

هنالكَ وراء المِرْآةِ.

هنالِكَ وراء الكلمات.

أنْ نَذْهَبَ، تقولُ البِنْتُ.

وأنْ نَتْرُكَ كَلِماتِنَا ورَاءَنا

وأنْ نعُودَ لِنَرى الخَيْرَ

الّذي فَعَلَتْهُ. أوِ الشَّرَّ.

نعمْ الشَّرُّ أيْضًا.

رُبَّما المَوْتُ، من يدْرِي؟

وها هيَ عَيْنايَ تَدْمَعانِ،

يا إلاهي هَلْ فَعَلُوا هذا؟

إذَنْ ما العمَلْ؟

أنْ نَذْهَبَ ولا نَتْرُكَ أبَدًا

كلِماتٍ تَتَجَرْجَرُ وراءَنا؟

أوْ أنْ لا نَذْهَبَ أبدًا

وإذا كان عليَّ أنْ أبْقَى، قالتْ

ماذا سَأُصْبِحُ؟ نعمْ.

***

ها هُوَ التَجَلِّي

ومَنْ يُوجَدُ أمامَ المِرْآةِ؟

أنا، أنا مَنْ تَنْظُرُ إليها.

وتِلْكَ الّتي تنْظُرُ إلَيَّ،

تَنْظُرُ، هناكَ في المِرْآةِ،

ليْسَتْ أنا، تَصْرُخُ الفتاةُ.

وتُدِيرُ لها ظَهْرَها ثُمَّ

تَدُورُ مِنْ جديدٍ. ولا شَيْءَ.

أين ذَهَبَتْ. أنا

قالت، لَنْ أنْتَظِرَها

مغْروسَةً بِالتَّأْكيدِ هناكَ.

لا أُفَارِقُ زُجاجَ المِرْآةِ.

أنْ أنْتَظِرَها مِثْلَ حَمْقَاءَ.

وماذا يَلْزَمُ، ماذا أيْضًا؟

أُظْهِرُ قَبْضَةَ يدي لِلمِرْآةِ.

أبْقَى هناكَ مُظْهِرَةً  لها قَبْضَتي

ماذا يَلْزمُ؟ التَوَسُّلُ إليها أيضًا؟

الشَّيْءُ

بِما أنَّ الكثيرَ

مِنَ الهواءِ كان يحْتَرِقُ حَوْلَهُ

فَإنَّهُ في مَرَّةٍ ما قَدْ عَبَرَ

مُضِيئًا كالصَّباحِ

ثُمَّ لَمْ يَعْبُرْ أبَدًا مِنْ جديدٍ

لكِنَّ شَيْئًا بَقِيَ.

الشَّيْءُ لاَ يُرَى.

ضَحِكَ في صَمْتٍ. ضحِكَ.

لَمْ يَكُنْ إلاَّ ولَدًا

ضَحِكَ مِثْلَ الأوْلادِ.

أُمٌّ

أمٌّ جالِسَةٌ يدًا في يَدٍ

لا تَفْعَلُ شَيْئًا. تَظْهَرُ عليها التَّجاعِيدُ.

وهذا الفَمُ الّذي يَسْقُطُ في الدّاخِلِ.

تَجْعَلُ مِنْ عَيْنَيْها شبيهَةً "بِأغاث" الجميلة المَيِّتَة.

لا، أريدُ أنْ أرى هذا. أريدُ أنْ أرَى.

والمِصْباحُ هل يُرى مِنْ أعلى؟

صَمْتُ الواجِباتِ الّتي أقُومُ بِها

والّتي تَنْحَلُّ. والأمُّ: " كُلُّ شَيْءٍ،

الصَّغيرَةُ، تُحْسِنُ فِعْلَهُ." هاذي أنا.

قَلْبي يَقْفِزُ. إذا نِمْتُ أنا

ولَيْسَ هي الّتي تظْهَرُ تجاعِيدُها

جالِسَةً يدًا في يَدٍ؟

لكن مِنْ أيْنَ تأْتي بِهذا؟

" كُلُّ شَيْءٍ، الصَّغِيرةُ، تُحْسِنُ فِعْلَهُ."

اللّيْلُ ليْسَ سِوَى في أوَّلِهِ.

هِيَ فَقَطْ حَلَمَتْ قَائِلَةً هذا.

"الأمُّ، لَوْ تَذْهَبينَ إلى سَرِيرِكِ؟ وهي:

"أنْتِ مَنْ تَطِيحِينَ مِنَ النُّعاسِ"

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.